www.arabnc.org
   
الصفحة الرئيسة
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
المشاركون في الدورة ا
المشاركون في الدورة ا
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول المشاركين 30
جدول المشاركين 31
جدول المشاركين 32
جدول المشاركين 33
الأول 1990
الثاني 1991
الثالث 1992
الرابع 1993
الخامس 1994
السادس 1996
السابع 1997
الثامن 1998
التاسع 1999
العاشر 2000
الحادي عشر 2001
الثاني عشر 2002
الدورة الطارئة 2002
الرابع عشر 2003
الخامس عشر 2004
السادس عشر 2005
السابع عشر 2006
الثامن عشر 2007
التاسع عشر 2008
العشرون 2009
الواحد والعشرون 2010
الثاني والعشرون 2011
الثالث والعشرين 2012
الرابع والعشرون 2013
الخامس والعشرون 2014
السادس والعشرون 2015
السابع والعشرون 2016
الثامن والعشرون 2017
التاسع والعشرون 2018
الثلاثون 2019
الواحد والثلاثون 2022
الثاني والثلاثون 2023
الثالث والثلاثون 2024
القائمة البريدية
بحث
تصغير الخط تكبير الخط 
حال الأمة ثقافياً 2010 - 2011 . إعداد أ. عبد الإله المنصوري ((المشهد الثقافي 2010 - 2011))

المؤتمر الثاني والعشرون
27 – 28 أيار/مايو 2011
      بيروت - لبنان


المشهد الثقافي والفكري العربي 2010-2011 ** 
أ. عبد الإله المنصوري *


* عضو اللجنة التنفيذية للمؤتمر القومي العربي، باحث.
** ورقة أوّلية أعِدّت حول حال الأمة ثقافياً لمناقشتها قبل تضمينها تقرير حال الأمة بصيغته النهائية.
- لا تعبر هذه الورقة بالضرورة عن رأي الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي.
*** لا يجوز نشر هذه الورقة كلاً أو جزءاً إلا بموافقة تحريرية من إدارة المؤتمر.
 

المشهد الثقافي والفكري العربي 2010 - 2011


تقديم:
لم تعد الثقافة بتجلياتها المختلفة وبمنجزها المتنوع، ذلك الكم المهمل الذي  يشكل مجرد  ترف ملحق بالحياة الإنسانية، بل أصبحت في صلب التنمية المعاصرة وأضحت المشاريع المرتبطة بها محركا أساسيا للأمم والشعوب، ومؤشرا نوعيا على مدى تقدمها الحضاري والمعرفي، ونظرة بسيطة على أوضاع الشعوب المتقدمة  تؤكد لنا هذه الحقيقة  التي لم تعد محط جدال، مثلما كانت عليه في السابق.
غير أن الوضع العربي المطبوع بالتخلف بشكل عام، ينعكس جليا على الجانب الثقافي الذي يمثل القطاع  الأكثر تضررا في المشهد العربي، وهو القطاع  الذي لم يسلم من التخريب الذي عرفته كل القطاعات الأخرى على يد أنظمة  الاستبداد  والفساد والتبعية. لولا أن تداركتنا الثورة الشعبية العربية  الكبرى التي لا يزال الوطن العربي ينتظر فيض بركاتها  ليشمل الأمة من أدناها إلى أقصاها، لتنطلق حركة الإبداع العربي بعد طول نضوب، خاصة بعدما حملته الثورة من بشائر ربيع عربي يؤذن بتغيير جذري في القيم الثقافية العربية التي طالما حاول المستبدون بنائها على أساس منطق الخنوع و الإخضاع القائم على مبدأ "فرق تسد" لضرب الفرقاء بعضهم ببعض، والغاية هي إدامة الاستبداد المسيطر على مفاتيح الأوضاع خدمة للأقلية الحاكمة. لقد كان لمطلب رحيل الاستبداد تجسيدا لإرادة الشعب (حين يريد) صدى هائلا في الوعي العربي، سيكون له ما بعده حتما على مستوى الإبداع بأشكاله المختلفة وكيف لا يكون كذلك ونحن نعيش لحظة تاريخية بامتياز بدأت فيها أمتنا تتجاوز واقعها المتخلف وتتخلص من  أمراضها المزمنة فيما يشبه عملية استشفاء جماعي  تمارسها ولا تزال جماهير الأمة في الميادين والشوارع المفتوحة التي تلهج فيها ألسنتها بذكر الحرية والكرامة مطلبا متجددا بغيابه لا تستقيم إنسانية الإنسان. فلا غرابة إذن أن تكون تونس الخضراء المعروفة بنخبتها التنويرية (منذ بواكير النهضة العربية) هي منطلق الثورة وشرارتها الأولى لتجسد أشواق الأمة في الكرامة والحرية، ما دام شاعر الثورة فيها أبو القاسم الشابي هو من صاغ نشيدها الثوري الخالد "إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر" لترتقي أجيال من الشهداء فداء له في مواجهة الاستعمار أو في مواجهة الاستبداد المحلي الذي خلفه، ف"الكرامة قبل الخبز" كما صدح بها مدوية شهيد تونس الأكبر فرحات حشاد، وهي المقولات التي ألهمت الشهيد محمد البوعزيزي لإطلاق شرارة الثورة التي جعل منها الشباب العربي نشيد الإنشاد الثوري الذي يملأ  الشوارع والساحات العربية من المحيط إلى الخليج، لتصبح تونس باعتبارها مهد الثورة الشعبية العربية المعاصرة قبل انتقالها لباقي أقطار الأمة، مهوى أفئدة العرب ومحط أنظارهم يفتخرون بنجاح ثورتها ويتغنون بمنجزاتها، ولسان حالهم يردد بيت الشاعر العربي نزار قباني :
يا تونس الخضراء جئتك عاشقا   وعلى جبيني وردة وكتاب
وهكذا بدأت مرحلة أخرى من التاريخ لا علاقة لها بما سبق ؛ مرحلة ستشكل لا محالة فاتحة عهد جديد يرسم للأمة مستقبلها الذي طالما انتظرت قدومه، مرحلة سمتها الأساسية انتظار مؤلفات وكتب تتحدث عن سيكولوجية الإنسان الثائر أو المقاوم أو المنتفض من أجل الكرامة، وليس مؤلفات تتحدث عن سيكولوجية الإنسان المقهور أو التحليل النفسي الاجتماعي للإنسان المهدور، كما تحدث عنه عالم النفس العربي الدكتور مصطفى حجازي، وهي الكتب المنتظر منها مواكبة هذه اللحظة التاريخية، حيث صدرت دراسات متنوعة حول الموضوع ونحن في انتظار مزيد مما ستتحفنا به حتما معارض الكتاب العربية والدولية التي ستنظم في مقبل الأيام.

1 ثورة تواصلية غير مسبوقة: ويكيليكس وأخواتها

لم يعد خافيا على أحد ما أصبحت تتميز به هذه اللحظة من أهمية بالغة لوسائط الاتصال الجديدة (الانترنيت ومواقع الاتصال الاجتماعي...)  سواء على مستوى نشر القيم وعلى مستوى بناء ثقافة جديدة، وهي  الحقيقة التي تأكدت هذه السنة مع الثورة التي عرفها العالم الافتراضي، بسبب ما عرف بموقع "التسريبات السريعة"  أو "ويكيليكس" وما أحدثه ذلك من هزات لا تزال ارتداداتها قائمة إلى يومنا هذا، وكذا دور هذه الشبكات الحاسم في الثورة العربية التي شكلت تونس مهد انطلاقتها وتلقفها الشعب المصري  قبل أن يصل صداها إلى كل أرجاء الوطن العربي. بل والدور الكبير الذي لعبته تسريبات موقع ويكيليكس في فضح فساد الأنظمة العربية الحاكمة وفي اندلاع هذه الثورة وهز عروش العائلات الحاكمة في الأقطار العربية بعد الذي أظهرته من فساد مريع وتبعية عمياء تصل إلى حد العمالة وكذب على الشعوب ومسافة ضوئية بين أقوال الحكام في السر وأفعالهم في العلن، وهي القيم التي جاءت الثورة العربية لترفع شعارات مناهضة لها مؤكدة أن "لا سياسة حقيقية إلا سياسة الحقيقة" كما كان يردد دائما الشهيد المهدي بن بركة.
لقد شكلت التسريبات بداية إعلان عن نهاية المكتوب  وتجاوز مرحلة الإعلام التقليدي  بعد أن وصل عصر الانترنيت الذي ظهر في ستينات القرن الماضي مرتبطا بدوائر وزارة الحرب الأمريكية كشبكة مؤلفة من نقاط التقاء لا حصر لها " للحفاظ على الولايات المتحدة من الفوضى الشاملة بعد وقوع هجوم نووي على مراكزها العصبية. لقد صممت هذه الشبكة عمدا بحيث تكون بلا تسلسل هرمي  أو قلب أو سلطة مركزية" وهو العصر الرقمي الذي بلغ أوجه فيما شاهدناه هذه السنة من تحولات تبشر بظهور عالم مترابط متشابك أصبح فيه مقياس القوة هو القدرة على الترابط مما يجلب نفوذا وسلطة  لا محدودة لمن  يمتلك  القدر الأعظم  من خفة الحركة  والإبداع التي أصبحت  تقاس بلحظة الكبس على الزر. ليصبح  هذا التحول   شبيها في تأثيراته أو يتعداه، بالتحول الذي   أحدثته ثورة الطباعة في القرن الخامس عشر على أوضاع العالم الجيوستراتيجية.
لقد كان لتلك التسريبات دور مهم في التمهيد للثورة (تونس، مصر، اليمن ، البحرين...) مثلما قدمت مادة ضخمة للتحليل والتصنيف قد لا يستطيع المهتمون الإلمام  بتفاصيلها إلا بعد مرور زمن طويل. وهي الأهمية التي تستمدها من رحابة فضاء افتراضي تنتفي فيه الحدود والفواصل وتسقط فيه أدوات الرقابة والضبط التي طالما راهنت عليها الجهات الخائفة  من تسرب المعلومة وإمكان وصولها لأوسع الجماهير (عبر منع كتاب أو جريدة أو مصادرتهما). خاصة لما كان لتلك الشبكات الاجتماعية دور وسيلة الاتصال والبيئة الاتصالية في آن واحد ، كما أنها شكلت مكانا للقاء الجماعات الافتراضية التي تحولت إلى لعب دور سياسي (التنظيم والتحريض) ثم الوجود الواقعي مع الناس في الميادين والساحات العمومية.
ومن تم شكلت أداة تثقيف جديدة غاية في الفعالية والتأثير وسرعة الانتشار ومداه، وضمنت لأول مرة مبدأ الحق في الوصول للمعلومة باعتباره حقا أصيلا من حقوق الإنسان.
كما شكلت هموم الساحة العربية مجالا خصبا لنشوء فكرة التسريب خاصة أن من  بدأه لم يكن إلا الجندي الأمريكي برادلي مانينغ الذي تأثر تأثرا بالغا بما ارتكبته قوات بلاده من جرائم في حق العراق عقب احتلاله سنة 2003، فغيرت الوثائق التي قام بتسريبها وجه العالم مثل ما غيرته تسريبات الثورة البلشفية، عقب انتصارها، لاتفاقيات القوى الاستعمارية المتآمرة على تقسيم التركة العثمانية، وفي القلب منها وطننا العربي.
 وبعد أن أنهكت البنيات التسلطية للدولة العربية ، في عصر ما بعد الاستقلال ، كل القوى والمؤسسات التي كان يمكن أن  تشكل إطارا للممانعة والتصدي لسياسات المؤسسات ومراكز النفوذ  المتحكمة، ساهمت عملية التسريب في تثقيف أوسع الفئات والوصول إلى أعماق المجتمع مما جعتها قادرة على بناء شبكات معارضة تستطيع الانتقال إلى الفعل في الميدان،  واكتساب القدرة  على المبادرة، بل وإسقاط   حكام وأنظمة، وإسقاط نظام قديم من القيم، والمساهمة في بناء نظام بديل لا تزال ملامحه في طور التشكل، عبر امتلاك مقدرة لا متناهية على تبادل المعلومة والشعار بل والكتب المسموح منها والمحظور، وهو ما  يؤذن  بنقلة نوعية في المشهد الثقافي والفكري والإبداعي العربي؛ نقلة يستفيد منها المواطن العربي (خاصة الشباب) من تنشئة سياسية ذات طبيعة شبكية تتجاوز التنشئة الهرمية وتكسر السلطة وترفض الطابوهات، كما يتمازج فيها المحلي مع العالمي بشكل يتخطى فيه هذا الجيل مرحلة الأدلجة التقليدية والانتماءات الحزبية الضيقة والقراءة الثقافية أحادية الجانب، وباختصار شديد لعبت وسائط الاتصال دورا أساسيا في بناء معالم إدراكية لدى الجيل الجديد تضافرت مع معطيات أخرى لتساهم في بناء تجربة  ثورية عربية ذات ملامح خاصة ليسجلها التاريخ في صفحاته كتجربة متميزة إلى جانب الثورات الإنسانية الأخرى.

2- المشهد الفكري والإبداعي : تذبذب مقلق ... ورحيل مفجع:

أ‌- تذبذب مقلق في الإنتاج:
اتسم المشهد الثقافي العربي في هذه السنة بتذبذب واضح على مستوى الإنتاج الفكري والإبداعي؛ فبالرغم من تزايد حركة النشر الورقي في الوطن العربي بحسب تقرير مؤسسة الفكر العربي (التقرير العربي الثالث للتنمية الثقافية)، فإن ذلك لا يوازيه انتشار القراءة بالضرورة بسبب عدم قيام البيت والمدرسة بدورهما ، وتراجع التعليم بالعربية وضعف القدرة الشرائية  للمواطن العربي، وحتى  استثمار ما تتيحه الشبكة العنكبوتية من إمكانات لم ينعكس  إيجابا على عملية النشر والقراءة، ذلك أن عدد الكتب التي تم تحميلها لم يتجاوز ربع مليون مقابل 43 مليون أغنية قام العرب بتحميلها خلال سنة 2009 (حسب إحصاءات التقرير المذكور أعلاه ).
كما أن حركة معارض الكتاب تضررت كثيرا هذه السنة، حيث تم إلغاء معرضي القاهرة وتونس مطلع هذه السنة وأقيمت معارض أبو ظبي والرياض ومسقط وعمان في أجواء من الاضطراب بفعل أحداث الثورة العربية، وكذا بفعل سوء التنظيم وضعف الحس الثقافي ومقاطعة المثقفين مثلما حصل في معرض الدار البيضاء، ناهيك عن ارتفاع نسبة الأمية.
وقد ألقى هذا الفساد بظلاله على النقاش الذي عرفته الساحة العربية؛ ففي مصر مثلا احتل موضوع سرقة لوحة الخشخاش من المتحف المصري أهمية كبرى ما فتئت تتزايد حتى نجاح ثورة الخامس والعشرين من فبراير. كما عرف النقاش حول الرقابة على الأعمال الإبداعية احتداما كبيرا بمناسبة أزمة محاكمة إصدار "ألف ليلة وليلة" التي أشرف على إصدارها الروائي يوسف القعيد، إضافة على استمرارية الرقابة على السينما والإعلام خاصة في سوريا ومصر (قبل ثورة 25 يناير)، مقابل وجود بارقة ضوء متمثلة في إلغاء الرقابة على الكتب ودور النشر المشاركة في معرض عمان الدولي للكتاب.
وإذا كانت المهرجانات السينمائية قد عرفت تراجعا كبيرا بفعل إلغاء أهم المهرجانات العربية مثل القاهرة وقرطاج بسبب أحداث الثورة، فإن حركة نشاط المسرح العربي قد عرفت بدورها تراجعا كبيرا باستثناء مهرجان المسرح العربي المنعقد في بيروت منتصف يناير الماضي.
أما فيما يتعلق بتوجهات الثقافة العربية واهتماماتها نجد اهتماما مستمرا بقضايا الديموقراطية والحرية والهوية، كما احتفظت القضية الفلسطينية باحتلال المرتبة الأولى من حيث الاهتمام بالقضايا السياسية. كما يمكن الإشارة إلى مجال جديد يحظى باهتمام متزايد من طرف الباحثين العرب، وهو العلاقة مع دول الجوار، حيث تم تأسيس أول شبكة بحثية مشتركة بين الباحثين العرب في العلوم الاجتماعية ونظرائهم من الباحثين الأتراك، على هامش أعمال المؤتمر العربي التركي الأول للعلوم الاجتماعية المنعقد بأنقرة شهر كانون الأول/دجنبر الماضي. كما أطلقت مؤسسة الفكر العربي مشروعا رائدا في الترجمة يحمل عنوان "حضارة واحدة".
أما تجربة مدن عواصم للثقافة العربية فقد كانت الدوحة عاصمة للثقافة العربية سنة 2010 حيث احتضنت عددا كبيرا من الأنشطة والفعاليات الناجحة، لكن هذه التجربة ستعرف جمودا تاما هذه السنة بعد أن كان منتظرا أن تكون مدينة سرت الليبية العاصمة المنتظرة سنة2011.
 
ب‌- جائزة وفضيحة:

لم يسجل الإبداع العربي مجددا هذه السنة أي اختراق في الجوائز العالمية رغم التراكم الذي حققه في الكثير من الأصناف. غير أن الخبر الذي استأثر باهتمام عدد كبير من الباحثين والنقاد، هو فضيحة أحد الباحثين الذين حصلوا على جائزة الشيخ زايد في دورتها الرابعة (فرع الآداب)، الذي رشح لنيل الجائزة كتابا له بعنوان "مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن" حيث تبين فيما بعد أن جزءا منها ليس إلا سرقة موصوفة لمؤلف آخر، لم يكن إلا عضو لجنتها الاستشارية الناقد عبد الله الغذامي، لتعود اللجنة وتعلن سحب الجائزة من الكاتب السارق الدكتور حفناوي بعلي، حيث أوردت اللجنة في بيانها (الصادر يوم 26.10.2010) موضحة حيثيات السحب، أن ما ورد في الكتاب الفائز بجائزة 2009 "تجاوز حدود الاستشهاد والاقتباس وتحول في سياقات عديدة إلى الاستحواذ على جهد الآخرين مضمونا ونصا". وقد كان الناقد المصري عبد الله السمطي هو من اكتشف هذه السرقة وكتب عنها في مواقع وصحف عربية ومصرية وجزائرية، موضحا أن ما كتبه "بعلي" ليس إلا سطوا على أفكار الناقد الخليجي عبد الله الغذامي صاحب كتاب "النقد الثقافي.. قراءة في أنساق الثقافة العربية"، وهو ما علق عليه الدكتور الغذامي في حديث لإحدى القنوات العربية قائلا: "ما حدث كارثة بكل المعاني الأخلاقية والعلمية، ولو كان الأمر يتعلق بي شخصيا لتسامحت وصفحت، ولكن القضية تمس جائزة الشيخ زايد للكتاب القائمة على تأسيس ثقافة الكتاب بأخلاقيات حقوق الملكية الفكرية والمنهجية العلمية، ولذلك من واجب الجائزة أن تحامي وتنافح عن رمزيتها ومقامها ومصداقيتها وتتخذ الإجراء الذي يتفق مع درجة الخلل ونوعيته". وكان الدكتور الغذامي قد قدم استقالته من اللجنة الاستشارية للجائزة حتى يحقق ما اعتبره حيادا واجبا أثناء تداول مسألة سحب الجائزة.
إن مجتمعا يسرق فيه كاتب مجهود زميل له يعني أن القيم فيه وصلت إلى مستوى يحتاج فيه الجميع إلى المراجعة والتقويم.
 
ج- رحيل بحجم الخسارة:

رغم الحضور الباهت للمثقف العربي وابتعاد عدد كبير من المثقفين عن دائرة الفعل و التأثير، مما يشكل خسارة لجهود الأمة في معركتها من أجل تجاوز حال التخلف و الانحطاط على جميع المستويات، أو تواطؤ بعضهم مع معسكر الاستبداد الآيل للتداعي عبر انتقالهم إلى ضفته ولو  في الوقت الميت، مثلما وقع مع الناقد جابر عصفور الذي تولى منصب وزارة الثقافة في الهزيع الأخير من حياة نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك. بالرغم من كل ذلك فإن الأدوار التي لعبها البعض في الحراك الثقافي و السياسي لا يمكن إنكارها. وتكون الخسارة مضاعفة حين يغادرنا في مثل هذه الظروف صفوة من المثقفين الذين أبلوا البلاء الحسن في ميادين الفكر والثقافة، حيث لم تمر السنة الفارطة دون أن تسجل خسارة كبرى تمثلت في رحيل عدد من رموز الفكر العربي الذين أثروا الساحة الثقافية بمشاريع و أفكار سيظل تأثيرها كبيرا في دنيا العرب. و يتعلق الأمر بكوكبة من أبرز المبدعين، نذكر منهم :
+ محمد عابد الجابري : صاحب المشروع الفكري الكبير "نقد العقل العربي " ومشروع إعادة قراءة القرآن الكريم في أربعة أجزاء الذي قدم للوطن العربي واحد من أهم المشاريع الفكرية في القرن العشرين. و قد يجد الكثير من محبيه بلسما يعوضهم غيابه، في قيام عدد من الفاعلين و المثقفين العرب بالإعلان عن مؤسسة تحمل اسم الراحل الكبير للاهتمام بمشروعه الفكري واستئناف جهوده  التجديدية ورعاية منجزه الثقافي الذي قارب الأربعين كتابا.
+ إدمون عمران المالح : أحد أبرز الأدباء العرب ذوي الديانة اليهودية الذي اشتهر بمعاركه المثيرة في مواجهة الفكر العنصري الصهيوني، حيث كان سببا في إحراج منظمي ندوة بالمكتبة الوطنية المغربية شهورا قبل وفاته، حين هاجم طريقة توظيف ما يعرف بالهولوكوست لأهداف سياسية و إيديولوجية تخدم الكيان الصهيوني. كما عرف بمواقفه المبدئية المناهضة للتطبيع مع الصهيونية، حيث كان يصرح دائما، وهو الكاتب باللغة الفرنسية، أن لغته هي العربية التي كان يعلن اعتزازه بها في كل المناسبات، وأنه يرفض ترجمة كتاباته للغة ميتة يتكلمها قتلة الأبرياء في فلسطين المحتلة، هي اللغة العبرية، مجسدا حالة الاندماج التام لليهودية العربية في نسيجها الاجتماعي و الثقافي.
+ محمد أركون : صاحب المشروع الفكري البارز حول الإسلاميات التطبيقية الذي أثرى المكتبة العربية بعدد كبير من الكتب ذات الصلة بالفكر العربي و التراث الإسلامي و قضايا التجديد و الاجتهاد و الإبداع.
+ الطاهر وطار: أبرز الروائيين العرب بالمغرب العربي الذين كتبوا باللغة العربية، وأثروا مكتبتها بسلسلة من الروايات والدراسات التي نافحت عن اللغة العربية والتحرر من تأثير الاستعمار الفرنسي والهيمنة الفرانكوفونية المزمنة بهذه المنطقة من الوطن العربي، كما عرف بنقده اللاذع للمآلات المحزنة لثورة التحرير الجزائرية التي انتهت إلى بناء نظام تسلطي ذي نزعة شمولية.
+ نصر حامد أبو زيد: الذي قدم دراسات مستفيضة حول مفهوم الاجتهاد في الفكر الإسلامي الذي تعرض للقضم والإهمال بسبب هيمنة أفكار القداسة و الحاكمية، مقدما رواية نقدية للوسيط البشري في فهم القرآن / الوحي الإلهي، في سياق الظروف التاريخية التي نزل فيها، وقد تجاوزت مؤلفاته في هذا السياق العشرين كتابا.
+ محمد عفيفي مطر: هذا الشاعر المتخرج من قسم الفلسفة و الحاصل على عدد من الجوائز التقديرية، كان ثالث ثلاثة قامت على أكتافهم تجربة الحداثة الشعرية في مصر منذ نهاية خمسينات القرن الماضي (إضافة إلى كل من الراحل صلاح عبد الصبور و أحمد عبد المعطي حجازي)،  وقد أثرى المكتبة العربية بمنجزه الشعري الذي يقارب العشرين ديوانا.
+ أسامة أنور عكاشة: كاتب روائي ومسلسلات يعتبر أحد أهم كتاب السيناريو العرب، وتعتبر أعماله التلفزيونية الأكثر متابعة في الوطن العربي، وقد خلف عددا كبيرا من الأعمال الروائية والدرامية والسينمائية والمسرحية.
+ السيد محمد حسين فضل الله : مثل مرجعية عربية فقهية وثقافية منفتحة، اتسم في كتاباته بالانطلاق من رؤية عقلانية نقدية لا تسلم بالموروث، وتناقش مسلمات الاعتقاد الشعبي ذات الطبيعة الخرافية، باذلا جهودا كبرى في بناء مساحات مشتركة بين أبناء الوطن العربي مع المختلف المذهبي والديني والسياسي، مخلفا إرثا كبيرا من الكتب والأشعار والفتاوى المستنيرة. 
+ عبد العزيز الدوري : شيخ المؤرخين العرب الذي أثرى المكتبة العربية بكتابات عن التاريخ من منظور نقدي يتلمس مراحل تكوين الاقتصاد العربي وتطوره عبر العصور.
كما غادرنا عدد غير قليل من المبدعين مثل الفنان محيي الدين اللباد و الناقد فاروق عبد القادر والشعراء غازي القصيبي وعبد المنعم عواد يوسف وكمال نشأت والتشكيلي عدلي رزق الله والمفكر فؤاد زكرياء وعالم النفس فاخر عاقل واللغوي عبد الصبور شاهين والمفكر خلدون النقيب ومحمد فتحي عثمان وعلامة الجزائر عبد الرحمان الجيلالي والمؤرخ شوقي أبوخليل.

3- اللغة العربية: مخاطر محدقة و آفاق مشرقة:
بالرغم من أن اللغة العربية تحتل المركز الرابع بين لغات العالم (بعد الانجليزية، الصينية والإسبانية) فإن وضعها لا يبدو مطمئنا، بل تتهدده الكثير من المخاطر والآفات، من أبرزها ضعفها كلغة في المدارس والجامعات، وفي الإعلام والصحافة وفي مجال تعريب العلوم وصك المصطلحات، حيث أن تدريس العلوم الأساسية والطبية والهندسة يتم بلغات أجنبية بالجامعات العربية  (باستثناء ثلاثة أقطار هي سوريا، السودان والعراق قبل احتلاله سنة 2003)، في حين أن من أسباب نهضة الأمم التي لم تعد محط خلاف توطين العلوم عبر تدريسها باللغة الأم لأبنائها، وهو ما تثبته تجربة النجاح العلمي في كل من تركيا، الصين، اليابان و كوريا.
كما أن العربية تواجه تحديات جمة في دنيا العرب المختلفة حيث أنها تتعرض للتهميش من طرف واضعي السياسات التعليمية بالمشرق و المغرب؛ ففي منطقة المغرب العربي لا تزال السيادة للغة المستعمر الفرنسي الذي يبذل الغالي و النفيس من أجل تأبيد سيطرتها في الاقتصاد و الإعلام و الثقافة...  وفي هذا السياق يمكن استحضار اللغط الذي أثير في الجزائر بمناسبة آخر معرض دولي للكتاب بسبب ما لوحظ من سيطرة جهات محسوبة على التيار الفرانكوفوني والمدرسة الفرنسية التي حاولت الترويج لخطابها المعروف حول تاريخ الجزائر ممثلة في أطروحات "بنجامان ستورا" ومن يسير في ركبه أو يسير في ركابهم.
وهي الإشكالية المزمنة التي تعيشها كل أقطار المغرب العربي ( باستثناء ليبيا ) حيث أصبحت الفرنسية هي اللغة الأساسية في المؤسسات بديلا عن العربية بسبب دعم فرنسا لها و عناية وزارة الخارجية الفرنسية و مؤسسات التعليم و الثقافة الفرنسية بها لنشرها هناك، بل إن فرنسا أسندت إلى شخصيات عربية، مهمة حمايتها حين أعطت الدكتور بطرس غالي منصب الأمانة العامة لمؤسسة الفرانكوفونية التي أخذت طابعا مؤسساتيا تجاوز مجرد الدفاع عن اللغة و الثقافة ليتجه نحو بناء تنظيم دولي بملامح سياسية تحكمها أجندة اقتصادية و ثقافية هيمنية لم تعد تخفى على أحد.
كما تواجه اللغة العربية تحديا كبيرا في المشرق خاصة في أقطار الخليج و العراق الخاضع الاحتلال؛ ففي الخليج العربي تسيطر الإنجليزية على التعليم، كما تواجه العربية تهديدا وجوديا مرتبطا بانتشار لغات العمالة الوافدة خاصة لدى الأطفال الذين ينشؤون في كنف خادمات لا يتكلمن العربية، مما يتطلب استراتيجية إنقاذية تتجاوز هذه المعضلة التي تضرب في الصميم هويتنا العربية.
وبالرغم من كل الصعوبات الموضوعة أمام انتشار اللغة العربية، فإن بعض الباحثين يتوقعون أن تصبح اللغة العربية ثالث لغة في العالم من حيث عدد المتكلمين بها، حيث تؤكد الإحصائيات حول ما يقرأه العرب بلغتهم أن الجزائريين مثلا، يقرؤون كتبا بالعربية والفرنسية، لكن الشرائح العمرية دون سن الأربعين تقرأ بالعربية أكثر مما تقرأ بالفرنسية.
كما أن الإحصائيات المرتبطة باستخدام اللغة العربية و نموها على شبكة الانترنت تبشر بخير عميم للغتنا الأم، حيث تحتل العربية المرتبة السابعة بين لغات العالم متفوقة بمسافة كبيرة عن اللغة الفرنسية، كما أن نموها على الانترنت يعتبر الأبرز عالميا (2297  بالمائة في الفترة بين 2000 و2009) وستكون النتائج مذهلة في السنتين القادمتين بسبب الإقبال الكبير على الانترنيت ووسائلها المختلفة (خاصة بعد أدائها الباهر ومساهمتها في الثورة العربية). كل ذلك في سياق غياب كامل لأي استراتيجية رسمية عربية لتطوير أداء اللغة العربية في هذا المجال، وغيره من المجالات.

4 – تقرير معرفي عربي : عجز على جميع المستويات :
تعرف الدول المتقدمة تقاليد صدور تقارير سنوية ترصد جوانب مختلفة من الأنشطة، وفي مقدمتها تلك التي تعنى بالشأن الثقافي والمعرفي، غير أن الوضع في الوطن العربي مختلف تماما، حيث يمتد العجز ليشمل هذا المجال؛ و هكذا كان آخر تقرير حول التنمية البشرية أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سنة 2009 (هو الخامس) بعد غياب ثلاث سنوات، أي منذ التقرير الذي سبقه سنة 2005 . كما أن التقرير المعرفي العربي الأول الصادر عن مؤسسة راشد بن مكتوم تحت عنوان "نحو تواصل عربي منفتح"     ( سنة 2009 )، لم يتله تقرير آخر، ليظهر مدى العجز العربي في إصدار تقرير سنوي يتتبع جميع أوجه النشاط الثقافي و الإبداعي.
غير أنه بموازاة هذا الغياب أصدرت مؤسسة الفكر العربي تقريرها الثالث حول التنمية الثقافية في نهاية 2010، تضمن رصدا مكثفا لواقع حركة الإنتاج الثقافي العربي، من خلال متابعته لواقع البحت العلمي ووضع اللغة العربية في علاقتها بالفجوة التقنية و المعلوماتية وحركة التأليف والنشر وملامح المشهد الإبداعي العربي حيث نقف على أرقام مهولة تضع الوطن العربي في أسفل الترتيب الحضاري مقارنة ببلاد لم تعرف أساليب التقدم الحضاري و المدني إلا في فترة متأخرة من الزمن؛ ولنستحضر مثلا رقما عن براءات الاختراع العربية المسجلة عالميا في السنوات الخمس الأخيرة، حيث أن عددها لم يتجاوز  475 ، في حين سجلت دولة إسلامية من آسيا هي ماليزيا 566 براءة اختراع. و فيما يخص نسبة الباحثين إلى السكان تعتبر مصر أعلى بلد عربي بعدد 650 باحث لكل مليون نسمة (وهو نفس رقم المغرب تقريبا) في حين تبلغ هذه النسبة في دولة آسيوية ناهضة مثل كوريا الجنوبية ( كان المغرب و مصر مثلا أفضل منها قبل 40 سنة من الآن) 4627 باحث لكل مليون نسمة أي ثمانية أضعاف الباحثين المصريين،  وأكبر من النسبة العربية جميعها، في حين تبلغ في تركيا مثلا 680 باحثا لكل مليون نسمة.
أما فيما يتعلق بكفاءة المنظومة البحثية لكل دولة من خلال النشر العلمي المميز الذي يستقطب الاستشهاد بنتائجه في المنشورات العلمية العالمية تحتل مصر المرتبة الأولى عربيا (91 عالميا) تليها السعودية ( 86 ) ثم المغرب (67).
ويعزى هذا التأخر إلى غياب استراتيجية عربية عامة للبحث العلمي واحتضان المبدعين مع غياب شبه تام لمراكز التميز التي تهتم باحتضان المبدعين على عكس تجارب رائدة تعرفها بلدان في طور النمو مثل الهند و ماليزيا و الصين...
أما بالنسبة لمخصصات البحث العلمي بالنسبة لإجمالي الدخل القومي فإن المتوسط العربي لا يتجاوز 0,2 بالمائة  مما يجعل موقع الوطن العربي جنبا إلى جنب مع إفريقيا، في حين يتراوح بين 2 و 2,5 بالمائة  بشكل عام في أغلب البلدان الغربية أما في السويد و فنلندا و اليابان فتتجاوز عتبة 3,5 بالمائة. وهو ما ينعكس سلبا على العقول المبدعة العربية التي تضطر للهجرة حيث يوجد أكثر من مليون خبير واختصاصي عربي من حملة الشهادات العليا أو الفنيين المهرة، من المهاجرين العاملين في الدول المتقدمة. و54 بالمائة من الطلاب العرب الذين يدرسون بالخارج لا يعودون لبلادهم و 34 بالمائة من الأطباء الأكفاء في بريطانيا من الجالية العربية... حيث تقدر الخسائر التي مني بها الوطن العربي بسبب هجرة العقول بحدود 11 مليار دولار في السبعينات تضاعفت في الثلاث عقود الأخيرة عشرين مرة (200 مليار دولار) ... و قد ظهر من ضمن هؤلاء علماء بارزون في الغرب مثل:
أحمد زويل الحاصل على نوبل للكيمياء (1999) عن اكتشافه لأصغر و حدة زمنية في الثانية (ثانية الفيمتو).
شارل عشي: عالم الفضاء اللبناني مدير مختبر الدفع النفاث  في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا.
 عبد العالي العوضي عالم الطب الحيوي المغربي رئيس المجلس الدولي للطب الحيوي و التكنولوجيا الحيوية في الولايات المتحدة.
فاروق الباز: عالم فضاء مصري مدير مركز أبحاث الفضاء و التحكم الاستشعاري في جامعة بوسطن، ساهم في اختيار مواقع الهبوط على سطح القمر في أول رحلة للإنسان هناك.
منير نايفة: الفلسطيني الذي يعد من أبرز علماء الفيزياء في القرن 20، حيث ارتبط اسمه باكتشاف أسرار جديدة للذرة و أسس ما بات يعرف بكيمياء الذرة المفردة.
إلياس زرهوني: عالم الطب الإشعاعي الجزائري و المدير السابق لمعاهد الصحة القومية بأمريكا (2002 – 2008).
فواز علبي: عالم التكنولوجيا الإشعاعية الكهربائية و مدير لأحد مراكز أبحاث الفضاء بوكالة ناسا.
مصطفى السيد: عالم فيزياء حاصل على ميدالية العلم سنة 2009 بأمريكا.
هؤلاء مجرد نماذج وغيرهم كثير يمكن الاستفادة منهم لو توفرت الشروط الملائمة للبحث العلمي المنتج في الوطن العربي وأهمها توفير أجواء من الحرية والكرامة واحترام إنسانية الإنسان واحتضان الطاقات وتشجيع الابتكار والقطع مع واقع الاستبداد والفساد والأمية، وهو ما تنبئ الثورات العربية القائمة بتحقيقه بعد نجاحها.
5- قمة ثقافية عربية في مهب رياح الثورة:
استجابة لدعوة من مؤسسة الفكر العربي لعقد قمة ثقافية عربية، وافقت القمة العربية التي انعقدت في سرت الليبية في آذار/مارس 2010 على عقد هذه القمة سنة 2011، وهي خطوة إيجابية تحدث عنها البند 14 من إعلان سرت الصادر عن القمة قائلا : "وجهنا للإعداد لعقد قمة ثقافية عربية لصياغة رؤية ثقافية مستقبلية للدول العربية ولتوفير أشكال الدعم كافة للمؤسسات الثقافية والمبدعين والكتاب العرب للارتقاء بالإبداع العربي في مختلف المجالات". وتم تشكيل لجنة تحضيرية من جامعة الدول العربية ومؤسسة الفكر العربي ومنظمة الألكسو حيث تم الاتفاق على الوثيقة الختامية الصادرة عن اللقاء التحضيري الأول للقمة الذي عقد في تموز/يوليو الماضي، وهي الوثيقة التي ركزت على إعطاء مهمة إنقاذ اللغة العربية الأولوية القصوى عبر وضع خطط في هذا الإطار من قبيل:
تشخيص أوضاع اللغة العربية بتعيين المشكلات ونقاط الضعف التي تعاني منها وتحديد أسبابها والتعرف على التحديات التي تواجهها.
دعوة كل المؤسسات العربية لأن تكون مؤتمراتها كلها، بما فيها مؤتمرات الشباب، باللغة العربية.
أما فيما يتعلق بالجانب الدستوري والقانوني فجاء ضمن التوصيات:
توفير حماية قانونية للغة العربية بتفعيل القوانين الصادرة وتعزيز مكانتها في جميع المجالات
إقرار سياسة لغوية واضحة لدعم اللغة العربية، على الصعيدين الرسمي والشعبي، وبصورة خاصة في قطاعات التعليم والاقتصاد والإعلام والتقنية.
إنشاء مجلس أعلى للغة العربية، يرتبط مباشرة بالقمة العربية، يتولى دراسة أوضاع اللغة العربية في الوطن العربي، ورسم السياسات والاستراتيجيات ومتابعة تنفيذها.
كما تضمنت التوصيات إيلاء الاهتمام بالتعليم وتطويره وجعل العربية لغة التدريس بالتعليم العالي، والعمل على رقمنة الإبداع العربي وتأسيس "هيئة عربية للترجمة والنشر" للإشراف على نقل التراث الإنساني من العربية وإليها...
لكن يبدو أن هذه القمة لن يكتب لها الانعقاد في بحر هذه السنة التي أطاحت الثورة العربية حتى بالدورة السنوية العادية للقمة العربية التي تم تأجيلها إلى السنة القادمة في خضم انشغال الأنظمة بالحفاظ على استمراريتها بل والعمل على تفكيك الجامعة العربية عبر خلق فضاءات لحماية الأنظمة الاستبدادية مثلما هو شأن الدعوة لتوسيع مجلس التعاون الخليجي ليشمل كلا من الأردن والمغرب. أما الثقافة وما تضمنه إعلان قمة سرت بشأنها فهي آخر ما يمكن الاهتمام به لدى الحاكم العربي الذي يجعلها دوما في أسفل ترتيب اهتماماته. غير أن بشائر رياح الثورة العربية سيكون لها رأيها حتما في مجريات الأمور.

على سبيل الختم:
تجتاز الثقافة العربية مرحلة دقيقة في تاريخها بفعل ما يحيط بالوطن العربي من ظروف وتحديات. وهي التحديات التي تفرض على الثقافة العربية أن تتجاوز وضعها المأزوم على صعيد القراءة والبحث العلمي والابتكار والإبداع، وذلك بالتحرر من سطوة التقليد وفتح أفق للتفكير العقلي نحو المستقبل لمواجهة تحديات العولمة الرأسمالية الزاحفة وجاذبية نمط المجتمع الاستهلاكي غير المنتج الذي يخاطب في الإنسان غرائزه الحيوانية بدل مخاطبة مرتكزاته الإنسانية وفي مقدمتها العقل.
إن ثقافة عربية قوية تحتاج لأن تكون ثقافة عقلانية غايتها الاستنارة، ونقدية لتجاوز ما هو سطحي وتنميطي، ومستقبلية تطرح الإشكالات وترتاد الآفاق غير المسبوقة؛ ثقافة ممانعة في مواجهة الاستبداد والفساد الداخلي، ومقاومة في مواجهة الغزو الأجنبي والتبعية للخارج. ثقافة مؤسسية تتضافر فيها جهود الجميع لبناء إنسان عربي جديد قادر على المساهمة في استئناف رسالته الحضارية تحت شمس عالم لم يعد فيه البقاء إلا للأصلح، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.