المؤتمر الثاني والعشرون
27 – 28 أيار/مايو 2011
بيروت - لبنان
العلاقات العربية الإيرانية والعلاقات العربية التركية ** 2010-2011
د. ساسين عساف *
* نائب رئيس المنتدى القومي العربي في لبنان، عضو اللجنة التنفيذية للمؤتمر القومي العربي، باحث، أستاذ جامعي.
** ورقة أوّلية أعِدّت حول حال الأمة إقليمياً لمناقشتها قبل تضمينها تقرير حال الأمة بصيغته النهائية.
- لا تعبر هذه الورقة بالضرورة عن رأي الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي.
*** لا يجوز نشر هذه الورقة كلاً أو جزءاً إلا بموافقة تحريرية من إدارة المؤتمر.
العلاقات العربية الإيرانية والعلاقات العربية التركية
2010-2011
مقدّمة
إرهاصات وبدايات الثورات والانتفاضات والتظاهرات العربية في غير قطر عربي كانت أبرز ما شهده الوطن العربي خلال العام 2010 والأشهر الأربعة الأولى من العام 2011. مواقف إيران وتركيا منها شكّلت المحدّد الأساس لطبيعة العلاقات بين كلّ منهما والأقطار العربية خلال الفترة الزمنية المشار إليها. لذلك عملنا في هذا التقرير يقتصر على رصد تلك المواقف وتحليلها واستبيان خلفياتها ومراميها.
تتفاعل إيران وتركيا مع مشهد الثورات العربية بكلّ تفاصيله واتجاهاته وتحرص الدولتان على مواكبة تحوّلاته واستشراف آفاقه أحيانا" من موقع التاثّر وأحياناً من موقع التأثير لما لها من تداعيات على أوضاعهما الداخلية ومصالحهما الإقليمية والدولية.
لكلّ منهما منطلقات وأهداف ومرتكزات متابعة ومعايير تقييم لما هو جار في الوطن العربي. ولكلّ منهما سياسات ومصالح وارتباطات وتطلّعات ومشاريع تتجاوز حدودهما.
اللاّفت في علاقات الدول العربية بالدولتين الجارتين هو أنّ إيران لها "علاقات مميّزة" بمجموعات عربية موازية لعلاقاتها بأنظمة بعض تلك الدول وحكوماتها. وهذا ما يبرز وجوه الاختلاف في مستوى العلاقة وطبيعتها بين العلاقات العربية - الإيرانية والعلاقات العربية - التركية وذلك لاعتبارات تاريخية وجغرافية ودينية.
المواقف السياسية المعلنة من الثورات العربية تتباين بين دولة وأخرى خصوصاً المواقف المتّصلة بالأوضاع السورية والعراقية والبحرينية إذ أنّ لكلّ من دولتي إيران وتركيا إزاءها هواجس ومقاربات واهتمامات خاصة وذلك على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية.
هذه المواقف المتباينة ترجع إلى قراءة لما يمكن أن يكون لتلك الثورات من انعكاسات سلبية على كلّ منهما:
ايران تخشى من تعاظم المدّ الجماهيري العربي ما يعيد للمعارضة الايرانية رغبتها في العودة الى الشارع. وهي تفتي بعدم جواز التظاهر في العراق وتعتبره مشروعا" في البحرين وتحسبه في سوريا مؤامرة واضعافا" لموقعها الممانع والداعم للعمل المقاوم.
تركيا تخشى المدّ الاسلامي السلفي الذي لا يتّفق وتوجّهات حزب التنمية والعدالة فقهيا" وسياسيا". وهي كذلك تتوجّس من نتائج الحراك الشعبي في سوريا خصوصا" انهيار النظام الذي تطالبه يوميا" باستعجال الاصلاح أو تفكّك الدولة ما يعزّز تطلّعات الاكراد الى كيان كردستاني آخر.
وكلّ من ايران وتركيا يطرح نفسه النموذج والمثال لما ينبغي أن يقوم من أنظمة في الوطن العربي. وهما بذلك تسعيان الى ملء " الفراغ العربي ":
ايران تسعى الى مدّ نفوذها في منطقة الخليج العربي وتركيا تسعى الى مدّ نفوذها في بلاد الشام. وبينهما خطوط تماسّ واهتمام مشترك تمتدّ من العراق الى سوريا.
التوازنات الاقليمية والوقائع المرتسمة فوق ساحات التنافس الاقليمي والدولي وفي غياب ارادة عربية موحّدة للنهوض القومي الشامل قد تؤدّي موضوعيا" الى تثبيت " عراق ما " ذي تأثير ايراني والى ايجاد " سوريا ما " ذات تاثير تركي والى " خليج ما " بحراسة أمريكية مشدّدة.
هذه السيناريوهات في حال أثبتت صوابيتها يصبح التحالف الاستراتيجي السوري/الايراني مهدّدا" بالسقوط. وفي حال سقوطه ستكون لذلك تداعيات في الساحتين اللبنانية والفلسطينية: اعادة التوازن الداخلي الى لبنان، تعزيز فرص نجاحات المصالحة في فلسطين.
أوّلا": في العلاقات العربية/ الايرانية
العلاقات العربية/الايرانية تمرّ في أزمة حقيقية بسبب ما جرى وما هو جار في البحرين والكويت والعراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين من أحداث تخضع لتأثيرات ايرانية بشكل أو بآخر. هذه التأثيرات كانت لها انعكاسات عميقة على التفاعلات الاقليمية والدولية في المنطقة اذ أدخلتها في كمّ هائل من التعقيدات التي يصعب التكهّن بكيفية الخروج منها واستدرجت اليها مشروعا" تركيا" لم يدخل يوما" في حساب حكوماتها ولكن سرعان ما وجد تفاعلا" عربيا" معه أخذ لدى البعض طابع ردّ الفعل على المشروع الايراني.
مواقف ايران من الثورات العربية متفاوتة ومتدرّجة. تراوحت بين الرفض والحذر والتأييد. فهي رافضة لها في العراق وفي سوريا، وهي حذرة ثمّ داعمة لها في تونس ومصر، وهي مؤيّدة لها منذ البداية في اليمن وليبيا ( مع رفضها للتدخّل العسكري الغربي )، وهي مفرطة في التأييد والدعم للثورة في البحرين ( مع رفضها للتدخّل العسكري الخليجي وتهديدها بالردّ المناسب، لاريجاني لحكّام الخليج: انّ تدخّلكم العسكري بتوجيه من أمريكا لن يمرّ دون أن تدفعوا الثمن ).
أ- ايران وسوريا
موقف ايران من المظاهرات في سوريا عبّر عنه محمّد صالح صادقيان مدير مركز الدراسات الايرانية/ العربية بقوله: " انّ ايران تدعم حركة الثورة العربية في البلدان الاخرى لكن ليس في سوريا لأنّ دمشق تقاوم اسرائيل، وطهران تبني علاقاتها مع البلدان العربية بناء على درجة معارضتها لاسرائيل.." هذا وفي تقدير من يؤيّد هذا الرأي يعتقد أنّ اضعاف النظام السوري أو اسقاطه ستكون له ارتدادات سلبية على دور ايران في المنطقة لأنّ هذا النظام هو حليف ايران الاستراتيجي فيها منذ قيام الثورة الاسلامية في العام 1979. فسوريا تشكّل جسر ايران الى لبنان وفلسطين والمتوسّط عموما".. والكيان الصهيوني يسعى الى تحطيم هذا الجسر.
ب- ايران ومصر
ثمّة سعي ايراني الى تمتين العلاقات بمصر بعد انتصار ثورتها وذلك لسببين:
- أهمّية مصر ودورها الاقليمي المرتقب غداة الثورة
- سقوط نظام الرئيس مبارك الذي كان مناوئا" لسياسة ايران في المنطقة يعزّز، في تقدير المسؤولين الايرانيين، دورها وموقعها في الصراع الاقليمي والدولي.
هذا السعي مهّد له تأييد ايران للثورة في مصر (خطاب المرشد الاعلى الامام علي خامنئي في 4 شباط 2011) اعتقادا" منها بأنّ سقوط نظام مبارك سيؤدّي الى اقامة " شرق أوسط اسلامي" ( الرئيس أحمدي نجاد: العالم اليوم يشهد صحوة اسلامية ضدّ الاستبداد تشمل مصر وتونس اللتين تؤسّس احداثهما لشرق أوسط جديد لا مكان فيه للولايات المتّحدة واسرائيل..)
أمّا الغرض من هذا السعي فهو الحصول على اعتراف عربي بثقل ايران ودورها الاقليمي والتأثير في توجّهات مصر المستقبلية على قاعدة أنّ من له تأثيرا" في مصر يكون له، بطبيعة الحال، تأثير في سائر الأقطار العربية.
ج- إيران والخليج العربي
العلاقات الإيرانية - الخليجية المتوتّرة حاليا" تحكم طبيعتها اعتبارات كثيرة، منها:
- حذر تاريخي متبادل أسبابه الجزر العربية الثلاث، ونزاع ديني/ثقافي (خلافات طائفية ومذهبية).
- وجود القواعد العسكرية الأميركية في منطقة الخليج تثير المخاوف لدى إيران.
- تداعيات حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران.
- المشروع النووي الإيراني يثير القلق في دول الخليج العربي.
هذه العلاقات لم تصل يوماً إلى حدّ القطيعة الاّ بعد الانتفاضة الأخيرة في البحرين حيث ارتفعت حدّة التوتّر بين الجانبين ما أوجب استدعاء سفراء وتبادل تحدّيات حتى بات الاعتقاد راسخا" عند حكّام الخليج بأنّ إيران تشكّل تهديدا" مباشرا" لأمن دولهم القومي وحتى بات السؤال المطروح عندهم: ما طبيعة الأهداف التي تسعى إيران إلى تحقيقها في تلك المنطقة؟
من دلائل هذا الوضع الشديد التوتّر والتعقيد اتّهام ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة إيران بإعداد مخطّط لإحداث انقلابات في دول مجلس التعاون الخليجي بدءا" بالبحرين والكويت.
ومن تداعيات هذا الاتّهام الطلب من القائم بأعمال السفارة الإيرانية مغادرة البلاد بسبب قيامه، وفق ما ورد في الاتهام، "بأنشطة مشبوهة وإدخال أسلحة وتخابر مع منظّمة إرهابية لحساب دولة أجنبية.."
بدوره وزير خارجية الكويت الشيخ محمّد الصباح أدلى بتصريح قال فيه: "سيكون هناك إجراء ضدّ مجموعة من الدبلوماسيين الإيرانيين وسيتمّ التعامل معهم حسب الأصول الدبلوماسية وهي أنّهم أشخاص غير مرغوب فيهم ويجب طردهم من الكويت.." وذلك، وفق ما جاء في التصريح نفسه، "لارتباطهم بشبكة تجسّس إيرانية" كانت قد أعلنت عن كشفها صحيفة "السياسة" الأمر الذي نفته طهران مؤكّدة أنّ "هذا الموضوع لا يمتّ بصلة إطلاقاً بالجمهورية الإسلامية الإيرانية أو بأعضاء سفارتها.."
وفي السياق نفسه الذي يندرج فيه كلام ملك البحرين قال الوزير الصباح " أنّ هناك مؤامرة على أمن الكويت السياسي والاقتصادي والعسكري حيكت من قبل إيران.."
وبالرّغم من ذلك ظلّت الأوضاع حتى الآن تحت السيطرة وجرت مساع لمحاصرة الأزمة التي تفاقمت بعد تدخّل قوّات "درع الجزيرة" في البحرين قامت بها سوريا وتابعتها زيارة علي أكبر صالحي وزير خارجية ايران لدولة قطر.
يرى بعض المحلّلين في الصحافة الخليجية أنّ الرئيس محمود أحمدي نجاد، بفضل سياساته الخارجية، دمّر جسور العلاقات الطيّبة التي بناها سلفاه الرئيسان رفسنجاني وخاتمي بين ايران ودول مجلس التعاون الخليجي.
في آذار/مارس 2010 اثارت ايران مسالة الخليج: أهو عربي أو فارسي؟ (رئيس أركان الجيش الايراني حسن فيروز آبادي صرّح منذ أياّم بأنّ الخليج جزء من ايران) العودة بالنقاش الى هذا الاشكال في التسمية تثبت أنّ العلاقات الخليجية/الايرانية ليست بخير. والعودة الى الكلام على احتلال ايران للجزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى من دون التمكّن من اجراء التحكيم الدولي بشأنها كما ترغب الامارات دليل كذلك على تأزذم شديد في طبيعة تلك العلاقات. كما انّ عودة المسؤولين الايرانيين الى التصريح بأنّ البحرين هي احدى المحافظات الايرانية (المحافظة رقم 14 كما أعلنت ايران في العام 1954) بدورها تشكّل دليلا" اضافيا" على ارتفاع حدّة التوتّر في تلك العلاقات.
هل تسمية الخليج العربي بالفارسي مؤشّر الى محاولات ايران مدّ نفوذها في اتّجاه المنطقة ويزيد؟ هل هي تدخل في باب المماحكات السياسية والديبلوماسية؟ هل هي من باب التهديد والردّ على أيّ اعتداء أجنبي على ايران انطلاقا" من تلك المنطقة؟
أيّا" يكن الجواب فهو يشير الى أنّ العلاقات بين الطرفين هي في توتّر متصاعد. وما يزيده حدّة هو محاولات جعل دول الخليج مدى" حيويا" لايران يسعفها في صراعها الدولي بشأن ملّفها النووي. انّ هذا المصطلح ينطوي في تاريخ العلاقات بين الدول على العديد من معاني الرغبة في مدّ النفوذ ان لم تكن في السيطرة.
ثانيا": العلاقات العربية/التركية
أ - تركيا والأنظمة أو الحكومات العربية
تركيا النجم الصاعد في المنطقة تتعاطى مع الشؤون العربية بخلفية ثقافية جديدة عنوانها: "يجب محبّة العرب". الأتراك والعرب يشتركون في مسيرة تاريخ وحضارة.
في العام 2010 ظهرت رغبة تركية واضحة في الانفتاح على العرب وتبنّي قضايهم وتصفية المشكلات العالقة معهم خصوصا" ما يتّصل منها بالحراك الكردي في العراق وسوريا فضلا" عن المشكلات المائية (دجلة والفرات عصب الحياة في هذين القطرين). هذه الرغبة كما عبّر عنها رجب طيّب أردوغان هي مشروع انفتاح وتواصل يدعمه حجم هائل من التداخل بين العرب والأتراك:
" نحن كأصابع اليد الواحدة، ماضينا كان واحدا" ومستقبلنا أيضا"واحد فعندما تصرخ العواصم العربية يصل الصدى الى أنقرة وعندما تنادي استانبول يصل الصوت الى القاهرة والرياض وعمان ودمشق وطرابلس الغرب، نحن في ثقافتنا تماما" مثلكم نبحث عن الجار قبل الدار.."
في 11 كانون الثاني/يناير 2011 دعا أردوغان العرب دولا" وشعوبا" الى شراكة سياسية واقتصادية في افتتاح مؤتمر العلاقات العربية/التركية في الكويت فالعرب والأتراك يشتركون في تاريخ واحد وثقافة واحدة وجغرافيا واحدة ما يؤسّس لعلاقة تشمل المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، يقول: " سياستنا الخارجية نحن نعرف أين تتّجه.. نحن نعرف الأجندة التي نحملها.. العرب اخواننا ونحن اخوانهم.." وتابع: " السياسة التركية تنطلق من مبدأ العدالة وليس التعصّب الديني أو العرقي.. الأقباط في الاسكندرية همّهم همّنا.." ثمّ أضاف: " يمكننا بالتكاتف والتشاور أن نحلّ مشكلة فلسطين والعراق.. نحن لسنا في حاجة الى الآخرين..انّما يجب أن نتّحد.. يمكننا أن نحقّق الاستقرار في لبنان.. وأن نرفع مستوى الرفاه لشعوبنا.. بامكاننا أن نصل الى شراكة واحدة.."
تجسيد هذه الرغبة أخذ بعدين: بعد ثقافي تمثّل في انشاء فضائية تركية ناطقة باللغة العربية لتعزيز الجانب الثقافي ودعم التواصل وبناء جسور الثقة والتعاون، وبعد سياسي تمثّل في الموقف من الصراع العربي/الصهيوني: ادانة الجرائم الصهيونية ضدّ الفلسطينيين والمسجد الأقصى والاحتجاج على سياسة العدو الاستيطانية ودعمهم للتمكّن من بناء دولتهم والعودة الى وطنهم، موقف أردوغان من حرب الكيان على غزّة في العام 2008، الاسهام في كسر الحصار على غزّة في العام 2010 (سفينة مرمرة واستشهاد متضامنين ومجاهدين أتراك)، الوقوف الى جانب العرب في المطالبة بحقوقهم واستعادة أرضهم وفي مواجهة الكيان الصهيوني واتّهام حكومته بأنّها صانعة حروب المنطقة وفقدان الأمن فيها (موقف أردوغان في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس وتصدّيه للرئيس الصهيوني شيمون بيريز وانسحابه من المؤتمر احتجاجا"" على انحياز ادارته).
وبهذا تكون تركيا قد دخلت الى الوطن العربي من باب قضيّته المركزية، القضية الفلسطينية ثمّ استتبعت ذلك بمجموعة اجراءات منها:
- استثمار في مصر والغاء تأشيرات الدخول بين البلدين ( 18 كانون الأوّل/ديسمبر 2010 اتفاق بين رجال أعمال مصريين وأتراك لزيادة حجم التبادل التجاري من 3 مليارات الى 10 مليارات دولار).
- بناء منطقة صناعية في الضفّة الغربية.
- توقيع اتفاقية التجارة الحرّة السورية/التركية والغاء سمات الدخول بين البلدين وارتفاع حجم التبادل الاقتصادي الى مستويات مرتفعة تجاوزت ملياري دولار.
- تنمية التجارة البينية والتكامل الاقتصادي وشراكة استراتيجية( تركيا، سوريا، لبنان، الأردن: مجلس تعاون رباعي).
- تطبيق اتفاقية التجارة الحرّة بين الأردن وتركيا في الأوّل من آذار 2011.
- الغاء سمات الدخول بين تركيا واليمن في شباط/فبراير 2011.
- تنفيذ 160 مشروعا"استثماريا" تركيا" في ليبيا (وصل مستوى التبادل التجاري بين ليبيا وتركيا عام 2010 الى 8،9 مليار دولار، الاستثمارات التي قدّمتها ليبيا للشركات التركية بلغت مئة مليار دولار حتى العام 2013، الاستثمارات في قطاع البناء التي قدّمتها ليبيا للشركات التركية بلغت 15 مليار دولار..)
- جعل الصفقات التجارية العراقية التركية بالعملتين الوطنيتين ومتابعة تنفيذ الاتفاقيات ال 49 التي وقّعت بين العراق وتركيا في العام 2009.
- زيارة أردوغان الى العراق ولمقاماتها الروحية خصوصا" اجتماعه بالمرجع الشيعي الأعلى في العالم السيستاني وزيارته للنجف الاشرف وأربيل وافتتاح مطارها الدولي.. كلّ ذلك يشكّل نقطة تحوّل ايجابي في العلاقات العراقية/التركية.
- مشاركة في القمّة الثلاثية التي عقدت في دمشق من أجل لبنان وقيادة خلية الأزمة اللبنانية بعد اسقاط حكومة سعد الحريري فوضعت خريطتها للحلّ في ثلاث نقاط أساسية مترابطة ومتدرّجة: تشكيل مجموعة اتّصال لتوفير غطاء اقليمي ودولي للحلّ، تنظيم مؤتمر دولي حول لبنان، تشكيل حكومة لا يرأسها سعد الحريري.
- في 18 تشرين الأوّل/أوكتوبر 2010 جرى حوار استراتيجي مشترك جمع وزراء خارجية دول مجلس التعاون وأوغلو وزير خارجية تركيا أسفر عن مجموعة قرارات منها: تكليف لجنة بدراسة مشروع انشاء سكّة حديد تربط دول مجلس التعاون بتركيا بهدف تعزيز علاقات الصداقة وتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين، اقرار خطّة العمل المشترك للتعاون في مجال الاستثمار والزراعة والأمن الغذائي والنقل والمواصلات والطاقة والبيئة والسياحة والصحّة والثقافة والتعليم، وضع اتفاقية التجارة الحرّة بين الجانبين.
- توجيه تحذير بلسان وزير الخارجية أوغلو في 26 نيسان/أبريل 2011 لحكومة الكيان الصهيوني من التعرّض ل "أسطول الحرية 2" مؤكّدا" أنّ "الحصار المفروض على قطاع غزّة مسؤولية اسرائيل وهو ينافي القوانين الدولية" ورافضا" طلب اسرائيل منع انطلاق الأسطول من الموانئ التركية.
هذه الاجراءات تشكّل تجسيدا" فعليا" للمعنى الحقيقي للجيواستراتيجيا فالحضور التركي بأبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية سيكون له تأثيره في التحوّلات التي يشهدها النظام العربي. تركيا قوّة اقليمية يعزّزها موقع استراتيجي أوروبي/آسيوي ذو موارد طبيعية يديرها عقل تكنولوجي متطوّر ويحميها استقرار سياسي/أمني. تركيا كذلك تمثّل قوّة الاعتدال الاسلامي الديموقراطي والاصلاحي. وهي تطرح نفسها على الثورات العربية نموذج التجربة الناجحة في ادارة شؤون الحكم وبناء دولة القانون.
ب - تركيا والثورات العربية
تباينت مواقف تركيا من الثورات العربية فتراوحت ما بين التناقض واللبس ما يوحي بازدواجيتها وعدم وضوح رؤياها. لكن لهذه المواقف ما يسوّغها لأنّها رهن المواقع التي تبدّلها تبدّلات المصالح. لقد وازنت تركيا بين حسابات الربح والخسارة في مصالحها القومية قبل اتّخاذ مواقفها النهائية من الثورات العربية.
يرى داود أوغلو أنّ الثورات العربية هي بمثابة " تدفّق طبيعي للتاريخ " وأنّها " عفوية وضرورية "داعيا" الحكّام العرب الى عدم الوقوف أمام " رياح التغيير " ورافضا" الاّدعاء بأنّ هذه الثورات هي من صنع المؤامرات الأجنبية.. ويقول: " تشهد المنطقة عهدا" من التغيير مثلما حدث في أوروبا الشرقية في أواخر التسعينيات .." ويرى أنّ الأجيال العربية الشابّة "أرادت مزيدا" من الكرامة والرخاء الاقتصادي والديموقراطية.." وأنّه على الحكّام " قيادة هذه العملية وليس محاولة منعها.."
هذا في المبدأ وهو مستمدّ من مبادئ السياسة الخارجية التركية التي وضعها أوغلو نفسه في تحديد موقف تركيا من الثورات العربية. من هذه المبادئ:
- احترام ارادة الشعوب في التغيير والديموقراطية والحرية.
- الحفاظ على الاستقرار واتمام التغيير بصورة سلمية على قاعدة توفير الأمن والحرية.
- الحفاظ على الوحدة الوطنية في الدول المعنية.
- رفض التدخّل العسكري الأجنبي.
- رعاية المصالح التركية في كلّ من الدول المعنية خصوصا" المصالح الاقتصادية.
- عدم المشاركة في الأعمال الحربية أو القتالية وجعل الدور التركي محصورا" بالخدمات الانسانية وأعمال الاغاثة.
- مراعاة خصوصية كلّ دولة معنية وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية لدول الاقليم مع الرغبة في رؤية الاستقرار يعمّ المنطقة وتحقيق الديموقراطية بالوسائل السلمية.
- الاستناد الى الشرعية الدولية والقوانين الدولية وقرارات الأمم المتّحدة.
هذه المبادئ رسمت خريطة الطريق التركية في التعامل مع الثورات العربية. من معالمها ما يلي:
- تقديم النصائح التي تراوحت ما بين الدعوة الى التنحّي (مصر) والدعوة الى تنفيذ البرامج الاصلاحية (سوريا: تأييد بقاء الرئيس الأسد في سدّة الحكم وحثّه على الاسراع في تنفيذ البرنامج الاصلاحي ناصحا" ايّاه بالاصلاح " قبل فوات الأوان" مرسلا" اليه وزير خارجيته ورئيس استخباراته ولكن يبدو في الفترة الأخيرة أنّ الموقف يتطوّر في اتّجاه سلبي عبّر عنه أردوغان بكلامه على سقوط أكثر من ألف شهيد وعن "حلبجة سورية" وهذا دليل عدم وقوفه الى جانب النظام الى ما لا نهاية ان لم يحقّق الاصلاحات المطلوبة ومن الممكن عدّه غير بريء في موسم انتخابي يستدعي ايقاظ الذاكرة الكردية شأنه في ذلك شأن كلامه على عدم رغبته في رؤية "كربلاء جديدة" في البحرين)
- القيام بدور الوسيط (ليبيا في بداية الثورة، البحرين بناء على رغبة من المرجع السيستاني)
- اسداء خدمات انسانية (ليبيا)
- الوقوف في وجه التدخّلات الأجنبية (وجّه أردوغان تحذيرا" لحكومة الكيان الصهيوني بعدم التدخّل في الشأن المصري مع بداية الثورة، السعي الى تحجيم التدخّل الايراني في البحرين، التصدّي للدور الفرنسي في ليبيا، اعلان موقف معارض للدعوات الدولية لفرض منطقة حظر جوّي على ليبيا واعتبرتها "غير مفيدة وتنطوي على مخاطر" ورأت في التدخّل الفرنسي في ليبيا محاولة لاستعادة نفوذها التقليدي في شمال أفريقيا وهو ما رأت فيه تركيا تهديدا" لمصالحها ودورها في تلك المنطقة وهذا ما عبّر عنه أوغلو في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2010 بقوله: " لقد أعطيت أوامري الى الخارجية التركية بأن يجد ساركوزي كلّما رفع رأسه في أفريقيا سفارة تركية عليها العلم التركي.." منذ بداية الثورة شاب الموقف التركي ارتباك وتضارب في التصريحات: رفض للتدخّل الأطلسي فمشاركة بسفن حربية، دعوة القذافي إلى تسليم السلطة إلى ابنه سيف الإسلام لإجراء الإصلاحات المطلوبة ثمّ مشاركة في اجتماع مجموعة الاتصال بشأن ليبيا في الدوحة التي أجمعت على أنّ القذّفي فقد شرعيته واعترفت بالمجلس الوطني الانتقالي ممثّلا" شرعيا" للشعب الليبي.. )
- التواصل مع الحكومات التي أنتجتها الثورات ودعوتها إلى الإفادة من تجربة تركيا في الإسلام الإصلاحي الديمقراطي التنموي (تونس، مصر.. تأييد وترحيب بعد رحيل الرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك..)
خلاصة
إيران وتركيا قوّتان إقليميتان لا يستهان بدورهما في أزمات المنطقة، في خلقها وتعقيدها وحلّها. وإذا كانت إيران منذ انتصار ثورتها حاولت إدخال الوطن العربي في لحظتها التاريخية وإسلامها الأصولي فتركيا منذ سنوات قليلة وهي تحاول أن تجعل اللحظة الراهنة في المنطقة لحظتها التاريخية بشعار الإسلام الديمقراطي والإصلاحي.
إيران تسعى إلى إظهار الثورات العربية من صنع صحوتها. وتركيا تتوجّس من أن تكون هذه الثورات من صنع الحركات السلفية.
العلاقة بين تركيا وايران تنافسية لكنّها سلمية.. الدولة العبرية والقوى الكبرى الداعمة لها تتخوّف من تعاون استراتيجي بين الدولتين فكيف اذا برز، بنتيجة الثورات العربية المنتصرة، تعاون عربي/تركي/ايراني؟ أليس من حقّ هذه الشعوب التي تنتمي الى دائرة حضارية واحدة أن تشكّل نظامها الاقليمي الخاص والقادر على حماية حقوقها وثرواتها وأمنها وانجاز تكاملها الاقتصادي؟
بناء نظام اقليمي خاص يجمع بين العرب والأتراك والايرانيين ضرورة تفرضها موجبات جيواستراتيجية.
هذه الضرورة تقتضي كي تصبح واقعا" له تجلّياته العملية شروطا" نفسية وموضوعية:
- تنقية الذاكرة وكسر الصور النمطية المتوارثة
- ارساء الثقة وتوطيدها عبر ثقافة الحوار والتواصل
- اقامة علاقات بينية على قاعدة وعي المصالح وتوازنها
مستقبل الشعوب رهن قدرتها على تشكيل التكتّلات الاقليمية الكبرى في عالم مترابط ولن يكون للثورات العربية أيّ مردود مستقبلي ذي وزن اقليمي ما لم تؤشّر نتائجها الى مثل هذا التطلّع وما لم تجد في الدولتين الجارتين قوى أساسية راغبة في الوصول إليه.
|