المؤتمر التاسع عشر
10 - 13 أيار/مايو 2008
صنعاء - الجمهورية اليمنية
الأمن القومي العربي ودور معاهدة الدفاع العربي المشترك:
الواقع والمعوقات والآفاق**
إعداد: اللواء طلعت مسلم*
* لواء أركان حرب متقاعد
** لا تعبر هذه الورقة بالضرورة عن رأي الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي.
*** لا يجوز نشر هذه الورقة كلا أو جزءا إلا بموافقة تحريرية من إدارة المؤتمر.
الأمن القومي العربي ودور معاهدة الدفاع العربي المشترك: الواقع والمعوقات والآفاق.
واقع الأمن القومي العربي
يتسم واقع الأمن القومي العربي بحالة من الانكشاف لم يعانيها منذ حصول غالبية الدول العربية على الاستقلال، وما عرف حينئذ بالتحرر من الاستعمار، فالشعوب العربية تعاني الآن من حالات انكشاف للأمن القومي تشتمل على الاحتلال المباشر، وانتهاكات الحدود والأجواء والمياه الإقليمية، والتوترات الطائفية التي تهدد الوحدة الوطنية والقومية، والتوترات الداخلية الناجمة عن أسباب اجتماعية وأزمات سياسية، وتبعية غالبية الدول العربية سياسيا لقوى أجنبية، ووجود قواعد وتسهيلات عسكرية أجنبية على أراضي دول عربية، وإجراء مناورت مشتركة مع قوات أجنبية، هذا بالإضافة إلى شلل مؤسسات الأمن القومي، وغياب القيادة السياسية للأمة، وانضمام دول عربية إلى تنظيمات وترتيبات دفاعية أجنبية. لكن هناك بعض الإيجابيات في حال الأمن القومي يجب الالتفات لها والعمل على تنميتها والاستفادة منها.
وليس بعيدا عن الأمن القومي ما تعانيه الأمة العربية من تخلف في مجالات العلم والتكنولوجيا، وارتفاع نسبة الأمية، والتبعية الاقتصادية سواء في مجالات الغذاء أو المواد المصنعة، وشح موارد المياه وارتفاع نسبة الفقر، وازدياد حالات التصحر، وحالات التمرد والحركات الانفصالية، ثمّ انخفاض مستوى المشاركة في القرار السياسي. لكنّي سأحاول أن أحصر الأمر في الجانب الدفاعي الأمني باعتبار أنّه يتعلق بالوجود ذاته.
هناك حالات الاحتلال المباشر في العراق وفلسطين المحتلين بالكامل، بينما هناك احتلال جزئي لِكُلّ من سوريا (الجولان)، ولبنان (مزارع شبعا)، والمغرب (سبتة ومليلة)، والصومال (صحراء أوجادين). أما انتهاكات الحدود فنجدها مرة أخرى في العراق (إضافة إلى احتلاله المباشر) بواسطة القوات التركية وهي تطارد عناصر حزب العمال الكردستاني، وانتهاك من عناصر من إيران. وانتهاكات في سوريا بالإضافة إلى الاحتلال الجزئي حيث هاجمت إسرائيل مواقع سورية في البقاع، وفي الشمال ضدّ ما اعتبرته إسرائيل موقعا نوويا. أما لبنان فيجري انتهاك أجوائه الإقليمية ومياهه البحرية بواسطة القوات الجوية والأسطول الإسرائيليين بصفة مستمرة ورغم وجود قوات اليونيفيل، كذلك جرى انتهاك لحدود مصر بالنيران بأن أطلقت إسرائيل نيرانها على أهداف داخل الحدود المصرية وقتلت أفرادا، كما يدخل الإسرائيليون إلى شبه جزيرة سيناء بدون تأشيرات سفر نتيجة لاتفاقات يمكن اعتبارها اتفاقات إذعان. وفي السودان تتعرض الحدود مع تشاد إلى اختراق من جانب تشاد بحجة مطاردة من يهاجمونه من أراضي السودان، وفي الصومال تنتهك الأجواء الصومالية من الطائرات والسفن والقوات الإثيوبية والأمريكية بشكل منتظم، كما سبق ان انتهكت السفن الأسبانية المياه المغربية. أخيرا فإن فلسطين لا تتعرض فقط للاحتلال المباشر وإنما يجري انتهاك مناطقها في الضفة والقطاع بصفة منتظمة، ويقتل ويجرح منهم الكثير بصفة يومية، ويحرمون من أبسط وسائل الدفاع الفردي والجماعي، ولا يجدون من يساندهم في الدفاع لا من أخوانهم العرب، ولا مما يسمّى بالمجتمع الدولي.
بالإضافة إلى ما سبق فإن التوترات الطائفية التي أثارتها وتثيرها القوى الأجنبية عرضت الأمن القومي العربي كلّه للخطر نتيجة احتمالات انتشار هذه التوترات وأثر ذلك على وحدة الأمة، وقد برز ذلك بصفة خاصة في التوترات في العراق بين الشيعة والسنة والأكراد، وفي لبنان بين المسيحيين والمسلمين بطوائفهم، وفي الجزائر بصفة خاصة بين العرب والأمازيغ، وفي المغرب بين المغاربة والصحراويين، وفي اليمن بين الشوافع والزيدية.
بالإضافة إلى ما سبق هناك التوترات الداخلية ذات الطابع الخطير حيث يجري الصراع في العراق بين سنة وسنة، وشيعة وشيعة، وأكراد وأكراد بدرجة أقل، وفي الخليج هناك نزاع مكتوم بين السنة والشيعة والأباضية، وفي اليمن هناك صراع بين الحكومة والحوثيين، وفي السودان بين حزب المؤتمر الوطني من جهة وجهات معارضة كثيرة منها الجبهة الشعبية لتحرير السودان المشاركة في الحكم، وحركات التمرد في دارفور وهي عديدة وتثير نعرات عرقية بين من هم من أصول عربية وأصول أفريقية، وفي شرق السودان. وفي الجزائر هناك صراع بين السلطة الحاكمة وبين عناصر إسلامية تستخدم العنف بدون هدف ظاهر وتعتبر حركات إرهابية، وفي الصومال يجري صراع داخلي دام بين الحكومة المؤقتة المدعومة من إثيوبيا والولايات المتحدة واتّباع المحاكم الإسلامية، أما في مصر فهناك صراع مكتوم بين عناصر المعارضة بأنواعها والحكومة مما أدى مؤخرا إلى نوع من الانفجار وتعاني طبقات كبيرة من الشعب من ارتفاع الأسعار وعدم القدرة على توفير مطالب الحدّ الأدنى من العيش، كما تفتعل من حين لآخر نزاعات بين المسلمين والأقباط. أما لبنان فهناك صراعات تأخذ أحيانا طابعا طائفيا رغم أن كلّ طائفة منقسمة على نفسها حيال الأزمة اللبنانية.
وقد ظهر أخيرا شكل جديد من اختراق الأمن القومي وانكشافه بانقسام الدول العربية إلى دول معتدلة ودول مارقة، وأصبح من الممكن أن يجتمع وزراء خارجية ورؤساء أجهزة مخابرات دول عربية تحت رئاسة وزيرة الخارجية الأمريكية على أرض عربية. وقد برز أثر ذلك بدرجة ما في مؤتمر القمة العشرين الذي انعقد في دمشق بنهاية مارس 2008.
كذلك فقد انتشر الوجود العسكري الأجنبي في الوطن العربي على هيئة قواعد وتسهيلات عسكرية أجنبية، ويبدو ذلك واضحا أكثر في الوجود العسكري الأجنبي في العراق، والقاعدة البحرية الأمريكية في البحرين ( "قاعدة الجفير") حيث ميناء المبيت للأسطول الأمريكي الخامس، وفي قطر حيث قاعدة "العديد" أكبر قاعدة جوية أمريكية في المنطقة (حتّى الآن)، كذلك هناك قواعد عسكرية أجنبية في السعودية وفي الكويت والإمارات وعمان وفي جيبوتي، أما في مصر والأردن فهناك تسهيلات عسكرية أجنبية للقوات الأمريكية. ونلاحظ أن الوجود العسكري الأجنبي المذكور في دول عربية لم يحم بعضها من احتمال تعرضها للعدوان على نحو ما فكر الرئيس الأمريكي في قصف المملكة السعودية لأن منها خرج أكبر عدد من الذي نفذوا هجمات البرجين وفقا لاعتقاده، كما فكر في قصف "قناة الجزيرة" التي تقع في قطر والتي بها قاعدة "العديد" والقيادة المركزية للولايات المتحدة، وتعرضت مصر للعدوان وللتهديد رغم التسهيلات العسكرية التي منحتها للولايات المتحدة. بالإضافة إلى ما سبق فإن هذا الوجود يشكل بالطبع مصدرا محتملا للعدوان وانتهاك الأمن القومي للدول العربية القريبة، ويكفي أن نذكر تهديد كولن باول لسوريا بعد احتلال العراق.
كما أجريت مناورات مشتركة بين قوات عربية خاصة من مصر وبعض دول الخليج مع قوات أجنبية مما أعطى للقوات الأجنبية فرصة الحصول على معلومات مجربة ومختبرة عن المنطقة العربية وقدرات قواتها.
ولقد انضمت دول عربية إلى اتفاقات وترتيبات عسكرية ودفاعية أجنبية حيث انضمت الأردن ومصر وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا كلّ منها منفردة إلى "حوار المتوسط" التابع لحلف شمال الأطلسي، وعقد اجتماع مشترك بين وزراء دفاع الحلف ووزراء دفاع الدول العربية السابق ذكرها في المغرب، كما أبدت دول عربية منها الرغبة في الانضمام إلى "عملية المسعى النشيط" التي يقودها حلف الأطلسي في البحر المتوسط. الأغرب أن مسؤولا كويتيا أبدى رغبة بلاده المشاركة في العملية رغم أنّها تخص البحر المتوسط.
ومن جهة أخرى انضمت أربع دول خليجية هي الكويت وقطر والبحرين والإمارات كلّ منها منفردة إلى "مبادرة استنبول للتعاون" وهي أيضا تابعة لحلف شمال الأطلسي ويصير الانضمام إليها بشكل منفرد وبغض النظر عن أن هذه الدول أعضاء في ترتيبات دفاعية عربية سواء كانت معاهدة الدفاع المشترك أم قوة درع الجزيرة، أو مجلس التعاون الخليجي.
ويهدف "حوار المتوسط" و "مبادرة استنبول للتعاون" إلى إعداد الدول المنضمة إليها للمشاركة في عمليات عسكرية يقودها حلف شمال الأطلسي.
من مظاهر انكشاف الأمن القومي العربي الاعتماد شبه الكامل على استيراد الأسلحة والمعدات العسكرية من جهات أجنبية لها علاقات قوية بمصادر التهديد المحتملة وخاصة إسرائيل، وبالتالي تعرض القرار الدفاعي والأمني العربي لضغوط خارجية مؤثرة، وهنا يمكن مقارنة الموقف بالصناعة العسكرية في إيران وفي باكستان والهند.
رغم كلّ ما سبق عن سلبيات في حال الأمن القومي العربي فإن هذا لا يمنع من وجود إيجابيات ومصادر مضيئة أهمها قدرة المقاومات العربية على توجيه ضربات إلى قوى الاحتلال والعدوان، وقد تمثل ذلك في ما قامت وتقوم به المقاومة العراقية في العراق بحيث شلت قدرته على التحرّك الفعال وأوقفت قدرة الولايات المتحدة على استخدام القوة العسكرية عالميا وليس إقليميا فقط. كذلك فقد تمكنت المقاومة اللبنانية من هزيمة القوات الإسرائيلية في مجموعة أعمال قتال ناجحة واستطاعت أن تشل قدرة القوات الإسرائيلية على التمدد. وفي فلسطين استطاعت المقاومة الفلسطينية رغم القيود المفروضة عليها والضعف الشديد لما تتلقاه من مساعدات- هذا إذا كانت تتلقى أيا منها - أن تطور نفسها وأسلحتها وأساليب عملها مما أجبر العدو على الاعتراف بقدرتها وعمله على تضييق الخناق حولها. كذلك من الواضح أن سوريا بدأت في تطوير قواتها المسلحة ومقاومتها على نحو أصبح يثير القلق لدى القيادات الإسرائيلية مما أجبر الأخيرة على البحث عن وسائل لتجنب النتائج. لكن من المهم أن ننبه إلى خطورة تحميل المقاومة أكثر مما تحتمل، حيث لا يمكن للمقاومة وحدها أن تحفظ الأمن القومي العربي أو تحقق إنهاء الاحتلال الأجنبي حيث تحتاج إلى دعم عسكري وسياسي ودبلوماسي.
واقع العمل الدفاعي العربي المشترك
غني عن القول أن معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي هي القاعدة للعمل الدفاعي العربي المشترك، وتكملها الاتفاقات متعددة الأطراف الناتجة عن الترتيبات الإقليمية العربية مثل اتحاد الجمهوريات العربية، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، واتحاد المغرب العربي، ومجلس التعاون العربي؛ والاتفاقات الثنائية: مثل الدفاع المشترك بين مصر وسوريا، وبين مصر والسودان، وما يتبع ذلك مما يمكن من إنشاء قيادات مشتركة، وإجراء مناورات مشتركة، والتصنيع الحربي العربي المشترك. ويلاحظ أن جميع هذه الترتيبات قد أصيبت بالشلل المزمن!
تأثرت معاهدة الدفاع العربي المشترك أساسا بتوقيع مصر معاهدة سلام مع إسرئيل مع إعطائها أولوية على غيرها من الاتفاقات، وأدى هذا أولا إلى حلّ الأمانة العسكرية لجامعة الدول العربية، وتشكيل إدارة عسكرية، ثمّ حلّ هذه الإدارة، وطبيعي في مثل هذه الظروف أن تحل اللجنة العسكرية الدائمة التي شكلت بموجب المعاهدة والتي كانت بمثابة المطبخ الدفاعي للمعاهدة ومجلس الدفاع المشترك. وتوقفت منذ عام 1984 اجتماعات مجلس الدفاع المشترك الذي كان يجمع وزراء خارجية ووزراء دفاع الدول العربية والذي من حقّه إصدار قرارات ملزمة بأغلبية الثلثين. كذلك توقفت اجتماعات الهيئة الاستشارية العسكرية التي كانت تشكل من رؤساء أركان حرب الجيوش العربية والتي كان من واجبها تقديم التوصيات إلى مجلس الدفاع المشترك. كذلك فقد انحلت القيادة العربية الموحّدة لجيوش الدول العربية التي شكلت بقرار من مؤتمر القمة العربية الأوّل في أوائل عام 1964، وأصبح العمل العسكري العربي الميداني المشترك يفتقر إلى القيادة التي يمكنها قيادة أعمال الجيوش العربية. وكذلك فإن قرارات مجلس الدفاع المشترك بتشكيل قيادة عامة للقوات المسلحة العربية لم تنفذ وفقدت فرصتها للتنفيذ.
من جانب آخر فقد توقف عمليا العمل بالاتفاقات الدفاعية الأخرى مثل الاتفاق بين دول اتحاد الجمهوريات العربية مصر وسوريا وليبيا، وتوقف التنسيق الدفاعي بين مصر وسوريا، وبين مصر والسودان. الأكثر من هذا أنّه يبدو أن هناك حظرا على أي اجتماع لوزراء دفاع الدول عربية، إذ عادة ما يلتقي الوزراء العرب بنظرائهم في الدول العربية الأخرى بشكل دوري، لكن هذا لا ينطبق على وزراء الدفاع أو رؤساء الأركان، وبالتالي يصعب الاتفاق على عمل دفاعي مشترك بين دولتين عربيتين، ناهيك عن كلّ الدول العربية.
رغم كلّ ما سبق فإن الأهمية الكبرى تتركز في أن الدول العربية، وخاصة الكبرى منها، قد إدارات ظهرها للعمل الدفاعي العربي المشترك، حيث تسلم الدول الصغرى عادة بأنها لا تملك خيارات كثيرة، وإذا كانت الدول العربية الكبيرة قد تخلت عن العمل الدفاعي العربي المشترك، فإن من الظلم مطالبة الدول الصغرى به، فهي تهتم ببقائها وبغض النظرعمن يقوم به. وهنا فإن توقيع مصر على معاهدة مع إسرائيل شكل ضربة شديدة إلى العمل الدفاعي العربي المشترك حيث كانت مصر تعتبر العمود الفقري للدفاع العربي المشترك، وغيابها يصعب تعويضه. كذلك فإن غزو العراق واحتلاله وتدمير قواته وجه ضربة أخرى إلى العمل الدفاعي العربي المشترك.
معوقات العمل الدفاعي العربي المشترك:
إن المعوق الرئيسي للعمل الدفاعي العربي المشترك هو عدم اقتناع قيادات عربية كثيرة بجدوى العمل العربي المشترك، وضعف قدرات القيادات التي تقتنع به، كما إنَّ من الواضح أن ضغوطا أجنبية تبذل من أجل عرقلة أي محاولة للاقتراب العربي عموما والعمل الدفاعي العربي بصفة خاصة (أدلى أحد وزراء الدفاع بتصريح عن ضرورة التعاون العسكري العربي، ولكن تصريحه لم تتكرر إذاعته، ونبه على الصحف بعدم تكراره)، بل أنّه يمكن استنتاج أن هناك اعتراضا على مجرد اجتماع مسؤولين دفاعيين عرب حيث لا يلتقي وزراء الدفاع ولا رؤساء الأركان أو حتّى اثنين أو ثلاثة منهم. هذا بالإضافة إلى أن الوجود العسكري الأجنبي بصوره المختلفة على الأراضي العربية في حدّ ذاته يشكل عائقا أمام أي تعاون دفاعي عربي حيث يمكنه التدخل ضدّ هذا التعاون في مراحله التحضيرية وقبل أن يبدأ فعلا، كذلك فقد حرصت القوى الأجنبية على بناء أصول على الأرض تمنع التعاون الدفاعي العربي عن طريق إدخال دول عربية منفردة وبغض النظر عن كونها أعضاء في ترتيبات دفاعية ثنائية أو متعددة الأطراف مع دول عربية أخرى في ترتيبات دفاعية خارجية غير عربية تتعارض مع التعاون الدفاعي بين الدول العربية، وقد ساعدتها دول عربية على ذلك. كذلك فإن العلاقات المختلفة التي أقيمت بين دول عربية وإسرائيل وخاصة بين مصر وإسرائيل تشكل عائقا في حدّ ذاتها أمام التعاون الدفاعي العربي حيث تمثل قيودا على حركة مصر والدول العربية في مواجهة التهديد الإسرائيلي، هذا بالإضافة إلى ما تضعه من قيود على الوجود العسكري العربي في سيناء التي تشكل المعبر الرئيسي بين المشرق العربي ومغربه.
هناك معوقات أخرى ناجمة عن اختلاف مصادر التسليح بين الدول العربية مما يخلق مصاعب في مسائل التأمين الفني والإداري، كما إنَّ اختلاف مصادر العلم العسكري واختلاف المصطلحات العسكرية يصعب من هذا التعاون.
آفاق العمل الدفاعي العربي المشترك والأمن القومي العربي:
إن تجاهل دول عربية لمتطلبات الدفاع العربي يجعل نقطة البداية لعمل دفاعي عربي مشترك هي عودة الدول العربية الرئيسيّة للاقتناع والالتزام بالعمل الدفاعي العربي المشترك والتخلص من التبعية للقوى المعادية، والاستعداد لمواجهة مسؤولياتها القومية. إن هذا أمر ليس بالسهل حيث الوجود العسكري الأجنبي لن يقبل به، وسيعمل على عرقلته وإفشاله.
لا شكّ أن الأفق القريب لا يحمل كثيرا من التحسن في حال الأمن العربي أو في العمل الدفاعي العربي المشترك، ولكن هذا لا يمنع من إمكان التقدّم في بعض المجالات تمهيدا لمرحلة أكثر فاعلية يحدث فيها تغير جذري وهام في الدول العربية وفي النظام السياسي العالمي، خاصة وأن البيانات المتيسرة تشير إلى أن معين الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة قد نضب، وبالتالي فإن قدرات العدو في المراحل التالية ستتجه نحو التضاؤل، كما إنَّ النظام العالمي يشير إلى ضعف الولايات المتحدة، في حين أنّه لا ينتظر أن يحلّ محلّها قطب آخر.
إن توفير مناخ مناسب يمكن أن يساعد على تنمية العمل الدفاعي العربي المشترك، ويمكن أن يكون ذا فائدة كبيرة عند توفر ظروف مناسبة. ويمكن البدء بتكثيف الزيارات واللقاءات بين الضباط ومسؤولي الدفاع في البلاد العربية على مستويات ثنائية ومتعددة الأطراف. وكذا دعوتهم لحضور التدريبات التي تجريها القوات، وترتيب تدريبات مشتركة، وتبادل البعثات الدراسية في المعاهد والمنشآت التعليمية العربية، وتبادل الخبرات بين الدول، كذا يمكن بذل جهود في مجال العمل على توحيد المصطلحات العسكرية وتنفيذ مهام مشتركة بين الدول العربية المتجاورة ومنها أعمال البحث والإنقاذ، كما يمكن الاستفادة من اهتمام القوى الأجنبية لمكافحة القرصنة لتوفير فرصة للتعاون العربي في هذا المجال.
ويجب ألا يمنع الموقف الحالي من إجراء تدريبات مشتركة على موضوعات هامشية مثل البحث والإنقاذ ومكافحة التهريب وتطهير الممرات وأعمال الإغاثة وغيرها من المهام الثانوية التي يمكن أن تكلف بها القوات المسلحة العربية حيث يتطلب التعاون في مثل هذه المهام توفر بناء أجهزة قيادة وسيطرة يمكن تطويرها بسهولة نسبية لتقوم بقيادة أعمال قتال أكثر أهمية ومهام قتالية رئيسيّة.
ومن أهم ما يجب عمله لتسهيل العودة إلى العمل الدفاعي العربي المشترك استعادة مشروعات التصنيع العسكري العربي المشترك وخاصة في مجالات التكنولوجيا العسكرية بحيث يمكن التوصل عند اللزوم وخلال فترة قصيرة إلى درجة من الاكتفاء الذاتي في بعض العناصر الحيوية التي يمكن أن تحتاجها القوات العربية في صراع مسلح، ويصعب الحصول عليها من مصادر أخرى. كذلك من المهم تبادل الآراء حول شراء المعدات العسكرية بين الدول العربية قبل الشراء بحيث يمكن تحقيق أقصى فائدة وأقل خسائر. ويتطلب ذلك اهتماما بالبحوث في التطورات العسكرية والتعاون في مجالها بين أية دولتين عربيتين أو أكثر.
على أن أخطر وأهم المهام اللأزمة للعودة إلى العمل الدفاعي العربي المشترك هي دفع نظم الحكم القائمة نحو الانخراط في النظم الدفاعية العربية، وفي الإصرار على أن يكون أي اتفاق دفاعي مع قوى أو دول أجنبية هو اتفاق بين تنظيم دفاعي عربي وقوى أو تنظيم دفاعي أجنبي ورفض الانضمام الفردي إلى أي ترتيبات دفاعية.
كذلك فإن من أهم المهام العمل على تصفية القواعد والتسهيلات العسكرية الأجنبية في الوطن العربي والوجود العسكري الأجنبي في المنطقة بصوره المختلفة، ويكون ذلك أساسا عن طريق العمل السياسي السلمي ومن خلال المجالس التشريعية والمحلية، وكذا من خلال النقابات المهنية والاتحادات العمالية والمهنية، فإذا فشل هذا السعي فإن على القوى العربية إعادة تنظيم المقاومة المسلحة في المناطق المحتلة وخارجها.
إن البحث عن الطرق المناسبة لإدارة الصراع المسلح مع الأعداء وفي ظلّ التفوق التكنولوجي الكاسح للعدو المدعم من إسرائيل من أهم عوامل فتح الآفاق أمام تنظيم أمن قومي عربي مشترك، كما إنَّ تطوير العمل في التنظيمات الاقتصادية العربية يشكل قاعدة مهمة يمكن أن ينطلق منها العمل العسكري العربي. إن إدارة الصراع في مثل هذه الظروف تتطلب العمل على توفير مقاومة شعبية في أغلب مناطق الوطن العربي يمكن أن تلعب دورا مهما، وبه أوجه شبه مع ما حققته المقاومات العراقية واللبنانية والفلسطينية، وما تنتظره الشعوب العربية في سوريا. إن المقاومة الشعبية المذكورة يجب ألا تكون بديلا عن الجيوش النظامية، ولكنها يجب أن تشكل أحد أعمدة الدفاع العربي المشترك كما أنّها يمكن أن تستعيد دورها القومي في الدفاع عن الأقطار العربية. إن ذلك يتطلب جهدا بحثيا وسياسيا حول كيفية تنسيق العمل بين الجيوش النظامية والمقاومة الشعبية، وإعدادها لمواجهة مدرعات وقوات العدو الجوية، والطائرات الموجهة والسفن بدون طواقم، وكذا حول توفير الإمداد والمعونة الطبّية والفنية لعناصر المقاومة.
أخيرا فإن تحقيق الأمن القومي العربي على مستوى مناسب يتطلب العمل على تحقيق الوحدة العربية مع الإعداد الجيد لها، وهذه مهام تقع على التنظيمات السياسية المختلفة.
|