المؤتمر القومي العربي الثاني
عمان 27-29 أيار/مايو 1991
الأردن
بيان إلى الأمة
في وقت تدخل أمتنا العربية مرحلة جديدة من تاريخها الطويل الحافل , ويشهد عالمنا فيه تفاعلات حادة ، في أعقاب حرب الخليج ، انعقد المؤتمر القومي العربي الثاني بين السابع والعشرين والتاسع والعشرين من شهر أيار/مايو عام 1991 في عمان ، وناقش حال الأمة بعامة والأمن القومي العربي ومستقبل حقوق الإنسان في الوطن العربي بخاصة .
وقف المؤتمر بداية أمام ما يعانيه كثيرون من أبناء الأمة في هذه المرحلة بفعل الأزمة والحرب من تمزق نفسي، وتشوش فكري، يسبب خلطا غير صحي في المفاهيم في ظل غياب النقاش الديمقراطي المطلوب على قاعدة من المسلمات القومية الثابتة التي مستها الأزمة في اتجاهين: في المصادرة الفردية للقرار السياسي وفي كسر بداهات الاستقلال القومي ومقدمته رفض الوجود الأجنبي . واستشعر المؤتمر مسؤوليته في الإسهام في تلبية الحاجة الملحة لحوار مسؤول يصل بالأمة إلى الصفاء النفسي ووضوح الرؤية والعمل لتحقيق أهدافها وإقامة مشروعها الحضاري القومي . ويؤكد المؤتمر أن هذا الحوار المسؤول يقتضي القيام بمراجعة تعتمد فيها النظرة الشاملة للأزمة بأبعادها المحلية والعربية والدولية، ويتم من خلالها التوصل إلى الإحاطة بصورة كل ما حدث، وفهم أسبابه، وتحديد نتائجه، واستخلاص عبره، ونصب العين محاسبة النفس . ولا يستطيع المؤتمر الا أن يكون متفائلاً بل واثقاً وهو يستحضر تاريخنا الطويل الحافل أن أمتنا التي خبرت المواجهات مع أعدائها ووطنت نفسها على صراع النفس الطويل ستكون قادرة على الاستجابة الصحيحة لجميع التحديات التي تواجهها في هذه المرحلة .
مراجعة:
حرص المؤتمر وهو يناقش حال الأمة على أن يقوم بهذه المراجعة من منطلق الانتماء القومي إلى الأمة ككل . ولاحظ أن أزمة الخليج التي بدت وكأنها محلية اثر اجتياح العراق الكويت يوم الثاني من آب/أغسطس 1990، هي في جوهرها أزمة إقليمية وعالمية . وقد تفاقمت ثم تفجرت حرباً هجومية طاحنة اكتوى بنارها أهلنا في العراق والكويت بخاصة، وكانت المواجهة العسكرية فيها بين قوات تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ومشاركة عدد من الدول العربية وبين العراق . وإذا كانت هذه الأزمة في بعدها المحلي سلطت الأضواء على ملف "العلاقات العراقية – الكويتية" وما يعتورها من خلل، وفتحت على الصعيد الإقليمي ملف "العلاقات العربية الرسمية" وملف "الأوضاع العربية القطرية"، فانها على الصعيد الدولي سلطت الأضواء على انتقال العالم إلى عهد الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي وفتحت ملف "عداء الغرب المستعمر للأمة العربية" وملف "التحالف الغربي الصهيوني للتحكم في الوطن العربي" وملف "استنزاف الشمال الغني لثروات الجنوب" .
لقد توصل المؤتمر إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية بخاصة والغرب بعامة استهدفوا تدمير قوة العراق العسكرية ونهب ثروات الخليج النفطية وقاموا بذلك عن سبق إصرار وترصد . ويؤكد المؤتمر على ضرورة محاسبة كل الأطراف التي تسببت في الأزمة وفيما انتهت إليه من نتائج . كما توصل المؤتمر إلى أن غياب الديمقراطية في الوطن العربي بعامة قد ساهم بقسط وافر في التمكين من بلوغ الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية العالمية وبريطانيا وفرنسا أهدافها من هذه الحرب في الوطن العربي، وإلى أنه ما كانت الحكومات العربية لتصل إلى الحال التي وصلت إليها ابان الأزمة والحرب لولا ابتعادها عن الخط القومي واستراتيجية العمل العربي المشترك النابع من وحدة المصالح والمصير . ويؤكد المؤتمر أنه لا مجال للتغاضي أو السكوت أمام أي واقع عربي يحصر القرار السياسي بيد حكم مطلق . ولهذا يولي المؤتمر أهمية خاصة لتركيز فكرة المراجعة والمناقشة والمحاسبة في الحياة السياسية العربية، سيما حيال القرارات المصيرية التي تلقي بنتائجها على الأمة بأسرها، وشاهدها الأخير في الخليج . ولاحظ المؤتمر كيف عملت الولايات المتحدة الأمريكية على تسخير الأمم المتحدة، بعد أن تفردت بقيادتها اثر التحولات التي شهدها الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية، لخدمة سياساتها وتحركت باسم "الشرعية الدولية" معتمدة معيارين في نظام دولي يفتقر إلى العدل .
وكان من بين ما أولاه المؤتمر عناية في معرض بحثه عن أسباب الأزمة والحرب، تتبع الجذور التاريخية لمشكلاتنا في المنطقة . وقد لاحظ المؤتمر أن أزمة الخليج في بعدها الدولي نبهت الذاكرة التاريخية لشعوب الدائرتين العربية والإسلامية، فكشفت هذه الجذور التاريخية لمشكلاتنا الصلة الوثيقة القائمة بين إقامة الغرب "وطناً قومياً لليهود في فلسطين"، وما للوطن العربي من أهمية استراتيجية وسياسية واقتصادية وحضارية تجعل الغرب يخشى قوته ويعمل لاضعافه والتسلط عليه، وكذلك الصلة الوثيقة بين الحدود السياسية التي أقامها الغرب بين الأقطار العربية ومخططاته للتحكم في ثروة النفط التي تختزنها أراضي الوطن العربي الكبير . فاستحضرت هذه الذاكرة كيف قامت هذه الدائرة الغربية بتقطيع أوصال الدائرتين العربية والإسلامية وتجزئة أراضيها وفرض الاستعمار عليها تحت اسم الانتداب والوصاية وكيف أقرت "عصبة الأمم" عام 1922 صك الانتداب البريطاني على فلسطين الذي تبنى جهرا النص على تنفيذ تصريح بلفور الخاص بإنشاء "وطن قومي لليهود في فلسطين" . كما استحضرت هذه الذاكرة انفراد الدائرة الغربية في إقامة نظام دولي عام 1945 أغفلت فيه مصالح شعوب آسيا وأفريقيا التي كانت تناضل ضد الاستعمار، وكيف خاضت بريطانيا وفرنسا حرب السويس عام 1956 بالتعاون مع القاعدة الصهيونية التي أقامها الغرب في فلسطين عام 1948 لمجرد أن مصر استخدمت حقها في تأميم قناة السويس، وكيف عملت الولايات المتحدة لتمكين "إسرائيل" من ضرب مصر وسوريا والأردن عام 1967 .
ولقد توقف المؤتمر أمام جميع الانتهاكات التي حدثت لحقوق الإنسان في هذه الأزمة والحرب، وأولها تلك التي اقترنت بالاجتياح العراقي للكويت وآخرها تلك التي يقوم بها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد شعب العراق كله باسم الشريعة الدولية . ولاحظ المؤتمر أن معاناة أبناء الأمة لما حل بإخوتهم شعب الكويت ابان الأزمة كانت بالغة في أنحاء مختلفة من وطننا العربي الكبير بما فيه العراق . كما لاحظ المؤتمر معاناة الأمة إزاء ما حل بأهلنا في العراق ابان الحرب وفي أعقابها . وتضمنت هذه الانتهاكات ما قامت به حكومات عربية من اجراءات بحجة الأمن استهدفت الأضرار بأبناء الأمة على أساس جنسياتهم للضغط على حكوماتهم، وما قامت به دعايات إعلام الأزمة من شن حملات دعائية . ولاحظ المؤتمر في الوقت نفسه انسياق البعض من أبناء أمتنا إلى الوقوع في أسر هذه الدعايات والتصرف من وحيها . كما توقف المؤتمر أيضاً أمام ما تعرض له شعب فلسطين العربي في وطننا المحتل من تصعيد الإسرائيليين انتهاكاتهم لحقوقه التي بلغت حد فرض حظر تجول عليه طيلة أسابيع الحرب السبعة . وسجل المؤتمر باعتزاز استمرار الانتفاضة المباركة ابان الأزمة والحرب ودخولها عامها الرابع وسط ظروف بالغة الصعوبة . كما سجل باعتزاز جميع صور التحرك الشعبي التي عبرت عن روح الانتفاض في الأمة في مختلف أرجاء الوطن العربي والعالم الإسلامي ابان الأزمة والحرب .
الواقعحرص المؤتمر وهو يناقش حال الأمة أن يطيل وقفته أمام حقائق المرحلة الراهنة، وهو يلاحظ بداية أن مضاعفات الأزمة والحرب وتداعياتهما لا تزال تتالى . فالعدو الصهيوني يتجه بفعل الأزمة والحرب إلى تصعيد عدوانيته، فيتابع تهجير اليهود من أوطانهم ويوطنهم في فلسطين المحتلة عام 1948 وعام 1967 على السواء، ويمارس الإرهاب الرسمي وغير الرسمي على الانتفاضة، ويجاهر بانتهاج سياسة توسع مستهدفاً فرض الأمر الواقع على كل الدول العربية ونصب عينيه المشاركة في نهب ثروة الخليج بخاصة مع دول الغرب وتفجير الأوضاع الداخلية هناك، وأمام تدخل أجنبي باسم الأمم المتحدة في شؤون العراق الداخلية، وأمام تفاعلات حادة في الكويت وممارسات تنتهك حقوق الإنسان وتثير الاحن . والولايات المتحدة تفرض على الأمم المتحدة دوراً جديداً، وقد برزت كقوة متفردة، ووقَّعت تحت إغراء القيام بدور "قيادة العالم" وإغواء "غطرسة القوة" بينما تحتدم في داخلها تفاعلات . ودائرة الغرب وقوى العالم الأخرى تشهد هي الأخرى تفاعلات حادة داخل كل منها وفيما بينها، وتململا من سعي الولايات المتحدة فرض نظام دولي جديد على هواها خادم لمصالحها .
ويلاحظ المؤتمر بقلق بالغ أيضاً أن من أخطر ما يقترن بهذه التداعيات والمضاعفات دخول المنطقة شوطاً آخر في سباق للتسلح الذي يخطط له صانعو السلاح في عالمنا وتجاره، وذلك بعد أن قررت الولايات المتحدة تصدير ما قيمته ثمانية عشر مليار دولار من السلاح لعدد من الدول العربية وتركيا والكيان الصهيوني . ومن الواضح أن سباق التسلح هذا سيستنزف مزيداً من ثرواتنا العربية بغير عائد قومي واضح .
وينبه المؤتمر إلى أن الصهيونية العالمية بدعم الولايات المتحدة الأمريكية تتحرك في هذه المرحلة بسرعة لابطال ما نالته قضية فلسطين من اهتمام بفعل الانتفاضة بلغ ذروته ابان الأزمة والحرب، بالعمل على إلغاء قرار "الصهيونية العنصرية الأممي" لعام 1975، ومحاولة تصفية منظمة التحرير الفلسطينية، وإلغاء مقاطعة الدول العربية للكيان الصهيوني، وإقحام أقطار الخليج العربي في مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية .
ولقد أولى المؤتمر عناية خاصة في قراءته للواقع القائم هادفاً إلى التعرف على الحقائق الاستراتيجية التي كشفت عنها التحولات التي حدثت في أوروبا الشرقية منذ خريف عام 1989، وأزمة الخليج منذ صيف 1990 . وفي مقدمة هذه الحقائق ما تأكد من أن قضية فلسطين هي جوهر الصراع في المنطقة، وأن روح الانتفاض في فلسطين والوطن العربي والعالم الإسلامي تزداد قوة .
ان دور القاعدة الاستعمارية الاستيطانية الصهيونية في الاستراتيجية الأمريكية تجاه النفط ومنطقتنا لم يثبت جدواه ابان الأزمة والحرب، وان هذه القاعدة قابلة لأن تصاب في أعماقها اذ هي لا تحتكر وحدها إمكانية ضرب أعماق الوطن العربي، وان تماسك الكيان الصهيوني الداخلي إذا ما تعرض للاختبار ضعيف، وهناك، ثغرات في بنيانه، وفي علاقته بموجدية، قابلة للاتساع، وان الدعم الأمريكي على مستوى الأمم المتحدة لعدوانه المستمر على الأمة العربية بات يفقد هذه المنظمة الدولية الثقة بجدواها ويمثل عبئاً أخلاقيا على أعضائها .
ويلاحظ المؤتمر ما حدث ويحدث من خلل في الميزان العسكري في المنطقة العربية بما يحقق ويضمن التفوق العسكري الإسرائيلي على القوى العربية من خلال تدمير القوة العسكرية العراقية وفرض قيود غير متوازنة على نمو القوى العسكرية العربية، وتهديد الدول العربية التي تسعى لتنمية قوتها العسكرية . ويتصور المؤتمر أن أي نظام للحد من التسلح في الوطن العربي لا بد وأن يكون جزءاً من نظام عالمي وبما يوفر توازنا يحقق الاستقرار ويكفل المطالب العادلة للأمة العربية . ويرى المؤتمر أنه في الظروف الحالية يمكن أن يكون التعاون بين أقطار عربية راغبة في ذلك وباتجاه إنشاء أسواق مشتركة أو اتحادات جمركية نقطة تحول في الميزان الاستراتيجي وخطوة نحو تحقيق متطلبات الأمن القومي العربي الشامل .
كما يراقب المؤتمر بقلق الترتيبات الجارية والتي يخطط لها لحرمان الأمة العربية من مجاراة التطور التقني للقوات المسلحة في العالم بما يحقق للقوى المعادية تفوقاً نوعياً يشكل تهديداً دائماً للأمن القومي العربي، ويرى المؤتمر أن التقدم التقني والصناعي بشقيه المدني والعسكري ضرورة لمواجهة المخاطر المقبلة، وهنا يذكر بصفة خاصة ضرورة الاستفادة وبسرعة من الأسلحة العراقية غير التقليدية، المفروض على العراق تدميرها، بنقلها إلى بلدان عربية أخرى، وكذلك الاستفادة مما حققته الصناعة العسكرية العراقية قبل حرب الخليج والعمل على الاستفادة منها في تحديث القوات العربية الأخرى .
* * *
ولقد تدارس المؤتمر باهتمام بالغ الوضع الاقتصادي العربي الراهن، على ضوء ما اتسمت به السنوات الأخيرة من ضعف في الأداء التنموي للاقتصاد العربي بصفة عامة .
فقد ازدادت حالة الانكشاف الغذائي واستمر ضعف بنية الصناعة التحويلية العربية وتفكك حلقاتها . كذلك، شهدت معظم البلدان العربية "غير النفطية" توسعاً في الاستدانة الخارجية، مما أدى إلى تضخم حجم المديونيات الخارجية، الأمر الذي أدى إلى تصاعد الأعباء السنوية لخدمة الدين الخارجي الذي يقدر له أن يصل إلى 15 مليار دولار أمريكي، في العام الواحد . وفي المقابل، يلاحظ تواضع حجم التدفقات السلعية والمالية فيما بين البلدان العربية، إذ لم يتجاوز حجم تجارة الصادر والوارد فيما بين البلدان العربية 7 بالمائة . كما أن العمليات التمويلية لمؤسسات وصناديق التنمية العربية لم تزد تدفقاتها السنوية عن مليار ونصف مليار دولار . وهي أرقام كلها جد متواضعة لا ترقى إلى مستوى التحديات الإنمائية التي يواجهها الوطن العربي .
وفي ضوء ما تقدم، يتضح للمؤتمر أن العرب يدخلون حقبة التسعينات في ظل عالم جديد يتشكل ويتخلق حولهم، ويجدون الأرض تميد تحت أقدامهم من كل جانب . ومن ناحية أخرى، سوف تشهد "حقبة التسعينات" بداية نهاية سيادة "الزمن النفطي" من حيث سيطرة الأقطار المنتجة للنفط على مقاليد الحياة الاقتصادية والاجتماعية العربية منذ منتصف السبعينات وحتى نهاية الثمانينات، ذلك "الزمن الظرفي" الذي طغى على كل الأزمنة خلال الخمسة عشر عاماً المنصرمة .
ولعل أهم التحديات التي تواجه الأمة العربية في التسعينات، هي تفاقم مشكلة ندرة المياه في المشرق العربي . وتشير كافة النذر إلى أنه إذا لم يتم التنسيق على أعلى مستوياته وبسرعة، فمن المحتمل أن تنفجر نزاعات داخلية وإقليمية جديدة في زل مخاطر محتملة على مياه الفرات والنيل، فضلاً عن تزايد احتمالات وقوع كوارث في بعض البلدان العربية التي قد لا تتمكن من توفير موارد المياه اللازمة للزراعة وانتاج الغذاء في التسعينات . وتحتل هذه القضية أهمية خاصة في ظل المطامع الصهيونية والإسرائيلية التي تسعى إلى نهب واستغلال مياه أنهار الأردن والليطاني واليرموك لصالح التوسع والنمو الإسرائيلي على حساب مسيرة التقدم والإنماء العربي .
وفي ضوء ذلك، ليس هناك من شك في أن نجاح المجهودات العربية المشتركة في مجال صون وتعبئة الموارد المائية يتطلب حجما هائلاً من التمويل اللازم لمشروعات الأمن الغذائي العربي من تحويل لمسارات المياه، وبناء السدود، ومشروعات لتخزين المياه ونقلها .
ومن هنا، يصدر المؤتمر عن يقين أن ثلاثية: "النفط، والمياه، والغذاء" تعتبر بمثابة الأضلاع الأساسية لمثلث الحياة العربية في التسعينات، في معركة البقاء والحياة المتجددة والإنماء .
كذلك يلاحظ المؤتمر أن مستقبل العلاقات الاقتصادية العربية مع الكتل الاقتصادية الكبرى في العالم: الجماعة الأوروبية – الولايات المتحدة الأمريكية وكندا – اليابان ومنطقة الباسفيكي – الاتحاد السوفياتي وبلدان أوروبا الشرقية (في ثوبها الجديد)، تتوقف في المقام الأخير على طبيعة التطورات والتوجهات السياسية في البلدان العربية المختلفة، ومدى درجة تبلور قدرات للتفاوض الجماعي في مجال العلاقات الاقتصادية الدولية، وكذا مدى القدرة على توظيف التناقضات القائمة بين الكتل الاقتصادية الكبرى لصالح "الجماعة العربية"، إذ ان النظام الدولي – الجديد – على الصعيد الاقتصادي – ما زال في طور التشكيل، وهناك تناقضات كبرى في المصالح بين الكتل الاقتصادية الكبرى يجب رصدها وفهمها والتعامل معها إيجاباً، عن طريق التكيف السلبي والتبعي .
وفي ظل الأوضاع الدولية الجديدة التي تتسم باحتكار واستئثار الغرب الرأسمالي بأحدث منجزات التكنولوجيا والمعلوماتية الحديثة، توجد محاولات جادة لفرض حصار محكم على البلدان العربية وعلى المستقبل العربي حتى لا يتم كسر وتجاوز سقوف معينة في مجال حيازة وتوظيف التكنولوجيا والمعلوماتية الحديثة في المجالات المدنية والعسكرية، مما يعرقل التقدم نحو هدف التنمية المستقلة والتجدد الحضاري . فمحاولة فك هذا الحصار تعتبر مهمة قومية، ويجب أن تبدأ بتطوير أطر تعاون عربي جماعي، وبفتح قنوات جديدة للتعاون التقني بين بلدان الجنوب .
ولقد أتت تداعيات أزمة الخليج لتؤكد محاولات إحكام السيطرة على مقدرات ومستقبل المنطقة العربية، عن طريق تحطيم البنية الاقتصادية الأساسية للعراق، من ناحية، وتبديد الثروات المالية العربية في الخليج، من ناحية أخرى . وبالتالي يتم تجريد العرب في التسعينات (وعلى أعتاب القرن الواحد والعشرين) من مقومات الحياة الكريمة: القدرة على البناء والتنمية، والقدرة على رد العدوان الخارجي .
ولذا فان تحدي إعادة الأعمار يمثل تحدياً رئيساً يواجه العرب خلال حقبة التسعينات، ولا سيما بالنسبة لبلدان عربية عديدة، يأتي على رأسها لبنان والكويت والعراق . وباستثناء حالة الكويت، لا تتوافر الموارد المالية اللازمة لإعادة اعمار لبنان والعراق . ولذا يطالب المؤتمر بإنشاء مؤسسة عربية لإعادة الاعمار والإنماء، على غرار البنك الأوروبي الجديد لإعادة بناء أوروبا الشرقية، يمثل آلية مؤسسية لتقنين عمليات التدفقات المالية من بلدان الفائض العربية إلى بلدان العجز العربية، على أسس موضوعية ثابتة، بعيداً عن حساسيات العلاقات الثنائية .
وبالتوازي مع ذلك، فاننا نود أن يركز العمل القومي العربي في الفترة القادمة على فك الحصار الاقتصادي المتعسف والمتعنت المضروب حول العراق، وأن يقع الضغط عربياً ودولياً للتخفيف من وطأة التعويضات الاقتصادية المفروضة على العراق، ان لم يكن إلغاؤها تماماً، وحلها في إطار عربي .
وهنا يحذر المؤتمر من أنه إذا سار المخطط العدواني كما رسم له، فان الأمر لن ينتهي إلى إحكام السيطرة على الإمدادات النفطية العربية بأبخس الأثمان فقط، بل إلى رهن تلك الموارد لآجال طويلة قادمة تحت مسميات مختلفة . والنتيجة ستكون خسارة جماعية لكل العرب (بما في ذلك شعبنا العربي في الخليج)، مهما كانت المكاسب الجزئية والمحدودة التي تبدو للبعض في الأجل القصير .
ما العمل؟
أولى المؤتمر عنايته البالغة للإجابة عن سؤال: ما العمل؟ وتوصل إلى توافق عام على مجموعة خطوط استراتيجية بشأن ما ينبغي عمله في هذه المرحلة، استجابة للتحديات التي تواجه أمتنا العربية ومتابعة لنضالها من أجل إقامة مشروعها القومي، مع ملاحظة ما تفرضه ظروف التخلف الذاتي والهجوم الغربي المتواصل من طابع دفاعي .
وفي هذا السياق، ينطلق المؤتمر من أن الإنسان العربي هو الغاية وهو المرتجى، ولذلك، فان حرية هذا الإنسان تصبح بدورها غاية في حدّ ذاتها، كما أنها تصبح أيضاً وسيلة لتفجير الطاقات الخلاقة المبدعة لكل الشعوب العربية .
ومن هنا، يؤكد المؤتمر أن الديمقراطية تحتل الآن موقعاً أساسياً ضمن أولويات المشروع الحضاري القومي العربي، فلا ينبغي التضحية بها . من أجل تحقيق قيمة أخرى .
أن أبرز خبرات النضال العربي حتى الآن توضح أن التضحية بالديمقراطية من أجل أية قيمة أو مصلحة أخرى، لم تؤد لا إلى تحقيق هذه القيمة ولا إلى تلك المصلحة . وحتى في بعض تلك الحالات التي شهدت تحقيق إنجازات مهمة، فقد أمكن تصفية الكثير منها فيما بعد .
كذلك، فان أبرز خصائص المرحلة التاريخية التي يمر بها العالم هي انبثاق وعي الشعوب . فعصر الجماهير التابعة الخانعة قد ولى، وحل محله عصر الشعوب الحرة الواعية . وما حدث في بلدان أخرى من العالم، المتقدم والمتخلف على السواء، سيحدث في الوطن العربي عاجلاً أو آجلاً . ولن يقرر المستقبل العربي سوى الشعوب العربية بصراعها المنظم وقدرتها على إقامة المجتمع الديمقراطي . فهذا هو المنطلق الأساسي والقاعدة الاستراتيجية لكل تخطيط وعمل منظم في المرحلة التاريخية الحاسمة التي تقف الأمة العربية اليوم على أعتابها .
ويؤكد المؤتمر أن الوحدة العربية من حيث المبدأ لا ينبغي فرضها بالقوة، حيث ان الأهداف العظيمة للأمم يجب أن تتكافأ أساليب تحقيقها مع غاياتها، فضلاً عن أن القسر، أيا كانت أشكاله، عمل متعارض مع نموذج الوحدة الديمقراطية المنشودة . ان طريق الوحدة لا بد وأن يبدأ بالدعوة الجماهيرية لعودة الأمر الطبيعي لأمة واحدة مزقها أعداؤها ضد إرادتها وضد مصلحتها، والعمل السلمي لتقريب يوم هذه الوحدة، ثم القبول الديمقراطي للوحدة تتويجاً للدعوة والعمل معاً، مع اختيار اللحظة التاريخية المواتية . ان اشتراط الدعوة السلمية واشتراط القبول الديمقراطي ليس مجرد تمسك بأسلوب مثالي، وإنما هو فوق ذلك ضرورة لازمة في ظروف العمل من أجل الوحدة القومية للأمة العربية كلها وضد أعدائها الذين ما زالت قواعدهم على الأرض العربية ذاتها .
وفي هذا السياق، يكتسب النضال من أجل إيجاد الحقائق الوحدوية على الأرض العربية أهمية خاصة . وانطلاقاً من هذا المعنى يؤكد المؤتمر ضرورة الشروع على الفور في تقنين مبدأ المواطنة العربية . كذلك، يتوقع المؤتمر من المثقفين القوميين في شتى الاختصاصات والمهن والمواقع والتنظيمات ضرورة أن يجعلوا من أنفسهم مثلاً وقدوة في الالتزام القومي .
ان المؤتمر اذ ينطلق من قيم الحضارة العربية الإسلامية، التي ساهم في بنائها أبناء أمتنا مسلمين ومسيحيين، يقف حكماً ضد كل أشكال التعصب القومي ويرى "الشخصية القومية العربية" المستندة إلى تراث ثقافي عريق مشروعاً مستقبلياً وليس فقط استعادة لماض سحيق . والمبررات الآتية من المستقبل إذا جاز التعبير، هي الأغراء الأول الذي يشد تطلعاتنا في عصر التجمعات الكبرى التي تملك أمتنا كل عناصرها لتكون التجمع القائم بذاته المزدهر والقادر على الاستقطاب .
كذلك، فقد أكدت أزمة الخليج – ضمن ما أكدت – أن التلازم عضوي بين العروبة والإسلام وأن أي ادعاء بوجود تناقض بينهما لا ينبغي الالتفات له بعد ذلك . فالإسلام هو المحتوى الثقافي والحضاري للعروبة، والعرب هم حملة رسالة الإسلام إلى العالم قاطبة .
ويرتبط بذلك مباشرة التأكيد على أهمية العلاقات بين الوطن العربي ودول الجوار والتعاون فيما بينها لانتمائها جميعاً إلى دائرة الحضارة العربية الإسلامية .
لقد تدارس المؤتمر ما تعرض له النظام العربي بفعل أزمة الخليج من صدمة عصبية حادة أفقدته القدرة على الاتزان وأصابته بحالة من الشلل والتمزق، وتأكد بالتالي أنه يعاني من خلل جسيم في عناصره ومكوناته ووظائفه، وأن الحاجة أصبحت ماسة لبناء نظام عربي جديد .
ومن هذا المنطلق يدرك المؤتمر أن الجماهير العربية التي هزتها الشعارات القومية التي رفعت أثناء الأزمة بعنف، وعبأتها أحياناً، ثم أصابتها في النهاية حالة من الذهول والإحباط، هذه الجماهير العظيمة قد حددت بعفويتها وتلقائيتها ملامح الطريق .
ويؤكد المؤتمر أنه لا يطرح نفسه كصيغة تنظيمية سياسية للعمل الوحدوي العربي، وليست لديه أية ادعاءات حول هذه النقطة . ولكنه ينطلق في سنته الثانية من تصميم واع على السعي للمساهمة الفكرية السياسية والعملية في دفع الحركة الوحدوية العربية .
ويلاحظ المؤتمر تطور المفاهيم القومية في العالم على ضوء التجارب الملموسة سيما في العقد الأخير من جهة، أو التراث الخاص الغني بالدروس للتجربة العربية الحديثة، سواء في تعدد أشكال المحاولات التوحيدية أو في تجربة "الدولة الكيانية" بعد الحرب العالمية الأولى من جهة أخرى . ويخلص على ضوء ذلك باستنتاج يراه أساسياً هو أنه لا "طريق" واحد للمشروع الوحدوي . فتعدد النماذج ليس بالضرورة اختياراً لطرق مختلفة ومتناقضة بل بإمكانه أن يكون تعبيرات متباينة عن ديناميكية النزوع العميقة إلى الوحدة العربية . ولهذا يدعم المؤتمر كل أشكال "التقارب" العربي – العربي بمستوياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويرى في كل تفاعل عربي إغناء لمسار تبلور الوعي المستقبلي القومي في المجتمعات العربية . فكلما ازدادت أندية التعاون العربية المتعددة الأقطار كلما كان ذلك تأكيداً لهذه الوجهة سيما حين يتجه التعاون إلى مشاريع تكامل البنى التحتية الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية بشكل عام .
والتغيير المطلوب لا بد أن يبدأ من داخل كل قطر عربي لبناء النظام العربي على أسس صحيحة تستجيب مع صحيح تراث الأمة وخبراتها وحكمتها العميقة جنباً إلى جنب مع الاستفادة من دروس الأزمة، والاستجابة لمتغيرات العصر وتحدياته .
والنظم العربي تعاني ضعفاً بنيوياً لا شفاء منه، مهما كانت قدرتها القمعية، ويؤدي بها عاجلاً أو آجلاً إلى التفتت والانهيار . ويظهر ذلك الضعف من ناحية أخرى في عجزها عن مجابهة التحديات الداخلية الخارجية . لذلك فان مطلب التحول إلى النظام الديمقراطي في هذه المرحلة مطلب مصيري يتوقف على تحقيقه إخراج هذه النظم من حالة الضعف والتخبط والفوضى التي تعانيها، وجعلها في حالة من الوعي الذاتي، والتماسك الداخلي تمكن من الوقوف في وجه الصعاب والتحديات التي تجابهها .
ولا بد لهذا التحول الديمقراطي أن يبدأ أولاً بالإنسان العربي، وبالاعتراف بحقوقه وحرياته الأساسية، وفي مقدمتها حقه في المعرفة وحقه في التعبير عن آرائه ومعتقداته بمختلف الوسائل وبوجوب رفع كافة أشكال الرقابة عليها وكذا حقه في تشكيل الأحزاب والمنظمات والجمعيات، وحقه في المشاركة السياسية الكاملة والفاعلة بما في ذلك المشاركة في اختيار من يتولون مقاليد السلطة والتشريع إلى المشاركة في صياغة القرارات واتخاذها إلى مراجعة عملية تنفيذها، ومن ثم إلى حقه الأصيل في المحاسبة على الأداء وعلى النتائج . وبذلك، تتجنب الأمة دورات من العنف والفوضى كما نشاهد من حولنا، كما أن الديمقراطية الصحيحة لا تكتمل وتتكرس بعد ذلك إلا بكفالة تداول السلطة . ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى أن تحرر المرأة والمشاركة في العملية الإنتاجية يشكل جزءاً أساسياً من عملية التحول الديمقراطي الصحيح . وما لم يتم تحرر المرأة العربية تحرراً كاملاً، فان النقلة التاريخية الممثلة في بناء المجتمع الديمقراطي الصحيح لن تتم . وان بقاء قطاع من المرأة العربية في حالة من التبعية والشلل، سيقف في وجه كل تغيير جذري في المجتمع . أضف إلى ذلك أن تحرر المرأة يتطلب تحويل حركة تحرير المرأة من حركة نسائية إلى حركة سياسية واجتماعية شاملة يتبناها النساء والرجال معاً . وبطبيعة الحال، يدرك المؤتمر أن هذه الحقوق والحريات لا بد أن تتأسس على قاعدة من العدالة الاجتماعية والتنمية المستقلة .
والتنمية المستقلة لا يمكن تحقيقها في كل قطر عربي على انفراد، ذلك أن التنمية العربية المشتركة، وليس التكامل أو التنسيق فقط، يعتبر مطلباً ضرورياً وطنياً وقومياً معاً . . وبهذا المدخل يستقيم معنى إعادة توزيع الثروة العربية داخل كل قطر وعلى اتساع الأمة من المحيط إلى الخليج . والتنمية القومية هي قاعدة الأمن القومي العربي . وبهذا يوجه السلاح العربي بأكمله، ضمن كل الموارد العربية، ضد أعداء الأمة، وأعداء تقدمها وحريتها ومستقبلها الوحدوي .
لقد اتضحت أثناء الأزمة مدى هشاشة نظام الأمن العربي وعجز آلياته عن توفير حماية حقيقية وفعالة لأطرافه، ولذلك فان إقامة نظام أمن عربي فعال أصبح أمراً بالغ الضرورة . ويرتبط بذلك بالضرورة تهيئة أسباب إزالة التناقضات الحادة داخل المجموعة العربية، فضلاً عن إيجاد نظام عربي لحل المنازعات سلمياً .
ولذلك، فان المؤتمر يؤكد مرة أخرى: ان أول شرط لتحقيق الأمن القومي العربي هو أن تفرض جماهير الأمة إرادتها على حكامها . فلا أمن للأمة التي لا يأمن أفرادها على أنفسهم ولا يقررون ما هي مصلحتهم .
ولا بد في هذا السياق من التنبيه إلى خطر سباق التسلح الجديد في المنطقة . فالسلاح يشترى بأموال الشعب ومن أجل حماية الشعب وكيانه ومقدراته . ولذلك فان المؤتمر يدرك أن قضية التسليح العربي في حاجة إلى أن تسلط عليها أضواء شعبية كاشفة بحيث تتضح كل المعطيات المرتبطة بها، دون أن يعني ذلك إخلالاً بأمن الوطن أو الأمة . فلا بد للشعوب أن تعرف من خلال مؤسساتها المعنية، كل أبعاد صفقات السلاح، ومن حيث الكم والنوع، ومن حيث الشروط والظروف، ومن حيث شروط التعاقد، فضلاً عن توجهات النظم الحاكمة التي تقوم بهذه الصفقات لتحديد: السلاح العربي لمن؟ وضد من؟
ولا شك أن أخطر التطورات التي حدثت مؤخراً في الموقف الإقليمي هو الوجود العسكري الأجنبي في مناطق شديدة الحساسية بالنسبة إلى الوطن العربي . وفي ظل هذا الوجود فان حرية أي بلد عربي في اتخاذ قرار من قرارات السيادة يصبح موضع تهديد إذا وجدت فيه هذه القوات الأجنبية ما يتعارض مع مصالحها .
ان المؤتمر ليس في حاجة إلى ابتكار مفاهيم جديدة لتوصيف الوجود العسكري الأجنبي على الأرض العربية ولا إلى تحديد موقف جديد منه . ويكفي أن كل "القوى المتحالفة" والبلاد والأنظمة العربية التي استدعت الوجود الأجنبي قد أكدت أن لهذا الوجود وظيفة واحدة هي "تحرير الكويت" وأنه لن يبقى بعدها يوماً واحدً . وان المؤتمر يعتبر استمرار هذا الوجود الأجنبي بعد تحقيق المهمة التي استدعي من أجلها، بغض النظر عن تقويم ذلك، يصبح وجوداً تبتغي إدانته ومقاومته باعتباره يمثل عودة لأسلوب الاحتلال المباشر والقواعد العسكرية الدائمة .
وإذا كانت القيادات العربية العليا من ملوك ورؤساء عرب قد أكدوا كل يوم أنهم سيكونون في طليعة من يطالب القوات الأجنبية بالرحيل بعد إعادة السيادة للكويت، فلا شك في أن تحقيق هذه المهمة، الذي أدى إلى تدمير العراق في نفس الوقت وفرض العديد من الشروط والقيود على موارده وقدراته، يجعل المؤتمر صريحاً في دعوتهم إلى الالتزام بما عاهدوا شعوبهم عليه . ان وجود قوات وقواعد أجنبية على أرض بلد عربي قضية تتجاوز منطق السيادة القطرية الضيق وتتعلق بالأمن القومي العربي كله، ولا يملك أي نظام ولا يحق له أن ينفرد بقرار حوله .
ولقد تدارس المؤتمر بكثير من الإمعان والروية التطورات الجارية في منطقة الخليج العربي، بما تحمله من بعض التوجهات والسياسات التي قد تكون لها آثارها الاستراتيجية السلبية بالنسبة لمستقبل المنطقة، ولمستقبل الأمة العربية كلها، انطلاقاً من وحدة المصير .
ان الجزيرة العربية هي منبع العروبة والإسلام معاً، وبالتالي فان الجزيرة العربية هي جزء لا يتجزأ من الكل العربي . . وهذه الحقيقة الجغرافية لها انعكاساتها المؤكدة من النواحي الاستراتيجية والثقافية والسياسية والاقتصادية على مجمل الأمة العربية حاضراً ومستقبلاً .
وإذا كانت منطقة الخليج العربي قد تعرضت لمحنة قاسية، فان الأمم العظيمة تخلقها المحن العظيمة .
ان تنمية الخليج العربي تنمية حقيقية مرتبطة بهويته القومية، فلا يمكن أن تتم أساساً إلا في محيط عربي وبأيد عربية، دون أن يخل ذلك بإمكانية الاستعانة بالكفاءات غير العربية عند الضرورة .
كذلك فان المؤتمر ينبه إلى خطورة ما يجري في بعض بلدان الخليج العربية من سياسات بشأن العمالة الوافدة . وقد لا يقتصر انشغال المؤتمر على مسألة الاستغناء عن عدد كبير من العمالة العربية، بل ان الأمر الذي قد يكون أكثر خطورة على المدى الطويل، هو المتعلق بمن سيحل محل هذه العمالة العربية وتأثيره على التركيب السكاني والاجتماعي لمجتمعات الخليج في السنوات القادمة . ان الترجيح الغالب هو أن مثل هذا التوجه سيخلق كيانات استيطانية أجنبية في بعض البلدان الخليجية بحيث تفاجأ الأمة بواقع استيطاني عنصري آخر . وربما أمكن تمرير هذا المخطط، في ظل الهيمنة الغربية، تحت شعارات حقوق الإنسان وما شابه ذلك .
كذلك فان أمن لخليج العربي لن تحميه إلا الترتيبات الأمنية العربية، بل ان الاستغناء عن هذه الترتيبات، وتصور إمكانية الاستعانة بالأجنبي في هذا المجال، سيضع على أرض الخليج ذاتها بؤر توتر دائمة .
ومن هذه المنطلقات يتوجه المؤتمر بنداء إلى أبناء أمتنا العربية، أين كان موقعهم، للسمو فوق اعتبارات اللحظة الراهنة بكل قساوتها ومرارتها، لأنه لن يصح في النهاية إلا الصحيح .
ان المؤتمر يدرك بيقين أن الأمة تتعرض لهجمة أمريكية صهيونية شرسة وقد انتهزت فرصة حرب الخليج لكي تنطلق بكامل قواها لفرض الأمر الواقع وحل الصراع العربي الإسرائيلي وفقاً للشروط الإسرائيلية . . وربط كل المنطقة بعد ذلك بالاستراتيجية الأمريكية الكونية، استناداً إلى ما تمخضت عنه حرب الخليج من آثار . وهنا يستذكر المؤتمر مجموعة من التداعيات الخطيرة
ـ تدمير القدرة العراقية الاستراتيجية عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وانعكاس ذلك على اختلال التوازن في الصراع العربي – الإسرائيلي، الأمر الذي يستدعي إحياء الجبهة الشرقية، التي تضم الأردن وسوريا ولبنان والعراق ومنظمة التحرير الفلسطينية، على وجه السرعة بتوفير الظروف الملائمة لذلك .
ـ الوجود الأجنبي المباشر على شكل قوات مسلحة وقواعد عسكرية .
ـ استنزاف القدرات الاقتصادية العربية سواء في تمويل العمليات العسكرية على كل الجبهات، أو في سباق التسلح الجديد، أو في عمليات التعمير بكل من الكويت والعراق .
وتزداد خطورة آثار حرب الخليج بالنسبة إلى الصراع العربي – الإسرائيلي باستمرار تدفق الهجرة اليهودية من أماكن مختلفة إلى فلسطين المحتلة، فضلاً عن تراجع أولوية الصراع العربي الإسرائيلي ضمن الأولويات العربية وتزايد احتمالات الاعتراف والتصالح بين أقطار عربية وإسرائيل .
كذلك يلاحظ المؤتمر أن الأمة أصبحت اليوم أبعد ما تكون عن استقلالها السياسي بما كبلته به مجموعة من بلدانها منفردة من اتفاقيات مع الغير، إضافة إلى تكبيل إرادتها السياسية بسبب المديونية المستفحلة التي تسببت فيها برامج التنمية الفاشلة المؤسسة على نماذج تشجع النزعات الاستهلاكية ولا تسخر الطاقات لتلبية الحاجات الإنسانية الأساسية .
وبناء على المناقشات الخاصة بالأوضاع التعسفية المفروضة على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلية، والمخالفة لمعاهدات جنيف، وبناء على مناقشات المؤتمر فيما يتعلق بالإجراءات التعسفية التي تنفذ ضد الشعب العراقي باسم الشرعية الدولية، والتي تسعى إلى استمرار فرض الحصار الاقتصادي عليه، وتدمير أسلحته، وإرغامه على دفع تعويضات بشروط مجحفة، فان المؤتمر قد قرر تكليف الأمانة العامة بالتوجه للهيئات التالية لاتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن السعي لفض الحصار عن الشعب العراقي واحقاق حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره:
الحكومات العربية، جامعة الدول العربية، السكرتير العام للأمم المتحدة والمنظمات الدولية المختصة .
ويعبر المؤتمر عن تعاطفه التام مع العراق والكويت في جهودهما لإعادة أعمار البلدين، وتأسيس الديمقراطية فيهما . كما يدعو المؤتمر السلطات الكويتية إلى وقف الاعتقالات والاعتداءات على مواطنين عرب فيها وإلى إتاحة كل الضمانات القانونية للمحاكمات التي تجري الآن، واضعين في الاعتبار أهمية تضميد الجراح في المرحلة الراهنة، وسعياً وراء تضامن عربي فعال في مواجهة التحديات الخطيرة التي تعترض الأمة العربية .
وفي نفس الإطار يتابع المؤتمر بقلق بالغ الحملة الدولية الشرسة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إلغاء القرار الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975 والذي قضى باعتبار "الصهيونية عقيدة عنصرية وشكلاً من أشكال التمييز العنصري" . ويقتضي هذا الأمر حملة عربية مكثفة على كافة المستويات: حكومات ومؤسسات رسمية وغير رسمية ومنظمات مهنية ونقابية وطلابية وكافة القوى الفاعلة في الأمة العربية التي يمكن أن تكون لها صلات دولية للحيلولة دون العودة عن هذا القرار . ان نجاح الولايات المتحدة في مسعاها لا يمثل إهانة لشرف الأمم المتحدة وكبريائها فحسب، ولكنه سيمثل كذلك انتكاسة خطيرة للأمة العربية في حاضرها ومستقبل علاقاتها مع دول العالم وخاصة دول العالم الثالث .
ويلاحظ المؤتمر أن الحديث عن "نظام جديد" أصبح شعاراً تمويهياً مفيداً للتغطية يحجب النشاطات التي ترتبط بدرجة أوثق بمصالح الولايات المتحدة. فلقد تم استغلال هذا الحديث في منطقتنا لمعاقبة الأعداء ومكافأة الأصدقاء. كما يجري استغلاله في تلقين الدروس فضلاً عن تحديد السبل التي تصرف فيها أقطار الخليج أموالها ويسمح لها بموجبها بالتعامل مع بقية دول العالم، كما يمكن استغلاله أيضاً لإيجاد مركز تتمتع فيه الولايات المتحدة بامتيازات خاصة، لا سيما في مجال النفط، على حساب منافسيها كاليابان والدول الأوروبية .
إن المؤتمر يدرك أن هناك عالماً جديداً بالفعل يعاد بناؤه نتيجة للتغيرات الهائلة التي شهدها العام الماضي في المعسكر الاشتراكي بصفة خاصة – من ناحية، ونتيجة لحرب الخليج بكل دروسها وخبراتها – من ناحية أخرى. ولكن إذا كان النظام العالمي الجديد المستهدف قد عبدته سنوات من السير على طريق الانفراج ثم الوفاق، فان نهايته لا يمكن أن تتمثل في هيمنة الولايات المتحدة على العالم وتصبح وحدها مصدراً للشرعية وللاختصاص بل وللقصاص أيضاً .
والمؤتمر يؤمن بوجوب قيام نظام عالمي جديد، ويعلن ذلك إلى جماهير أمته وإلى قادتها، ولكن المؤتمر لا يتصور عالماً جديداً بالفعل إلا إذا كان ينبني، أول ما ينبني، على العدل . فالعدل يصنع الأمن، وبالأمن يسود السلام الدائم. وان إعادة النظر في ميثاق الأمم المتحدة يصبح أمراً أكثر تعبيراً عن رياح الديمقراطية التي شملت العالم، ويصبح أمراً أكثر اتساقاً مع مبادئ العدل الواحدة الموحدة ويشكل مدخلاً لا غنى عنه كأساس في بناء النظام العالمي الجديد .
ولاحظ المؤتمر بكثير من القلق تصاعد الإرهاب الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني ومؤسساته التعليمية والأهلية وسعيه الدائم لتمزيق نسيجه الاجتماعي وفرض الأمر الواقع عليه . وانتقد المؤتمر بشدة التقاعس العربي عن نصرة الانتفاضة الشعبية المباركة داعياً إلى الالتزام بمقررات مؤتمرات القمة العربية باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني مطالباً بدعم الانتفاضة بكل الوسائل لتمكينها من مواصلة نضالها الوطني مناشداً سائر الهيئات الرسمية العربية بوقف الممارسات الكيفية ضد أبناء الشعب الفلسطيني المنتشرين في أرجاء الوطن العربي الكبير وتأمين حقوقهم المدنية والإنسانية الكاملة .
ويدعو المؤتمر كافة الأقطار العربية إلى الالتزام بحق المواطنية العربية وذلك باتخاذ كل الإجراءات الرسمية الكفيلة بتعزيز الروابط بين أبناء الأمة الواحدة وإزالة كل التدابير التي تمنع تنقل المواطنين العرب بحرية كاملة بين الأقطار العربية وإقامتهم فيها .
وأولى المؤتمر خلال مداولاته عناية خاصة لمسألة الأقليات في الوطن العربي، ورأى أن هذه المسألة بكل إشكالاتها لا يمكن أن توضع على طريق الحل الصحيح إلا في الإطار الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان وعلى أساس حماية الوحدة الوطنية ومقاومة النفوذ الاستعماري .
كذلك درس المؤتمر خطر استمرار العدو الصهيوني في احتلاله لأجزاء غالية في جنوب لبنان متوجهاً بالتقدير للمقاومة الشاملة لهذا الاحتلال مؤكداً على أهمية دعم مسيرة التحرير، شعبياً ورسمياً، ملاحظاً أهمية الخطوات التي تم اتخاذها على طريق إقفال ملف الحرب الأهلية وتعزيز فعالية الدولة والسير قدما على طريق الوحدة الوطنية والسلام، متطلعاً إلى أن تكون معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق التي تم إبرامها بين سوريا ولبنان داعماً لتحقيق هذه الأهداف وتجسيداً للعلاقات التاريخية وتعميقاً للروابط القومية بين البلدين، مؤكداً على ضرورة عودة لبنان لممارسة دوره المتميز في مجالات الثقافة والفكر مما يتطلب الحفاظ على الحريات الأساسية فيه واعتبار الديمقراطية ضامنة لوحدته وعروبته في آن معاً .
ويتوجه المؤتمر بالتحية الخالصة لشعب اليمن العربي الذي استعاد وحدته الوطنية وأسس دولته الموحدة وتقدم خطوات على طريق تعزيز الحياة الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان والالتزام بالقضايا القومية العربية .
ويهيب المؤتمر ببلدان المغرب العربي إغلاق ملف نزاع الصحراء الذي يهدد عدم التوافق على حله بضرب التقارب بين بلدان المنطقة، وشل فعالية شعوبها وحركاتها الوطنية، واضعاف مساهمتها في المحيط القومي العربي.
واذ يندد المؤتمر بالصمت العربي الثقيل تجاه الأحداث المأساوية التي تجري في الصومال وتستهدف وحدته وأمنه واستقراره، يدعو المؤسسات العربية وفي مقدمتها الجامعة العربية إلى بذل أقصى الجهود لوقف الاقتتال الداخلي في هذا القطر العربي وتمكينه من تحقيق حريته والمحافظة على وحدته .
ويشيد المؤتمر بصمود الشعب الارتري وبنضاله البطولي المتواصل منذ ثلاثين عاماً من أجل حقه في تقرير المصير مناشداً الأمة العربية مساندة شعبارتريا وثورته وتوفير كل الدعم اللازم لها .
مقررات وإجراءات:
ن المؤتمر، بعد أن ناقش مشروع مسودة النظام الأساسي الذي قدمته الأمانة السابقة وأجرى التعديلات الأساسية عليه، وافق على إقرار هذا النظام الأساسي الذي يحدد مهمة المؤتمر، وكيفية تشكيله، ومهمات أمانته العامة، وعدد أعضائها، ومدة توليها المسؤولية . كما كلف الأمانة العامة بإعداد نظام داخلي مفصل يحدد سير العمل وطبيعة تركيبه والصفة التي تحكم العلاقات داخل المؤتمر وبينه وبين فروعه في أقطار الوطن العربي وخارجه .
وبناء على هذا النظام الأساسي الجديد تم انتخاب الدكتور خير الدين حسيب بالإجماع أميناً عاماً للمؤتمر . كما انتخب المؤتمر خمسة وعشرين من أعضائه لعضوية الأمانة العامة .
وقد تم انتخاب الأعضاء التالية أسماؤهم في الأمانة العامة للمؤتمر:
أ. أحمد صدقي الدجاني (فلسطين)
د. أسعد عبد الرحمن (فلسطين)
أ. جاسم القطامي (الكويت)
د. حسام عيسى (مصر)
أ. حمد الفرحان (الأردن)
أ. رسول الجشي (البحرين)
أ. ضياء الفلكي (العراق)
أ. الطاهر لبيب (تونس)
أ. طلعت مسلم (مصر)
أ. عبد الإله بلقزيز(المغرب)
د. عبد الخالق عبد الله(الإمارات)
د. عصام نعمان(لبنان)
د. علي خليفة الكواري(قطر)
أ. علي لطف الثور(اليمن)
أ. محسنة توفيق(مصر)
د. محمد الأطرش(سوريا)
د. محمد الطاهر العدواني(الجزائر)
د. محمد عابد الجابري(المغرب)
أ. محمد فايق(مصر)
د. مسعود الشابي(تونس)
أ. معن بشور(لبنان)
أ. منصور الكيخيا(ليبيا)
أ. نجاح واكيم(لبنان)
د. هشام شرابي(فلسطين)
د. وميض نظمي (العراق)
كما اطلع المؤتمر على ورقة العمل المقدمة حول تجربة "مخيم الشباب القومي العربي الأول" الذي أقيم في مركز عمر المختار التربوي في البقاع (لبنان) ما بين 20 تموز/يوليو – 3 آب/أغسطس 1990 وشارك فيه حوالى ثلاثمائة شاب من مختلف الأقطار العربية، وبعد أن أبدى تقديره لهذه التجربة الرائدة، وشكره لكل من ساهم في إنجاحها، جدد استعداده لرعاية هذه التجربة وحرصه على أن تستمر كل عام، وفي أكثر من قطر.
أ. ابراهيم الدقاق(فلسطين)
د. أحمد بن صالح(تونس)
د. أحمد سعيد نوفل(فلسطين)
أ. أحمد صدقي الدجاني(فلسطين)
د. أحمد ماضي(الأردن)
د. أسعد عبد الرحمن(فلسطين)
أ. أمين شقير(الأردن)
أ. برهان الدجاني(فلسطين)
أ. بشارة مرهج(لبنان)
أ. بهجت أبو غربية(الأردن)
د. جمال الشاعر(الأردن)
أ. جهاد الزين(لبنان)
د. جورج طعمة(سوريا)
د. حسام عيسى(مصر)
أ. حسين مجلي(الأردن)
أ. حمد الفرحان(الأردن)
د. خير الدين حسيب(العراق)
أ. رسول الجشي(البحرين)
د. رغيد الصلح(لبنان)
أ. رياض الريس(سوريا)
د. سعدون القشطيني(العراق)
د. سعيد بنسعيد العلوي(المغرب)
أ. سليمان الحديدي(الأردن)
أ. السيد يسين(مصر)
أ. شفيق الحوت(فلسطين)
د. صالح ارشيدات(الأردن)
أ. ضياء الفلكي(العراق)
د. طارق اسماعيل(ال |