القاهرة 27-30 نيسان/إبريل 1998
من مصر ذات الدور المتميز والمستمر في النهوض العربي، وبكل ما تمثله من مكانة قومية تاريخية، يتوجه المجتمعون في المؤتمر القومي العربي الثامن، المنعقد في القاهرة ما بين 27 - 30 نيسان/إبريل 1998 إلى الأمة العربية، مستلهمين روح نضالها الطويل ضد السياسات والمخططات المعادية التي واجهتها على مر الزمن، وخاصة منذ قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين قبل خمسين عاماً.
وفي جو القاهرة الممتلىء بحس المسؤولية أمام الحاضر والمستقبل، وبالقدرة على مخاطبة الأمة العربية، في كامل حجمها وقدراتها، وبمشاركة فاعلة من عدد كبير من رموز الأمة وقياداتها وأجيالها المتعاقبة، برزت بوضوح، الحاجة الشاملة والراهنة والملحة إلى استحضار الطاقات العربية كافة في صيغة متكاملة تحدث نقلة نوعية عند الجميع لتنطلق المبادرات الخلاقة والعملية بما يحمي أمن الأمة، وهويتها، ويعزز مواقفها، ويصون حقوقها ويكسر حالة الجمود والحصار التي تفرض عليها، ويستجيب لتطلعات الجماهير العربية، وإرهاصاتها الواعدة، بكل ما تختزنه من رصيد الإيمان بوحدة الأمة، وإرادتها في صنع المستقبل اللائق بها، والبشرية على أعتاب ألفية جديدة.
لقد أثبت المؤتمر القومي العربي، منذ نشأته عام 1990 حتى الآن، ان طريق العمل القومي الجاد ما زال مفتوحاً وممكناً، بل إنه أكثر واقعية من كل ما يدعون، رغم كل ما يحيط به من صعوبات وعراقيل، تفرضها القوى المعادية للأمة ولتحررها وتقدمها ومستقبلها الوحدوي. ولقد جاءت التطورات العالمية والإقليمية والعربية المتسارعة منذ ذلك الحين لتؤكد مدى جدارة الحل القومي، وشرعيته ومصداقيته، لمواجهة مشكلات التخلف والتبعية والتجزئة، التي تعمل قوى الامبريالية والصهيونية العالمية على ترسيخها.
ولقد جاء انعقاد هذا المؤتمر الثامن محطة جديدة تدارس فيها جمع من أهل الفكر والعمل في هذه الأمة مجمل القضايا والأخطار والتحديات التي تواجهها، والطرق والآمال التي تنفتح أمامها، فخرجوا من مناقشاتهم على مدى أربعة أيام، في جلسات عامة وفي لجان متخصصة، بالمواقف والمقررات :والتوصيات التالية
أولاً: الأوضاع الدولية
توقف المؤتمر طويلاً أمام الأوضاع الدولية الراهنة وتداعياتها على الأوضاع العربية، ورصد المؤشرات الأخيرة والخطيرة الدالة على تنامي الدور الأمريكي في النظام العالمي بشكل عام، وعلى تصاعد الدعم الأمريكي لإسرائيل، وبصفة خاصة في المجال الأمني، وارتباط ذلك بإصرار الولايات المتحدة الأمريكية على تصفية النظام العربي أو تفتيته.
كما توقف المؤتمر أمام عدد من المؤشرات يمكن استثمارها لصالح الوضع :العربي
ـ إن القوة الأمريكية لا تمسك وحدها بزمام القيادة في الأوضاع الدولية الراهنة، فقد ازدادت ردود الفعل على سياسة الهيمنة الأمريكية ومحاولات الاستفراد بتحديد الأجندة الدولية. ومن نماذج ردود الفعل هذه، القمة الروسية - الصينية التي دعت إلى إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب، وكذلك دعوة فرنسا في الاتجاه ذاته، واتفاق زعماء كل من فرنسا وروسيا وألمانيا على عقد قمة سنوية كتأكيد على المرجعية الدولية لهذه الأطراف.
وفي سياق محاولة الولايات المتحدة صياغة نظام أمني جديد في العالـم، جرى توسيع الحلف الأطلسي شرقاً، مما أدى إلى رد فعل روسي قوي رغم محاولات الطمأنة الأمريكية من خلال القمة الروسية - الأمريكية.
وعلى صعيد آخر تصاعد الدور الأمريكي في البوسنة وهو ما كرس موقعاً قوياً للولايات المتحدة على الساحة الأوروبية ودعم موقف الولايات المتحدة المعارض بشدة لسياسة «أوربة» الدفاع على المسرح الأوروبي كما تطرحها فرنسا. وخارج أوروبا، نشطت الولايات المتحدة بالتعاون مع إسرائيل في تحقيق مواقع لها في جمهوريات آسيا الوسطى، كان أبرزها في آذربيجان، وكذلك في الدخول بقوة إلى أفريقيا وتحديداً منطقة البحيرات الكبرى، وحيث سجلت الولايات المتحدة انتصارات على الوجود الفرنسي.
ـ فيما يتعلق بروسيا، لا توجد حالياً أية مؤشرات على تجاوزها الأزمة الداخلية التي تحد من القدرة على الحركة الخارجية الفاعلة. ورغم ترسخ اقتناع موسكو بوجود سياسة احتواء أمريكية ناشطة تجاهها، إلا أن ضعف الإمكانات الروسية لـم يسمح بعد باحتواء هذه السياسة بنجاح رغم بوادر التقارب الروسي - الصيني التي ظهرت هذا العام، ورغم الانفتاح الجديد على اليابان. وطالما لـم يحسم الوضع الداخلي فلن تستطيع روسيا أن تقوم بدور فاعل في المجال الدولي بدوائره المتعددة.
ـ وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، اعتبار العام 1997 بحق عام الإصلاح المؤسسي الكبير، دون أن يعني ذلك أن القرارات التي اتخذت ستجد طريقها إلى التنفيذ كلياً. فهنالك تساؤلات حول مدى تطبيق قرارات «امستردام»، خاصة مع المتغيرات الحاصلة في أوروبا والتي كان من أبرزها عودة اليسار، رغم تغير طبيعة الحكم في كل من فرنسا وبريطانيا. ولا بد من التنبه هنا إلى أن هدف هذه التطورات لا ينحصر داخل الحدود الأوروبية، وإنما هو بداية لتوحيد شعوب القارة الأوروبية، بصفتهم مجموعة بشرية «حضارية» متجانسة، استعداداً لامتداد المصالح الأوروبية للهيمنة من جديد باتجاه آسيا وأفريقيا.
ـ وعلى صعيد الصين الشعبية تطبع السياسات الاقتصادية اهتمامات بكين بشكل كبير، حيث صارت التقانة تحل محل الايديولوجيا - من حيث الشكل - في السياسة الخارجية الصينية، دون أن يعني ذلك تخلي الصين عن التمسك بمواقفها المبدئية التقليدية في العديد من القضايا. وقد ظهر الاهتمام بالتحول الاقتصادي، بشكل خاص، في المؤتمر الخامس عشر للحزب الشيوعي الصيني، الذي انعقد في أيلول/سبتمبر، حيث أعطى دفعاً جديداً نحو اعتماد اقتصاد السوق، وإعادة هيكلة القطاع العام تحت عنوان «التكيفات الاستراتيجية وتنوع الملكية».
ـ كذلك هناك المزيد من التطورات باتجاه خروج اليابان من سياسة العزلة التي فرضتها عليها الولايات المتحدة. فقد جاء تجديد الحلف الأمني الأمريكي - الياباني ليدل على مستوى جديد من الشراكة بين الدولتين، كما أن إصرار اليابان المدعومة من الولايات المتحدة وأوروبا للحصول على مقعد في مجلس الأمن دليل آخر على الخروج من سياسة العزلة الدولية. وهنالك العديد من المؤشرات التي تدل على تأييد الولايات المتحدة لدور ياباني أنشط في الأمن الإقليمي الآسيوي. وإن كانت سياسات اليابان تجاه القضايا العربية، والاشتراك في محاصرة أقطار منها، هي تصرفات مرسومة وربما مفروضة من قبل الولايات المتحدة.
ـ وإلى جانب هذه الملامح العامة للسياسات الدولية للقوى الكبرى تبقى إحدى أهم القضايا الدولية الراهنة هي الانهيار المالي الذي حصل في دول «النمور الآسيوية» . ويحمل هذا الانهيار نتائج سياسية واقتصادية واستراتيجية بعيدة المدى، أبرزها ما يتصل بتوابع العولمة الاقتصادية التي تتجذر دون أية قيود موضوعية تضعها الأطراف المعنية.
ـ مثل هذه التطورات الدولية تماست وتقاطعت مع أهم القضايا العربية، وتشكل ملامح العلاقات العربية - الدولية.
ـ إن العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول العربية قد دخلت في مرحلة جديدة تتميز بوصول محاولات الهيمنة الأمريكية إلى ذروتها، ومع ذلك يبدو أن ثمة مؤشرات على وجود ملامح تذمر في عدد من العواصم العربية الفاعلة ينبغي توظيفه في محاولة بناء موقف عربي في وجه المخاطر الحالية. ومن المفيد للحركة العربية في هذه المرحلة الشاقة أن تستفيد من أي تناقض في صفوف المنظومة الرأسمالية العالمية مهما صغر أو بدا ثانوياً، وأن تستفيد من أية إمكانات أو هوامش متاحة، على أن يكون واضحاً أن وضع النظام العربي في مواجهة هذه المنظومة لن يتغير جذرياً إلا بتغير ملموس في أوضاعه السياسية والاقتصادية.
ثانياً: في مجال الأمن القومي
لا يزال الأمن القومي العربي يعاني المزيد من الاختراق والانكشاف، نتيجة فقدان الإرادة السياسية الجماعية القادرة على مواجهة المخاطر والتحديات التي تواجه الأمة، في هذه المرحلة التي تصاعدت فيها الهجمة الأمريكية - الصهيونية، وضاعفت جهدها، مغتنمة الحالة التي تردى إليها الوضع العربي العام.
- في الصراع العربي - الصهيوني
ولقد اعتبرت الحركة الصهيونية مرور مئة عام على تأسيسها والذكرى الخمسين لاغتصابها أرض فلسطين مناسبة لكي تنطلق إلى دفع المشروع الصهيوني إلى الإمام، بخلق المزيد من الوقائع الاستعمارية الاستيطانية على أرض فلسطين، وخاصة في القدس الشريف، بهدف اغتصاب ما بقي من أرض فلسطين، والتوسع في احتلال أراض عربية أخرى، وإلغاء حقوق الشعب الفلسطيني، حتى تتحقق لها الهيمنة كاملة على مصير المنطقة العربية. وقد استطاع الكيان الصهيوني أن يباشر العمل في مواصلة اعتداءاته على الحقوق العربية، بفضل ما يتلقاه من دعم مادي ومعنوي وحماية وتأييد من الولايات المتحدة الأمريكية.
وانطلاقاً من هذا الفهم للتحديات والمخاطر المحدقة، تتضح الأهمية البالغة لاستمرار روح الانتفاض في محيط الأمة، ومدى فساد منطق المساومة وجدارة منطق المقاومة في مواجهة محاولات الهيمنة الأمريكية والصهيونية.
وفي هذا المجال أكد المؤتمر على الحقائق التالي
أ - إن السنوات التي مضت منذ «مؤتمر مدريد» وإفرازاته وتداعياته، كشفت على الأرض ما كان غامضاً على الورق، وكشفت للبصائر ما لـم تكتشفه الأبصار، الأمر الذي دفع عدداً أكبر من الحكام العرب لإعادة تقييم مواقفهم ومراهناتهم بعدما شرعوا في قبول ما قبلوه.
وإذا كانت «مسيرة التسوية» - التي كان المؤتمر قد اتخذ موقفاً مبدئياً منها منذ البداية - قد تجمدت إلى الدرجة التي حدت الذين تبنوها سابقاً على التعبير عن انهيار تلك المسيرة برمتها، فإن تراجع الحقوق الفلسطينية الثابتة إلى مسألة أمتار ونسب مئوية هزيلة، تطرح على العرب جميعاً، قادة وحركات شعبية، سؤالاً مبدئياً ومصيرياً: ألا يستحق ذلك البحث عن استراتيجية بديلة لإدارة الصراع طالما يتأكد كل يوم أننا إزاء صراع وجود لا صراع حدود؟
ب - وعلى العكس مما يروج له «معسكر الاستسلام» الذي يعترف صراحة وعلانية بضغوط التحالف الأمريكي - الصهيوني، ويعتبر الاستجابة لها موقفاً مبدئياً إيجابياً واستراتيجياً، كما هو الحال عشية مؤتمر لندن، فقد ثبت أن عنصر الزمن لا يعمل لصالح هذا التحالف، وإنه كلما مر مزيد من الوقت على عجز هذا التحالف عن تثبيت ما تم إنجازه على الورق، تزداد المعارضة والمقاومة المشروعة قوة وزخماً داخل فلسطين وفي جنوب لبنان وعلى امتداد الوطن العربي حيث تزداد حركة مقاومة التطبيع والدعوة لإحياء المقاطعة.
ج - لقد أثبت خيار المقاومة وصمود الشعب في لبنان منذ غزو عام 1982 فعاليته وقدرته على صياغة معادلات جديدة في المنطقة مستنداً إلى وحدة وطنية لبنانية متنامية في إدراكها لطبيعة المطامع الصهيونية، وإلى موقف لبناني - سوري موحد في وجه المناورات الصهيونية.
وإذا كانت هذه المقاومة قد وجهت ضربة في الصميم إلى مقولة «الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر» ووضعت المحتل الإسرائيلي في مأزق متعاظم مما جعل فكرة الانسحاب الإسرائيلي من لبنان موضع نقاش داخل الكيان الصهيوني، فإن ما يسمى ب- «مبادرة مردخاي» للقبول المشروط بالقرار 425 ليست إلا مناورة صهيونية تستهدف إفراغ القرارات الدولية من مضمونها، كما ترمي إلى إرغام المعتدى عليه على مكافأة المعتدي والتعويض عليه، فضلاً عن السعي لضرب وحدة المسارين السوري - اللبناني التي شكلت على امتداد السنوات الماضية حجر الزاوية في الصمود العربي وفي إرباك مشاريع الاتفاقات المنفردة.
وفي هذا الإطار، فإن الدعم العربي للبنان يجب أن يتجاوز الدعم اللفظي، إلى دعم مادي ومعنوي يعزز من صمود أبنائه ويسهم في إنجاز عملية إعادة إعماره في إطار من الشفافية والمراقبة الديمقراطية بالإضافة إلى مساندته في تحرير أرضه المحتلة بما في ذلك الأراضي التي اقتطعها الكيان الصهيوني منذ عام 1967 في العرقوب.
د - لقد اتضح اليوم أكثر من أي وقت مضى ان الصراع العربي - الصهيوني هو قضية العرب المركزية الأولى وانه يمثِّل جزءاً لا يتجزأ من المواجهة الأساسية مع المنظومة الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
إن إدراك هذه الحقيقة يتطلب السعي لبناء منظومة عربية، أمنية واقتصادية وسياسية وثقافية متكاملة، تقوم على تفعيل اتفاقيات ومؤسسات العمل العربي المشترك وفي مقدمها اتفاقية ومجلس الدفاع العربي المشترك ومكتب مقاطعة إسرائيل.
وفي هذا الإطار يشدد المؤتمر على المسؤولية القومية لتحرير الأراضي العربية المحتلة بما فيها دعم نضال سوريا الهادف لتحرير كامل الجولان المحتل، كما يجدد مطالبته بتجميد الاتفاقيات التي عقدتها أطراف عربية مع الكيان الصهيوني تمهيداً لإلغائها وقطع كافة الصلات والعلاقات القائمة بينه وبين أكثر من قطر عربي بما فيها إغلاق مكاتب التبادل التي ما زالت مفتوحة في عدة عواصم عربية.
ه- - يدين المؤتمر كل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني وكل الذين انخرطوا في عمليات التطبيع باعتبارهم يساهمون بشكل كبير في إشاعة روح اليأس والإحباط بين الجماهير العربية ويدعو إلى التنسيق الفعال بين كل هيئات مقاومة التطبيع في الوطن العربي.
كما يطالب المؤتمر بتفعيل أجهزة المقاطعة العربية وقوانينها وقراراتها باعتبارها أحد أمضى أسلحتنا في المعركة الشاملة ضد العدو.
و - ومن أجل ذلك كله يدعو المؤتمر بالتعاون مع المؤسسات التي تنتمي إلى نفس المدرسة الفكرية، إلى وضع «استراتيجية عمل وخطة» للتعامل مع الصراع العربي - الصهيوني بكافة أبعاده، وعلى المدى القصير والمتوسط والطويل.
ز - ينبه المؤتمر إلى خطورة الاحتكار النووي الإسرائيلي، وآثاره على الأمن القومي العربي، ويدعو إلى نزع أسلحة الدمار الشامل من المنطقة، وفرض رقابة دولية على النشاط النووي الإسرائيلي إلى حين تحقيق هذا الهدف، ودعوة الأقطار العربية إلى توفير كافة الوسائل الردعية الضرورية لصيانة الأمن القومي العربي، إزاء هذا الخلل الجسيم.
ح - لاحظ المؤتمر أنه في الوقت الذي يحتفل فيه العالـم بمناسبة مرور خمسين عاماً على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإنه لـم يطرأ أي تقدم في إحقاق الحقوق القومية المشروعة وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير وحقه في العودة، وحقه في بناء نظامه السياسي ودولته المستقلة، وعاصمتها القدس، بينما استمر الكيان الصهيوني في انتهاك كل الحقوق الجماعية والفردية للشعب الفلسطيني يشجعه ما تكفله له الولايات المتحدة وحلفاؤها من حماية إزاء النقد والإدانة في المحافل الدولية. ويرى المؤتمر أن استرداد حقوق الشعب الفلسطيني وحمايته من الانتهاكات الجسيمة والمتواصلة التي يتعرض لها لن يتأتى بالتنازلات المتتالية والاذعان المتزايد للشروط الإسرائيلية بما فيها تلك التي تستهدف ضرب المعارضة الفلسطينية، وإنما بتعزيز كافة أشكال المقاومة للاحتلال التي يقرها القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، كما يمليها الضمير القومي.
ط- - كما يطالب المؤتمر مجدداً كل السلطات العربية بكفالة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في البلدان العربية وفي مقدمتها حق العمل وحرية الانتقال والحركة. ورأى المؤتمر أن المضايقات التي يتعرض لها فلسطينيو الشتات، ولا سيما في بعض البلدان العربية، تصب مباشرة في خدمة مخططات التيئيس والإحباط والاستسلام. كما أوصى المؤتمر بإعداد كتاب عن الجرائم الإسرائيلية في فلسطين بمناسبة مرور خمسين عاماً على إعلان الدولة الصهيونية دولتها الغاصبة في فلسطين، كما أوصى المنظمة العربية لحقوق الإنسان بتعزيز آلياتها في متابعة أوضاع المواطنين الفلسطينيين في البلدان العربية خاصة إزاء حظر تأسيس لجان فلسطينية لهذا الغرض في البلدان العربية.
ـ في الحصار على الأمة
أ - توقف المؤتمر أمام استمرار الحصار على بعض الأقطار العربية لسنوات متتالية فرأوا فيه حرباً من نوع خطير وخبيث يتجاوز الضغوط السياسية والاقتصادية إلى عملية تدمير كيانات وطنية بكاملها، وتمزيق وحدتها وشل إرادة الحياة والنمو في مجتمعاتها، كما هي الحال مع العراق حيث يترافق مع استمرار الحصار الجائر على شعبه التحضير لعملية عسكرية كبرى ما زالت احتمالاتها واردة في أية لحظة.
إن ما يجري في العراق وحوله يتجاوز المعاناة المأساوية لشعب عريق في عطائه، إلى حدود التحضير لعملية تغيير جذري في خارطة المنطقة على طريق تمزيق كياناتها الوطنية وإلغاء أية قدرة على مقاومة المشروع الصهيوني ومخططاته التوسعية، الأمر الذي يتطلب وقفة عربية شاملة، رسمية وشعبية، تستهدف إنقاذ العراق وفك الحصار عنه وسحب الأساطيل والجيوش المحتشدة لضربه.
لقد برزت بوادر هذه الوقفة من خلال العديد من المواقف العربية في الأزمة الأخيرة، كما من خلال تحسن العلاقات الثنائية بين العراق من جهة، وسوريا ومصر من جهة ثانية، لكن المطلوب المضي قدماً بخطوات تعيد العلاقات بينها إلى وضعها الطبيعي.
:وفي هذا الاطار دعا المؤتمر إلى
(1) اعتبار الحصار المفروض على العراق عملاً من أعمال الإبادة وسلاحاً للتدمير الشامل ضد الشعب العراقي، ويعد انتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة. ويوصي بالعمل على اتخاذ التدابير الهادفة إلى إلغاء الحصار ومنها:
(أ) الدعوة إلى مؤتمر شعبي عربي للمطالبة برفع الحصار، والعمل مع المنظمات والقوى الشعبية في مختلف أنحاء العالـم، والتعاون مع الجاليات العربية في المهاجر، من أجل خلق تيار عالمي ضاغط على مجلس الأمن لكي يلغي الحصار على العراق.
(ب) تشكيل هيئة قومية تشرف وتنظم وتتابع وتنسق أعمال لجان رفع الحصار في مختلف الأقطار العربية ومواقع الجاليات العربية، والسعي لتنظيم زيارات الوفود إلى العراق، وتواصل إرسال المساعدات الإنسانية، مع إطلاق مبادرة تقوم على تحدي الحصار يومياً وعلى مدى شهر كامل بإرسال المساعدات جواً كل يوم إلى مطار بغداد.
(ج) مساندة محكمة برترند راسل في دعواها ضد حالة الحصار على العراق والمطالبة بتعويض الشعب العراقي عن الأضرار التي حلت به من جراء ذلك.
(د) العمل لتنظيم مسيرة شعبية تشترك فيها الجماهير من مختلف الأقطار العربية، لتدخل إلى العراق من مختلف حدوده حاملة التعبير عن إرادة الأمة العربية في رفع الحصار عن الشعب العراقي، وفي مساعدته في محنته.
(ه-) السعي لدى الدول العربية لضمان تبني 6 دول أعضاء في الأمم المتحدة تقديم طلب إلى محكمة العدل الدولية لتبدي رأياً استشارياً بشأن اعتبار الحصار المفروض على العراق شكلاً من أشكال الإبادة.
(و) دراسة إمكانية تقديم دعوى جنائية من قبل ضحايا الحصار في العراق أمام محكمة منظمة الدول الأمريكية بواسطة محامين دوليين وتوفير المال اللازم لذلك.
(ز) دعوة جميع المستشفيات والنقابات الطبية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني في الوطن العربي إلى مد يد العون إلى الأطفال العراقيين الذين عطل الحصار معالجتهم.
(2) إجراء استفتاء شعبي عالمي وعربي على قرار مجلس الأمن الصادر بتاريخ 27/4/1998 بشأن تمديد مدة الحصار على الشعب العراقي، ويمثل ذلك وسيلة شعبية معبرة عن إرادة الشعوب في العالـم والوطن العربي ضد الحصار الذي أصبح وسيلة لإبادة الشعب العراقي.
(3) دعوة الحكومات العربية للإسقاط العملي للقرارات الخاصة بمحاصرة العراق انطلاقاً من أن الشرعية القومية والإنسانية هي فوق ما عداها، بما في ذلك السماح لإعادة ضخ النفط العراقي عبر خطوط الأنابيب المشتركة بينه وبين سوريا ولبنان والسعودية.
(أ) كما توقف المؤتمر أمام استمرار الحصار الجوي المفروض على ليبيا ، فدعا إلى تحرك عربي ودولي واسع لإسقاطه، كما أعرب عن دعمه لموقف ليبيا الداعي إلى قيام محكمة العدل الدولية في لاهاي للنظر في قضية لوكربي، بعد قرار هذه المحكمة اعتبار نفسها مختصة بالنظر بهذا النزاع.
(ب) وندد المؤتمر باستمرار محاولات فرض الحصار على السودان، متوقفاً بشكل خاص أمام الظروف المأساوية التي أوجدتها الحرب المستمرة في جنوب السودان وما نجم عنها من مجاعة وويلات إنسانية يعجز عنها الوصف داعياً جامعة الدول العربية والمنظمات الدولية لوضع خطة طوارىء عاجلة لوقف هذه الحرب ومواجهة تلك المجاعة معاً.
ـ العلاقات العربية مع دول الجوار
استعرض المؤتمر أنماط العلاقات مع دائرة دول الجوار الحضاري والجغرافي، ودعا الأمانة العامة، من خلال الوسائل المتاحة، إلى إقامة الجسور وتوسيع نطاق الحوار والتواصل مع مختلف المفكرين والمثقفين، وكذلك مع المنظمات الشعبية في تلك الدول، من أجل ترسيخ العلاقات معها، وبلورة الحرص على احترام مصالح كل طرف، وإزالة أية أسباب لعدم الثقة، وإقامة أسس موضوعية تضمن استقرار تلك العلاقات واستمرارها. وفي هذا :الإطار
أ - يسجل المؤتمر أهمية التحسن الذي عرفته العلاقات العربية - الإيرانية، كما يشيد بالتطورات الإيجابية في موقف إيران من الصراع العربي - الصهيوني، واستمرار دعم المقاومة الوطنية في جنوب لبنان. ولهذا الاعتبار يؤكد المؤتمر على أهمية التوصل إلى حل بين إيران ودولة الإمارات العربية المتحدة، بشأن مشكلة الجزر العربية المحتلة، وأن تستجيب إيران للدعوات العربية لإيجاد حل سلمي لهذا النزاع سواء من خلال المفاوضات أو التحكيم أو القضاء الدولي، لتجنيب المنطقة التوتر والتدخل الأجنبي. مما يساعد على المزيد من تطور العلاقات العربية - الإيرانية لما فيه صالح الشعبين.
وفي نفس الوقت يؤكد المؤتمر على التضامن مع إيران في مواجهة محاولات التهديد والحصار التي تستهدفها.
ب - يدين المؤتمر الحلف العسكري التركي - الصهيوني، كما يدين عمليات الغزو العسكري التركي لشمال العراق، واستخدام قضية المياه ضد سوريا والعراق، على الرغم من حقوقهما التاريخية والقانونية الثابتة في نهري دجلة والفرات. ويؤكد المؤتمر أن تلك المواقف لا تخدم المصالح الاستراتيجية التركية وتتعارض مع مصلحة شعبها ومكونات شخصيته الحضارية وتراثه الروحي، مما يتطلب فتح القنوات وتعميق التواصل مع مكونات المجتمع التركي.
ج - يدعو المؤتمر إلى إقامة جسور الحوار والتعاون مع الشعوب والدول الافريقية، ودول الجوار منها بشكل خاص، وإلى تمتين الروابط الثقافية والاقتصادية والسياسية معها، وإزالة ما ترسب من انطباعات سلبية رسخها الاستعمار القديم والجديد، وتتعارض مع المصالح العربية - الافريقية المشتركة.
ـ الوجود العسكري الأجنبي
ويؤكد المؤتمر على خطورة استمرار الوجود العسكري الأجنبي في الوطن العربي، وما يمثله من استنزاف للموارد العربية، ودعا إلى إنهاء هذا الوجود بكافة صوره وأشكاله بما في ذلك المناورات المشتركة لقوات مسلحة أجنبية - أمريكية وأوروبية وتركية - مع قوات مسلحة عربية، والعمل على إحلال بديل أمني عربي محل الوجود الأجنبي، يبنى على أساس من الثقة والائتلاف، بدلاً من التنازع والخلاف ويقدم ما يطمئن بعض الدول العربية إلى أمنها ومستقبلها.
ـ قضية المياه
ويسجل المؤتمر إدراكه العميق لمخاطر مشكلة الموارد المائية في الوطن العربي، سواء بسبب الاطماع الإسرائيلية في المياه العربية أو السياسة المائية التركية المعادية لمصالح كل من سوريا والعراق، فضلاً عن تأثر جهود تنمية إيرادات مياه نهر النيل بسبب الأوضاع غير المستقرة في بعض دول حوض النهر.
ودعا المؤتمر إلى التنبيه الفوري لهذه المخاطر بالدراسة والتحليل والاستشراف من جانب، والمواجهة العربية والجماعية الحازمة من جانب آخر. وشدد في هذا السياق على الأهمية الاستراتيجية للتنسيق بين سوريا والعراق، كما بين مصر والسودان.
ثالثاً: في مجال العلاقات العربية - العربية
رصد المؤتمر ما شهدته العلاقات العربية - العربية، في العام الماضي، من تطورات، إيجابية أو سلبية، وانعكاساتها على مستقبل الأمة العربية وقدراتها في مواجهة التحديات التي تطرحها التحولات العالمية والإقليمية، فضلاً عن المخططات التي تستهدف إعاقة كل إمكانية لبناء وحدة عربية تتأسس على قوة اقتصادية وتقنية قادرة على تحقيق تنمية قومية شاملة.
وقد توقف المؤتمر أمام الموقف العربي شبه الموحد ضد التهديد بالاعتداء على العراق في أعقاب مواقف قومية من مؤتمر الدوحة والتقارب السوري - العراقي، ووحدة الموقف السوري اللبناني، والتقارب المصري السوداني.
كما توقف أيضاً أمام تعثر الجهود العربية لعقد مؤتمر قمة عربي شامل، كما لتفعيل سائر مؤسسات العمل العربي المشترك، مما يشير إلى استمرار تأثير الضغوط الأمريكية والصهيونية الرامية إلى ضرب النظام العربي واستبداله بنظام شرق أوسطي تقوده تل أبيب. كما توقف المؤتمر أيضاً أمام استمرار الصراعات الثنائية في أكثر من منطقة عربية، ومخاطر انعكاس الخلافات الرسمية على العلاقات الشعبية، وفي هذا الإطار دعا المؤتمر إلى
ـ عقد قمة عربية شاملة تسعى إلى حل الخلافات الثنائية القائمة وتعمل من أجل تطوير النظام العربي وتفعيل العمل العربي المشترك بمؤسساته ومواثيقه.
ـ تفعيل التجمعات الإقليمية العربية وتطويرها في سبيل تحديث أنظمتها وتوطيد الصلات والعلاقات في محيطها وعلى أساس أن تكون هذه التجمعات جسراً نحو التكامل العربي الشامل.
ـ ضرورة فتح الحدود المغلقة بين بعض الأقطار العربية وإزالة كافة الحواجز أمام انتقال المواطنين والسلع العربية، بما يتطلب إلغاء التأشيرة بينها، ووضع خطة لإلغاء الرسوم الجمركية على التبادل التجاري فيما بينها.
ـ السعي لتطوير وسائل الاتصال وطرق المواصلات البرية والجوية والبحرية بين الأقطار العربية ولا سيما في مجال السكك الحديدية وخطوط الطيران.
ـ تطوير جامعة الدول العربية والمنظمات المرتبطة بها وضرورة تعديل ميثاق الجامعة بما يضمن فعالية أكبر لتنفيذ مقرراتها في مختلف المجالات.
ـ يدعو المؤتمر إلى الإسراع بتشكيل محكمة العدل العربية ووضع آلية عملية للوقاية من النزاعات العربية وإدارتها وتسويتها بالوسائل السلمية.
ـ التأكيد على توصية المؤتمر في دورته السابقة والتي تدعو إلى حل مشكلة المفقودين والأسرى الكويتيين وغيرهم في إطار من التقاليد العربية، ودعوة المنظمة العربية لحقوق الإنسان إلى إجراء حوار مع السلطات العراقية والكويتية للتوصل إلى حلول مرضية لهذه القضية الشائكة التي تمارس أثراً سلبياً على استعادة التضامن العربي ودون اعتبارها ذريعة لأي تدخل أجنبي في شؤون العراق أو استمرار فرض الحصار عليه.
ـ دعوة المؤسسات العربية غير الحكومية لتفعيل دورها في تقريب وجهات النظر العربية وتطوير العمل العربي المشترك.
ـ دعم الجهود المبذولة لتحقيق المصالحات الداخلية وخاصة في الصومال والسودان وجيبوتي.
ـ الاهتمام بعرب المهجر والاستفادة من إمكانياتهم لخدمة القضايا العربية كما الدعوة إلى الاستفادة من طاقاتهم وكفاءاتهم العلمية.
ـ دعوة وزراء التربية والتعليم العرب إلى الاهتمام بمسألة الوعي القومي الوحدوي في البرامج التعليمية بما يوجه عملية التنشئة العلمية والوطنية لخدمة هذا الهدف ولصيانة الثقافة من مخاطر التغريب والاستلاب، والتصدي لمحاولات تغيير مناهج التعليم ونظمه لصالح التطبيع مع العدو الصهيوني.
ـ القيام بكل جهد ممكن، مباشر وغير مباشر، في سبيل تحقيق الوحدة الوطنية داخل الأقطار العربية التي تدعو الحاجة فيها إلى ذلك، بتضييق شقة الخلافات بين الفصائل الفكرية والسياسية الوطنية وتنظيماتها، تجنباً لما يؤدي إليه ذلك من هدر للطاقة وانشغال بما يحول دون تحقيق الهدف الأسمى لأمتنا نحو تحقيق وحدتها، حيث يعتبر المؤتمر أن الوحدة الوطنية مقدمة ضرورية لأية وحدة عربية حقيقية.
ـ يسجل المؤتمر باعتزاز الخطوات التي قطعتها مسيرة التعاون بين التيارين القومي والإسلامي، وانعقاد المؤتمر القومي - الإسلامي الثاني في أواخر عام 1997، ويدعو للعمل على تنفيذ برنامج العمل المشترك بينهما بكل حرص وجدية.
رابعاً: في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان
ـ ركزت مناقشات المؤتمر على الديمقراطية باعتبارها المدخل الصحيح لتحقيق التحرر الوطني والقومي والتقدم والتنمية الشاملة والوحدة الوطنية والقومية، فضلاً عن دورها كوسيلة لترشيد القرار في الوطن العربي، والحل السلمي للتناقضات الاجتماعية، وتطوير التشريعات الوطنية والرقابة على السلطة التنفيذية.
ـ وأكد المؤتمر على المفهوم الذي اعتمده عن الترابط بين الديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان، ورفض جميع الذرائع المطروحة لتجاوز استحقاقاتها وفي مقدمتها التذرع بالخصوصيات الحضارية والثقافية، أو الظروف الاستثنائية، أو مستوى الوعي. وخلص إلى أن هذه الذرائع إنما تهدف في النهاية إلى احتكار الحكم وفرض سلطة «استبدادية» غير مبررة، وتجميد التطور السياسي.
ـ وحذر المؤتمر من الأشكال الزائفة للديمقراطية، التي تعتمد الإقصاء والاستبعاد، وتحول دون مشاركة قطاعات عريضة من المجتمع العربي في ممارسة حقوقها الدستورية وتسمح بوجود شكلي للمؤسسات الحزبية والنقابية والأهلية يعتمد الانتقائية ويقيد حقها في التعبير والوصول إلى الرأي العام، بينما يحظر أشكال الاحتجاج السلمي وتدفع بممارسيه إلى السجون، الأمر الذي يفضي في النهاية إلى تغييب التعددية وتشكيل مجالس تمثيلية تعبر عن الرأي الواحد، فتفقد هذه المجالس وظيفتها كأداة للحوار الوطني والتعبير عن المصلحة العامة، كما تفقد الديمقراطية دورها كأداة لحل التناقضات الاجتماعية والانتقال السلمي للسلطة.
ـ وأكد المؤتمر أن مسؤولية إعاقة الديمقراطية في الأقطار العربية لا تقع على عاتق السلطة فحسب، بل تتحمل الأحزاب والقوى السياسية أيضاً جانباً من المسؤولية بعدم إشاعتها عموماً للديمقراطية داخل تنظيماتها وأبنيتها السياسية والاجتماعية، وركون بعضها إلى الهوامش الشكلية المتاحة للمشاركة.
ـ ويرى المؤتمر أن الانتقال إلى الديمقراطية يتطلب نضالاً مستمراً من أجل إسقاط القوانين المقيدة للحريات، وإطلاق الحريات العامة، وبخاصة حرية الرأي والتعبير والحق في التنظيم السياسي والنقابي، والتربية على القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان عبر الوسائط المختلفة للتنمية السياسية، وتأكيد حق الجماعات المهمشة في المشاركة وفي مقدمتها المرأة التي تمثل نصف المجتمع.
ـ كذلك تابع المؤتمر بقلق بالغ ما تعيشه بعض الساحات العربية، منذ سنوات، من مآسي العنف السياسي وما ينجم عنه من انعكاسات خطيرة على الدول والمجتمعات. وقد فتح اللجوء السياسي إلى العنف باب التباري في العنف والعنف المضاد. وفتح التباري في العنف الباب لأطراف مجهولة الهوية، مشبوهة الأهداف، تجاوزت حد الإجرام إلى الإبادة الجماعية.
ـ ويعتقد المؤتمر أن الحكومات العربية، منفردة ومجتمعة، مطالبة باتخاذ كل التدابير لحماية الدولة والمجتمع، مع التأكيد على أن هذه التدابير لا تجفف منابع العنف إذا خرجت عن إطار القانون وتجاوزت حقوق الإنسان، وان تحرير المجتمع نهائياً من آفة العنف لا يتأتى نتيجة للتدابير الأمنية ولا الفتاوى الدينية ولكن بمعالجة الأسباب السياسية والاجتماعية التي فجرته.
ـ وجدد المؤتمر دعوته للحكومات العربية للامتثال للقانون، ومراعاة الميادين الأساسية لحقوق الإنسان في كافة اجراءاتها، وإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، وسجناء الرأي، أو تقديمهم لمحاكمات عاجلة وعادلة أمام قاضيهم الطبيعي، وليس عبر المحاكم الاستثنائية، ووقف كل أشكال التعذيب والمعاملة السيئة والمهينة والحاطة بالكرامة للسجناء، وكفالة حقوقهم القانونية المشروعة.
ـ كما لاحظ المؤتمر أن الانسحاب المتزايد للدولة من المجالين الاقتصادي والاجتماعي تحت زعم زيادة كفاءتها في المجالات الأخرى، أو تحرير قوى السوق، والانسياق وراء شروط الصناديق الدولية والاندماج في السوق العالمي، قد أضر ضرراً جسيماً بإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على الساحة العربية. إذ أفضى إلى تعطيل الحق في التنمية وفاقم من مشكلات الفقر والبطالة، وتدهور الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم، وعجز شرائح متزايدة من المجتمع العربي عن تلبية احتياجاتها الأساسية، كما لاحظ أن اعتراف المؤسسات الدولية والحكومات العربية بهذه الظاهرة لـم يصاحبه إجراءات فعالة لتصحيحها، أو تفعيل مؤسسات المجتمع المدني لتعويضها.
ـ كذلك عبر المؤتمر عن قلقه من أن القيود التي تفرضها الدولة على مؤسسات المجتمع المدني تحت وهم تحصين نفسها، تفضي على المدى الطويل إلى مخاطر أشد على الدولة ذاتها، إذ تقود إلى الغلو، وإضعاف حصانة المجتمع ضد الاختراق الخارجي تحت إغراء الدعم والتمويل، ودعا المؤتمر إلى ضرورة فض الارتباط بين التأكيد على أهمية تفعيل دور المجتمع المدني ومؤسساته المختلفة من جهة، وإضعاف دور الدولة من جهة أخرى، وضرورة أن تتجه الجهود لتعزيز قوى المجتمع المدني في إطار دولة قوية.
وفي ضوء ما تقدم يوصي المؤتمر بما يلي:
أ - تطوير الأنظمة الانتخابية بما يجعل المفاضلة بين المرشحين تتم على أساس البرامج وليس الأشخاص.
ب - عدم المقايضة بين مواجهة الاستعمار من ناحية، وتحقيق العدل الاجتماعي من ناحية أخرى، وإقامة الديمقراطية من ناحية ثالثة والنظر إلى التكامل بين الأهداف الثلاثة.
ج - إيلاء قضية المشاركة السياسية للمرأة أهميتها، والعمل على فتح باب الحوار والتفاعل بين الجمعيات الأهلية النسائية.
د - دعوة الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى إلى اعتماد الديمقراطية في تشكيل أجهزتها، وفي اتخاذ قراراتها، انطلاقاً من أن فاقد الشيء لا يعطيه.
ه- - إدانة جميع حركات المعارضة المسلحة ذات المنطلقات المتعصبة المنهجية أو الطائفية أو العرقية، التي تستهدف تحت ذريعة معارضة النظام الحاكم تمزيق وحدة النسيج الوطني.
و - مطالبة كافة الأنظمة العربية بإطلاق كافة المعتقلين السياسيين ومطالبة تلك التي ترفع رايات القومية التوقف الفوري عن اضطهاد القوميين.
ز - التأكيد على أن حقوق الإنسان لها خصوصيتها الحضارية بالإضافة إلى طابعها العالمي، ولئن كان من غير المطلوب أن تمثل هذه الخصوصية حائلاً دون إعمال حقوق الإنسان، إلا أن من غير المطلوب في الوقت نفسه نزع تلك الحقوق عن سياقها الحضاري.
ح - دعوة المنظمة العربية لحقوق الإنسان إلى تأسيس فروع ذات استقلالية للمنظمة في كل قطر عربي، والسعي لإزالة العقبات أمام ذلك، حتى يسهل رصد انتهاكات حقوق الإنسان والحيلولة دون تكرارها.
ط- - التصدي الواعي والمدروس لكافة المحاولات الخارجية لتهديد اللحمة الوطنية بزعم مقاومة الاضطهاد الديني، أو حماية الأقليات.
ي - الاهتمام بالطفولة، وتصحيح الاختلالات المرتبطة بها، من قبيل الاتجار بالأطفال، وتشغيلهم، وحرمانهم من الرعاية الصحية، وانحرافهم الاجتماعي.
ك - التحذير من وضع السلطات القائمة في بعض الأقطار العربية يدها على مؤسسات المجتمع الأهلي، وكذلك من مخاطر اعتماد بعض المؤسسات الأهلية العربية على التمويل الأجنبي.
ل - حشد طاقات الجماهير والدعوة لتحمل الطلائع مسؤولياتهم في مؤسسات المجتمع المدني. وفي السياق نفسه، يقترح المؤتمر تشكيل لجنة للشباب القومي لتكون همزة الوصل بين المؤتمر القومي العربي والجامعات العربية.
خامساً: في مجال التنمية العربية
ـ استعرض المؤتمر محاولات التنمية القطرية، وما تعانيه من مشكلات جوهرية، تسد الطريق أمام إمكانيات نجاحها، وخلص إلى إن المخرج الوحيد من المأزق الراهن للتنمية القطرية، ومن استمرار التردي والتدهور، واحتمالات التفكك والتهميش، هو بذل جهود مكثفة لتحقيق تنمية عربية، مستقلة وشاملة وتكاملية، في إطار يصفي الصراعات القطرية ويقرب بين البلدان العربية، ويزيد التعاون فيما بينها، على أساس تحييد العمل الاقتصادي القومي عن الخلافات السياسية، مع التأكيد على أن التنمية هي عملية شاملة لكل جوانب المجتمع بما في ذلك تطوير الثقافة الوطنية والقومية والسعي لتغيير قواعد السلوك الاقتصادي وأنماط السلوك الاجتماعي، في اتجاه يزيل العوائق ويزيد في دفع العمل المنتج وزيادة إنتاجية العمل.
ـ وتدارس المؤتمر تحديات النظام الرأسمالي العالمي في ظل استخدام الولايات المتحدة للمؤسسات الدولية: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية. مع الإشارة إلى أن محاولات الهيمنة الأمريكية لها بعد خاص في الوطن العربي، بسبب الدعم غير المحدود للكيان الصهيوني ولسياسته التوسعية وعدوانه المستمر على الأمة العربية، حيث أخذت العولمة أبعادها في إطار المشروع «الشرق أوسطي»، بما يكرس تهميش الدول العربية، ويدعم المصالح الصهيونية في المنطقة العربية، مما يؤكد عجز الأقطار العربية عن مواجهة النظام الرأسمالي العالمي، إلا بعمل سياسي وحدوي هادف إلى إحياء وتنفيذ مشروعات الوحدة الاقتصادية العربية وإقامة تكتل عربي واحد في مواجهة التكتلات الاقتصادية العالمية الأخرى.
ـ وفي هذا السياق تبرز مخاطر برامج «التكيف الهيكلي»، وفق صياغات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، كما تبرز الحاجة إلى صياغة برامج للتنمية والتحولات الاقتصادية والاجتماعية تقود إلى تنمية عربية تكاملية «ذاتية - المركز». وقد أكد المؤتمر على أهمية المحافظة على الملكية العامة للقطاعات الاستراتيجية وقطاعات الموارد الوطنية.
ـ كذلك ناقش المؤتمر عمليات «الخصخصة» الجارية في الوطن العربي، وتساءل عن مدى جدوى عمليات «خصخصة الملكية» تحديداً، إذ إن اعتبارات الكفاءة تقتضي «ترشيد الإدارة» واصلاحها وليس بالضرورة «خصخصة الملكية». ورأى المؤتمر أن إشكالية «العام والخاص» هي طرح خاطىء في ظروف الوطن العربي. فالعلاقة بينهما علاقة تكاملية في بيئة تنموية، وأن كلاً من «العام» و«الخاص» يفسد وتضعف كفاءته في ظل بيئة راكدة ومتخلفة وغير محفزة للنمو والتنمية.
ـ وقد أكد المؤتمر على أن التنمية المنشودة لا تحدث تلقائياً بالاستناد إلى آليات السوق، بل إن إطلاق العنان لتلك الآليات، دون ضابط أو رابط، أدى إلى ضعف في إشباع الحاجات الأساسية لأقسام هامة من السكان التي تعاني من الإفقار المتزايد. ولقد مست الضائقة المعيشية أقساماً هامة من عناصر «الطبقة الوسطى» التي أخذت تضيق مراتبها ويتقلص حجمها في معظم الأقطار العربية في ظل ارتفاع نفقات المعيشة وضغوط الحياة اليومية.
ـ وكل ذلك يطرح تساؤلات كبيرة في صفوف المجتمع حول «مشروعية الثروات» في المجتمع العربي. كما أن هذه التطورات تؤدي إلى إضعاف «التماسك الاجتماعي»، وتعمق حدة الاستقطاب الاجتماعي مما يضعف مفهوم «المواطنة»، ويفتح الباب أمام صراعات وتوترات متزايدة بين «رأس المال» و«العمل» تضرب عملية التنمية العربية في الصميم. ولذا فإن عمليات التنمية الصحيحة يجب أن تقوم على دعامتين: التوازنات الاقتصادية والتوازنات الاجتماعية، فإذا اختل أحدهما اهتز التوازن في الجانب الآخر.
ـ لقد أدت السياسات الاقتصادية الكلية والقطاعية، ومحصلة عمليات التنمية الجزئية والمشوهة، إلى مجموعة من التبعيات للاقتصادات العربية في علاقاتها مع العالـم الخارجي، وخاصة في مجال التنمية الغذائية والتبعية الثقافية والتقانية، وفي ظل المتغيرات الدولية وانتشار ما يدعى بالعولمة وآلياتها، وتكرست هذه التبعيات وتعمقت لتشكل عائقاً أساسياً أمام عملية التنمية العربية في القرن المقبل.
ـ ويلاحظ المؤتمر بقلق بالغ أن الدول العربية لـم تتمكن، حتى الآن، من إقامة تكتل عربي فاعل تستفيد بموجبه من نصوص اتفاقيات الغات التي تعفي أعضاء التكتل من منح مزايا وأفضليات للدول خارج التكتل. وعلى الرغم من إقامة «منطقة تجارة حرة» عربية كبرى، اعتباراً من 1/1/1998، إلا أنها لـم ترق إلى مستوى التكتل الاقتصادي الإقليمي العربي الذي يحمي الوطن العربي من السلبيات المحتملة لنصوص اتفاقيات الغات، خاصة فيما يتعلق بالسلع الزراعية والمنسوجات والملابس وتجارة الخدمات السياحية التي يمتلك الوطن العربي فيها بعض الميزات النسبية.
خاتمة
إن المؤتمر وهو ينهي أعمال دورته الثامنة في القاهرة، موجهاً الشكر لمصر رئيساً وحكومة وشعباً، بات يدرك أنه قد استطاع، عبر السنوات الثماني التي مرت على تأسيسه، أن يتحول إلى مؤسسة قومية مستقلة للتشاور والتحاور وإطلاق المبادرات على أكثر من صعيد، وأن ذلك ما كان ممكناً له أن يتم لولا حرص المؤتمر الشديد على استقلاليته وعلى حفاظه على الثوابت القومية المبدئية التي انطلق منها، وعلى استشرافه الصائب لمجمل التطورات والاتجاهات السائدة على المستويين القومي والعالمي، وعلى حرصه أن يضم بين صفوفه آراء وتوجهات فكرية وسياسية متنوعة وملتزمة بأهداف المشروع الحضاري العربي.
ولقد أثبت المؤتمر عبر دوراته كلها، وعبر المبادرات التي أطلقها، عمق الحاجة في الأمة إلى إحياء العمل القومي المستقل القائم على التحاور والتشاور، المتحرر من ثنائية بالية - دفع العمل السياسي العربي ثمناً باهظاً لها - وهي ثنائية الالتحاق بالواقع الرسمي إلى درجة إلغاء أي دور للقوى الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني من جهة، والعداء المحموم للدولة ومؤسساتها إلى درجة تفجر المجتمع من داخله وسيادة الفتن والحروب الأهلية فيه، بل وأحياناً الارتباط المشبوه بالقوى المعادية للأمة من جهة أخرى.
ويبقى في النهاية أن نجاح هذا المؤتمر وتطوير فعاليته يحتاج إلى فهم كل القوى العربية لطبيعته واحتضانها لمبادراته، ودعمها لتوجهاته، لكي يتحول إلى إحدى رافعات العمل القومي العربي، في وجه المخاطر الجسيمة والتحديات الكبرى التي تواجهها الأمة.
لقد بدأ يتأكد أمام الجميع أن التبعية ليست هي الحل، لأن الأمن لا يمكن استيراده من الخارج، وكذلك رغيف الخبز. وإذا كانت التبعية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتخلف والتجزئة والوجود الصهيوني فإن كسر تلك الحلقة الخبيثة في إحدى حلقاتها يؤدي إلى كسر تلك السلسلة كلها. ولا شك أن في جدلية تعظيم الاستقلال وتقليص الاستغلال، على المستويات الداخلية والخارجية، تمثل التحدي الحقيقي أمام الحكام العرب، وبمقدار النجاح في إدارة هذه المعادلة لصالح الشعوب العربية، تتشابك معاً حلقات المشروع القومي العربي، وتفعل فعلها التاريخي المحتوم... وتبدأ دورة النهوض القومي العربي من جديد .
|