www.arabnc.org
   
الصفحة الرئيسة
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
المشاركون في الدورة ا
المشاركون في الدورة ا
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول المشاركين 30
جدول المشاركين 31
الأول 1990
الثاني 1991
الثالث 1992
الرابع 1993
الخامس 1994
السادس 1996
السابع 1997
الثامن 1998
التاسع 1999
العاشر 2000
الحادي عشر 2001
الثاني عشر 2002
الدورة الطارئة 2002
الرابع عشر 2003
الخامس عشر 2004
السادس عشر 2005
السابع عشر 2006
الثامن عشر 2007
التاسع عشر 2008
العشرون 2009
الواحد والعشرون 2010
الثاني والعشرون 2011
الثالث والعشرين 2012
الرابع والعشرون 2013
الخامس والعشرون 2014
السادس والعشرون 2015
السابع والعشرون 2016
الثامن والعشرون 2017
التاسع والعشرون 2018
الثلاثون 2019
الواحد والثلاثون 2022
القائمة البريدية
بحث
تصغير الخط تكبير الخط 
المقاومة كخيار إستراتيجي للأمة: البُعد السياسي 2009 ((البعد السياسي 2009))

 المؤتمر العشرون
16 – 19 نيسان/ابريل 2009                                                        
     الخرطوم – السودان


المقاومة كخيار إستراتيجي للأمة: البُعد السياسي **
د. محمد السعيد إدريس *


* عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، رئيس وحدة دراسات الخليج – رئيس وحدة دراسات الثورة المصرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية.
** لا تعبر هذه الورقة بالضرورة عن رأي الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي.
*** لا يجوز نشر هذه الورقة كلا أو جزءا إلا بموافقة تحريرية من إدارة المؤتمر.
 

المقاومة كخيار إستراتيجي للأمة
البُعد السياسي

 

المقاومة، كما تبدو فى هذه الأيام الصعبة من حياة الأمة العربية، أقرب إلى المزاج الشعبى الرافض بفطرته القبول بشرعية الاحتلال الأجنبى للأرض العربية وسيطرته على الإرادة السياسية للأمة وفرض خضوعها لمشروعه الإمبراطورى. هذا المزاج الشعبى يعبر أيضاً عن الرفض للحلول الاستسلامية المطروحة من جانب النظام الرسمى العربى فى تعامله مع التحديات التى تواجه الأمة والتى باتت تحمل اسم "السلام كخيار استراتيجى"، ورغم أن هذا المزاج الشعبى قد يفرض حالات من الرفض والاستنكار أو حتى المواجهة فى بعض الأحيان فى شكل انتفاضات شعبية، أو الانخراط فى قتال مسلح ضد الاحتلال، إلا أنه لا يوفر القاعدة الصلبة اللازمة لمواجهة كل التحديات، وهى القاعدة التى يصعب وجودها دون رؤية استراتيجية للمقاومة تتجاوز إغراء الاكتفاء بالمزاج الشعبى الرافض لكل أنواع القهر والإذلال والخضوع. وهذه الرؤية الاستراتيجية يجب أن تكون وليدة مشروع عربى للنهضة يجعل من المقاومة أداته الأساسية فى التعامل مع كل أنواع التحديات، خصوصاً وأن هذه التحديات لم تأت من فراغ ولكنها مجرد تعبير عن مشاريع متكاملة عالمية وإقليمية ومحلية.
فالضربات المتلاحقة هنا وهناك، فى فلسطين ثم الحروب التى عاشتها الأمة فى الخمسينيات والستينيات (العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، وعدوان يونيو/حزيران 1967)، وسلسلة مترابطة من المؤامرات والحروب السياسية والاقتصادية والإعلامية، ثم الحرب على لبنان واجتياحه عام 1982 ثم احتلاله، والحرب على العراق وتدميره واحتلاله، والآن الحرب على الدولة العربية لتفتيتها وإعادة تقسيمها والمجتمع العربى والنظام العربى لتفكيكه، وفرض الحروب الطائفية والعرقية والسعى لتمزيق الوحدة الوطنية لدول عربية، كلها معارك وحروب مترابطة وتعبر عن مشروع استعمارى غربى – صهيونى هدفه فرض السيطرة الكاملة على الوطن العربى والحيلولة دون وحدته ونهضته وامتلاكه مجدداً القدرة على الظهور كطرف عالمى قادر على الفعل والمشاركة فى القرار الدولى.

أولاً: حروب المشروعات
فى عام 1905 كتب نجيب عازورى فى كتابه (يقظة العرب): "هناك حادثان هامان من طبيعة واحدة، ولكنهما متعارضان، وهما يقظة الأمة العربية، والجهد اليهودى الخفى لإنشاء "إسرائيل" القديمة من جديد وعلى مقياس أوسع، إن مصير هاتين الحركتين هو الصراع المستمر إلى أن تغلب إحداهما الأخرى".
هكذا، الصراع المستمر، والصراع هو مزيج من الحروب والمقاومة والمواجهة، وامتلاك القدرات بين هذين المشروعين إلى أن يتغلب أحدهما على الآخر، بدافع من خصوصية هذا الصراع باعتباره ليس مجرد خلاف فى الرأى أو حتى فى المصالح بقدر ما هو صراع حول الوجود ذاته.
هذا الوعى المبكر الذى كشف عنه نجيب عازورى لم يأت من فراغ، ولكنه تولد من إدراك لواقع كان يتشكل منذ منتصف القرن التاسع عشر (1850) عندما ظهر مصطلح "الشرق الأدنى" الذى سبق ظهور مصطلح "الشرق الأوسط"، ليس كمجرد مصطلح سياسى أو جغرافى ولكنه كان يعكس مفاهيم محددة لمشروع استعمارى استهدف المناطق التى استوعبها وخاصة تركيا وسوريا وفلسطين ولبنان ومصر وجزيرة قبرص، وهى المناطق التى كانت تشملها أغلب أجزاء الإمبراطورية العثمانية، وظهر هذا المصطلح ليعبر عن مشروع يستهدف الاستحواذ على هذه المناطق ضمن مخطط تفكيك الإمبراطورية العثمانية.
وعلى السياق نفسه تطور مفهوم الشرق الأوسط ليعبر عن مشروع استعمارى تزامن أو توافق مع ظهور الصهيونية كحركة سياسية عالمية منظمة، ويشمل منطقة تشكل امتداداً للشرقين الأدنى والأقصى وهى أغنى المناطق فى العالم بالنفط والمعادن وتتمتع بمركز استراتيجى هام بين القارات الثلاث: أوروبا وآسيا وأفريقيا، وتشمل بلدان شبه الجزيرة العربية والعراق وإيران وأفغانستان إضافة إلى كل المشرق العربى ومصر، وهو بهذا المعنى أضاف دولاً إلى العالم العربى، واستبعد دولاً عربية، ولم يكن ذلك محض استبعاد أو ضم جغرافى ولكنه كان لصيقاً بـ "حرب الهويات" التى باتت تمثل عصب فكرة احتواء "المشروع العربى" وتفكيكه.
فبعد مرور مئة عام على مجئ الحملة الفرنسية إلى مصر والشام 1798، وتحديداً عام 1897، وفى مدينة (بازل) بسويسرا؛ انعقد المؤتمر الصهيونى الأول برئاسة ثيودور هرتزل، وكانت خيوط المؤامرة تحاك ضد الأمة العربية والإسلامية فى غفلة منها، حيث تم خلال هذا المؤتمر تحديد معالم وقسمات الحركة الصهيونية وأهدافها، وفى الوقت ذاته تم خلال المؤتمر أيضاً توثيق عرى التحالف بين المخططات اليهودية والمخططات الاستعمارية، وهو التحالف الذى أسفر عن تزاوج غير شرعى بين المشروع الغربى الاستعمارى والمشروع الصهيونى ضد الأمة العربية، وتمخض عن ولادة دولة (إسرائيل) واحتضانها بالرعاية والمساندة والتأييد حتى الآن، حيث اقتنعت الدول الاستعمارية آنذاك بضرورة إجراء تغييرات على أسلوبها الاستعمارى القائم على الغزو العسكرى الذى ثبت فشله، إلى أسلوب آخر غير تقليدى، ومن ثم فقد تبنى المشاركون فى المؤتمر وجهة نظر ثيودور هرتزل وخطته التى كانت تقوم على زرع دولة قوية وغريبة فى المنطقة العربية – وهى "إسرائيل" – حتى تصبح عضواً من أعضاء الأسرة الإقليمية، وفى الوقت ذاته تكون أداة فى يد الاستعمار، وقد خطط هرتزل لكى تقوم هذه الدولة على جثة الشعب الفلسطينى وذلك حينما نادى بإقامة "دولة لشعب بلا أرض فى أرض بلا شعب".
ومن ثم فقد التقى الفكر اليهودى مع الفكر الاستعمارى، وقد وجد الغرب ضالته فى هذا الاقتراح لأنه كان يهدف إلى إقامة دولة تكون بمثابة قاعدة سياسية واقتصادية يحقق بها مصالحه السياسية والاقتصادية، وتعمل هذه الدولة على إبقاء حالة التخلف فى العالم العربى، وتحول دون قيام دولة عربية أو إسلامية موحدة، وتفتيت العالم العربى والإسلامى إلى وحدات صغيرة، فضلاً عن خلق صور وأشكال عديدة من التناقضات والخلافات البينية داخل علاقات هذه الدول. ومنذ ذلك الحين تكاتفت القوى الاستعمارية فيما بينها – لأسباب ودوافع مختلفة – لكى تقام دولة "إسرائيل" على أنقاض الشعب الفلسطينى.
وقد تأكد هذا التكاتف فى المقررات التى صدرت عن المؤتمر الاستعمارى الذى نظمه حزب المحافظين البريطانى سراً تحت رعاية وإشراف وزير المستعمرات كامبل بنرمان عام 1905 وامتد هذا المؤتمر الذى عرف باسم "مؤتمر كامبل بنرمان"، حتى عام 1907 بمشاركة دول أوروبية عديدة هى: بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا وأسبانيا وإيطاليا، وصدرت عنه وثيقة شديدة الخطورة والأهمية حملت اسم "وثيقة كامبل بنرمان" الذى أصبح رئيساً للوزراء وقت صدور هذه الوثيقة التى جاءت متطابقة تماماً مع مقررات مؤتمر بازل الصهيونى ومع ما كتبه ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية العالمية عام 1897 فى يومياته بقوله: "يجب قيام كومنولث شرق أوسطى يكون لدولة اليهود فيه شأن قيادى فاعل، ودور اقتصادى وتكون المركز لجلب الاستثمارات والبحث العلمى والخبرة الفنية". فقد نصت "وثيقة كامبل بنرمان" على الخلاصة التالية:
"إن البحر المتوسط هو الشريان الحيوى للاستعمار لأنه الجسر الذى يصل الشرق بالغرب، والممر الطبيعى إلى القارتين الآسيوية والأفريقية وملتقى طرق العالم، وأيضاً هو مهد الأديان والحضارات". والإشكالية فى هذا الشريان كما جاء فى نص الوثيقة هى أنه "يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان"، ولحل هذه الإشكالية التى اعتبرها المشاركون فى هذا المؤتمر مصدر التهديد الأهم للغرب ولمشروعه الاستعمارى تم التوصل إلى مجموعة من المهام أو سياسات المواجهة التى تم دمجها فى سياستين رئيسيتين:
السياسة الأولى: إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة وعلى هذا الأساس قاموا بتقسيم دول العالم بالنسبة إليهم إلى ثلاث فئات: الفئة الأولى: دول الحضارة الغربية المسيحية (دول أوروبا وأمريكا الشمالية واستراليا) والواجب تجاه هذه الدول هو دعم هذه الدول مادياً وتقنياً لتصل إلى مستوى تلك الدول.
الفئة الثانية: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ولكن لا يوجد تصادم حضارى معها ولا تشكل تهديداً عليها (كدول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها) والواجب تجاه هذه الدول هو احتواؤها وإمكانية دعمها بالقدر الذى لا يشكل تهديداً عليها وعلى تفوقها.
الفئة الثالثة: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضارى معها وتشكل تهديداً لتفوقها (وهى بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام) والواجب تجاه تلك الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها فى هذا المجال ومحاربة أى اتجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية.
السياسة الثانية: محاربة أى توجه وحدوى فيها، ولتحقيق ذلك دعا المؤتمر إلى إقامة دولة فى فلسطين تكون بمثابة حاجز بشرى قوى وغريب ومعادى يفصل القسم الأفريقى من هذه المنطقة عن القسم الآسيوى والذى يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب واعتبار قناة السويس قوة صديقة للتدخل الأجنبى وأداة معادية لسكان المنطقة. وهكذا فإن فرض التخلف الدائم وحجب العلم عن هذا "الشعب الواحد صاحب التاريخ الواحد والدين الواحد واللسان الواحد" والعمل على فرض التجزئة والتقسيم عليه والحيلولة دون وحدته هو الهدف الاستراتيجى للمشروع الإمبريالى الغربى، وجاءت التطورات المتلاحقة بهدف تنفيذ هاتين السياستين والتى وجدت من الحربين العالميتين الأولى والثانية الفرص المناسبة لتحقيقها.
كانت البداية بفرض الاستعمار الغربى على معظم الدول العربية، وتصفية الإمبراطورية العثمانية، وتقسيم الوطن العربى إلى دويلات مفعمة بكل أسباب التوتر وعدم الاستقرار(العرقية والطائفية)، وافتعال أزمات الحدود، عبر اتفاقية سايكس - بيكو ومن بعدها وعد بلفور الذى وضع اللبنات الأولى للدولة الصهيونية فى الرسالة التى بعث بها المستر بلفور وزير خارجية بريطانيا فى 2 نوفمبر/ تشرين الثانى عام 1917 إلى اللورد روتشيلد ممثل الاتحاد الصهيونى وجاء فيها: "إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومى فى فلسطين للشعب اليهودى، وستبذل قصارى جهدها لتسهيل تحقيق هذا الهدف". ومنذ هذا التاريخ بدأ المشروع الصهيونى فى لقائه بالمشروع الاستعمارى الغربى يروج لمصطلح الشرق الأوسط كبديل للوطن الواحد والشعب الواحد والأمة الواحدة، نظراً لأنه ملتقى القارات الثلاث ويشرف على أهم الممرات المائية كقناة السويس، ومضيق باب المندب، والخليج، وخليج العقبة ومضيق هرمز، ويختزن أكثر من ثلثى احتياطى النفط العالمى. وتخشى الصهيونية والاستعمار من إقامة دولة اتحادية عربية قوية وغنية ومسلحة بالثروة النفطية والقومية العربية والعقيدة الإسلامية.‏
لقد احتلت المنطقة مكانة هامة فى التنافس الاستعمارى بين دول أوروبا الاستعمارية وبالتحديد بين بريطانيا وفرنسا من أجل السيطرة على الهند (المسماة بدرة التاج البريطاني). وجاءت حملة نابليون على الشرق فى هذا الاتجاه، ولكنه فشل أمام أسوار عكا فعاد إلى فرنسا، ثم ظهر فى لندن عام 1909 كتاب بعنوان: "مشاكل الشرق الأوسط" لمؤلفه هاملتون وضّح فيه أهمية المنطقة لأوروبا والعالم، وطالب بضرورة السيطرة عليها. وأعلن الحاكم البريطانى على الهند اللورد كيرزون عام 1911 إدارة خاصة للشرق الأوسط، وكلّفها بالإشراف على شؤون فلسطين وشرق الأردن والعراق.‏
واقترح الإرهابى فلاديمير جابوتنسكى عام 1922 مشروعاً لإقامة سوق شرق أوسطية. وحدّدت الحركة الصهيونية عام 1942 أهدافها التوسعية وسيطرتها الاقتصادية على الوطن العربى فى مؤتمر "بلتيمور" الصهيونى، الذى يعتبر أهم مؤتمر صهيونى بعد المؤتمر التأسيسى فى "بازل" على الشكل التالى: (إقامة قيادة يهودية للشرق الأوسط بأكمله فى ميدانى التنمية والسيطرة الاقتصادية)، ووضع الصهاينة دراسات ومذكرات حول "الشرق الأوسط" فى عامى 1941 و1942، وأنجزوا مشروعاً صهيونياً للشرق الأوسط لمواجهة الكتاب الأبيض لحكومة الانتداب البريطانى فى فلسطين ويتضمن المشروع العمل على قيام تعاون سياسى واقتصادى يمنع التصادم بين العرب واليهود، ويدمج فلسطين وبقية بلدان المشرق العربى.‏
وقد طُرحت فكرة التعاون الاقتصادى بين بلدان منطقة الشرق الأوسط لأول مرّة فى 18 نوفمبر 1943، وذلك فى اجتماع عُقد بين ممثلين عن وزارتى الخارجية الأمريكية والبريطانية فى لندن، بمقر وزارة الخارجية البريطانية للتباحث فى تسوية وضع الشرق الأوسط بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لضمان مصالح البلدين فى المنطقة والهيمنة عليها.‏ وأعد اليهودى ـ الأمريكى الدكتور ارنست بيرجمان "أحد تلامذة حاييم وايزمان، زعيم المنظمة الصهيونية العالمية"، مذكرة قدَّمها للاجتماع، ويمثّل فيها تهويد فلسطين جوهر الخطة الأمريكية والقائمة على هجرة اليهود إلى فلسطين العربية وإقامة إسرائيل فيها، وتحويلها إلى قاعدة صناعية متطورة لتكون حجر الزاوية فى المشاريع والمخططات المستقبلية للولايات المتحدة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط.‏
وهكذا نستطيع أن نقول أن قيام دولة إسرائيل عام 1948 كان أولى خطوات النجاح الاستعمارية لفرض مشروع الشرق الأوسط كمشروع للهيمنة الغربية الاستعمارية، وبعد قيام إسرائيل توالت الخطط والأفكار والمقترحات من جانب بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لتفكيك المشروع العربى لصالح مشروع الشرق الأوسط وفى القلب منه المشروع الصهيونى.
لقد كان تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945 خطوة فى الطريق المخالف لمسار تطور أحداث مشروع الشرق الأوسط، وهنا تطرح علامة استفهام كبيرة حول الدور البريطانى فى المشروعين: مشروع الشرق الوسط والمشروع العربى، لكن طرح علامة الاستفهام هذه يكشف النقاب عن محورية الدور العربى فى تأسيس جامعة الدول العربية، أو على الأقل فى تحديد هوية وأهداف هذه الجامعة بما يتعارض مع المشروع الصهيونى – الاستعمارى للشرق الأوسط بدليل دخول جيوش عربية فى الحرب ضد الكيان الصهيونى عام 1948، وبدليل التصدى العربى للمقترحات البريطانية والأمريكية الجديدة لتطوير مشروع الشرق الأوسط على حساب المشروع العربى ابتداءً من "مشروع ترومان" عام 1949 الذى عرف فى العالم العربى باسم "مشروع النقطة الرابعة" نسبة إلى المادة الرابعة منه، وتضمن إمكانية تقديم مساعدات سياسية واقتصادية وعسكرية إلى دول منطقة "الشرق الأوسط" الواقعة تحت النفوذ الغربى، ثم مشروع "القيادة الرباعية للشرق الأوسط" فى عام 1951، لإقامة سلسلة من التحالفات السياسية والعسكرية مع دول المنطقة والتنسيق والتعاون بينها، ثم مشروع "قيادة الشرق الأوسط العسكرية" أو "الحزام الشمالى للمنطقة" التى تضم بعض الدول العربية وبعض دول الحوار فى آسيا، إضافة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وتمخض عن ذلك ما عرف بـ "حلف بغداد".
لقد استطاع النظام العربى أن يصمد أمام كل هذه المشروعات، لكن قيام ثورة 23 يوليو فى مصر عام 1952 حول الصمود إلى مواجهة، وبالذات مشروع "قيادة الشرق الأوسط"، أو "سياسة الأحلاف الأمريكية"، وعلى الأخص منها "حلف بغداد".
بداية هذه المواجهة التى تحولت فيما بعد إلى صدام عسكرى أو عدوان ثلاثى بريطانى – فرنسى – إسرائيلى عام 1956 ارتبطت برفض مصر الدخول فى الحلف الدفاعى الذى اقترحته بريطانيا والذى يضم كلاً من بريطانيا والعراق وتركيا وباكستان. فبعد أربعة أيام فقط من توقيع العراق وتركيا على المعاهدة الرسمية المسماة بـ "حلف بغداد" فى 24 فبراير 1955 والتى انضمت إليها بريطانيا وباكستان وإيران فى أبريل من العام نفسه، بدأت أزمة جديدة فى العلاقات بين مصر والغرب، أشعلها الهجوم الإسرائيلى على مواقع الجيش المصرى فى قطاع غزة.
فى هذه اللحظة بالتحديد، بدأت علاقة مصر بالغرب تأخذ منحى آخر، فقبل ذلك كان لدى مصر اعتبارات عدة تبرر الأمل فى إقامة علاقات ودية مع الغرب، أهمها المرونة التى أبدتها إدارة الرئيس الأمريكى دوايت أيزنهاور إزاء قضية الصراع العربى - الإسرائيلى والعلاقات مع مصر، والتى توجت بتوقيع اتفاقية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية فى عام 1954 تقضى بتزويد مصر بمعونة اقتصادية قدرها 40 مليون دولار.
لكن الهجوم الإسرائيلى على غزة، إلى جانب "حلف بغداد"، اعتبرته مصر جزأ من مؤامرة إمبريالية يدبرها الغرب للقضاء على الثورة والسيطرة على الوطن العربى مرة أخرى، وتمثل ردها على ذلك فى قرارين: الأول، الاتجاه نحو شراء سلاح لردع إسرائيل عن شن أى هجمات جديدة. والثانى، تعزيز ترتيبات الأمن داخل الجامعة العربية من خلال إبرام سلسلة من المعاهدات الدفاعية مع الدول العربية الحليفة كسبيل لمواجهة حلف بغداد.
كانت هذه هى البداية الحقيقية لبلورة مشروع عربى نهضوى تحررى تقوده حركة القومية العربية الناهضة بزعامة مصر الناصرية التى خاضت المواجهة من أجل تحرير الوطن العربى والسعى إلى وحدته وتقدمه ونهوضه، وكان عقدا الخمسينيات والستينيات حافلين بكافة أنواع المواجهة والحروب بين المشروع الإمبريالى الغربى – الصهيونى، والمشروع القومى العربى وهى المواجهة التى وصلت إلى ذروتها فى حرب يونيو/ حزيران 1967 لكسر هذا المشروع العربى الذى كان يمثل تحدياً شاملاً للمشروع الغربى الاستعمارى فى سياسة فرض التخلف والتجزئة والتقسيم على الوطن العربى.
هذه التجربة النضالية العربية التى فجرتها الحركة التحررية للقومية العربية فى عقدى الخمسينيات والستينيات كانت لها خصوصياتها وفى مقدمتها أنها كانت تجسيداً للاستجابة لطموحات ومواجهة تحديات مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ورواسب الحرب العالمية الأولى، وانسجاماً مع القيم والمبادئ التى ارتكز عليها النظام العالمى الجديد كما هى مدونة فى ميثاق منظمة الأمم المتحدة وخاصة مبادئ التعاون الدولى وحل المشاكل والأزمات بالطرق السلمية ونبذ الحروب، ورفض التدخل فى الشؤون الداخلية للدول والدفاع عن سيادتها الوطنية، لكنها كانت أيضاً، وهذا هو الأهم، تعبيراً عن واقع سياسى عربى جديد فرضه تفجر الثورة العربية فى مصر، وبروز زعامة جمال عبد الناصر التى جعلت من مصر الناصرية قاعدة للنضال التحررى الوحدوى العربى، والتى استطاعت أن تلتقى مع نظم حكم عربية أخرى شاركتها الأهداف والمبادئ، لكن الأهم هو أنها استطاعت أن تلتقى مباشرة مع الشارع العربى متجاوزة حدود التقسيم والتجزئة ودون وساطة من أحزاب أو أنظمة حكم أو حتى جامعة الدول العربية التى بقت إطاراً نظامياً تلتقى فيه نظم الحكم العربية على قاعدة التنسيق الضيقة التى كرسها ميثاقها الذى فرضته اعتبارات التأسيس عام 1945 فى ظل خضوع معظم الدول العربية للاستعمار الغربى.
الآن تواجه الأمة العربية تحديات أكثر ضراوة وقسوة فرضتها نتائج سقوط النظام العالمى السابق ثنائى القطبية وظهور معالم نظام عالمى جديد لا تتفرد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادته فحسب، وإنما تسعى إلى فرض نظام إمبراطورى عالمى يؤسس من خلال سيطرتها الكاملة على ما تسميه بـ "إقليم الشرق الأوسط الكبير" الذى يهدف إلى فرض الهيمنة الأمريكية الكاملة على مقدرات وثروات هذا الإقليم وفى مقدمتها الثروات النفطية، من خلال السيطرة المباشرة ومن خلال إعادة تقسيم ما سبق تقسيمه بعد الحرب العالمية الأولى ومن خلال فرض ما سمى بـ "سياسة الفوضى البناءة" بإشعال الحروب الطائفية والمذهبية لتأسيس هذا النظام الشرق أوسطى على قاعدة الدولة الطائفية والعرقية التى يستطيع من خلالها الكيان الصهيونى القيام بدور القوة الإقليمية العظمى المهيمنة.
لقد كانت الحرب الأمريكية على العراق عام 2003 واحتلاله التى تعمدت بعض دوائر الفكر الاستراتيجى الأمريكى تسميتها بـ "الحرب العالمية الرابعة" (اعتقاداً بأن الحرب الباردة كانت بمثابة حرباً عالمية ثالثة) هى البداية لفرض هذا المشروع الإمبراطورى الأمريكى الذى ضرب عرض الحائط بكل مبادئ وأهداف النظام العالمى السابق وكل مبادئ القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة وعلى الأخص احترام السيادة الوطنية للدول، وهى البداية أيضاً لفرض مبادئ بديلة تجسدها الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التى حملت اسم "استراتيجية الضربات الوقائية" التى تعطى للولايات المتحدة، دون غيرها، حق التدخل فى الشؤون الداخلية للدول، وحق استخدام القوة ضد من تريد، وحق تقسيم العالم إلى معسكرين أولهما تابع للهيمنة الأمريكية تحت مسميات متنوعة أبرزها "محور الاعتدال"، وثانيهما معارض يحمل اسم "محور الشر"، وعندما قررت الولايات المتحدة غزو العراق تجاوزت الأمم المتحدة والمجتمع الدولى كله، وأصدرت قراراً أمريكياً منفرداً بالغزو أيدته بريطانيا وأسبانيا وفرضته على العالم من أجل تأسيس إمبراطورية الشرق الأوسط الكبير.
فمشروع "الشرق الأوسط الكبير" كان التعبير السياسى المرافق للغزو وللاحتلال الأمريكى للعراق باعتبار أن هذا المشروع وهذه الحرب سوف تؤسسان معاً لفرض الإمبراطورية الأمريكية. ويكمن الغرض من توسيع هذا المشروع الإمبراطورى لإقليم الشرق الأوسط ليمتد إلى وسط آسيا فى حرص واشنطن على فرض سيطرتها الكاملة على أهم منابع النفط فى العالم وفقاً لتطلعات تيار المحافظين الجدد الذى يرى أن هذه السيطرة ضرورية لبناء النظام الإمبراطورى الأمريكى.
وقد عبر الكثير من مفكرى هذا التيار عن هذا الطموح على نحو ما أوضح ريتشارد كراوتهامر، وهو أحد أبرز المعبرين عن هذا التيار فى شرحه لمطلب التغيير وإعادة رسم الخريطة الإقليمية للشرق الأوسط. فقد قال كراوتهامر أمام معهد " أميريكان انتربرايز": "إن الولايات المتحدة الأمريكية الآن فى صراع مع العالم العربى – الإسلامى مثل الصراع الذى خاضته فى سنوات الحرب الباردة مع العالم الشيوعى". معنى هذا أنه يعبر عن مشروع يضع هذه المنطقة على خط مواجهة معهم، ويعتبرها بتكوينها الحالى مصدر الخطر عليهم، ومن حقهم التدخل فيها لإعادة تشكيلها بالصورة التى يرونها منزوعة الخطر من وجهة نظرهم، من خلال إعادة صياغة المجتمعات والأنظمة العربية والنظام العربى وأغلب العالم الإسلامى، لكنه يتعامل مع المنطقة أيضاً كمصدر للكسب من خلال تجيير كل ثرواتها لخدمة المشروع الإمبراطورى الأمريكى ولخدمة إسرائيل، وذلك بالربط بين الديمقراطية والسلام.
لا يكشف النص الذى حمل اسم "مشروع الشرق الأوسط الكبير" عن جوهر هذا المشروع، فالنص جاء مخادعاً، حاول أن يتستر وراء دعوة الإصلاح الديمقراطى داخل الدول العربية، وحاول أن يتخفى وراء التحليل الصادر عن تقرير التنمية البشرية لعام 2003 وذلك من خلال تقديم مبررات مقنعة لأهمية وضرورة الإصلاح السياسى والديمقراطى والثقافى فى دول العالم العربى والإسلامى، ومن خلال تبنى أجندة هذا التقرير المتركزة حول قضايا أو مطالب ثلاثة هى: إقامة مجتمع المعرفة، والحرية، وتمكين المرأة، وهى قضايا قد يراها البعض ضرورية وهذا هو الهدف الأمريكى من تبنى هذه القضايا الثلاث، أى إكساب المشروع الأمريكى قبولاً شعبياً عربياً يضمن له النجاح، فى حين أن الأهداف الحقيقية التى يمكن استخلاصها من أدبيات هذا المشروع شئ آخر أكثر خطورة من كل ما هو متصور.
بدايات التفكير فى هذا المشروع ترجع إلى عملية البحث عن صيغة أفضل للحفاظ على المصالح والأهداف الأمريكية طويلة المدى والتى تتم من خلال تقريرى الاستراتيجية الشاملة اللذين تعدهما كل من وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات كل عقد من الزمان لرسم الخطوط العريضة للاستراتيجيات الأمريكية المستقبلية على ضوء توقعاتهم لخريطة العالم خلال المرحلة التالية.
وإذا كان هذان التقريران لم يركزا بشكل محدد على العالمين العربى والإسلامى، فإن أفكاراً أخرى أهم تم الدفع بها من خلال مساهمات عدد من أهم مراكز البحوث والدراسات التى لها صلات قوية بمراكز صنع القرار فى الولايات المتحدة الأمريكية. فخلال مرحلة ما بعد 11 سبتمبر 2001 بدأت المشروعات تتوالى بداية بما سمى بـ "مشروع مارشال جديد للشرق الأوسط" والمعروف باسم "الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية"، وامتداداً لمشروع "دمقرطة العالم العربى" وغيرهما، وكانت أغلبها تركز على ثلاثة محاور أساسية هى: تغيير المنطقة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، على أساس تعريف الولايات المتحدة الأمريكية لمصالحها فى محيط هذا الشرق الأوسط الكبير.

مؤسسة راند للأبحاث قدمت تعريفاً مهماً لهذه المصالح يشمل:
حماية بقاء إسرائيل، والتوصل لسلام فى الشرق الأوسط، واستمرار تدفق النفط بسعر مناسب، ومنع قيام أنظمة قوية تعادى الولايات المتحدة الأمريكية فى أنحاء المنطقة، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، والدفع بعملية إصلاح سياسى واقتصادى ومكافحة الإرهاب. وهناك دراسات أخرى قدمت إسهامات بشأن تلك الأهداف ووسائل تحقيقها، مثل الدراسة التى أجراها المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية والتى أشرف عليها فرانسوا هايبورج وحملت عنوان "أى استراتيجية نتبع من أجل شرق أوسط كبير؟"، ومثل الدراسة التى أصدرها معهد أبحاث السياسة الخارجية والتى حملت عنوان "الشرق الأوسط الكبير عام 2005" والتى كتبها آدم جار فينكل، وكتاب زالماى خليل زاد بعنوان "مصادر الصراع فى القرن الواحد والعشرين – الاستراتيجية الأمريكية ومصادر المناطق" الصادر ضمن مطبوعات راند عام 1998.
بعض هذه الدراسات يروج لمفهوم "الشرق الأوسط الكبير" باعتباره الحل الأمريكى الأمثل من منظور السلبيات والمخاوف، أى أنه الحل الأمثل لمواجهة السلبيات والمخاوف والمخاطر التى تتهدد الولايات المتحدة ومصالحها وأهدافها الاستراتيجية، والبعض الآخر يروج للمفهوم باعتباره الحل الأمريكى الأمثل لتحقيق أعلى درجات المكاسب.
فوفقاً لمشروع معهد أبحاث السياسة الخارجية "الشرق الأوسط الكبير عام 2005" الذى كتبه آدم جار فينكل وساهم فيه كل من وارن رودمان، وآن ارمسترونج، ونورمان أوجيستن، وجون دانس، وجون كالفن، ونيوت جينجريتش، ولى هاملتون، وجيمس شليزنجر، وغيرهم، فإن الشرق الأوسط الكبير هو العالم العربى وإسرائيل وتركيا وإيران وآسيا الوسطى والقوقاز، وهى المنطقة التى تصادف أن تكون حاضنة لأكبر احتياطيات النفط والغاز، وأن تكون مسرحاً لصراعات كل القوى الصاعدة والطموحة فى العالم، وهى المنطقة التى تضم أيضاً حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية الأساسيين ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية الأكثر أهمية، وهى نفسها المنطقة التى شهدت أبرز محاولات امتلاك أسلحة الدمار الشامل، وشهدت آخر الحروب الكبرى التى قادتها الولايات المتحدة الأمريكية لتأكيد وجودها ونفوذها بعد انهيار النظام العالمى القديم، وهى المنطقة الوحيدة فى العالم التى شهدت فى العقد الأخير تمديد الوجود العسكرى الأمريكى المباشر على أراضيها، بغض النظر عما إذا كان هذا الوجود سيمتد أو سيتقلص فى المستقبل.
الشرق الأوسط الكبير – وفق هذا المشروع أيضاً – هو المنطقة التى تشكل مصدر الأهمية ومصدر القلق فى الوقت ذاته، ليس بسبب الصراع العربى – الإسرائيلى فقط، ولكن أيضاً بسبب عشرات الصراعات الموازية. وهو المنطقة التى تحتوى على أعلى درجات الاستبداد السياسى والأنظمة الفاشلة غير الفعّالة، وتشكل موطناً للأصولية المسلحة شديدة الخطر على الحضارة الغربية ومجتمعاتها، وهو أيضاً مركز الأنشطة الخارجة عن الشرعية القانونية وبؤر الإجرام فى العالم خاصة زراعة وتجارة وتهريب المخدرات، وهو من أهم مراكز تجارة السلاح، وعلاوة على هذا كله هو أرض الصراعات الإثنية والعرقية والطائفية.
والنتيجة التى يراها آدم جار فينكل، هى أن ترك الأمور فى منطقة الشرق الأوسط الكبير إلى التطور التلقائى – أى دون تدخل لضبط التفاعلات – سيعقد الأمور كثيراً، أى أن المطلوب هو التدخل الأمريكى لضبط هذه التفاعلات، من أجل درء الأخطار.
المنظور الآخر الذى يفرض الشرق الأوسط الكبير كحل أمريكى بدافع من تعميق المكاسب، طرحه زالماى خليل زاد وهو من أهم خبراء الإدارة الأمريكية الحالية ومهندس الحرب الأمريكية فى أفغانستان وعمل سفيراً فى العراق ومندوباً لأمريكا فى الأمم المتحدة. فهو يستعمل تعبير "الشرق الأوسط الكبير" بوصفه يتعلق بالمنطقة ذات الأهمية المركزية للمصالح الجيوستراتيجية الأمريكية والتى تتعرض فيها هذه المصالح للخطر، وحيث تتصاعد الصراعات، ويحتاج الأمر إلى المزيد من التدخل العسكرى الأمريكى. كذلك فإن تطور الأوضاع فى هذه المنطقة وتفاقم مضاعفاتها يمكن أن ينتهى – على المدى البعيد – بتأثيرات سلبية بالغة ليس على أصحابها فقط وإنما على الاستقرار والازدهار العالمى، وفى القلب منه المصالح الأمريكية.
ويعتقد زالماى خليل زاد أن تعبير الشرق الأوسط الكبير أصبح ضرورياً لالتقاط ونظم المحاور الأساسية التى تميز البيئة الاستراتيجية المتجانسة لهذه المنطقة والتى تميزها عما عداها، والتى تصبح، يوماً بعد يوم، أكثر أهمية، وذلك لتآكل الحدود الفاصلة بين أمن الشرق الأوسط والأمن الأوروبى والأمن الأوروآسيوى. هذا التآكل حدث نتيجة لتطور وانتشار التقنيات والأنظمة العسكرية الحديثة ونمو التداخل والاعتمادية الاقتصادية والسياسية المتبادلة بين هذه المناطق، وتمدد الظواهر المختلفة مثل الإرهاب العابر للمناطق، وتهريب المخدرات والسلاح، وتدفق اللاجئين.
تحديد ملامح البيئة الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط الكبير – وفق هذه الرؤية – له أهمية كبيرة، ضمن مسعى تمييز أو إعادة تحديد ما يسمى بـ "العوالم الاستراتيجية فى هيكلية النظام العالمى الجديد".
الملاحظة المهمة بهذا الخصوص هى وجود تدخل إسرائيلى قوى وملموس فى ضبط مفهوم الشرق الأوسط الكبير والدفع به كخيار أمريكى استراتيجى، ووجود مسعى أمريكى قوى لتوريط أوروبا للانخراط فى تبنى المشروع كاستراتيجية مشتركة للنظام العالمى الجديد.
ففى الوقت الذى كان الأمريكيون منغمسين فيه للخروج بمفهوم جديد للصراعات القائمة والاستراتيجية المثلى للتعامل معها، ظهر اتجاه موازٍ فى التفكير الاستراتيجى الإسرائيلى يؤكد أن "الإسلام السياسى" يمثل عدواً، وأن هناك ضرورات لاستئصالـه، خـاصـة فـى ظـل تحـولات توجهـات حركة "حمـاس"، وتزامن هــذا الإدراك مـع ما اعتبر كارثة تهدد وجود إسرائيل، وهو العامل الديموجرافى، الذى كانت تأثيراته قد بدأت بالفعل فى ظل الانتفاضة الثانية.
وتمت بلورة أجندة عمل إسرائيلية وضعها ناثان شارانسكى الوزير الليكودى، واقتنع بها صقور الإدارة الأمريكية، هذه الأجندة تشير إلى أن "العرب لن يقبلوا إسرائيل إلا بعد تحول أنظمتهم إلى الديمقراطية".
كانت واشنطن مهيأة للإنصات لهذا المفهوم فى ظل إدراك أن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون بحاجة إلى استيراد 70% من احتياجاتها النفطية بحلول عام 2010، وأن الدول التى يمكن أن تغطى هذه الاحتياجات هى: العراق، وإيران، والمملكة العربية السعودية.
وقد تبلورت كل هذه المفاهيم الخاصة بـالشرق الأوسط الكبير فى ضرورة التدخل بحسم للقضاء على التهديدات التى قد تشهدها دول هذه المنطقة حتى لو ظهرت عن طريق ديمقراطية حقيقيـة أو انتخابات حرة، مع خلق شرق أوسط أوسع بقوى مركزية أضمن مثل تركيا وأذربيجان وإيـران، وبهذا تـم الـدمـج بيـن مشروع الرئيس بوش لـ "دمقرطة العالم العربى والإسلامى"، ومشروع آخر نوقش فى الكونجرس وهو مشروع المرشح الجمهورى للانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2008 السيناتور جون ماكين (22 مايو 2003) والمعروف باسم قانون "التواصل والتجارة فى الشرق الأوسط للعام 2003" أو "مشروع منطقة الشرق الأوسط الكبرى"، والذى نص على أنه: من مصلحة واشنطن إيجاد شرق أوسط مستقراً، وأن دمقرطته من عناصر مواجهة الإرهاب أو أن إقامة شراكة أو اتفاقيات تجارة حرة ليست بديلاً بل جزءاً من الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
وقد وضع هذا المشروع شروط عضوية تتراوح ما بين شروط اقتصادية ينبغى على الدول الأعضاء إتمامها مثل تخفيض التعريفة الجمركية وتقوية القطاع الخاص، وقيامها بإجراءات إصلاح سياسى واقتصادى، واحترام حقوق الإنسان، وتشجيع المجتمع المدنى، والمحافظة على البيئة، وسن قوانين تمنع الفساد والرشوة، وألا تكون هذه الدول مشاركة فى أنشطة هدامة أو معادية للأمن القومى الأمريكى والمصالح السياسية الخارجية الأمريكية، وأن تكون مؤيدة للحل السلمى للصراع العربى - الإسرائيلى، وحرية الدين، وألا تكون أى من هذه الدول مشاركة فى المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل، وأن تعترف بحق إسرائيل فى الوجود بسلام وبحدود آمنة.
لقد سعت إسرائيل إلى إعادة مشروع الشرق الأوسط إلى أصوله الإمبراطورية من ناحية، أى ربطه بالمصالح العالمية الأمريكية، كما سعت إلى تحويله إلى شراكة أمريكية – إسرائيلية من خلال اجتماع واشنطن الذى عقد فى الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر 2004 بين مستشارى رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق آرييل شارون ورؤساء الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية وعدد من كبار خبراء ومستشارى الأمن القومى والاستخبارات الأمريكية. كان هدف هذا الاجتماع هو البحث فى الخطوات التنفيذية لتطبيق خطة الشرق الأوسط الكبير فى أسرع وقت ممكن من خلال مناقشة مذكرتين أعدتا لهذا الغرض، الأولى أمريكية أعدها وليم تومسون رئيس فريق العمل الأمريكى، والثانية إسرائيلية أعدها دانيال ليرانو حام أحد مستشارى شارون المقربين والتى حملت اسم "الهندسة السياسية لخريطة الشرق الأوسط فى السنوات الثلاث القادمة".
أحد أهداف هذه الهندسة السياسية لخريطة الشرق الأوسط هو إعادة توجيه مسار العلاقات العربية باتجاه ربطها بإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ضمن إطار العلاقات الثنائية وعلى حساب العلاقات العربية – العربية والاتفاقيات الثنائية والجماعية للتعاون الاقتصادى والأمنى، وقد استطاعت إسرائيل أن تنحرف بالمشروع الأمريكى للشرق الأوسط الكبير أو الموسع مستغلة فشل المشروع الأمريكى فى العراق سواء على مستوى فرض الاستقرار والأمن للحكومة العراقية الموالية وتثبيت النفوذ الأمريكى بالعراق، أو على مستوى تحقيق الديمقراطية بإقامة عراق جديد ديمقراطى يكون نموذجاً للنظم التى يجب أن تقوم فى المنطقة وفقاً لمشروع الشرق الأوسط الكبير حسب وعود الرئيس الأمريكى جورج بوش.
وإذا كان فشل المشروع الأمريكى فى العراق قد أدى إلى ردود فعل كثيرة أخذ بعضها يشكك فى جدية الدعوة الأمريكية للديمقراطية، وأخذ البعض الآخر يشكك فى جدوى المشروع الإمبراطورى الأمريكى كله، فقد ظهرت ميول لتقليص حدود هذا الشرق الأوسط الكبير أو الموسع، وبدأت محاولات موازية للحديث عن بدائل "عملية" لتحقيق الأهداف نفسها، منها ما عرف بـ "الشرق الأوسط الصغير" Tiny Middle East للخروج من المشاكل التى يعانى منها مشروع الشرق الأوسط الكبير عبر تنفيذ الآليات نفسها لاسيما البنود المتعلقة بالإصلاحات الديمقراطية، ولكن عبر مجموعة صغيرة تمثل الدول الأسهل من حيث التزامها بالتنفيذ، ووجود علاقات فعلية بينها، وترتبط أيضاً بعلاقات قوية مـع واشنطـن كضمانـة للتنفيـذ أو عـدم التراجـع.
وحتى هذه الدعوة لم تستطع الصمود أمام المأزق الأمريكى المستحكم فى العراق، ومن هنا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان فى يوليو 2006 بمثابة المخرج المناسب لفرض واقع جديد لمشروع أمريكى جديد للشرق الأوسط لم تتردد وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس فى الإعلان عنه باسم "الشرق الأوسط الجديد" فى ذروة الحرب الإسرائيلية على لبنان وفى ذروة الانحياز الأمريكى الكامل لإسرائيل فى هذه الحرب ورفضها لكل مطالب وقفها.
لقد أكدت تطورات هذه الحرب أن الولايات المتحدة كانت طرفاً مباشراً فى التخطيط والإعداد والتنفيذ والرعاية الكاملة كى تحقق أهدافها فى لبنان ومن بعدها فى إيران للقضاء على ما يسميه الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش بـ "محور الشر"، الذى أعلن أن الحرب الإسرائيلية الأخيرة مع "حزب الله" هى جزء من صراع أكبر يشمل سوريا وإيران. وأكد أن الحرب فى لبنان تشكل "جزءاً من معركة أوسع تشهدها المنطقة بين الحرية والإرهاب"، وأكدت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس على أن "شرق أوسط جديد" سيولد من رحم هذه الحرب، وكانت أهم معالم هذا الشرق الأوسط الجديد هى وضع نهاية للصراع العربى – الإسرائيلى من خلال فرض شراكة عربية – إسرائيلية بديلة للصراع تقوم على قاعدة وجود مصالح مشتركة بين العرب وخاصة من هم مصنفون ضمن "محور الاعتدال" أو "الحلف السُنى" وبين "إسرائيل" لمحاربة الإرهاب الذى تدعمه إيران، وفرض إيران عدواً بديلاً للعرب من خلال تفجير حرب طائفية سُنية - شيعية تكون مدخلاً للتلاقى مع مشروع الشرق الأوسط الكبير فى هدف إعادة رسم الخرائط السياسية فى المنطقة على قاعدة التقسيم العرقى والطائفى، بما يؤكد وحدة المشروع القائم على سياسة الحيلولة دون وحدة العرب وفرض التقسيم والتجزئة والتخلف كمصير أبدى يجب عدم الخروج منه.
وهكذا فإنه بدلاً من المسعى العربى لحركة التحرر العربية فى الخمسينيات والستينيات، لإعادة توحيد ما سبق تقسيمه من أرض العرب أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى، يجد العرب أنفسهم الآن أمام مخطط إعادة تقسيم ما سبق تقسيمه بعد إكمال مخطط تفكيك رابطة النظام الإقليمى الرسمى العربى بفرض سياسة استقطاب جديدة على قاعدة محورى "الاعتدال" و"الشر".
هذا الواقع السياسى الجديد يشهد أيضاً تطابقاً بين إنتاج استقطاب طبقى اجتماعى- سياسى جديد على الصعيد العالمى تجسيداً لسياسة العولمة وانطلاق الرأسمالية العالمية المتوحشة لفرض سيطرتها متجاوزة كل الحدود التقليدية للدول ومعتمدة على سياسة التدخل القسرى فى الشؤون الداخلية للدول، وبين إنتاج استقطاب طبقى اجتماعى - سياسى جديد داخل الدول العربية. ومثلما تم تقسيم العالم إلى مجتمعات (وليس دول) غنية مسيطرة ومجتمعات أخرى فقيرة مسيطر عليها، يجرى فرض استقطاب طبقى اجتماعى – سياسى داخل الدول العربية بين طبقات تحتكر السلطة والثروة وطبقات فقيرة محرومة ومعزولة ومهمشة ومسيطر عليها.
الأهم من هذا هو ذلك التلاقى، الذى يصل إلى درجة التحالف، بين قوى الهيمنة الرأسمالية الخارجية التى يقودها النظام الإمبراطورى الأمريكى وحليفه الصهيونى، وبين القوى المسيطرة على السلطة والثروة داخل الدول العربية التى تمارس الاستبداد والفساد وتقود توجهات النظام الرسمى العربى.
هذا التحالف بين قوى الهيمنة العالمية التى يجسدها المشروع الإمبراطورى الأمريكى الجديد وقوى الاستبداد والاحتكار السياسى والاقتصادى فى الداخل العربى ليس وليد تطورات عالمية فقط ولكنه أيضاً وليد تطورات عربية، على مستوى كل دولة عربية وعلى مستوى النظام العربى ككل عندما تراجع ثم اختفى دور دول الثورة ابتداءً من عقد السبعينيات وبالتحديد ابتداءً من نكسة يونيو /حزيران 1967 وانتصار الثورة المضادة فى مصر وسيطرتها على مقاليد الدولة والسلطة والانحراف بها فى اتجاه القبول بالهيمنة الأمريكية أولاً ثم التطبيع مع الكيان الصهيونى ثانياً.
ومع تراكم الثروات النفطية وما سمى بـ "البترو دولار العربى" مع موجة ارتفاع أسعار النفط التى صاحبت حرب أكتوبر/ تشرين أول عام 1973، بدأت دول الثروة تسيطر على مقاليد النظام العربى وتنحرف به فى اتجاه التحالف المصلحى مع الهيمنة الأمريكية والقبول بالحل السلمى للصراع العربى – الصهيونى ابتداءً من "مشروع فاس - 1" (مشروع الأمير فهد) عام 1981، ثم مشروع "فاس - 2 " عام 1982. وجاء احتلال الكيان الصهيونى لبيروت فى ذلك العام ليفضح عجز النظام العربى ويكشف مدى تورطه فى مخطط التطبيع المبكر مع الكيان الصهيونى، لدرجة بات معها هذا النظام متهافتاً ولاهثاً وراء سراب خياره الاستراتيجى بالسلام مع الكيان الصهيونى كما تجسده مبادرة السلام العربية التى ضرب بها الكيان عرض الحائط منذ ولادتها فى قمة بيروت عام 2002 رغم كل محاولات إعادة تفعيلها الفاشلة على نحو ما حدث فى قمة الرياض (مارس /أذار 2007)، والانجرار بعدها إلى اجتماع أنابوليس فى نوفمبر/ تشرين ثانى 2007.
هذه التطورات والتحالفات كانت لها امتداداتها داخل الدول العربية مع سياسة الانفتاح الاقتصادى والقبول بدعوة أو سياسة "التكيف الهيكلى" التى أدت إلى تراجع الدولة عن القيام بدورها الاجتماعى والانقضاض على المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية للطبقات الشعبية الفقيرة من عمال وفلاحين وطبقة وسطى مما أدى إلى مزيد من سياسات الإفقار وازدياد عدد الأغنياء وتراكم ثرواتهم، كما ازداد عدد الفقراء وازداد فقرهم.
وارتبط بهذا الواقع الاقتصادى - الاجتماعى العربى واقع سياسى لا يقل سوءاً أصبحت فيه "الدولة التسلطية" هى المسيطرة على مقاليد السلطة والثروة وفرضت معادلة احتكار السلطة، وتجريف بنية العمل العربى عبر ممارسات مؤسسات سياسية فاسدة حالت فى بعض الأحيان دون قيام تعددية سياسية حقيقية وأدت فى أحيان أخرى إلى قيام تعددية سياسية مشوهة فرضت معادلة أو لعبة سياسية قائمة على قاعدة وجود حزب أو عائلة أو قبيلة حاكمة تسعى إلى أن تظل حاكمة وإلى الأبد ووجود أحزاب معارضة تعارض فقط وقبلت أن تظل معارضة وإلى الأبد. وقد سقط أغلبها تحت ضغوط الترهيب والغواية التى تمارسها السلطات الحاكمة والتى استطاعت من خلالها أن تنتزع هذه الأحزاب من قواعدها الشعبية وتجعلها مجرد أدوات مزيفة لتجميل الوجه القبيح للدولة التسلطية والمعادلة السياسية المشوهة لمجمل العمل السياسى، وشاهد زور على فرض شرعية مزيفة لهذه الدولة التسلطية الحاكمة فى أغلب الدول العربية سواء كانت ملكية أو جمهورية، التى هى الوجه الحديث والمعاصر للدولة المستبدة، والتى تسعى إلى الاحتكار الفعَّال لمصادر القوة والسلطة فى المجتمع لمصلحة الطبقة أو القبيلة أو العائلة الحاكمة، وهى خلافاً لكل أشكال الدولة المستبدة السابقة تحقق هذا الاحتكار عن طريق اختزال المجتمع المدنى وتحويل مؤسساته إلى تنظيمات تضامنية تعمل كامتدادات لأجهزة الدولة، كما أنها خلافاً لكل أشكال الدول المستبدة الأخرى، تخترق النظام الاقتصادى وتسيطر على مقاليد الثروة إما بالمصادرة أو بالفساد، وتعتمد اعتماداً مفرطاً على الأجهزة الأمنية لدرجة توريط الجيوش فى مهمة فرض الأمن الداخلى لحماية النظام الحاكم وفرض استمراريته بالترويج لمعادلة "الاستمرار والاستقرار"، أى أن استمرار هيمنة النظام الحاكم هو الضمان الأفضل للاستقرار الذى هو البديل المباشر للفوضى التى تحرص على أن ت