1- 4 نيسان/ ابريل 2002
بيان إلى الأمة
في رحاب البحرين العابق بارث عريق من الانفتاح، والحرص على التجدد ومواكبة روح العصر، وفي لحظات عصيبة من حياة الامة حيث يصل العدوان الصهيوني، والتهديد الاستعماري، الى مدى غير مسبوق، انعقد المؤتمر القومي العربي الثاني عشر مسكونا بهواجس المخاطر القائمة والداهمة التي تواجه الامة.
ولقد احتلت المجازر الصهيونية الجارية على ارض فلسطين وسبل مواجهتها الحيز الاكبر من مناقشات المؤتمر وجلساته، مما دفعه الى ان يصدر اعلانا خاصا ملازما لهذا البيان حول التطورات الجارية وما يتصل بها من قضايا الصراع العربي / الصهيوني باسم " اعلان المنامة".
كما رأى المؤتمر في الهبة الشعبية الرائعة التي تملأ اقطار الوطن العربي تضامنا مع شعب فلسطين، واستنكارا للجرائم الصهيونية – الاميركية، وسخطا على العجز العربي الذي يصل احيانا الى حدود التواطؤ، تأكيدا جديدا على وحدة الأمة في همومها واهتمامها، في مشاعرها ومصالحها، في آمالها وآلامها، وهي الوحدة التي يرتكز اليها كل العاملين في سبيل نهضة الامة وتجديد مشروع تجديدها الحضاري وبينهم اعضاء المؤتمر، بل هي الوحدة التي شكل غيابها، في الواقع والفكر والمنهج والتنظيم، مصدر كل النكسات والهزائم والشرور التي اصابت الامة.
واذ استعرض المؤتمر مجمل التطورات والمتغيرات العربية والدولية وانعكاساتها على عناصر المشروع الحضاري العربي الست : الوحدة، الديموقراطية، الاستقلال الوطني والقومي، التنمية المستقلة، العدالة الاجتماعية، والتجدد الحضاري، وتدارس قضية خاصة هي "امريكا العرب"، فقد رأى المؤتمر ما يلي
في الاستقلال الوطني والقومي وقضايا الامن القومي العربي
توقف المؤتمر عند المخاطر التي باتت تهدد استقلال الوطن العربي اكثر من أي وقت مضى خاصة في غمار الحرب الموسومة بانها ضد الارهاب، حيث أدى الانصياع الكامل لمنطق الولايات المتحدة الامريكية الى التأثير على استقلالية القرار السياسي وتعريض الارادة الوطنية الى الانزلاق لتبني مواقف تتناقض كليا مع المصالح القومية العربية، حتى في الأمد القريب المنظور.
ان التدخلات المرتقبة من قبل الولايات المتحدة وحليفاتها الاطلسيات يمكن ان تعرض ما تبقى من جوهر الاستقلال في اقطارنا العربية لافكار تفوق في عنفوانها ومداها تلك التي تعرض لها في ظل الحقبة الاستعمارية الكولونيالية، انما تهدد باستعمار للارادة السياسية وتطويعها لتكون مطية للالتفاف على نضالات شعبنا العربي ودماء الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن استقلال العرب وسيادتهم .
وقد تدارس المؤتمر جملة من القضايا التي تتصل بالتهديدات الأمريكية لاستقلالنا وأمننا القومي وفي مقدمتها:
1. الصراع العربي الصهيوني
استحوذت تطورات الصراع العربي – الصهيوني وتداعياتها على جزء كبير من نقاشات المؤتمر، وتداخلت مع سائر القضايا والمحاور، لا سيما في ظل التطورات المتسارعة على الارض الفلسطينية.
وقد اعاد المؤتمر تأكيده على سلامة الموقف الذي اعلنه الامين العام للمؤتمر الاستاذ ضياء الدين داوود في 16/3/2002 تجاه "مبادرة السلام" السعودية، خصوصا بعد تحولها الى مبادرة عربية في قمة بيروت، وغموض هذه المبادرة فيما يتعلق بالحق الكامل للعودة، كما بتضمينها استعداد كل الدول العربية لقيام علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني وهو ما لم تنص عليه حتى قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، كما لم تتطرق له سائر المبادرات العربية السابقة علما ان المؤتمر طالما اكد انه ليس من حق أي قيادة او جيل مصادرة حق الاجيال القادمة بالتمسك بكامل حقوقها.
واذا كان الرد الاسرائيلي على هذه المبادرة قد جاء في اليوم التالي لانعقاد قمة بيروت حربا شاملة على الشعب الفلسطيني، فان الامة العربية تنتظر من نظامها الرسمي مبادرة فاعلة ترتقي الى مستوى الرد الصهيوني الوحشي.
وفي هذا الاطار ناقش المؤتمر جملة افكار وخيارات رأى صياغتها في
2. الحصار والعدوان على العراق
ازاء الجهود الامريكية المحمومة لحشد اوسع تأييد دولي لتوجيه ضربة ضد العراق بزعم ارغامه على استقبال المفتشين على اسلحة الدمار الشامل وتحت ادعاء ضلوعه في الارهاب الدولي، فان المؤتمر يحذر من استجابة أي طرف عربي او اسلامي لمثل هذه المخططات العدوانية التي تستهدف في المقام الاول اضعاف العراق عبر ما يسعى اليه الكيان الصهيوني من اعادة تقسيم الاقطار العربية، وليس من قبيل الصدفة في شيء ان يتوافق خطَا حظر الطيران في شمال وجنوب العراق مع الهدف الامبريالي الصهيوني لتقسيم العراق ، وليس ذلك سوى خطوة اولية لتقسيم بقية البلدان العربية وقد انتهى المؤتمر الى :
1- الرفض الحازم للتهديدات الامريكية ضد العراق والتأكيد على التضامن العربي الكامل مع اشقائنا في العراق والتصدي الحاسم لكل المبررات والمساومات والمقايضات التي تستهدف التغطية على العدوان الامريكي.
2- المطالبة برفع الحصار الجائر على العراق والغاء مناطق حظر الطيران التي فرضتها امريكا وبريطانيا في شمال وجنوب العراق ووقف كافة اشكال حرب الاستنزاف ضده.
3- رفض أي حديث عن تطبيق ما يسمى بالعقوبات الذكية والنهب المستمر لمقدرات العراق تحت ستار دفع التعويضات.
4- يؤكد المؤتمر على ضرورة المضي قدما في توسيع وتوثيق كافة انواع العلاقات بين العراق واشقائه العرب وضرورة العودة الى حالة العلاقات الديبلوماسية الطبيعية والكاملة بينه والدول العربية وفي اسرع وقت ممكن والاستفادة من التطورات الايجابية التي شهدتها قمة بيروت العربية في هذا المجال.
5- لقد صار لزاما على أمتنا العربية، على المستويين الرسمي والشعبي، ان تتوجه لتفعيل خيارات جديَة لمواجهة العدوان الامريكي على الصعد الديبلوماسية والسياسية والاقتصادية والاعلامية والعسكرية.
6- تفعيل الفقرة 14 من قرار مجلس الامن 687 بتجريد الكيان الصهيوني من اسلحة الدمار الشامل.
7- تشكيل لجنة من أعضاء المؤتمر لمتابعة ما انتهى اليه المؤتمر في هذا الصدد لا سيما وان كافة الدلائل تشير الى احتمال حدوث العدوان الامريكي خلال الاشهر الأولى من الصيف القادم، الأمر الذي يستوجب انشاء آلية للتحرك الفعال لمواجهته وخاصة على الصعيد الشعبي . علما بان كافة الخيارات النضالية ستكون مفتوحة وواردة، بأقصى الطاقة واشد الوقع.
3. لبنان
رغم ان لبنان قد نجح في تحرير معظم اراضيه المحتلة بفضل مقاومة مجاهدة مستندة الى وحدة وطنية ودولة مساندة وعمق عربي متمثل بسوريا وعمق اسلامي متمثل بايران، الا ان التهديدات والضغوط الصهيونية ما زالت تتصاعد ضد لبنان وعمقه السوري وتسعى بشتى الاساليب والوسائل الى ارباك مقاومته والايقاع بينها وبين الدولة، كما بين لبنان وسوريا بهدف ثني البلدين عن تمسكهما بالحقوق والثوابت. وهنا يدعو المؤتمر الى دعم الموقف السوري والموقف اللبناني بكافة الوسائل الاقتصادية والسياسية لتحرير الجولان ومزارع شبعا.
ولم يستبعد المؤتمر ان تتصاعد هذه التهديدات والضغوط على لبنان وسوريا، بما فيها الضغوط العسكرية والاقتصادية والمالية ، مع تصاعد الحرب الصهيونية على الشعب الفلسطيني، والمخاوف الاسرائيلية من امكانية اشتعال الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة الامر الذي يتطلب وقفة عربية واسلامية جادة وعملية الى جانب البلدين الشقيقين المستهدفين، كما يتطلب ايضا الارتقاء بالعلاقة بين البلدين الى مستوى يحصنهما من كل الشوائب والثغرات التي علقت بها في السنوات الاخيرة ، مبديا ارتياحه الى ما جرى مؤخرا من تطورات ايجابية.
4. السودان
توقف المؤتمر ايضا امام التهديدات المتزايدة لاستقلال السودان ووحدة اراضيه والتحركات الأمريكية التي تستهدف تغيير الهوية العربية للسودان وفصل الشمال عن مناطق الجنوب بل ان مخطط التقسيم قد تجاوز مناطق الحرب في الجنوب الى مناطق اخرى مثل جبال النوبة في شمال السودان ومناطق غرب وشرق السودان. ان مثل هذه المخططات تستهدف حصار السودان والحيلولة دونه ودون دوره الفاعل في الربط بين العرب واشقائهم في افريقيا فضلا عن تهديد التواصل التاريخي والطبيعي بين السودان ومصر.
ان المؤتمر ليؤكد على تضامنه الكامل مع شعبنا العربي في السودان ودفاعه عن هويته وسلامة أراضيه وادانته للمساعي الامريكية والصهيونية التي تتحصن وراء مزاعم حماية حقوق الانسان والدفاع عن الاقليات في حين ان هدفها الرئيسي هو تهديد الموارد المائية في منطقة حوض النيل وحرمان السودان ومصر منها واستصغاء مقدرات السودان وثرواته الزراعية والنفطية.
ان العدوان على عروبة السودان ومصر ما هي إلا حلقة من حلقات المقاومة الاستعمارية للوحدة العربية ولامتداد الهوية العربية والاسلامية في افريقيا، وما السودان الا احدى القوى الكبرى الدافعة والذي يمثل بموقعه وأراضيه ومياهه وموارده التعدينية احد ركائز الوحدة العربية.
وقد اكد المشاركون على ضرورة تفعيل المبادرات العربية لحل الصراعات في السودان حفاظا على مقدراته ووحدة اراضيه ومقاومة كافة المخططات الرامية لفصل الجنوب عن الشمال واثارة النزعات الانفصالية في مختلف اقاليمه.
5. الظاهرة الامازيغية في المغرب العربي
توقف المؤتمر امام الظاهرة الامازيغية في المغرب العربي وخاصة عندما بدأت بعض القوى الاجنبية المتعددة، تعمل على استغلال هذه الظاهرة وتنظَر للكتلة الشعبية الامازيغية كمجموعة سكانية مناهضة للهوية العربية الاسلامية ومهددة لوحدة المغرب العربي وامنه الوطني والقومي، وهذ وما يتنافى والحقائق التاريخية والرابطة الحضارية والروحية والوطنية التي تجمع بين ابناء المغرب العربي بكل اطيافهم وانتماءاتهم، في اطار وحدة الكيان الوطني، وفي ظل الديمقراطية والتعددية الحزبية والسياسية .
الوحدة العربية
توقف المؤتمر عند واقع السعي المشترك لأمتنا العربية نحو هدفها النهائي في تحقيق الوحدة العربية والذي بدت فيه عوامل الايجاب متداخلة مع مظاهر سلبية لا سبيل لتجاهل خطورتها في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الامة.
لقد عادت حقيقة الوحدة لتفرض نفسها ليس فقط على لغة الخطاب الرسمي العربي بل وعلى ادبيات تيارات سياسية عديدة كانت تعارض أو بالادنى تتجاهل حتمية هذه الوحدة، وهو ما انعكس بشكل واضح في اعادة تفعيل المفردات الوحدوية في الشارع العربي واستنباط صيغ جديدة اكثر جذرية وأوسع انتشارا ولا سيما في قطاعات الشباب العربي.
العلاقات العربية - العربية (الصعيد الرسمي)
1- يؤكد المؤتمر على الارتباط العضوي بين الأمن الوطني لكل قطر عربي على حدة والأمن القومي العربي في مفهومه الشامل . ان الدولة القطرية تمثل حقيقة قائمة يصعب تجاوزها او تجاهل ما تفرضه من امر واقع يكاد يتجذر باستمرار. ولكن الحقيقة الاخرى والأكبر والأهم التي لا يجوز القفز فوقها او تجاهلها ايضا تتمثل في عجز الدول القطرية العربية مهما كانت امكاناتها ومواردها وقدراتها عن الوفاء باحتياجات التنمية المستقلة او متطلبات الأمن الوطني من ناحية وان الاطار المثالي للوفاء بهذه الاحتياجات والمتطلبات ايمانا بالارتباط العضوي بين القطري والقومي. وتنبع هذه الحقائق لا من توجهات فكرية عقائدية ، رغم توافرها بجلاء، وانما تنبع ايضا من اعتبار التكتلات الاقتصادية العملاقة هي لغة العصر في جميع المناطق والقارات.
2- يؤكد المؤتمر على ضرورة تفعيل النظام العربي بكل مؤسساته ومنظماته واتفاقاته ومواثيقه، ولا سيما مؤسسة القمة العربية ويبدي ارتياحه لالتزام المسؤولين بمبدأ دورية انعقادها للمرة الثانية كما كان الامر في قمة بيروت، رغم التحفظ على بعض قراراتها، والسعي ايضا لاعلان محكمة العدل العربية
3- ان الخلافات العربية – العربية تستنزف امكانات الامة وقدراتها وتشغلها عن بناء التنمية وضمان الأمن ولذلك فان المنهج القومي الذي يمكن اعتماده في مواجهة هذه الخلافات يمكن ان يتوفر على اساس ما يأتي:
أ- تحديد مجالات الاتفاق وتعميقها وتوسيعها باستمرار وهي كبيرة.
ب- تحديد ما يمكن حله في الأجل القريب وتهيئة كل السبل الكفيلة بذلك.
ج- ارجاء ما يتعذر حله الى فترات قادمة تتوافر فيها ظروف أفضل.
4- الترحيب بحل عدد من النزاعات العربية – العربية مثلا خلافات ونزاعات الحدود وتيسير المرور والتجارة عبرها، والمياه، ومن أمثلة ذلك ترسيم الحدود اليمنية – السعودية بالاتفاق الثنائي، وانتهاء الخلاف الحدودي القطري – البحراني عن طريق محكمة العدل الدولية وترسيم الحدود السعودية- القطرية بالاتفاق الثنائي ايضا.
ويرحب المؤتمر ايضا باتفاقات تسهيل وتيسير المرور والتجارة عبر الحدود بين لبنان والأردن وسوريا وكذلك اتفاقات الربط الكهربائي بين مصر وسوريا والاردن ولبنان.
5- يرحب المؤتمر بالخطوة الاولية البناءة على طريق المصالحة بين العراق من جهة والكويت والسعودية من جهة اخرى. وهو اذ يرى فيها استجابة لمطلب قومي رفعه المؤتمر منذ سنوات، يتوجه الى المسؤولين في الدول المعنية بضرورة البناء التراكمي للعلاقات بين الاقطار الثلاثة، واتخاذ مبادرات تعزز فرص تطور هذه العلاقات، وتقطع الطريق على كل المتربصين بها والمتضررين من قيامها لا سيما الادارة الاميركية التي طالما استغلت مثل هذا الخلاف لضرب العراق وابتزاز السعودية والكويت.
6- يرحب المؤتمر بالاتجاه المتزايد الى ابرام اتفاقيات مناطق التجارة الحرة في الوطن العربي بين مجموعات من الدول العربية بهدف تحرير التجارة فيما بينهما بمعدلات أسرع مما تقره اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ومن أمثلتها الاتفاقيات الموقعة بين العراق ومصر وسوريا والاردن والامارات العربية المتحدة وتونس.
وفي هذا السياق يؤكد المؤتمر على أمرين:
الأول: ضرورة تحييد العلاقات الاقتصادية العربية ومصالح المواطنين العرب عن الخلافات السياسية بين المسؤولين العرب وتحصين العلاقات العربية في مجموعها من تأثير العوامل الظرفية التي ينبغي ان تبقى ظرفية وفي هذا الاطار يدعو المؤتمر الى اعلان ميثاق الشرف العربي بحيث لا تمتد انعكاسات الخلافات بين الانظمة الى تعميق الحساسيات القطرية.
الثاني: الالتزام بالاتفاقيات التي يتم التوصل اليها والموافقة عليها في اطار جامعة الدول العربية لتحقيق ما تهدف اليه تلك الاتفاقيات من تكامل وتنسيق بما يعزز مصداقية الحكومات العربية وجديتها.
7 - يرحب المؤتمر بالمبادرات التي يقوم بها السيد عمرو موسى الامين العام لجامعة الدول العربية على غير صعيد ويدعو الدول العربية الى توفير كل المتطلبات المالية والسياسية اللازمة لتنفيذ المشروع الكبير الذي تبناه في تطوير منظومة العمل العربي المشترك وتعزيز امكاناته وقدراته وتفعيل آلياته واساليب عمله. ويثمن المؤتمر جهود الأمين العام في تعامله مع مؤسسات المجتمع المدني العربية ويدعو هذه المؤسسات الى تنظيم لقاءات مكثفة مع الأمين العام للجامعة لدراسة سبل التعاون وأشكال التنسيق في مجالات الاهتمام المشترك.
8 - تأكيد الاهتمام بقضايا المياه في الوطن العربي انطلاقا من التوقعات المستقبلية المعززة بالدراسات العلمية والتي تذهب الى ان حروب المسقبل هي الحروب من اجل المياه وخاصة ان معظم مصادر المياه العربية تقع خارج حدود الوطن العربي من ناحية، كما ان خريطة التوسع الصهيوني في الاراضي العربية المحتلة ترتبط بمصادر المياه العربية الى حد كبير من ناحية اخرى. ان المخاطر المحدقة بالأمن القومي المائي لا تقَل خطورة عن التهديدات والقواعد والتسهيلات العسكرية.
ويدعو المؤتمر الدول العربية المعنية الى احكام التنسيق بينها في هذا المجال الحيوي، كما يدعو جامعة الدول العربية ومنظماتها المعنية لأن تقوم بدورها في تعزيز المصالح العربية المشروعة في المياه وبخاصة على المستوى الدولي.
9 - دعوة السلطات القطرية للتعامل بطريقة ايجابية مع المطالب المشروعة للجماعات الاثنية في بعض الدول العربية وبخاصة المطالب الثقافية.
الصعيد الشعبي (العمل الشعبي العربي)
ان تقوية المشاركة الشعبية هي المدخل الرئيسي لاسناد الجهود العربية الرامية لبلوغ هدف الوحدة ولخلق أجواء التعبئة الشعبية واستدعاء الطاقات العربية المعطلة والمهمشة لتوظيفها في الممارسة الديمقراطية الحقة لكسب الرهان على مستقبل الوحدة العربية .
ويعرب المؤتمر عن اعتزازه العميق بجماهير الأمة التي تؤكد كل يوم صدق توجهها الثوري وأصالة التزامها القومي وصلابتها النضالية مهما كانت فداحة الخطوب والمحن التي تجابهها ومهما تكالبت عليها القوى الداخلية والخارجية وتعاظمت تحدياتها.
ان جماهير الأمة من المحيط الى الخليج، بمؤسساتها ومنظماتها من احزاب ونقابات ومؤسسات وجمعيات استطاعت ان تبلور موقفا قوميا صلبا مناهضا ورافضا لكل اشكال الهيمنة والسيطرة والعدوان, وتلك حقيقة هامة لا يستطيع الحكام العرب تجاهلها بعد الان ، بل لقد سارعوا الى الاعتراف بها وتأكيد ان حركة الشارع متقدمة بخطوات كثيرة عن حركة القمة، وهو ما يشرف تضحيات هذه الجماهير ويعزز مقدارها بينما هي تتحمل الكثير من المعاناة والضغوط للحفاظ على الحياة مجرد الحياة في ظل تدهور مستويات المعيشة في ابسط صورها ورغم تفاقم مشكلة الفقر الى حدود تنذر بأوخم العواقب السياسية والاجتماعية وبخاصة مع تركز الثروة وانتشار الفساد.
ان ما شهده العالم في الايام الاخيرة من اتساع حركة الغضب الشعبي على امتداد الوطن العربي يحتاج من القوى الحية في الامة الى احتضان وتطوير كما يحتاج من الانظمة الى الامتناع عن كل اشكال القمع والقهر والافراج عن كل سجناء الرأي او الذين تم اعتقالهم خلال التظاهرات.
ولا شك ان الواجب القومي يفرض على أعضاء المؤتمر جميعا ان يعودوا الى جماهيرهم في كل بلد عربي وان يضعوا امكاناتهم تحت امرة دعوتهم القومية، وبخاصة في ضوء التحديات المتصاعدة في فلسطين والعراق.
ويهم المؤتمر ان يؤكد في معرض اعتزازه بفاعلية العمل الشعبي العربي في تدعيم السعي المشترك للوحدة العربية على ما يلي:
1. دعوة المثقفين العرب الى الاهتمام بتعميق ثقافة المقاومة واشاعتها وتدعيمها في صفوف الامة، ويدخل في هذا الاطار تعزيز ثقافة مواجهة التطبيع.
2. يعرب المؤتمر عن تقديره للتعاون التام بينه وبين المؤتمر القومي - الاسلامي، ويقدر بشكل خاص ارتقاء حال المصالحة في ما بين تيارات الامة الحية وفي طليعتها التيار القومي والتيار الاسلامي، الأمر الذي سيشكل المناخ النوعي الحاضن لنمو واتساع مقومات المبادرة الاستراتيجية التي تبلورت على ارض فلسطين.
ويؤكد على اهمية هذا التعاون في ظل حالة العطالة التي يعيشها النظام العربي الرسمي، وبقاء اداء السلطات العربية محصورا ومحاصرا في مناخ ادارة الازمات لا حلها، مما يعطي فرصة كي تخفف هذه السلطات من قبضتها على هذه التيارات الحية ، ان احسنت هذه التيارات التعامل مع هذه المعطيات كافة، وعليها ان تفعل.
3. يدعو المؤتمر الاحزاب العربية في صفوف المعارضة الى تعزيز الاساليب الديمقراطية في هياكلها التنظيمية، وآليات عملها الداخلية، بحيث تلزم نفسها بما تطالب الاحزاب الحاكمة الالتزام به، وبخاصة مبدأ تداول السلطة، جنبا الى جنب لتمهيد الطريق باستمرار لجيل جديد يستطيع ان يتحمل المسؤولية، فذلك المنهج وحده هو الكفيل بتوفير ضمانات الاستمرار والاستقرار. كذلك فان التزام احزاب المعارضة العربية بهذه التوجهات والضمانات يساعدها على أداء دورها الوطني والقومي بأكبر قدر من المشروعية والمصداقية.
ان الديمقراطية الداخلية ينبغي ان تصبح التزاما راسخا في الاحزاب المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الأهلية كافة. تلك المتحررة من الارتباط المالي بهيئات ومؤسسات دولية مشبوهة. ولا شك ان ثقافة التعدد والتداول والتواصل وتجسيدها لا بد ان تشكل احد عناصر الانتماء الى المؤتمر القومي العربي.
وفي هذا الاطار يتوجه المؤتمر بتحية تقدير الى المؤتمر العام للاحزاب العربية الذي نجح خلال سنوات في ان يشكل اطارا للتفاعل بين هذه الاحزاب وللفعل في جملة مبادرات ويتطلع الى ان يشمل التمثيل كافة الاحزاب العربية.
4. يدعو المؤتمر الحكومات العربية الى اطلاق قوى المجتمع المدني، في اطار تعزيز عمليات التحول الديمقراطي الجارية في عدد من الاقطار العربية، لكي تقوم بدروها في هذا المجال وتتحمل مسؤولية المشاركة في توجيه العمل الوطني، والرقابة على التنفيذ، والمحاسبة على الاداء.
ويؤكد المؤتمر ضرورة التزام مؤسسات المجتمع المدني العربية كافة – سواء على المستويات الوطنية او القومية – بمتطلبات الشفافية الكاملة في عملها وبخاصة في ما يتصل بالنواحي المالية، وتحصين انشطتها في مواجهة محاولات التغلغل الاجنبي.
الديمقراطية وحقوق الانسان
تشهد بعض الأقطار العربية تراجعا ملحوظا في المسألة الديموقراطية واحترام حقوق الانسان في حين يشهد بعضها الآخر فيهما تقدما بطيئا ولكن، عموما، ما زالت العلاقات بين الانظمة العربية وبين شعوبها على ما كانت تتسم به من قمع وانتهاك....
ومن هنا فأن المؤتمر يدعو الى اعادة تأسيس مضامين الديموقراطية السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والى تحديد آليات تطبيقها وتعيين مسؤولية الدولة والمجتمع في ذلك.
اما الدولة القادرة على تحمل مثل هذه المسؤولية فهي من وجهة نظر المؤتمر دولة الحق والقانون والدستور والعدل والعدالة، الدولة الحديثة القائمة على مبدأ فصل السلطات واستقلالية القضاء .. فالقضاء في معظم الدول العربية، كما المجالس النيابية، تابع للسلطات التنفيذية.
ويؤكد المؤتمر ان قيام الدولة الديموقراطية يفرض الغاء اعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية المعمول بها في بعض الدول العربية وسَن قوانين ضامنة للحريات وحقوق الانسان وفي رأسها قوانين الانتخابات النيابية التي تسمح لجميع المواطنين بالتعبير عن انفسهم على قاعدة الحضور الفعلي والتمثيل الحقيقي والمشاركة الفعالة بما يحمي حقوق الأقليات السياسية في التمثيل ويحفظ لقوى المجتمع المدني، خصوصا الشباب والنساء، الحق في الانتخاب والمشاركة.
من هنا يدعو المؤتمر الى تطوير أطر الممارسة الديمقراطية وتوسيعها لبلورة الارادة الشعبية وتحريرها من قوى الاستئثار والهيمنة...
ويرى المؤتمر ان الحوار بين أبناء المجتمع الواحد وأبناء الوطن الواحد، معارضين وموالين، هو الطريق الصحيح المؤدي الى قيادم الدولة الديمقراطية وأساسها التداول السلمي للسلطة وعدم تأبيدها بيد اشخاص تحت مسميات متعددة... والحوار بين ابناء المجتمع الواحد والوطن الواحد يستدعي، بالضرورة، اغلاق ملف الاعتقال السياسي واطلاق جميع المعتقلين السياسيين او أهل الرأي من السجون العربية، ويستدعي ، كذلك تكريس حق المهجَرين السياسيين في العودة الى أوطانهم وممارسة حقوقهم الطبيعية والأساسية خصوصا حرية التعبير عن الرأي والاجتماع السياسي والتنظيم السياسي.
وفي هذا الاطار يدعو المؤتمر الامانة العامة الى إيلاء الافراج عن كل سجناء الرأي في الوطن العربي اهتماما خاصا في تحركاتها واتصالاتها وبياناتها، لا سيما ان بينهم اعضاء في المؤتمر القومي العربي، والتعاون في هذا الاطار مع المنظمة العربية لحقوق الانسان وجمعيات حقوق الانسان القائمة في البلاد العربية.
وهنا يوجَه المؤتمر تحية تاييد وتشجيع الى الحكومات العربية التي اختارت تعميق النهج الديموقراطي في الممارسة السياسية على قاعدة تعددية الرأي والتنظيم والاعتراف بالآخر المعارض والحوار معه وحماية حقه في الاختلاف والاعتراض ويدعوها الى استكمال هذا النهج وتجاوز كل ما يعيقه.
وفي هذا المجال يؤكد المؤتمر ان ضمان حرية التعبير والرأي يشكل بداية التوجه السليم نحو الاصلاح السياسي على قاعدة المشاركة في صنع القرار...
إن حرية التعبير تجد تعبيرها الفعلي في الحرية الإعلامية.. وهنا يؤكد المؤتمر ان حق المواطن العربي في حرية الاعلام والاستعلام حرية مقدسة.. وهذه الحرية هي المقدمة الأولى للديموقراطية وهي الاساس لإرساء البناء الديموقراطي.
ومع تأكيد ارادته في ان تتحول الديموقراطية الاعلامية واقعا ملموسا يطلب المؤتمر من وسائل الاعلام العربي القائمة حاليا عدم الانسياق في الترويج للرأي الصهيوني باسم الحرية والاحتراف المهني ومعرفة الآخر .. فهذه الوسائل تتحمل مسؤولية كبرى في حماية ثقافة الأمة، وقيمها ومصالحها من الاختراقات الاجنبية والصهيونية وهي المسؤولة، كذلك، عن بلورة الوعي الوطني والقومي ومد الرأي العام العربي بالمعلومات والتحليلات والمعطيات والوقائع بدون انحراف او تزييف دعائي وترويجي.
ان الخوف اليوم، وفي الظروف الدولية والاقليمية المحيطة بواقعنا العربي والفاعلة فيه على غير صعيد، هو ان يؤدي شعار ما يسمى "مكافحة الارهاب" والدعوة الى الانخراط في الحملة الاميركية القائمة الى تشديد القبضة الأمنية على الشعوب وخنق أصوات المعارضة، والانسياق وراء بعض الإرادات في تحويل الدولة الى نظام أمني او تثبيتها على هذا النظام.
ويهم المؤتمر ان يؤكد ان الديمقراطية الحقيقية لا الزائفة هي الكفيلة بتحصين الانظمة والحكومات كي تتمكن من الوقوف في وجه الضغوط الأجنبية الساعية الى احلال قوانين دولها الخاصة محل القانون الدولي وعلى الأنظمة والحكومات المعنية ان تدرك انه بالديموقراطية فقط تؤكد شرعيتها الشعبية والدستورية.
ان احداث الحادي عشر من أيلول وتداعياتها تتطلب قيام حركة عربية ديموقراطية عاجلة لاعادة الاعتبار لحقوق الانسان العربي كما وردت في شرعة حقوق الانسان الصادرة عن الأمم المتحدة وكما هي متأصلة في حضارتنا وثقافتنا القومية. كما يدعو الى قيام جهد عربي لتصحيح واقع العديد من المنظمات العالمية لحقوق الانسان التي وقعت هي الأخرى، في ازدواجية المعايير، فكانت تقيم الدنيا ولا تقعدها في ظروف واماكن، وتغمض عيونها عن جرائم وابادة عنصرية تجري في ظروف واماكن اخرى.
ويرى المؤتمر ان قيام حركة عربية ديموقرطية على المستويين الوطني والقومي تفرض على المثقفين انخراطا أعمق في العمل الديموقراطي، واستعدادا اكبر لاتخاذ مواقف جريئة ايَا كانت كلفتها، وفي التوعية والتربية على الديموقراطية وحقوق الانسان، ولعل المؤسسات التربوية هي المعنية اولا في ادخال مادة التربية عليها في المناهج والبرامج التعليمية والتأهيلية بما يسمح لهيئات المجتمع المدني المناصرة للديموقراطية وحقوق الانسان بلعب دور أفعل في النضال الثقافي من اجل بناء الانسان الحرَ والمجتمع الحرَ، بناء المواطن ودولة المواطنين لا الرًَعايا...
من اجل ذلك يوصي المؤتمر بالآتي:
1. دعوة المنظمة العربية لحقوق الانسان الى ان تقوم برصد حركة الديموقراطية والحريات والحقوق في الوطن العربي على الصعيدين الانتخابي والتشريعي.
2. دعوة المراكز المعنية الى القيام بدراسات ميدانية تتعلق بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمدنية والسياسية في الوطن العربي.
3. فضح عواقب العقوبات الاقتصادية المفروضة على بعض الدول العربية وخصوصا العراق ووقعها السلبي على الديمقراطية وحقوق الانسان.
4. اعداد ابحاث ودراسات حول حقوق الجماعات المهمشة (نساء- اطفال- مهجرون- عمال اجانب- اطفال شوارع) ذلك ان الديمقرطية والتنمية قضية واحدة.
5. اقرار حقوق الاخوة الفلسطينيين المدنية والاجتماعية والانسانية في البلدان العربية كافة.
6. وضع تقارير عن عنف الدولة وعنف المجتمع او بعض فئاته على بعضها الآخر اجتماعيا وثقافيا ومعنويا وماديا...
7. اجراء عمليات رصد لحال مؤسسات المجتمع المدني من احزاب وجمعيات ونقابات مهنية وعمالية واتحادات... لدراسة بناها التنظيمية وممارساتها ومدى ضيق او اتساع نطاق الديمقراطية الذي تعمل في داخله.
8. كشف ازدواجية المعايير المعتمدة لدى العديد من حكومات الغرب والمنظمات الدولية لحقوق الانسان.
9. العمل على مناصرة وتأييد الحركات المطالبة بالديمقراطية في الوطن العربي .
10. العمل على تفعيل دور الاتحاد البرلماني العربي ليصبح اكثر تعبيرا عن ارادة الشعب العربي ومصالحه وتطلعاته الوحدوية.
وأخيرا يهم المؤتمر ان يؤكد ان أي نضال من اجل الوحدة العربية او التضامن العربي بكل اشكاله متلازم مع النضال من اجل الديموقراطية وحقوق الانسان ... فالوحدة العربية المطلوبة في المشروع النهضوي العربي يصنعها الانسان العربي الجديد الديموقراطي المتحرر من قمع الأنظمة والمحترمة حقوقه الاساسية، المواطن قبل أي انتماء فئوي آخر.، الانسان الحر في رأيه وتعبيره، الذي، يمارس الفعل الديموقراطي بوعي ومسؤولية في مجتمع سويَته العدالة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز بين افراده وفئاته.
التنمية العربية والعدالة الاجتماعية
استعرض المؤتمر الاوضاع الاقتصادية العربية الراهنة، في ضوء المستجدات على الساحة الاقتصادية العالمية التي تتجلي في حالة الركود الاقتصادي العالمي، خاصة بعد أحداث 11 ايلول /سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة وتداعياتها في الساحة الدولية عموما وعلى الصعيد الاقتصادي والمالي خاصة، وما نجم عن ذلك من آثار ونتائج تجلت في اصدار مجلس الامن الدولي القرار 1373 واعلان الولايات المتحدة الحرب على ما دعته "الارهاب" في محاولة منها للالتفاف على الطبيعة (الارهابية ) لنظام القطبية الواحدة الذي تتربع على رأسه ، وكمحاولة للخروج من أزمة الركود التي يعانيها اقتصادها اولا والاقتصاد الرأسمالي العالمي بوجه عام.
ان معالجة الاوضاع الاقتصادية في الدول العربية ، والدول النامية عموما، في ظل هذه الاوضاع المتردية، يجعل هذه المسألة الحيوية معقدة، بل غاية في التعقيد. فبعد ان تبين فشل وصفات الاصلاح الاقتصادي المقدمة من الصندوق والبنك الدوليين، والتي ( تنصح) بها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والمستندة اساسا الى آليات السوق الحرة، والموازنات الانكماشية، وبعد ان تعرضت البلدان الرأسمالية المتقدمة والنامية على السواء الى المزيد من الازمات والصعوبات الاقتصادية، اصبح من المهم ان يتم التوجه نحو السياسات المالية والاقتصادية المتوازنة مع الاجراءات الاجتماعية، التي تؤمن للبلد المعني النمو الاقتصادي وتراجع دور الدولة المطلوب والمناسب، الى جانب تحقيق معدلات عالية للتنمية البشرية.
وقد تجلت تلك السياسات في البلدان الرأسمالية المتقدمة فيما يدعى "الطريق الثالث" الذي انتهج في بريطانيا (بلير) والولايات المتحدة (كلينتون).
اما على صعيد البلدان النامية ومنها اغلب البلدان العربية، التي تعرضت لازمات اقتصادية واجتماعية ناجمة عن الانفتاح على الاقتصاد العالمي وتطبيق السياسات المالية الانكماشية، وسياسات الانفتاح وتحرير التبادل التجاري والخصخصة، فقد تفاقمت فيها تلك الازمات الى جانب تعرضها الى مشكلات اجتماعية واقتصادية حادة، تجلت في تزايد معدلات البطالة واتساع الفجوة في الدخول والثروات، وتوسيع دائرة الفقر الى جانب انتشار ظاهرة الفساد.
وقد درس المؤتمر بعناية مسألة (التنمية المستقلة) التي تشكل احد اهداف المشروع الحضاري العربي الذي يحمل لواءه المؤتمر. ورأى ان هذا المصطلح، الذي كان من بدايته يتضمن موقفا سياسيا، يتعلق بهدف الانعتاق من التبعية للدول الاستعمارية او التكتلات الاقتصادية الدولية، الى جانب استقلالية الارادة في اختيار الشعوب للنظام الاقتصادي والاجتماعي الذي تراه مناسبا لتطورها، هذا المصطلح لا يزال صالحا في هذه المرحلة التي يمر بها الاقتصاد العالمي والاقتصادات العربية.
والتنمية المستقلة، ضمن هذا المفهوم، انما هي تنمية مستندة على الامكانات الذاتية، في اطار علاقات تفاعلية ومتوازنة ومتكافئة مع الاقتصاد العالمي، وعلى هذا فانها "تنمية ذاتية ومتواصلة" تتضمن ثلاثة أبعاد:
البعد الاول: يتعلق ببناء القواعد الاقتصادية الدالخية القادرة على النمو الذاتي المتواصل في مختلف الظروف، وعلى نحو قادر على المنافسة مع الاقتصادات الاخرى.
البعد الثاني: يتعلق بصياغة علاقات اقتصادية متكاملة بين الدول العربية.
والبعد الثالث: يرتبط بالعلاقات الدولية للبلدان العربية والاطر الحاكمة لها من اتفاقات دولية متعددة الاطراف، ما يفرض ضرورة التعاون بين الدول العربية، وبينها وبين باقي الدول النامية المتضررة من العلاقات الاقتصادية الدولية غير العادلة التي يفرضها نظام العولمة الامريكي بهدف اعادة صياغة العلاقات الدولية على اسس عادلة ومتوازنة.
ان مسألة اقامة اقتصاد وطني قوي ومتين، تتطلب سياسات اقتصادية واجتماعية، متقدمة في اطار تدخل الدول في الشأن الاقتصادي، مع اطلاق مبادرات الافراد من القطاع الخاص للعمل والابداع والاستثمار.
كما ان اقامة تكتل اقتصادي عربي ، اصبح ضروريا لمواجهة تحديات العولمة، وتحديات العلاقات الاقتصادية الدولية، لهذا فان المؤتمر يشدد على ضرورة السعي الى تطبيق اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، مع اختصار زمنها، وتطويرها باتجاه اقامة جدار جمركي عربي تجاه العالم الخارجي تمهيدا لوضع صيغة السوق العربية المشتركة في التنفيذ.
وقد اكد المؤتمر على ضرورة معالجة القضايا والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية، انطلاقا من خلفية نظرية وعملية قومية تقدمية ديمقراطية، بحيث تأتي هذه المعالجات في اطار النظرة الموضوعية لمستقبل كل قطر عربي ولمستقبل التكامل الاقتصادي العربي ، ومستقبل الاجيال القادمة.
ان مثل هذه النظرة تستدعي:
1. دورا متوازنا للدولة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، بحيث تراعى ظروف كل بلد من البلدان العربية، في تشكيل نظام اقتصادي قادر على تحقيق التنمية بمعناها الشامل. الامر الذي يستدعي اعادة الاعتبار لدور الدولة، انطلاقا من ان تقليص هذا الدور ، انما يستهدف تقويض العدالة الاجتماعية.
2. التأكيد على اهمية المدخرات الوطنية في تحقيق معدلات عالية في الاستثمار بما يتناسب مع ظروف كل بلد من البلدان العربية، مما يستدعي اعلاء شأن الادخار ( وليس الاكتناز) واشاعة ثقافة استهلاكية مناسبة في وجه ثقافة الاستهلاك التبذيري والتفاخري التي تروج عن طريق وسائل الاعلام ومختلف الوسائل الاخرى.
3. الاهتمام بعناصر التنمية البشرية المادية وغير المادية، خاصة ما يتعلق بالصحة والتعليم، وفي مستوى الخدمات المقدمة بهذا الشأن، وكذلك ما يتعلق بتوسيع دائرة الخيارات امام الموطن العربي ، وتوسيع قدرته على ممارسة حقه في الاختيار من بين هذه الخيارات.
4. توجيه جهد خاص نحو التطوير والتحديث، وادخال مفاهيم واساليب المعلوماتية ، وتجديد وسائل الانتاج والاستفادة القصوى من التطور التكنولوجي . وزيادة الانفاق على البحث العلمي، وايجاد نوع من التنسيق والتعاون فيما بين مراكز البحث العلمية العربية.
5. الاهتمام الجاد بالصناعات التحويلية، بهدف زيادة نسبة مساهمتها في الناتج المحلي الاجمالي، والارتقاء بمستوى الصناعات التحويلية من حيث الجودة والسعر، لرفع قدرتها على المنافسة في الاسواق العالمية، ومن المهم في هذا الصدد التوجه للاستثمار في الصناعات الجديدة، وفي مجالات التكنولوجية العالية، ضمن اتفاقات تعاون وشراكة فيما بين الدول العربية على صعيد القطاعين العام والخاص.
6. العمل على زيادة تدفقات رؤوس الاموال فيما بين الدول العربية، بالاستفادة من اوضاع الركود العالمي، وتداعيات احداث ايلول/ سبتمبر في الولايات المتحدة والعالم، مع تهيئة فرص الاستثمار المناسبة والملائمة للاستثمار في الوطن العربي.
7. التجاوز العملي للتخلف والجمود الانتاجي والتصديري، ووضع السياسات المالية والنقدية المؤثرة في تطوير هياكل الانتاج لدفع النشاط الاقتصادي الخاص والعائلي في المسارات التي تحقق هذا التطوير.
8. التركيز على المضمون الاجتماعي والانساني التقدمي لسياسات واجراءات عملية التنمية، بما يعني اقامتها على اساس من العدالة الاجتماعية التي تضمن عدالة توزيع الدخول والثروات، مع ضمان مشاركة اوسع القطاعات الشعبية في العملية الاقتصادية في اطار من الديمقراطية والشفافية ومكافحة الفساد.
9. اعلاء شأن العمل والوقوف الى جانب قوى العمل التي تتعرض للظلم ولشروط العمل القاسية وحماية مكتسبات العمل، واعادة الحيوية والديناميكية لنقابات العمال والاتحادات العربية، باعتبار ان ذلك يزيد من فعالية المقاومة الاجتماعية لتصرفات وسلوك الليبرالية الاقتصادية الجديدة المتوحشة.
التجدد الحضاري
توقف المؤتمر مطولا امام قضايا التجدد الحضاري باعتبارها احد عناصر المشروع النهضوي العربي، والقاعدة الاصيلة التي ينبغي لعملنا ان يسعى لارسائها من اجل حماية الجهد العربي من مخاطر الانزلاق والتشتت في دروب فرعية قد تؤدي بمستقبل امتنا.
وينبغي التنويه بداية الى ان ثمة تباينات واضحة في وجهات النظر تجاه قضايا واشكاليات التجدد الحضاري وهي تباينات صحية على طريق التفاعل البناء والمنتج، وذلك امر طبيعي يتفق مع خصائص هذه القضايا وما تستدعيه من ابداعات ورؤى جديدة، هي بالقطع قيد التشكيل ورهن مخاض عسير، وما اثراء الحوار حولها، اتفاقا واختلافا، سوى السبيل الاكثر نجاعة لبلورة قناعات مشتركة ورؤى اكثر التصاقا بالواقع واجدر استجابة للتحديات التي تواجه امتنا العربية.
وقد دارت نقاشات بالغة الاهمية والحيوية ايضا حول جملة من القضايا ، لعل اهمها:
1. ان مشروع الامة للتجدد الحضاري ينبغي ان يسلك سبيلا يزاوج فيه بين تجارب الماضي ودروسه وبين الافادة من الانجازات الحضارية لتجارب الاخرين ولا سيما اولئك الذين سبقونا على مدارج الحضارة.
2. ان الديمقراطية هي السبيل امام سعينا الى التجدد الحضاري والى التفاعل مع الحضارات الانسانية، اذ لم يعد مقبولا ان تبقى امتنا محكومة بغير السبل الديموقراطية ذلك ان الاستبداد وغياب التداول السلمي للسلطة يقفان حائلا دون التفاعل الصحي مع التحديات الحضارية ويزيدان من هشاشة وتشوه الموقف العربي من النهوض الحضاري.
3. ان التقدم العلمي والتقني من بديهيات أي مسعى لمغالبة التخلف الحضاري، وهو بالقطع احد مكونات الاجابة عن السؤال الذي تطرحه الأمة على نفسها منذ القرن الماضي ، عن سبب تخلفنا وتقدم الامم الاخرى.
4. ان المشروع القومي للتجدد الحضاري ليس بحال من الاحوال استنساخا لتجارب وقيم الغرب التي يحاول ان يفرضها على البشرية باسم العولمة ، مثلما انه ليس تكرارا مستحدثا لتراثنا العربي والاسلامي ولكنه بالاساس عمل ابداعي يستلهم ما في هذين الحدين الحضاريين من قيم ايجابية وانجازات انسانية.
5. انه آن الاوان للتوقف عن القاء تبعة تخلفنا على الآخر وتحميله مسؤولية عجزنا والاعتراف باننا ينبغي ان نحمل وبشجاعة المسؤوليات الحضارية الملقاة على عاتقنا، وبخاصة ازاء تعميق المستوى الانساني لحركة النهوض الحضاري والبحث عن مضامين جديدة تفرضها معطيات العالم المعاصر، وتستدعيها ايضا اشكاليات انتاج واستهلاك المعرفة.
6. ان العولمة التي يسعى الغرب ، بدوله الكبرى وشركاته الكونية لاعادة تنميط العالم وفق معاييرها الحضارية ومفاهيمها السياسية ومراميها الاقتصادية هي بالقطع اكثر التحديات التي يواجهها مشروع تجددنا الحضاري خطورة وأبعدها اثرا.
7. ان القيم العقيدية التي تسعى العولمة لفرضها على العالم بأسره هي بطبيعتها قيم تعسفية تتجاهل الميراث الحضاري والهويات القومية للشعوب مثلما تنكر تجاربها الانسانية وحقوقها في المغايرة الحضارية والثقافية على حد سواء. وهي قبل ذلك وبعده تكرس نمطا حضاريا أحاديا بما يشمله من نظم سياسية وبنى تشريعية وقانونية واجراءات اقتصادية وتدابير اجتماعية. ولن يكون للانبطاح امامها من نتيجة سوى تكرس التخلف وتهميش القوى الاجتماعية العريضة واضفاء طابع مؤسسي داخلي على آليات التبعية.
8. ولا يعني ذلك ان نرفض التعاطي مع الجوانب الانسانية التي تتضمنها العولمة بالمصادفة، فأمتنا بحاجة للاستمساك بقيم الديمقراطية والحريات وضمانات التداول السلمي للسلطة بقدر ما هي في امس الاحتياج للافادة من معطيات التقدم العلمي ولا سيما في مجالات ثورة المعلومات والاتصال والتقنية الفائقة.
9. ضرورة تفعيل الحوار حول فحوى الهوية الحضارية لتجربتنا العربية والاسلامية ومفرداتها الجديرة بالترسيخ والقابلة للاحياء الابداعي بعيدا عن السلفية الجامدة.
10. وفي ظل القناعة بان العروبة لبست دعوة عرقية عنصرية او حركة دينية، فقد اولى المشاركون اهتماما خاصا لقضايا الجماعات الاثنية في الوطن العربي ودار النقاش حول محددين رئيسيين يتناول اولهما ضرورة احترام الخصوصيات الثقافية وحماية التنوع الثقافي الذي تجسده هذه الجماعات التي تشكل جزءا اصيلا من المواطنة العربية، اما المحدد الثاني فهو توخي الحذر من الانسياق وراء الدعايات والخطط التي عمل الاستعمار الاوربي على تكريسها عربيا ولا سيما على صعيد استثماره لأنظمة الملل والطوائف والامتيازات الاجنبية التي كانت سائدة في القرنين الماضيين.
11. ان محاولات الولايات المتحدة الامريكية لفرض منطق صراع الحضارات على مجمل العلاقات الدولية يستدعي ان يجعل المؤتمر القومي العربي من اشكاليات التجدد الحضاري موضوعا دائما للحوار يوليه من الاهتمام ما يستحقه عن جدارة بوصفه العنوان الرئيسي والاطار الجامع لفلسفة عملنا العربي. خصوصا ان حضارتنا العربية الاسلامية هي وليدة تفاعل وتراكم حضارات عريقة على امتداد التاريخ، كما شكلت جسر انتقال بين الحضارات القديمة والحضارات الحديثة.
العرب وامريكا
بحث المؤتمر باستفاضة قضية خاصة بعنوان"العرب وامريكا" في ضوء دراستين هامتين اعدهما عضوان من المؤتمر القومي العربي تناولت مسألة السياسة الاميركية تجاه الوطن العربي ومحدداتها ومكوناتها وادوات التعبير عنها.
ودار البحث والنقاش بعمق حول الخلفية التاريخية والايديولوجية لهذه السياسة وطبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة وكيانها القاعدة – الحليف اسرائيل وحيثياتها.
كانت واحدة من نتائج هذا البحث هو تعمق التأكيد بان حل معضلات الوطن العربي وبالاخص منها المتعلقة بالعلاقة مع الولايات المتحدة لن يتأتى الا من داخل هذا الوطن وذلك بتوفر ارادة سياسية فاعلة تترجم اماني وتطلعات شعوب الامة العربية.
استعرض المؤتمر حيوية مسألة انشاء مركز عربي للدراسات الامريكية على الارض الاميريكية وضرورته القصوى خصوصا مع وجود الكثير من الضبابية حول الولايات المتحدة ومسرحها السياسي والمجتمعي. توصل المؤتمر الى توصية برعاية انشاء هذا المركز وعلى الارض الاميركية وتوفير كل الجهود اللازمة لايصال هذا المشروع الى النتيجة المرجوة وبالسرعة اللازمة.
خاتمة
وفي الختام، وإذ اكد المؤتمر على اهمية استمراره في العمل كمظلة قومية جامعة لشخصيات تنتمي الى تيارات ومنابت فكرية وسياسية وحزبية متنوعة، تحرص على استقلالية مواقفه، وايجابية ادائها، وشفافية عملها، توجه بوافر الشكر والتقدير الى البحرين، ملكا وحكومة وشعبا ومجتمعا مدنيا، على كرم الضيافة وحسن الوفادة وتوفير افضل الاجواء لسير العمل وحرية المناقشات.
المشاركون
|