المؤتمر التاسع عشر
10 - 13 أيار/مايو 2008
صنعاء - الجمهورية اليمنية
التعاون الإقليمي العربي نظريات ومناهج أيار/مايو 2008**
إعداد: د. رغيد الصلح *
* كاتب وباحث، مستشار مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية
** لا تعبر هذه الورقة بالضرورة عن رأي الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي.
*** لا يجوز نشر هذه الورقة كلا أو جزءا الا بموافقة تحريرية من إدارة المؤتمر.
المقدمة
يتجنب رواد الكتابة في قضايا الإقليمية والتكتل الإقليمي عادة صياغة تحديدات شاملة حول الكتل الإقليمية. ولكنّهم على الرغم من ذلك، يميلون إلى اقتراح عدد من المكوِّنات الضرورية لبلوغ هذه الكتل وللحفاظ عليها. فمن المتوقّع نشوء كتلة إقليمية ثابتة وباقية على خلفية الجوار الجغرافي، والقرابة الثقافية واللغوية، ونُظُم إيمانية متشابهة، وتجارب تاريخية مشترَكة، وحاجات واهتمامات اقتصادية منسجمة/مُتساوِقة، ومؤسسات سياسية واجتماعية مُشابَهة، بالإضافة إلى تحِّديات وتهديدات مشتركة (Deutsch, 1978: 226؛ راجع Yalem، 1965: 14-17؛ Kothari، 1974: 37،153؛ Mansfield and Milner، 1999: 589-629).
ويبدو عامةً، أنّ عدداً محدوداً من هذه المكوِّنات، ومجموعات مؤتلِفة محدودة منها تنطبق على كتل إقليمية موجودة وناجحة. إذ لا توجد، مثلاً، لغة مشتركة بين أعضاء الاتّحاد الأوروبي، ولا جوار إقليميّ بين أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا، وتوجد اختلافات في الثقافة بين المكسيك والدولتين العضوتين في منطقة التجارة الحُرّة لشمال أميركا، أعني الولايات المتحدة وكندا. ولكنّ هذه الكتل الإقليمية تتضمّن، على ما يبدو، عناصر كافية لتأمين نشوئها وبقائها. علاوة على ذلك، يمكن القول أنّ الوحدات التي تتشكل منها هذه الكتل الإقليمية تشترك مع بعضها البعض بمكونات متماثلة أكثر مما يوجد بين وحدات مكوِّنة لكتل إقليمية غير ناجحة. إضافةً، يوجد ارتباط بين عدد المكونات المشترَكة الموجودة بين الدول الأعضاء المؤسِسة للكتل الإقليمية وبين عمق هذه المكونات من جهة، وبين حظّها بالبقاء والنجاح من جهة أُخرى؛ أي أنّه كلّما كثرت المكونات المشترَكة، كلّما زادت فرصة استمرار ونمو التكتلات الإقليمية.
من هذا المنظور، يبدو أنّ النظام الإقليمي العربي على نوع من الغرابة. فهو واحد من أقدم النُظُم الإقليميّة ضمن المجتمع الدُوَلي، إن لم يكن أقدمها. نشأ سنة 1945 نتيجة تأسيس جامعة الدول العربية، وهو يسبق زمنيّاً منظمة الدول الأميركيّة، والمجموعة الأوروبية، ورابطة جنوب شرق آسيا، وغيرها الكثير من الكتل الإقليميّة. في الواقع، أثر الحرب العالمية الثانية، لعب ممثلون من كتلة الدول العربية دوراً أساسيّاً في صياغة مفهوم الأمم المتحدة حول "التنظيمات الإقليمية" والمنظمات الإقليمية، وتحديدات علاقتها مع المنظمة الدُوَلية (Macdonald، 1965: 18-24).
وتشترك الدول الأعضاء في النظام الإقليمي العربي في التجارب التاريخية، واللغة ذاتها، والجوار الجغرافي، والمصالح الاقتصادية، والاهتمامات الأمنية، والمؤسسات الاجتماعية. وقد طُوِّر هذا النظام على أساس اتفاقيات ومعاهدات ومؤسسات مدروسة بدقة. وبالأهمية ذاتها، صارت الكتلة العربية معترفاً بها كوكالة دُوَلية ذات طابع ثابت. هذا ما تؤكده مراجع غير عربية مثل مجلة الايكونوميست التي تقول (6/2/1988): "انّ ما يجمع العرب مع بعضهم البعض يتجاوز ما يجمع الأوروبيين. وكان من المفترض أن تكون ثقافة الدول العربية المشتركة ولغتها الواحدة، مع قوتها العسكرية المتنامية وثروتها النفطية الهائلة، قد جعلت الكتلة العربية واحدة من القوى الأعظم في العالم". وكان من الممكن أن تتطوّر كتلة الدول العربية إلى عامل مهم في السياسة الإقليمية والعالمية، عامل يحثّ على الازدهار الاقتصادي، والإصلاح السياسي والاجتماعي، والأمن الإقليمي والسلام على الساحة العربية. لقد أنتج النظام الإقليمي العربي بعض الإنجازات، خاصة في تعبئة الدعم الإقليمي والدُوَلي لحركات التحرير في العالم العربي (نافعة، 1983: 127-152؛ راجع شهاب، 1978: 122-140؛ الدالي، 1982: 137-143).
ولكنّ النظام الإقليمي العربي مازال بعيداً عن احتلال موقع لاعب أساسي على الساحتين العربية أو العالمية، إذ لم يستطع، خلال أكثر من نصف قرن من الوجود، أن يفيَ بالأهداف والأغراض الواردة في ميثاق جامعة الدول العربية، أو في المعاهدات الأساسية الموقَّعة من قِبَل الدول العربية، كمعاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، وملحقها الإضافي (Khalil, 1962: 53-56, 101-106) ولتحقيق هذه الأغراض، هناك حاجة إلى "تطوير الكثير من الصلات الإيجابية بين الدول العربية في المستقبل" (Deutsch، 1978: 237).
إنّ هذا الوضع يثير أسئلة كثيرة في المنطقة العربية، أسئلة حاول البعض أنْ يجيب عليها عبر كتابات ودراسات توحت تحديد وتحليل الأسباب وراء النقص في تقدّم التكتل الإقليمي العربي. لقد ركّزت بعض هذه الدراسات على نقائص سبَّبتها تهديدات وتحديات خارجية (حسيب، 1988: 341-343)؛ أو مواطن ضعف في حقل الإدماج الاقتصادي (السليمان، 1977: 151-165؛ راجع مصري، 1975: 188-191؛ الدجاني، 1992: 334-375)؛ أو الدفاع والأمن (Bennet، 1991: 161-220)؛ أو "المظاهر البُنيَوِيّة والعملانية لجامعة الدول العربية
(Macdonald، 1965: 281-300). وركّزت دراسات أُخرى على العقبات السياسيّة والمؤسساتية و/أو الأيديولوجية التي يُعتقَد أنّها تكبح تطوّر النظام الإقليمي العربي (Barnett، 1998: 237-271؛ راجع هلال، 1989: 215-219؛ مطر وهلال، 1992: 85-100؛ هيكل، 1996: 34-35). وحاولت بعض الدراسات أن تُعطيَ تفسيراً شاملاً لنقص تقدّم النظام الإقليمي العربي (راجع مركز دراسات الوحدة العربية، 1983).
على رغم هذه المحاولات والمساعي، فإنّ حقل التكتل الإقليمي العربي عامةً، وخاصة العوامل التي عملت ضدّ تطوّرهً ما تزال غير مبحوثة كفاية. فما من بحوث كافية حول الفاعل/القاطرة/الرافعة الإستراتيجي الذي يدفع بالاقلمة إلى الأمام. ما من بحوث كافية حول وسائل التغيير والانتقال من المستوى الراهن للتكتل الإقليمي إلى مستوى التكتلات الإقليمية الفاعلة.
وهذا ليس فقط نتيجة للقصور الجوهري للنظام الإقليمي العربي أو جامعة الدول العربية، كما يؤكّد بطرس غالي، الأمين العام السابق للأمم المتحدة (غالي، 1977: 6؛ راجع عوض 1989: 539-555). ولكنّها أيضاً بسبب واقع أنّ الدراسات والكتابات حول السياسة العربية تسيطر عليها منذ عقود، مدرستان فكريتان هما من جهة، الفدرالية العربية، ومن جهة أُخرى المدافعون عن الدولة العربية الوطنية. مالت كلتا المدرستين الفكريتين إلى التقليل من أهمية التكتل الإقليمي. وكثيراً ما عومل الأخير [أي التكتل الإقليمي] كأداة لتحقيق أهداف أبعد، أو كوسيلة لفرض مشاريع أوسع بكثير مما هو معلن. وعلى رغم النجاح النسبي للتكتل الإقليمي في أجزاء أخرى من العالم، إلا أنّ هذه المواقف تجاه التكتل الإقليمي العربي لبثت مهيمنة على التفكير السائد إلى حدّ كبير. قد أثّر هذا الوضع بدوره على تطوّر الدراسات حول موضوع الإقليمية العربية، كما أثّر على تقدّم مشاريع الإقليمية في العالم العربي.
يهدف هذا البحث المفاهيمي الذي يركز على التكتل الإقليمي كموضوع دراسة مهم وكحقل بحث بحدّ ذاته، عوض اعتباره موضوعا فرعياً مثيراً لشيء من الاهتمام على الصعيد الفكري أو العام. بناءً على هذا الرأي، يهدفّ البحث الحالي إلى تحفيز مناقشات ومناظرات في بين مفكرين عرب في هذا المجال، حول تحقيق التكتل الاقتصادي، والى تحديد
[البحث] العقبات الأساسية التي تقف في وجه تقدّم التكتل الإقليمي في منطقة إسكوا والمنطقة العربية، واقتراح طرق ووسائل تؤدي إلى زيادة قدرة إسكوا وتُعزيِّز دورها في دعم مشاريع التكتل الإقليمي بين الدول العربية.
إنَّ تحديد إخفاقات التكتل الإقليمي العربي وأسبابها هو عمل لا يخلو من الصعوبة. لتنفيذ هذه المهمة من الضروري تجميع وتركيب عدد وافر من الوقائع المتصلة بالوجود العربي السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والثقافي، وبالعلاقات العربية المتبادَلة، وذلك للنظر في هذه الوقائع ودراستها مع التركيز على ما هو أكثر أهمية بينها. ومن الضروري أيضاً التدقيق في عدد هائل من الآراء والملاحظات المتعلِّقة بإنجازات وإخفاقات تطبيق الإقليمية العربية. صحيح أنّ حقل التكتل الإقليمي العربي هو غير مدروس كفاية، وأنه يوجد، مقارنة بوفرة الدراسات حول التكتل الإقليمي في الغرب، عدد محدود نسبياً من الدراسات حول الموضوع. ولكنّ الآراء والملاحظات العامّة حول التكتل الإقليمي العربي هي في الواقع غزيرة في المادة المنشورة عن المنطقة العربية.
لذلك من الضروري العثور على العلاقات والدلالات التي تربط بين هذه الوقائع والآراء، وذلك بطرق تساهم في توفير المقدرة على تحديد الأسباب وراء الوضع الحالي للتكتل الإقليمي العربي. فمن غير تحديد المقاربة الضرورية، هناك خطر الوقوع في شرك‘ ارتباك لا ينتهي‘،
و‘ رؤية كلّ شيء كأنه ذو أهمية‘ وهذا ما يفقد المرء القدرة على استخلاص معنى من الأحداث، والأوضاع، والنزعات، والظروف المتقلبة’
(Rosenau، 2000: 7). وباعتماد مقاربة من هذا النوع، وبدون مقاربة مناسبة تمكِّنُنا من وصف الأحداث، وتفسيرها والتنبّؤ بها، قد تُعدّ دراسة التكتل الاقليبة غير مُجدية، إن لم تكن مسعى لا ينتهي، حيث يدفن المرء‘ تحت كومة من التفاصيل ويعجز عن تقييمَ تأثير العوامل المختلِفة في تفسير الأحداث. وعلى عكس هذا، فإنّ المقصود من النظريات والمناهج‘ أن تساعدنا على التمييز بين الغابة وبين الأشجار [و] انتقاء بعض العوامل الأهم أو الأكثر صلة بالموضوع إذا كان المرء مهتماً بتوفير تفسير حدث ما" Marsh and Stoker)، 1995: 16-17).
وإقراراً بأهمية إيجاد مناهج مناسبة لدراسة التكتل الإقليمي، فقد وضع الكتاب المعنيونّ بالتكتل الإقليمي الأوروبي كتابات مكثفة حول هذه المسألة النظرية. البعض منهم ظن أنّه من الممكن تطبيق مناهج محددة على مناطق أُخرى من العالم (مثلاً، Rosamond, 2000:16). ولكنّ هذا الفكرة بدأت تفقد أهميتها بسبب الإعتقاد بأنّ النظريات والمناهج تُطبّق ‘على حالة معينة ولهدفٍ ما‘، وأنّ كلاً منها لها منظور مُستَمد‘ من موقع في الزمان والمكان’ (Cox 1981: 128).
وقد مال كُتّاب عن الإقليمية عامة إلى مراجعة المناهج والنظريات عن الموضوع من جهات مختلفة، ووضعها في فئتين أساسيتين: الأولى تعالج المناهج والنظريات التي تُركّز على الإقليمية الفوق- دولية؛ والثانية تشدد على التكتل الإقليمي الذي تضطلع فيه الدولة بالدور المحوري والذي تؤثر عليه الضغوطات والمصالح القومية والأهلية وتصيغه تجاوباً معها [مع الضغوطات والمصالح]. وبين العدد الكبير من المناهج المتداولة في العالم، سوف تركز الورقة على هاتين الفئتين من المناهج اللتين تُسيطران على الدراسات حول التكتل الإقليمي، واللتين تُعدّان أكثر صلة بالمناطق العربية ومنطقة إسكوا.
2- المناهج
أ-الفَوقْ-دَوْلية
. الوظيفية
نشأت الوظيفية في خضم الاهتمام بالسلام العالمي. وهي تقترح أن التعاون المتراكم بين الدول والمجتمعات في المجالات غير السياسية، خاصة المجال الاجتماعي والاقتصادي، يخلق شروطاً مُسبَقة للسيطرة على النزاعات والحروب السياسية وإزالتها (Claude, 1971: 375). لهذا وُصِفت الوظيفية بالبديل الأهم عن ‘نظريات سياسات القوة’ (Groom and Taylor, 1975: 1) وتوقعت الوظيفية الاندماج والتكتل ودعت إليه، ولكن على مستوى دُوَلي لا على مستوى إقليمي. أما الإقليمية، فإنّها تبدأ عند دايفد متراني، أحد مؤسسي المدرسة الوظيفية من‘ عوامل التباين لا التجانس والتوافق’ ومن شحذ هذه العوامل ومفاقمتها‘. (Mitrany 1956: 129-131).
قيام اتحاد عالمي وايدوه، فأنّهم استندوا إلى الفرضيات التالية: واذ توقع الوظيفيون
أولاً: إنّ الناس يتصرفون بشكل عقلاني. لذا، بمجرّد أن تُدرك الحكومات أنّها غير قادرة على التعامل مع المتغيُّرات المتثملة بالاكتشافات العلمية، وبالعدد المتزايد للمشاكل والتحديات الواسعة النطاق، وبتقلّص حجم الدول القومية وقدرتها بسبب زيادة عددها [عدد الدول]، فإنّها سوف تجد نفسها عاجزة عن الدفاع عن هياكل وحصون الدول التي قامت على مبادئ معاهدة/نظام وستفاليا الذي نشأ في أوروبا خلال القرن السابع عشر والذي تأسست الدولة القومية بالاستناد إليه. وحيثُ إنَّ ‘الوظيفة تحدد البنية’ طبقاً لهذا التفكير العقلاني، فإنّ الدول الحديثة سوف تجد نفسها مسوقة إلى إنشاء منظمات دُوَلية هي، بحسب كلمات متراني، فكرة طبيعية لا فكرة مصطنعة حشرَت في قالب سياسي موجود [أصلاً]‘ (Mitrany، 1956: 129-131).
.
ثانياً، أنّ ‘المنظمات الدُوَلية تمثل‘ اتجاها عاماً نابعا من تعقيدات القرن العشرين’. وبمجرد ظهور هذه المنظمات وبدئها العمل، فإنها ستنتشر، ويتسع نطاق أنشطتها، وتتعزز سلطتها، ومن خلال تفاعلها مع بعضها البعض ومع الجمعيات العالمية، ستتخطى الهياكل القانونية والتقاليد القضائية للدخول في حياة الناس اليومية (Mitrany 1956: 126-131، 144-145). وعندما تصل المنظمات الدولية إلى هذا المستوى من الفاعلية والتأثير، فإنّها سوف تحل تدريجيا محل الدولة الوستفالية.
ثالثا، أنَّ التعاون الوظيفي هو الذي يشكل القوة الدافعة والحاسمة وراء هذه التحولات. في هذا السياق ومن وجهة نظر الوظيفيين، فانه ليس للسياسة أنْ تلعب مكانا حاسما في ولادة الكيان العالمي المتوقع والمنشود.
اصطدمت هذه التوقعات والطموحات باشكاليات متعددة كان من أهمها ما يلي:
الاشكالية الأولى، تمثلت في المسارات العملية والواقعية التي انتهت إليها. فالوظيفية نشأت كنظرة عالمية الأفق،
تنبأت بتراجع الدولة الوستفالية أمام كيان دولي اتحادي يشمل العالم باسره. بالمقابل، حققت الوظيفية أهم نجاحاتها في الفضاءات الإقليمية كما تؤكد تجارب الاتحاد الأوروبي وميركوسور وآسيان.
الاشكالية الثانية، كانت مادة انتقادات واسعة لأنها عبِّرت عن نوع من القدريّة في محاولتها لوصف تقدّم التعاون الاقتصادي بين الدول وأثره على علاقاتها ببعضها البعض. وتمثلت تلك القدرية في الاعتقاد بحتمية الانتقال من نظام وستفاليا الدولي الذي تحكمه الدول الوطنية، إلى نظام دولي جديد تحكمه سلطات اتحادية عالمية. وانتقدت الوظيفية لأنّها بالغت في تقدير أثر ’العقلانية‘ على السياسة الدولية وعلى العلاقات بين الدول، كما أنّها بالغت في تصورها لقدرة المنظمات الدولية على الاستحواذ على وظائف الدولة الوستفالية. ولقد سعى قادة هذه المنظمات أنفسهم إلى تصحيح آية مبالغات خاطئة على هذا الصعيد. فكوفي عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة دأب على التأكيد بأن ’التنوع مزية عالمية‘ وأن هذا التنوع هو ’أمر يتعين الاحتفاء به‘ كما جاء في كلمة ألقاها في جامعة ييل الأميركية خلال شهر تشرين الأوّل/اوكتوبر 2002 وذلك في إشارة مزدوجة إلى التنوع الذي تعبر عنه الدول القومية والتكتلات الإقليمية معا.
يقدم واقع الدول العربية وتجارب التعاون الوظيفي بينها ما يدعم هذه الانتقادات. فالتعاون الاقتصادي بين الدول العربية لا يصل إلى مرحلة يستحيل فيها إيقافه أو إلغاءه. وتدلّ تجارب متنوّعة في المنطقة العربية على أنّ النخب العربية الحاكمة تستطيع التدخل في أيّة لحظة لتعطل التعاون الاقتصادي مع دول أخرى. وقد أُشيرَ أيضاً انّه في حين يمكن للوظيفية أن تلقي ضؤا على تطوّر التعاون غير الاقتصادي بين الدول، إلا أنّها لا تعطي تفسيراً كافياً لظهور عملية التعاون.
علاوة على ذلك، بينما يُعتقد أنّ الوظيفية مناسبة لإبراز أهميّة العوامل النفعيّة في الترويج للتعاون بين الأمم، فإنّه من الخطأ من منظور عربي ومنظور العالم الثالث، تجاهل أهميّة العوامل الأيديولوجية مثل الدين، والقومية والعلاقات الولية في البدء والحفاظ على التعاون بين الدول (حتّى، 1982: 34-45).
سلط النقد العربي للوظيفية الضوء على مضامينها وتوجهاتها الغربية. لكنّ بعض الفرضيات الأساسية للوظيفيين الغربيين يمكن أن تُكيَّف مع المحيط العربي، وقد تُقدِّم، في الحقيقة، إطارا مفيداً لفهم مواقف فاعلين مختلفين تجاه التكتل الإقليمي العربي. كما أنّها تساعد على تقييم مواقف هؤلاء الفاعلين تجاه مسألة التعاون الإقليمي في المنطقة العربية وإلقاء ضؤ على الحوافز التي تكيف مواقفهم على هذا الصعيد.
تستلزم العقلانية الوظيفية، كما اشرنا أعلاه، أن يتعاون الناس والحكومات للتّعامل مع المشاكل ذات الطبيعة الإقليمية أو الدُولية أي التي تتجاوز قدرات وطاقات الدولة العربية الوستفالية. على هذه القاعدة تنهض مؤسسات العمل الإقليمي المشترك ومشاريع الاقلمة، ولكن آية اقلمة واية مشاريع إقليمية؟ وكيف يمكن تحديد المشكلات والتحديات الإقليمية التي تنبغي معالجتها؟ هناك مشاريع متنوعة في المنطقة يردها أصحابها إلى النهج الوظيفي منها النموذجان التاليان ينبغي التوقف امامه:
أوّلاً، مشاريع تسعى إلى تحديد المشاكل الإقليمية ومن ثمّ الإطار الإقليمي بالاستناد إلى نهج الوظيفية التقليدية وفي ظلّ ضغوطات يشترك فيها فواعل إقليميين ودُوليين. اقتُرِح أصحاب هذه المشاريع عدّة خطط وأُطُر لا عربية للتعاون الإقليمي (Peres, 1993: 60-74؛ راجع لجنة المجتمعات الأوروبية، 1993). وقدم أصحاب هذه المقترحات مشاريعهم على أساس ان ابتعاد هذه المشاريع عن التقيد بهوية "أيديولوجية" عربية توفر لها الشروط الاقضل لمعالجة المشاكل الإقليمية التي تواجهها المنطقة.
ثانيا، مواقف ومشاريع يطلقها فاعلون عرب تتفق في رأيهم مع فرضيات العقلانية الوظيفيّة ومع المصالح الذاتية للدول العربية. ويقدر هؤلاء ان مشاريعهم التي تستند إلى علاقات ثنائية مع قوى كبرى أو إقليمية من خارج المنطقة العربية هي الأكثر قدرة على مواجهة المشاكل والتحديات ذات الطابع الإقليمي لها طبيعة إقليمية بمساعدة فاعلين من المنطقة على أساس علاقات ثنائية وعلى حساب مشاريع الاقلمة النابعة من المنطقة من المشاريع الإقليمية العربية ومن مؤسسات العمل العربي المشترك (راجع محاضر: 1949: 1-29).
بصرف النظر عن حوافز هذه المشاريع ومقدماتها والنتائج النهائية المتعارضة مع الاقلمة العربية، فانه حري بالعاملين على النهوض بمشاريع الاقلمة العربية بما يؤكّد سلامة نهجهم وبسلة من المبادرات والخطوات التي تتضمن ما يلي:
1: التأكيد على أنَّ هذه المشاريع تنطلق من إقرار مسبق بما دأب العروبيون على تكراره طيلة ما يقارب القرن من الزمن الا هو أنّه هناك مشاكل إقليمية كبرى لا تملك الدولة العربية الوستفالية أنْ تواجهها بمعزل عن الدول العربية الأخرى، وكذلك بما دأب قادة المنظمات الدولية على ترداده حول عجز هذه المنظمات عن تقديم حلول لهذه التحديات والمشكلات بمعزل عن المنظمات الإقليمية. يجدر بالذكر هنا ان بعض الأطراف الدولية التي تروج لمشاريعها الإقليمية في المنطقة نفسها تمثل استمرارا للنهج الاستشراقي الذي كان يفسر كلّ دعوة للتعاون العربي-العربي بانها تعبير عن نهج مدمر معاد بالضرورة لنشوء الدول ولاستقرار العلاقات الدولية، وبانها مظره من مظاهر "العنصرية" العربية.
2: تحديد المشكلات الإقليمية انطلاقا من معايير إقليمية وإنسانية.
3: تقديم شرح كاف ومقنع للعلاقة بين مسوغات التعاون الوظيفي والعقلاني لمواجهة هذه التحديات والمشكلات من جهة، وبين ضرورات اعتماد المقاربات العربية، على المستويين النظري والعملي، في هذه المواجهة. فالتعاون العربي-العربي هو، باستخدام كلمات ميتراني المشار إليها أعلاه، ’ليست فكرة مصطنعة‘ تتوخى حشر كيانات تحكمها علاقات الحرب والمصالح المتناقضة، كما هو الأمر بين الإسرائيليين والعرب، بل هي ’فكرة طبيعية‘ تستند إلى مقومات تتفق على أهميتها سائر مناهج الاقلمة التي تدعو إلى بناء مؤسسات العمل المشترك، كما سنلاحظ فيما بعد عند استعراض البعض منها.
. الوظيفية الحديثة/الجديدة:
تعنى الوظيفية الجديدة مثل الوظيفية بقضايا الأمن الدُولي، ولكنّ تركيز الوظيفيين الجدد الأساسي، بخلاف أسلافهم، لم يكن الادماج عالميّاً بل إقليميّاً، وخاصة أوروبياً. وكما طُوِّرت من قِبَل عدد من الوظيفيين الجدد المهمّين، أمثال أرنست هاس وليون ليندبرغ، أصبحت الوظيفية الجديدة تُعرَّف على أنّها عملية تنتقل بواسطتها سلطة صنع القرار، في مجالات واهتمامات سياسية مختلفة من مستوى الدولة -القومية إلى مستويات فوق-دولية (Haas 1961؛ Lindberg and Scheingold 1970: 163-181).
تتضمن هذه العملية تحقيق التكتل بين قطاعات اقتصادية مهمّة في مجالات السياسة الدنيا؛ وإنشاء سلطة عليا للإشراف على استمرار عملية التكتل؛ وخلق ضغوطات لإدماج قطاعات وظيفية متداخلة؛ وتحديد الحاجات الضرورية لتعزيز المؤسساتية الإقليمية. وكما يُفسّر الوظيفيون الجدد الأمر، فإنّ توسّع التكتل وتعمّقه من قطاع إلى آخر هو نتيجة لآلية ‘التداعي’ (Spillover) التي هي المفهوم الرئيسي من مفاهيم الوظيفية الجديدة.
وهذه العملية هي على نوعين:
الأوّل هو التداعي الوظيفي حيث يؤدي التعاون الوظيفي في مجالات محدودة ومحددة إلى نشوء مشاكل تعترض استمراره. عندها يصبح على النخب الحاكمة أنْ تقرر: أما أنْ توجد حلّ لهذه المشاكل عن طريق تعميق التعاون في نفس القطاع عن طريق توفير المزيد من الموارد لتنفيذه وتعزيز صلاحيات المؤسسات العاملة على تحقيق أهدافه وتوسيع التعاون الوظيفي بحيث يشمل قطاعات أخرى لم تكن داخلة أساسا في العمل المشترك. واما عن تواجه هذه المشاكل عن طريق إيقاف المشروع التعاوني برمته. هذا الخيار الأخير كان الأكثر كلفة لأنّه يعني هدر كلّ الجهود التي وظفت من أجل تحقيق ما تمّ إنجازه من مشاريع التعاون والتخلي عن تحقيق الأهداف التي حفزت إصلاح إلى السير فيه. من هنا دأبت النخب الحاكمة، خاصة في النظم الديمقراطية التي تحاسب الحكومات على الإهدارات التي ترتكبها، على اعتماد الخيار الأخير لا الأوّل. وهكذا شكل "التداعي الوظيفي" رافعة للعمل الإقليمي المشترك وحافزا إلى تطويره وتجاوزه العقبات الكثيرة التي اعترضت طريقه.
النوع الثاني، هو التداعي السياسي حيث يعتقد الوظيفيون الجدد أنَّ التعاون الوظيفي سوف يفرض قيام منظمات فوق-دولية لكي ترعى هذا التعاون وتثمره. وعندما تنشأ هذه المنظمات فإنّها ستطلق حركية داخلية لاستمرارها ولتطورها ومن ثمّ لتطور مشاريع العمل الإقليمي المشترك.
وعل الصعيد السياسي ايض يُؤكِّد إرنست هاس، أحد أبرز منظري الاقلمة، إنّ تجربة التكتل الأوروبي تشير إلى أنّ الفنّيين الاقتصاديين، والمخطّطين، والصناعيين المبتكرين، والقادة النقابيين، كما الإداريين البراغماتيين الذين يبحثون عن مصالحهم الذاتية عبر الوصول إلى التكتل، يضطعون هم أيضاً ومن خارج المؤسسات الإقليمية بدور مهم كرعاة ومشرّعين للعملية. تلعب السياسة والسياسيون، في هذه العملية، جزءاً أكبر من الجزء الذي يخصّصه لهم الوظيفيون. هذا يُفسِّر من وجهة نظر الوظيفيين الجدد، دور‘ الممثلين الدراماتيكيين‘، مثل الجنرال شارل دو غول الذي يستطيعون التأثير على العملية باتجاهات مختلفة تعتمد على موقفهم من التكتل الإقليمي.
لكنّ هؤلاء الممثلين الدراماتيكيين لا يُقولبون، وحدهم، عملية الاقلمة. أنّهم بسبب منزلتهم الرفيعة الاستثنائية، وفي فترات معيّنة، يمكنهم أن يلعبوا دوراً حاسماً. لكنّ دور هؤلاء الزعماء القياديين يبقى عابراً، على الأقل ضمن السياق الأوروبي؛ بينما التكتل الإقليمي، كما وصفه الوظيفيون الجدد، هو تعدُّديّ وقائم على المجموعة، ممثلاً نقطة الالتقاء لمصالح متعدّدة. هذه المصالح لا يجب أن تُفهَم أوتُدرَك كجزء من تقسيم المجتمعات إلى عامّة - ونخبة، أو بموازاة الصراع الطبقي (Rosamond, 55: 2000).
وكما بلور الوظيفيون الجدد مفهوم التداعي، فقد بلوروا أيضاً وطوروا فكرة التمييز بين السياسات والمصالح العليا من جهة، وبين السياسات والمصالح الدنيا من جهة أخرى. المصالح العليا هي تلك التي تتمحور حولها الاهتمامات السياسية، ولها تأثير مباشر على أمن الدولة واستمرار النخبة الحاكمة واستقرار الأنظمة التي تقودها. وتسند مهمة متابعة السياسات العليا عادة إلى الهيئات التابعة لقادة الدول والى ما يدعى بالوزارات السيادية. أما السياسات الدنيا فإنّها تتمحور حول المشاغل الوظيفية للدولة التي لا يطال تاثيرها المصالح الحيوية للنخب الحاكمة واستقرار الأنظمة. وفي أكثر الحالات تكلف الوزارات الخدمية بالاهتمام بها.
في هذا السياق لاحظ وظيفيون جدد ان الحكومات تحافظ على تحيّز تاريخي لصالح السيادة القومية. وانها استطرادا تميل إلى رفض تقديم التنازلات تجاه مشاريع الاقلمة. لكنّ مقاومة الحكومات ضدّ التضحية بالسيادة من أجل التعاون الدُولي والإقليمي ستخفّ نتيجةَ التفريق بين السياسة‘ العليا‘ والسياسة‘ الدُنيا‘. ولذا، بينما تستلزم ضرورات السيادة القومية إبقاء مسائل السياسة العليا على نحو صارم في يدّ الدول القومية، فإنّ الحكومات عامة لا تعترض بقوة على التضحية بجزء من سيادتها في أمور تتعلّق بالسياسة الدنيا.
لقد انتُقدَت الوظيفية الجديدة من قِبَل كُتّاب وعلماء متعددين في العلاقات الدولية والقضايا الإقليمية. وركّز معظم النقد على مفهوم الوظيفيين الجدد الجوهري بخصوص الفصل بين النواحي الاقتصادية والسياسية المشتمَلة في عملية التكتل الإقليمي. كان هذا ضمنياً في نقد دايفيد متراني لما يعدّه اهتماماً مبالغاً فيه من قبل الوظيفيين الجدد ببناء المؤسسة والترويج لسلطة الفوق-دولة. أعتبر متراني هذا الاهتمام كدليل على جدول أعمال سياسي وفيدرالي استباقي للوظيفيين الجدد مما جعله يدعوهم بالوظيفيين-الفدراليين (Evans and Newham 1998:359).
على عكس متراني، أخذ نقاد آخرون للوظيفية الجديدة على الوظيفيين الجدد إضعافهم وثاقة صلة السياسة بالتكتل الإقليمي. فعلى سبيل المثال، يرى أدوارد مانسفيلد وهيلين ملنر ان بعضّ الدراسات حول الموجة الجديدة للإقليمية الاقتصادية، ومن ضمنها دراسات الوظيفيين الجدد، تترك قضايا سياسية كثيرة، متعلّقة بالتكتل الإقليمي، غير محلولة (Mansfield and Milner, 1999: 589-629).
كذلك يعتقد واقعيون من أمثال ستانلي هوفمان أن الوظيفيينّ الجدد قد استهانوا بأهمية العوامل السياسية في التأثير على عملية التكتل الإقليمي، واستخفّوا بالدور الحاسم الذي تلعبه الدول والنخب القومية في التكتل الأوروبي، كما استخفوا بأثر الأوضاع الدُوَلية في صياغة العلاقات الإقليمية (De Bussy, Delorme and De La Serre, 1975: 103-104). وانتقد روجر هانسان الوظيفيين الجدد على أساس أنّهم تجاهلوا إشكالية السياسة ‘العليا-الدنيا‘؛ وبينما ركّزوا على السياسة الدنيا، كان عندهم القليل ليقولوه عن السياسة العليا (Hansen 1969: 243-256).
يتّفق بعض دارسي إقليمية العالم الثالث مع الوظيفيين الجدد على أهمية العامل الاقتصادي في بناء كتل إقليمية، ولكنهم يرون أنّه على إقليميّي الجنوب تجنُّب استنساخ‘ خطّة الاتّحاد الأوروبي والخطط الإقليمية الأُخرى من الشمال‘. ولذا اقترح مورتِن بُوا، وماريان مارتشاند وتيموثي شاو، أنّه يمكن للتّجار الذين يعملون، على نطاق ضيق، عبر الحدود، إضافة إلى الفواعل الإقليميين الذين يُعرِّفهم الوظيفيون الجدد، أن يلعبوا دوراً ناشطاً في الترويج للإدماج الإقليمي في بعض أرجاء الجنوب) Boas, Marchand and Shaw, 1999: 1061-1070).
تُعبِّر المُؤلّفات، حول العلاقات الإقليمية العربية، عن تنوّع في الردود تجاه المنهج الوظيفيّ الجديد. بشكل عام، توجد ثلاث سمات عامّة تميّز هذه المؤلّفات. أولاً، يوجد إحساس بأنّ الوظيفية الجديدة، كما تصوَّرها وطوّرها الإقليميون الغربيون، يمكن أن تُطبَّق على المنطقة العربية، على شرط أن تُعدَّل.
يرى إبراهيم عوض أن منهج الوظيفية الجديدة يُوفِّرَ إطاراً مفاهيمياً لدراسة التكتل الإقليمي العربي، ولتطوير إستراتيجيّة الدعوة إليه [التكتل] إذا أُخِذت خصوصيّة المنطقة بعين الاعتبار. ويعتقد عوض، كما فعل حتّى، أنّ النواحي الأيديولوجية، مثل الهويّة المشتركة والإحساس بالانتماء إلى المجتمع نفسه، والتي يُركّز عليها عادة المنهج البنيوي، قد تلعب [النواحي] دوراً أكبر في التأثير على تحقيق التكامل الإقليمي في المنطقة العربية من الدور الذي الذي تلعبه في مناطق أُخرى (عوض، 1989: 539-555).
ثانياً، رغم الإقرار بأهمية الاقتصاد والدور الحاسم الذي لعبته القوى الاقتصادية في إحداث الادماج الاقتصادي في الشمال، يقترح عوض إعادة تقييم العلاقة بين الادماج الاقتصادي والسياسي، والنظر فيها فيما يختص بالمنطقة العربية. ويُدرك عدد من الكتاب الفرق بين الظروف الاقتصادية والسياسية في أوروبا، وبين تلك في المنطقة العربية. ولكنهم، إذ يأملون في تخفيف العوائق التي تقف في وجه التكتل الإقليمي العربي، يقترحون على المدافعين عن التكتل الإقليمي العربي التركيز على فصل حقل الاقتصاد عن حقل السياسة (Kabbara 1986: 170-83). ويُعتقد أنّ هذا الهدف يمكن إحرازه لأنّه من السهل إثبات تكاملية الاقتصادات العربية، وخاصة في مجالات الصناعة، والزراعة والتمويل (أحمد، 1978:26).
ولكن، بينما يوافق محمّد السيد سعيد على أهمية المنهج الوظيفي الحديث في دراسات الإقليمية العربية، فإنّه يُحذِّر من المبالغة في إمكانية وقاية مجال التعاون الوظيفي من التأثيرات السياسية العربية (سعيد، 1990: 346-377). يقدِّم سعيد خمسة أسباب لتبرير موقفه، يمكن أن تُرَدَّ جميعاً، بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى القدرة المطلقة للدولة والموقف المسيطر للنخب الحاكمة في السياسة العربية. تؤثّر هذه الظروف إلى حدّ بعيد على الاستقلالية المُفتَرَضة التي تنسبها الوظيفية الجديدة إلى المصالح الاقتصادية والقوى الاجتماعية في السياسة العربية (سعيد، 1990: 346-377؛ راجع طرابيشي، 1982: 86-106؛ Beblawi, and Luciani, 1987؛ Stevens، 1989: 57-75؛ الصلح، 2000).
وهكذا، في حين لعبت البرجوازيّة المستقلّة والطبقة الرأسماليّة دوراً مهمّاً في إطلاق الادماج الأوروبي والمحافظة عليه (Knap، 1969: 120-121؛ راجع Monbiot, 2001)، يجد بول آرتس أنّ البرجوازية العربية غير قادرة على لعب دور مماثل في السياسة العربية وعلى التأثير في عملية التكتل الإقليمي العربي (Aarts، 1999: 911-925). من وجهة نظر فدرالية عربية راديكالية، يذهب نديم بيطار خطوة أبعد، ليقول إنّ الطبقة الرأسمالية العربية، مهما كان تأثيرها على السياسة العربية، تقف كخصم وعائق أمام الادماج العربي (صاغيّة، 1981: 250-263).
ثالثاً، تساءل نقّاد الوظيفية الجديدة العرب حول فرضياتها الأساسيّة، وخاصة تفريقها بين السياسة‘ العليا‘ والسياسة‘ الدنيا‘، وبين مجالات الأنشطة الاقتصادية والسياسيّة. اعتبر هذا التفريق محاولة غير موفقة من قِبَل المنظمات الإقليمية والوظيفية العربية (حتّى، 1982: 34-45؛ راجع Salame، 1988: 278). بحسب وجهة النظر هذه، حتّى لو كان من الممكن التفريق، نظريّاً، بين هذين المستويين من السياسة، فإنّه من غير الواقعي اعتبار أنّ هناك معايير دُولية لرسم مثل هذا التفريق. إنّ الأمور المتعلِّقة بالاقتصاد، مثلاً، كإنتاج النفط وصادراته، قد تُعامَل في الدول الصناعية المتقدِّمة صاحبة [السياسات] الاقتصادية المتنوِّعة كبريطانيا والنروج كمسائل سياسة‘ دنيا‘، في حين أنّها تكون أمور سياسة‘ عليا‘ في الدول العربية التي تعتمد على صادرات النفط في المقام الأوّل.
إنّ النقد ضدّ التفريق الوظيفي بين السياسة‘ العليا‘ و‘ الدنيا‘ هو صحيح جزئياً. مع أنّه من الصعب جعل هذا التفريق عالمياً، ولكنه من الممكن أقلَمَته عربيا. يمكن لطلاب التكتل الإقليمي العربي أن يُطوِّروا معايير للتمييز بين السياسة‘ العليا‘ و‘ الدنيا‘ ضمن المحيط العربي. يُنصح الإستراتيجيون الطامحون إلى ترويج مشاريع عربية مشترَكة بالتركيز على السياسة‘ الدنيا‘، على الأقل في المرحلة الأولى من مراحل التعاون الإقليمي (برقاوي، 1988: 23-24؛ راجع الصلح، 1995).
على خلفية هذا النقاش الذي تَعامَل مع مبادئ جوهرية للوظيفية الجديدة من الممكن إثارة عدد من الملاحظات التي قد تُساعد على اختيار منهج مناسب لدراسة التكتل الإقليمي العربي، ولبناء إستراتيجية صحيحة لتنشيط وتعزيز هذه العملية.
• تُبيِّن المؤلّفات عن الوظيفية الجديدة أنّ هذه الأخيرة قابلة للتكيُّف. لذا أدخل مؤلّفون ومدافعون عن الوظيفية الجديدة تعديلات متعدّدة على هذا المنهج من أجل فهم التكتل الإقليمي خارج أوروبا. يجب على المرء من أجل تكييف الوظيفية الحديثة مع أوضاع المنطقة العربية، أن يميز تمييزا دقيقا بين المفاهيم الوظيفية الحديثة التي تتعلّق بالتكتل الإقليمي العربي، وبين تلك التي لا تتعلق به. فيحتاج إذن دارسو التكتل الإقليمي العربي والمتخصصون به أن يُقيِّموا درجة حاجة الوظيفية الجديدة إلى التأقلم مع المنطقة العربية. وبصورة خاصة فأن استعارة بعض المفاهيم الأساسيّة عن الإقليميّة من مناهج أُخرى، كالمنهج الفيدير إلى، سوف تؤثر على أهمية المنهج الوظيفي الجديد كمنهج مستقلّ لدراسة التكتل الإقليمي العربي.
• إنّ مفهوم‘ التداعي’ طُوِّر من قِبَل الوظيفيين الحديثين، في مراحله الأولى، كأداة لوصف مخطّطات التكتل الإقليمي المستقبلية، لا للدعوة إليها أو للتنبّؤ بها. كان هذا الأمر وثيق الصلة بالتجربة الأوروبية نفسها. لكنّ هذا المفهوم سيكون له وقعٌ مختلِف في المنطقة العربية من زاويتين مهمتين.
1- يفترض الوظيفيون الجدد أنّ ديناميكيّة‘ التداعي’ ‘ ستؤدّي إلى الإدماج‘ خلسةً/ بالسر" (Rosamond، 2000: 15)، أو بفعل "مؤامرة تكنوقراطية" كما وصف عملية بناء السوق الأوروبية المشتركة. لكنّه من الصعب تصوّر حدوث مثل هذه العملية في المنطقة العربية. فعندما يتعلّق الأمر بالعلاقات الإقليمية، فإنّ الفاعلين العرب حذرون بشكل ملحوظ. ومن المشكوك فيه أن يقبلّ الفاعلون العرب المتمسّكين بنظام وستفاليا وبالسيادة الوطنية قبول تقدُّم التكتل الإقليمي غير المُقيَّد. لقد صلبت تجارب وسط الخمسينيات، عندما ظُنَّ أنّ نظام الدولة العربي مُهَدَّد بالدعوة لإدماج كلّيّ للدول العربية، موقف المدافعين عن الوضع الراهن.
2- بالنسبة إلى مؤيّدي الإقليمية، فإنّ هذه الفكرة قد تكون لها جاذبيتها. إنّها تجعل التكتل الإقليمي يبدو حتميّاً، وبالتالي فهي قادرة على طمأنة مؤيديها وإضعاف عزيمة خصومها. لكن بدلاً من خلق شعور الثقة بالنفس بين مؤيّدي التكتل الإقليمي العربي، فأن فكرة‘ التداعي’ ‘ كفكرة جوهرية للوظيفية الجديدة قد تساهم في الحقيقة في موقف قدريّ/استسلامي وراضٍ عن نفسه بين أولئك المؤيّدين. فقد يشعر الفاعلون المؤيدون لفكرة التكتل الإقليمي أنّه يكفي أن يبادروا إلى إطلاق خطط للادماج الإقليمي، وأنه خلال المراحل التالية، ستعمل ديناميكيات‘ التداعي‘، بدلاً من المجموعات الإقليمية، كدافع لهذه الخطط. مع أنّ الوظيفيين الحديثين قد ركّزوا على أنّ عملية‘ التداعي’ غير ميكانيكيّة، وأنها لا تستبدِل المبادرة الإنسانية والفعّاليّة السياسية، إلا أنّ هذه التأكيدات
3- يجب أن تُكرَّر ويركز عليها عند تكييف الوظيفية الحديثة مع المحيط العربي.
• دور الفاعل الدراماتيكي هو عامل مهمّ، وثيق الّصلة وحاسم في السياسة العربية وبالتالي في التكتل الإقليمي العربي. يمكن للعلاقات الشخصية بين مثل هؤلاء الفاعلين في المنطقة العربية أن تؤثّر على إمكانيات التكتل الإقليمي. وتؤثر عناصر الثقة، والعداء، والشك تأثيرا واسعا على العلاقات بين رؤساء الدول العرب (راجع محاضر محادثات الوحدة بين مصر، وسوريا والعراق، 1978). كذلك أيضاً تلعب العلاقات العائلية، والتجارب المشترَكة، والخلفية الثقافية، والاهتمامات والمصالح الشخصية كما العلاقات غير الرسمية، كلّها تلعب دوراً مهمّاً في صياغة العلاقات بين الرؤساء العرب وبالتالي بين الحكومات العربية. من أجل فهم وتفسير العلاقات بين الدول العربية، ومن أجل استكشاف إمكانيات التكتل الإقليمي العربي، فمن المهمّ مراقبة وتحليل موقف الفاعلين الدراماتيكيين العرب تجاه بعضهم البعض وتجاه فكرة التكتل الإقليمي.
إنَّ الفاعلين الدراماتيكيين العرب قادرون على لعب دور حاسم في التأثير على التكتل الإقليمي العربي، وهذا التوصيف ينسحب أيضاً على دور الرؤساء العرب والنخبة العربية الحاكمة في صياغة العلاقات الإقليمية فإنّه من الخطأ تجاهل الدور الذي يلعبه فاعلون آخرون غير دراماتيكيين ولا ينتمون إلى النخبة الحاكمة في التأثير على هذه العلاقات. تدلّ الأحداث الأخيرة في العالم العربي، يُشار إليها عادةً بالإصلاح أو الانفتاح السياسي والاقتصادي، أنّ هؤلاء الفاعلين يحاولون لعب دور أكثر أهميّة في تحديد مصالحهم والدفاع عنها. بعضهم يُعبِّر عن اهتمام واضح في تحقيق التكتل الإقليمي. المنظمات الإقليمية مثل الوكالات المتخصِّصة لهيئة الأمم المتحدة، والمؤتمرات الوزارية العربية، والجمعيات العربية العامّة، تُشكِّل نظاماً إقليمياً عربياً اثبت قدرة على الاستمرار. هذه الأجسام قد تُهمَّش، ولكن من الصعب تُفكيّكها أو تجاهَلها إلى الأبد (سعيد، 1990: 346-377). وما دامت هذه الهيئات مستمرة فبإمكانها تأميِّن نقطة انطلاق لفاعلين آخرين أكثر نشاطاً وتصميماً.
أنّ الفاعلين العرب غير المنتمين إلى الدولة، أمثال مجتمعات الأعمال العربية المُمَثَّلة في منظمات إقليمية (على سبيل المثال، الاتّحاد العام لغُرف التجارة العربية، وغرف الصناعة والزراعة؛ ومؤتمر رجال الأعمال والمستثمرين العرب؛ ومنتدى رجال الأعمال العرب)، يبدون أكثر نشاطاً في الدعوة لفكرة التكتل الإقليمي. ومن المهم في دراسات مستقبلية حول التكتل الإقليمي العربي تحديد وتوضيح أثر هؤلاء الفاعلين على السياسة العربية وبالتالي على العلاقات الإقليمية. في التعامل مع هذه القضية، على المرء أن يُبقي في ذهنه أنّ النُخَب الحاكمة تحتاج إلى زيادة حجمها، وإلى إشراك بعض قوى اجتماعية أوسع في الحكم والى الاستجابة إلى مخاوفها ومصالحها من أجل المحافظة على موقعها في السلطة
(Mosca، 1939: 404). إنَّ هذه الحاجات والتطورات قد تفسح في المجال أمام الفاعلين المشار إليهم أعلاه لكي يلعبوا دورا أكبر في الشأن العام، وحتّى يمارسوا تأثيرا أكبر على السياسات الرسمية لصالح مشاريع التعاون الإقليمي العربي. ا أنّ هذه المحاولات والتطوّرات تبدو، حتّى الآن، متواضعة ومُحدودة، لذلك فإنّها لا تُعكَس عادة في المؤلّفات حول التكتل الإقليمي العربي. ولكن من منظور وظيفي حديث، وتدريجيّ، ومتراكم، فمن الخطأ تجاهل هذه التغيّرات.
• التفريق الذي أقامه الوظيفيون بين السياسة‘ العُليا‘ و‘ الدُنيا‘ هو أيضاً مهمّ في السياسة العربية. يُنظر إلى الحكومات العربية على أنّها دَولانيّة/مؤيّدة لسلطة الدولة، مُسَيطِرة، ومُتدخِّلة (النقيب، 1996: 335-342). ولكنّ هذا لا ينفي الفرق بين السياستين‘ العليا‘ و‘ الدُنيا‘. لا يزال هناك حقول أنشطة مرتبطة بصورة فورية وحاسمة بالنخب العربية الحاكمة، ومجالات أُخرى قد تكون أقلّ أهمية بالنسبة لهم. بعبارة أخرى، قد يتبيّن المرء هرميّة المصالح، والاهتمامات، والأولويّات نفسها في السياسة العربية كما في السياستين الأوروبية والغربية. ولكن من المؤكَّد أنّ هناك فرقاً بين محتويات السياسة‘ العليا‘ والسياسة‘ الدنيا‘ في المنطقة العربية مقارنة بمناطق شمال الأطلسيّ. لذا تحتاج دراسة التكتل الإقليمي العربي إلى أن تتحرّى وتكتشف الفروق بين السياستين‘ العليا‘ و‘ الدنيا‘، مع الانتباه دائماً إلى طبيعة السياسة العربية. واحدة من الطرق لتنفيذ هذا هي التمييز بين المشاريع الإقليمية التي فشلت لتأثيرها المباشر وربما المناقض لأمن الدولة، وبين المشاريع التي ليس لها مثل هذا التأثير.
3- العالمية
تتوفر في العالمية، كمنهج، عناصر كثيرة مشتركة مع الوظيفية. بحسب هذا المنهج فانه من المُنتظر أن تبلغ عملية العولمة أقصى حدّها مع انحلال الكيانات الوستفالية لمصلحة بنية عالمية [نسبة إلى العالم ككلٍ] وليس دولية [أي نسبة العلاقات بين الدول] (Evans, and Newham, 1998: 201). تُعرَّف هذه العملية أحياناً بمصطلحات وظيفية أدقّ. فعلى سبيل المثال، يصف بيورن هيتني العولمة على أنّها‘ رؤيا لعالم لا حدود فيه، حيث فقدت الأرض كلّ الأهمية وحيث الوظيفية سائدة’ (Hettne, Inotai and Sunkel. ، 1999: 2).
يعتقد مؤيدو العولمة، مثل الوظيفييين، انّ إدماج العالم تدفعه قوى وديناميكيات لا تتحكَّم بها الدول. فهم يؤكّدون على أهمية ومغزى تطوّر نظام التجارة العالميّة، والاتصالات، والسياسة الاقتصادية، و [المساواة بين الرجل] والمرأة، والاهتمام بحقوق الإنسان، ومحاربة الإرهاب العالمي والجريمة المُنَظَّمة والأمراض مثل الايدز/مرض فقدان المناعة المُكتسبة (Evans, and Newham 1998:202). وبسبب تأثير هذه العوامل على النظام الوستفالي، وبما أنّها تقلل من قدرة الدول الوستفالية على التعامل مع هذه التطوّرات، خاصة في حقل الاقتصاد، فإنّ هذه الحكومات القومية ستلجأ إلى التكتل الإقليمي لمواجهة التحديات الجديدة (Oman, 1993: 51-69).
أُشير إلى أنّ هناك طرقاً متعدّدة تؤدي من خلالها هذه الضغوطات العالمية، ونهاية الدولة القومية، إلى قيام تجمّعات إقليمية بدلاً من نظام عالمي مترابط. ولكن هناك أيضاً طرق متنوعة تعمل فيها العولمة ضدّ الإقليمية. وهذه الطرق تُدفَع إلى ظهور الاعتماد المتبادل الاقتصادي على المستويات العالمية بدل الإقليمية، ممّا أدّى إلى قيام منظمات عالمية الطابع ولكنها مُوجَّهة من قبل الغرب، مثل مؤسسات بريتون وودز، ومجموعة [الدول الصناعية] الثمانية، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (أو أي سي دي)، الخ. (Fawcett, and Hurrell، 1995: 55-56).
هؤلاء الذين يحاولون التوفيق بين الإقليمية والعالمية يعتقدون أنّ المجموعات الإقليمية يمكنها أن تعمل ككتل بناء للنظام الإقليمي، وأنّ هذه الكتل الإقليمية جديرة بالتعاون مع بعضها البعض ضمن إطار المنظمات العالمية، خاصة نظام الأمم المتّحدة (Claude, 1971: 112-120). إنّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف ترتبط هذه الكتل الإقليمية ببعضها؟ في محاولة الإجابة على هذا السؤال، برزت مدرستان فكريتان مختلفتان. تقترح المدرسة الفكرية الأولى أنّ يقوم النظام العالمي الذي يجمع هذه الكتل معاً على أساس المساواة النسبيّة والتوزيع العادل للموارد الماديّة والبشرية بين هذه المجموعات الإقليمية (Kothari، 1974: 14).
ولكن في حين تُحبِّذ هذه المدرسة تغيير الوضع الراهن، فإنّ المدرسة الثانية تفضّل الإبقاء عليه. أنّها تقترح، بسبب تفاوت في بُنى القوّى العالمية ولكي يعمل بشكل مناسب، أنْ يكون النظام العالمي القائم على تجمّعات إقليمية هرمي وتراتبي الطابع. بعض مؤيدي المدرسة الفكرية الثانية هذه يقترحون أنّ القوّة الدُوَلية التي هي أكثر تقدّماً بكثير من أي دولة، يجب أن تعمل كراعّ لهذا النظام. ويبدو أنّ الولايات المتّحدة هي المرشح الوحيد لهذا الدور، ليس فقط بسبب قوتها الأعظم، ولكن أيضاً لأنّ الخبرة، بحسب [قول] مؤيدي هذه النظرية، أثبتت أنّها قوة مهيمنة رؤوفة، خيّرة وذات مبادئ (Albright، 1998: 50-64؛ راجع Kagan, 1998: 24-48).
دفاعاً عن منحى التفكير هذا، قالت كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية إنّ‘ ملاحقة أميركا للمصالح القومية بعد الحرب العالمية الثانية أدّت إلى عالم أكثر ازدهاراً وديمقراطية‘، وإنّ‘ هذا يمكن أن يحصل ثانيةً‘. إنْ هذا النظام لا يستبعد التجمّعات والمنظّمات الإقليمية. على العكس، تعتقد رايس انّ القوى والكتل الإقليمية لديها أدوار مهمة تلعبها في الدفاع عن حقوق الإنسان، والتكتل الاقتصادي، والتحرير السياسي (Foreign Affairs، 2002: 45-62).
واقت |