www.arabnc.org
   
الصفحة الرئيسة
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
المشاركون في الدورة ا
المشاركون في الدورة ا
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول المشاركين 30
جدول المشاركين 31
جدول المشاركين 32
جدول المشاركين 33
الأول 1990
الثاني 1991
الثالث 1992
الرابع 1993
الخامس 1994
السادس 1996
السابع 1997
الثامن 1998
التاسع 1999
العاشر 2000
الحادي عشر 2001
الثاني عشر 2002
الدورة الطارئة 2002
الرابع عشر 2003
الخامس عشر 2004
السادس عشر 2005
السابع عشر 2006
الثامن عشر 2007
التاسع عشر 2008
العشرون 2009
الواحد والعشرون 2010
الثاني والعشرون 2011
الثالث والعشرين 2012
الرابع والعشرون 2013
الخامس والعشرون 2014
السادس والعشرون 2015
السابع والعشرون 2016
الثامن والعشرون 2017
التاسع والعشرون 2018
الثلاثون 2019
الواحد والثلاثون 2022
الثاني والثلاثون 2023
الثالث والثلاثون 2024
القائمة البريدية
بحث
تصغير الخط تكبير الخط 
القضية الخاصة 24 ((القضية الخاصة 24))

المؤتمر القومي العربي
ARAB NATIONAL CONFERENCE


القضية الخاصة

الحراك الثوري العربي بين ضرورات الديمقراطية ومخاطر التدخل الخارجي**

د. محمد السعيد إدريس*
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية، رئيس وحدة الدراسات الثورة المصرية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجي، عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي.
** لا تعبر هذه الورقة بالضرورة عن رأي الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي.
*** لا يجوز نشر هذه الورقة كلاً أو جزءاً إلا بموافقة تحريرية من إدارة المؤتمر.

 


القضية الخاصة

الحراك الثوري العربي بين ضرورات الديمقراطية ومخاطر التدخل الخارجي

د. محمد السعيد إدريس

الأمر المؤكد أن موجة الثورات التى اجتاحت العديد من الدول العربية، والتى مازالت تفاعلاتها وأصداؤها ممتدة في كافة أنحاء الوطن العربى، لم تنشأ من فراغ فهى وليدة ظروف مجتمعاتها داخلياً على كافة المستويات: ظروف القهر والاستبداد والفساد وظروف الفشل والعجز عن مواجهة التحديات والقيام بالوظائف الأساسية التى تقوم بها عادة نظم الحكم وفى مقدمتها إشباع الحاجات الأساسية للمواطنين: الإشباع الاقتصادى والإشباع السياسى معاً وحماية الحدود وتحقيق الأمن الداخلى المقترن باحترام حقوق الإنسان: الحقوق السياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحقوق القانونية.
وإلى جانب هذه الحقيقة المؤكدة فإن هذه الموجة من الثورات لم تحدث بمعزل عن مخططات مدروسة لها علاقة مباشرة بمصالح أطراف دولية (أمريكية على وجه الخصوص) وإقليمية أيضاً. فمفهوم "الدولة العربية الفاشلة" الذى ظهر فى الأدبيات السياسية الأمريكية فى أعقاب تفجيرات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، واقترن بالحرب الأمريكية على العراق واحتلاله كان يتضمن، ضمن أحد أبعاده، الدعوة إلى التغيير الديمقراطى جنباً إلى جنب مع الأبعاد الأخرى الأكثر أهمية الخاصة بإعادة ترسيم الخرائط السياسية فى المنطقة على أسس عرقية وطائفية ومذهبية (إعادة تقسيم ما سبق تقسيمه أثناء وفى أعقاب الحرب العالمية الأولى من أرض العرب) تحت شعار إقامة دول أو دويلات "أكثر تجانساً وانسجاماً" كبديل لنموذج الدولة الفاشلة التى "فرَّخت" من المنظور الأمريكى، تلك المجموعة من "الإرهابيين" الذين قاموا بتفجيرات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 بالولايات المتحدة.
في ذلك الوقت شغلت النخب العربية نفسها بسؤال التغيير أو الإصلاح الديمقراطى: هل حتماً يجب أن يأتي من الخارج أم هو بالأصل عمل داخلى بحت يجب أن يعتمد على مرتكزات داخلية فى كل دولة؟ وأيهما يجب أن يسبق الآخر: الإصلاح السياسى أم الإصلاح الاقتصادى. هذان السؤالان كانا معاً الشغل الشاغل لمؤتمر الإصلاح العربى الذى نظمته مكتبة الإسكندرية (12- 14 مارس/ آذار 2004) بحضور مكثف من مثقفين ومفكرين من أكثر من قطر عربى. كان هذا الانشغال بهذين السؤالين في ذلك الوقت دليلاً على إدراك عربى بوجود دور للعوامل الخارجية فى إحداث التحول أو الإصلاح الديمقراطى، لكنه كان أيضاً دليلاً على مدى الارتباك الذى هيمن على أفكار ومعتقدات بل ومواقف تلك النخب العربية من قضية التغيير الجذرية الشاملة المطلوبة فى معظم الدول العربية.
كل ما شغل تلك النخب، قبل تفجر موجة الثورات العربية، هو ذلك الهامش المحدود والضيق من الاجتهاد الذى سمحت به النظم الحاكمة الذى لا يتعدى الحديث عن تحول أو إصلاح سياسى أو اقتصادى لا يمس بحال من الأحوال هيمنة وسيطرة تلك النظم على السلطة والثروة، والآخذ فى اعتباره دور العوامل الخارجية فى تحقيق ذلك التحول أو الإصلاح على العكس تماماً من أداء الحركات الشعبية العربية التى فرضت نفسها فى ذلك الوقت أيضاً وفى مقدمتها الحركة المصرية من أجل التغيير: (كفاية) وأخواتها من الحركات والمنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدنى فى مصر ومثيلاتها فى دول عربية أخرى كانت تتحدث عن التغيير الجذرى الذى يجب أن يبدأ من رأس النظام والذى بدونه لن يتحقق الحد الأدنى من التغيير.
لم يكن هذا الانسجام بين رؤى النخب العربية القريبة من نظم الحكم والإطروحات الأمريكية الخاصة بدور العوامل الخارجية، والأمريكية على وجه الخصوص، فى إحداث التحول الديمقراطى، بعيداً عن نوع آخر من التجانس بين استقطاب طبقى اجتماعى - سياسى عالمى جديد فرض نفسه على النظام العالمى مع ظهور الولايات المتحدة قوة إمبراطورية مسيطرة عقب سقوط نظام القطبية الثنائية وبين استقطاب طبقى اجتماعى – سياسى جديد داخل الدول بين طبقات تحكم وتسيطر وتهيمن وتحتكر السلطة والثروة وطبقات أخرى فقيرة محرومة معزولة ومهمشة ومسيطر عليها.
الأهم من ذلك هو ذلك التلاقى، الذى وصل إلى درجة التحالف بين قوى الهيمنة الرأسمالية الخارجية التى يقودها النظام الإمبراطورى الأمريكى وحلفاؤه وعلى رأسهم الحليف الصهيونى وبين القوى المسيطرة على السلطة والثروة داخل الدول العربية التى تمارس الاستبداد والفساد ضد شعوبها: تحالف قوى الهيمنة فى الخارج ومن بينها العدو الصهيونى ضد المصالح الوطنية والقوى والطبقات الشعبية فى الداخل، تحالف تولت قيادته الدولة التسلطية عامة وعلى الأخص الدولة التسلطية المشخصنة.
الدولة التسلطية هى الشكل الحديث والمعاصر للدولة المستبدة التى تسعى إلى تحقيق الاحتكار الفعَّال لمصادر القوة والسلطة فى المجتمع لمصلحة الدولة أو النخبة الحاكمة. والدولة التسلطية، خلافاً لكل أنواع الدول المستبدة، تحقق هذا الاحتكار عن طريق اختزال المجتمع المدنى، وتحيل مؤسساته إلى مؤسسات تضامنية تعمل كامتداد لأجهزة الدولة أو باسمها، كما أنها خلافاً لكل أشكال الدول المستبدة الأخرى تخترق النظام الاقتصادى، فهى إما أن تلحقه بالدولة عن طريق التأميم أو المصادرة أو عن طريق خصخصة أو إعادة بيع المؤسسات الإنتاجية والاستحواذ على رصيد بيع تلك المؤسسات بحيث يصبح احتكار السلطة احتكاراً للثروة، وفي النهاية يقود احتكار الثروة للمزيد من احتكار السلطة والطغيان المفرط في الداخل مقروناً بالانسحاق أمام السيد الأمريكي الممسك بزمام الأمور بما حققه من اختراق غير مسبوق فى مؤسسات تلك الدولة ابتداءً من الرأس وامتداداً للأطراف.
لقد فرضت الدولة التسلطية نفسها على كثير من الدول العربية لكن بعض هذه الدولة تجاوزت كل حدود ومواصفات الدولة التسلطية ومزجتها بكل معالم ومكونات ما يُعرف بـ "الدولة المشخصنة" وهى دولة الحكم المطلق الذى يتجاوز في خطورته كل مخاطر ومساوئ الحكم المستبد أو دولة الاستبداد، فالدولة المستبدة والتسلطية المفرطة في اعتمادها على أجهزة الأمن والقهر المادى والمعنوى والمحتكرة للسلطة والثروة تعبر فى معظم الأحوال عن حكم جماعة مهما كانت هذه الجماعة ضيقة: قبيلة أو حزب سياسى أو طبقة سياسية، وفى كل من هذه الأنماط للدولة المستبدة يشعر الحاكم بأنه ينتمى إلى تكوين اجتماعى محدد ذى وجود مستقل عن الدولة أما الدولة المتشخصنة فإن القائم عليها لا تربطه عائلة أو قبيلة ولا نقابة أو حزب سياسى أو حتى جماعة دينية أو طبقة اجتماعية، فهو يسيطر بذاته على مقاليد السلطة، ويشخصن أدوات ووسائل الحكم فضلاً عن الحلقة الضيقة من الأشخاص المحيطين به الذين يتعمد الإبقاء عليهم فى مناصبهم لأطول فترة ممكنة بحيث تحل العلاقات الشخصية محل العلاقات الموضوعية الوظيفية. والدولة هنا، في آليات حركتها وتفاعلها، تكون منغلقة من دون أية آلية لعلاقة بينها وبين أى تكوين سياسى أو اجتماعى موجود داخل الدولة (قبيلة، جماعة دينية، حزب سياسى)، فالنظام المتشخصن نظام منغلق لا ينفتح خارج ذاته ولا يقدم آلية ما لإجراء أى تعديل أو تجديد أو تغيير، ناهيك عن الاعتماد المغرض على آليات القمع المتبعة فى الدولة التسلطية.
لم تكن محصلة هيمنة الدولة التسلطية والدولة التسلطية المتشخصنة هى الجمود السياسى المقترن بالفشل والعجز الكامل عن الأداء واستلاب المواطنين من ذواتهم والقضاء حتى على الحق الشعبى فى الحلم والخيال بمجتمع ومستقبل أفضل وتبديد كل فرصة للإصلاح والتغيير ولكن هذه المحصلة امتدت إلى تحول الدولة نحو نموذج "الدولة الخادمة" لقوى الهيمنة الدولية والإقليمية والقبول بالقيام بدور "الوكيل" خدمة لمصالح ومشروعات تلك القوى.
هذه الورقة ترتكز على تحليل أى علاقة ارتباط بين الديمقراطية وبين الدور الخارجى، كما تدرس ماهية الديمقراطية التى تعد ركيزة لمشروع النهوض العربى، وأخيراً المخاطر التى تواجه الثورات العربية ومشروعها الديمقراطى فى ظل ما يحاك من مخططات تستهدف احتواء تلك الثورات.

أولاً: التغيير الديمقراطى وأكذوبة الدور الخارجى (الأمريكى)
على الرغم من كل هذه الممارسات فإن الولايات المتحدة الأمريكية التى رفعت ضرورة الخلاص من "الدولة الفاشلة" عقب أحداث تفجيرات 11 سبتمبر 2001 لم تأبه، ولو للحظة، لكل ممارسات الاستبداد والطغيان والفساد لنظم حكم عربية وغير عربية صديقة لها طالما أنها تقوم بواجباتها ووظائفها الموكلة إليها فى خدمة المصالح الأمريكية، وفى مقدمتها بقاء وأمن الكيان الصهيونى. فمعيار كفاءة "الوكيل" هنا لا تقاس بكونه ديمقراطياً أو مستبداً ولأى درجة ولكن بمدى قدرته على خدمة المصالح الأمريكية، وعندما تبدأ مؤشرات العجز عن القيام بدور "الوكيل الكفء" عندها فقط يمكن الالتفات للبحث عن "وكيل أكفأ" يقوم بالمهمة دون أى حساب لمدى احترام أو عدم احترام النظام أو الوكيل الجديد للديمقراطية وللحريات التى تتظاهر بحمايتها والدفاع عنها، ولم لا والدولة الأمريكية ذاتها ليست دولة ديمقراطية بالمعنى الحقيقى للديمقراطية، ولا تصلح أن تكون نموذجاً يحتذى به فى الممارسة الديمقراطية بمجتمعات أخرى.
فالديمقراطية الأمريكية لم تكن قبل 11 سبتمبر 2001 مثالية، بل كان بها قدر لا يستهان به من التزييف ليس فقط ضد الأقليات والجماعات العرقية والأقليات الوافدة داخل الولايات المتحدة بل أيضاً كانت ديمقراطية الذين يملكون ويسيطرون سياسياً وإعلامياً، فقد كان النموذج الديمقراطى الأمريكى، ومازال، يعتبر "ديمقراطية الأثرياء"، فحسب وصف الكاتب والروائى البريطانى جورج اورويل يمكن القول أن الناس فى البلدان الرأسمالية الغربية أحرار ولكن هناك أناساً أحراراً أكثر من غيرهم حيث الحرية فى هذه البلدان هى بمقدار القوة المالية والثراء. فالقدرة المالية أو القدرة على اجتذاب التبرعات المالية للحملات الانتخابية فى الولايات المتحدة هى شرط ضرورى للنجاح فى معظم هذه العمليات الانتخابية، وخاصة انتخابات الرئاسة ومجلسى الشيوخ والنواب وحكام الولايات. وهكذا فإن الأغنى أو المدعوم من الأغنى هو الأقدر على اختراق حواجز السلطة السياسية، وليس صدفة أن النظام السياسى الأمريكى قائم عملياً على أساس الحزبين الرئيسيين الجمهورى والديمقراطى، بينما يجرى تهميش العشرات، وربما المئات من الأحزاب والقوى والتجمعات الشعبية التى لا تتوفر لديها الإمكانيات لمنافسة متكافئة مع مرشحى الحزبين الكبيرين المدعومين من قطاعات واسعة ونافذة من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة والشركات العملاقة القادرة على التحكم فى القيادات السياسية وبرامجها عن طريق التمويل أو حجب التمويل وعن طريق مؤسسات الدعاية المملوكة لأصحاب رأس المال الكبير، الأمر الذى يجعل القيادات السياسية، على الأغلب، واجهة لهذه الكتل المالية والشركات العملاقة.
هذا النموذج الديمقراطى الأمريكى يزداد تشويهاً من خلال الدور المعرقل للتحول الديمقراطى فى كثير من الدول العربية الذى تقوم به الإدارة الأمريكية والمؤسسات المالية الدولية الموالية لها.
ففى بحث له عن "الإسلام السياسى والسياسة الخارجية الأمريكية" ضمن كتاب "مستقبل الإسلام السياسى: وجهات نظر أمريكية، 2001" يروى جون اسبوزيتو أستاذ الأديان والعلاقات الدولية فى جامعة جورج تاون والذى عمل مستشاراً لوزير الخارجية الأمريكى الأسبق جيمس بيكر، أن الوزير بيكر كان فى طريقه إلى الشرق الأوسط فى إحدى الجولات التى زار فيها عدداً من الدول العربية، ووضع بيكر خمس نقاط رئيسية للحوار حولها مع قادة هذه الدول، إلا أنه قبل أن تهبط به الطائرة فى المنطقة قام بحذف النقطة الخامسة، ومع الأسف، وكما يروى اسبوزيتو، كانت هذه النقطة هى الديمقراطية.
ويفسر اسبوزيتو هذا التراجع الأمريكى عن طرح قضية الديمقراطية على قادة الدول العربية ومن ثم عزوف الولايات المتحدة عن دعم وتشجيع التحول الديمقراطى فى تلك الدول بأن جميع حلفاء الولايات المتحدة فى المنطقة من الدول غير الديمقراطية، وأنه من الأفضل لها ألا تفتح قضية الديمقراطية وأن تبتعد تماماً عن إثارتها حفاظاً على مصالحها الحيوية فى المنطقة.
وحتى بعد أن رفعت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش دعوة الإصلاح السياسى والديمقراطى وأظهرت قدراً من العداء إلى ما أسمته بـ "الدولة الفاشلة" فى الشرق الأوسط التى أدى فشلها فى حل القضايا الداخلية إلى تفريخ الجماعات الإرهابية، حسب زعمها، فإنها لم تظهر أى قدر من الجدية فى الدفاع عن الدعوة الديمقراطية بل تراجعت عن دعوة فرض الديمقراطية قسرياً من الخارج فيما يشبه مقايضة الديمقراطية بتنازلات عربية فى ملفى العراق وفلسطين وقد ظهر ذلك جلياً فى إعادة تأكيد كولن باول وزير الخارجية الأمريكى الأسبق فى مؤتمر عن الديمقراطية فى المغرب أن التحول الديمقراطى يجب أن يتم من الداخل وليس من الخارج بما يمثل تراجعاً عن الحماس الأمريكى السابق.
وقد فسرت نورا بن سهيل فى الدراسة التى أعدتها "مؤسسة راند" الأمريكية بعنوان  The Future Security Environment In The Middle East أن المـوقـف الأمريكى من دعم التحول الديمقراطى فى الدول العربية يحكمه عامل المصلحة الأمريكية فى الأجلين القصير والطويل. ففى الأجل الطويل يعتبر التحول الديمقراطى مصلحة أمريكية لأنه يحقق الاستقرار ويحد من الصراعات نظراً لأن الدول الديمقراطية أقل ميلاً للتورط فى صراعات مع دول مجاورة وأكثر استعداداً للسلام، بينما تكون الدول غير الديمقراطية أكثر استعداداً لشن الحرب. أما فى الأجل القصير فإن التحول الديمقراطى يضر بالمصالح الأمريكية فهو يزيد من عدم الاستقرار الداخلى فى الدول العربية ومن ثم يهدد الاستقرار الإقليمى، ويزيد من حدة المشاعر العدائية للولايات المتحدة وقد يسمح بوصول جماعات مناوئة أو معادية للمصالح الأمريكية إلى الحكم، ويؤثر سلبياً على استعداد الحكومات للتعاون الأمنى مع الولايات المتحدة وقد ينعكس سلبياً على المصالح الأمريكية فى المنطقة ومن بينها مصالح إسرائيل فى السلام.
المعنى المباشر لهذا كله هو ضحد أكذوبة الانحياز الأمريكى للثورات العربية على قاعدة الانحياز الأمريكى للتغيير الديمقراطى، وكل ما يثار عن وثائق أمريكية تتحدث عن توجيه استراتيجى من الرئيس الأمريكى باراك أوباما لإدارته وأجهزته الاستخباراتية بـ "إعداد ما يلزم لأن منطقة الشرق الأوسط دخلت مرحلة حساسة وحرجة، وأنه يجب علينا إعطاء دفعة قوية من الديمقراطية لضمان المصالح وتوفير الصدقية لسياساتنا على المدى البعيد"، يؤكد هذه الحقيقة. فالتوجيه بنصه يؤكد أولاً أن حركة التغيير الجاد فى العديد من الأقطار العربية قبيل تفجر الحراك الثورى العربى كانت قد أخذت تدخل مراحل حاسمة، وأن التحرك الأمريكى المرغوب فيه بالتوجيه الاستراتيجى المشار إليه هو لمواكبة هذه الحركة الجادة نحو التغيير فى الدول العربية، ويؤكد ثانياً أن دوافع التحرك الأمريكى هى أولاً حماية المصالح الأمريكية من خلال مواكبة حركة التغيير بدلاً من التصدى لها أو إعاقتها فى ظل قناعة بحتمية نجاحها ما يجعل سياسة الإعاقة والتصدى سياسة خاطئة من منظور حماية المصالح الأمريكية، وهى ثانياً الحرص على صدقية مزاعم واشنطن بدعم الديمقراطية ومطالب التغيير.
لكن المعنى الأهم هو أن الولايات المتحدة لن تكون أبداً داعمة لديمقراطية أو لدعوة تغيير أو لثورة عربية يمكن أن تؤثر سلبياً على المصالح الأمريكية فى الوطن العربى وفى مقدمتها بقاء وأمن الكيان الصهيونى، بل أنها سوف تتحول مباشرة لانتهاج سياسات عدوانية ضد الثورات وضد الديمقراطية عندما تصطدم هذه الديمقراطية مع أى من تلك المصالح الأمريكية. هنا بالتحديد تتكشف مدى خطورة التدخل الخارجى فى إعاقة مسار التحولات الثورية العربية نحو التغيير الديمقراطى وتحقيق الأهداف التى قامت من أجلها الثورات العربية: العيش والعدالة والحرية والكرامة الإنسانية والسيادة الوطنية.

ثانياً: الثورات العربية: نحو نموذج عربى للديمقراطية
إذا كانت الثورات العربية قد استهدفت إسقاط الدولة التسلطية والدولة التسلطية المتشخصنة عندما رفعت شعارها الخالد "الشعب يريد إسقاط النظام" فإنها كثورات حقيقية لا يمكن أن تفرط في ثوابت الوطنية الحقة وفى مقدمتها: وحدة الأرض والشعب والحفاظ على الإرادة والاستقلال الوطنى، كما أنها مطالبة ببلورة مشروع وطنى لبناء دولة تعتمد على الديمقراطية والحرية والعدالة ومجتمع العزة والكرامة.
هذه الحزمة من الثوابت هى المعيار الحقيقى للحكم على ثورية أو عدم ثورية أى حركة تغيير سعت أو شاركت فى دعوة "إسقاط النظام".
وإذا كان المشروع النهضوى العربى قد تحدث عن أن حاجة الوطن العربى إلى الديمقراطية حاجة حيوية لا غنى عنها حتى تستقيم أوضاعه فإنه قد تحدث عنها أولاً كضرورة ابتداءً لكونها حقاً عاماً للشعب وللأمة، وتحدث عنها ثانياً باعتبارها الوسيلة الأمثل لإطلاق طاقات الوطن والشعب وتحريرها من السلبية والتواكل، وتحدث عنها ثالثاً باعتبارها القاعدة التى تبنى عليها العلاقة بين الدولة والمجتمع فى المجتمعات الحديثة.
فعندما تنتظم العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين السلطة والشعب، على مقتضى ديمقراطى سوف يكون تحصين جبهة الوطن الداخلية فى وجه أى خطر خارجى أو داخلى ممكناً وغير مستحيل، والديمقراطية فى المشروع النهضوى العربى نظام شامل للحكم لا تقبل تجزئة عناصرها أو انتقاء بعضها من دون آخر، ولا يوصف نظام سياسى ما بأنه ديمقراطى إلا متى اجتمعت فيه المبادئ والقواعد كافة التى تقوم عليها الديمقراطية كنظام سياسى وبالتحديد المبادئ السبعة الكبرى التى تؤسس النظام الديمقراطى وتمنحه ماهيته وهى: أولاً: الحرية بمعناها الكامل السياسى والاجتماعى والثقافى والاقتصادى وفى مقدمتها حريات الرأى والفكر والتعبير وتداول المعلومات والتنظيم. وثانياً: التعددية السياسية، وثالثاً: النظام التمثيلى المشمول بالضمانات القانونية والدستورية التى تكفل حق حرية الاقتراع وحق الرقابة. ورابعاً: الفصل بين السلطات. وخامساً: التداول الديمقراطى للسلطة. وسادساً: الدستور الديمقراطى باعتباره عقداً اجتماعياً – سياسياً بين الشعب لتحديد ماهية النظام السياسى الذى يريد. وسابعاً: النظام الاجتماعى – الاقتصادى العادل وهذا يقودنا إلى ضرورة توفير حزمة لابد منها من الضوابط والضمانات الكفيلة بتأمين مسار التغيير الديمقراطى.

من بين تلك المهام والضمانات نذكر ما يلى :

(1) التزامن بين الحرية السياسية والعدالة الاقتصادية :
فالديمقراطية لا يمكن أن تبقى مجرد منظومة من الضمانات المؤسسية فقط، كما أنها مجرد حريات سلبية، بل هى السياسة الرشيدة الفاعلة عندها يصبح النظام السياسى الديمقراطى هو نمط الحياة السياسية الذى لا يكتفى بإعطاء أكبر قدر من الحريات لأكبر عدد من المواطنين بل الذى يعمل جاهداً على حماية هذه الحرية. فالتفاوت الاقتصادى، خاصة إذا كان حاداً، لا يهدد التماسك الاجتماعى فحسب، بل ويؤثر سلباً على مبدأ المساواة السياسية الذى تعبر عنه الديمقراطية. ومن ثم فليس هناك تمييز بين المساواة السياسية ونظيرتها الاقتصادية، الأمر الذى جعل كثيرين يعتقدون أن الديمقراطية لا تبدأ أو تنتهى بالانتخابات. فإزاحة أو إزالة أدوات السيطرة والتحكم التى تمتلكها بعض الجماعات، دون وجه حق، وتفتقر إليها الجماعات الأخرى، هى المكمل الأساسى لسلامة الديمقراطية.
لقد تشكك مفكر ليبرالى كبير مثل روبرت دال فى إمكانية تحقيق مساواة اقتصادية فى ظل رأسمالية السوق رغم أن كثيرين يعتبرونها شرطاً أساسياً للديمقراطية. فهو يرى أن الرأسمالية لا تحقق المساواة الاقتصادية، ومن ثم فلا يمكنها أن تنجز المساواة السياسية، ولأن المواطنين غير المتكافئين اقتصادياً من غير المحتمل أن يكونوا متكافئين سياسياً فهناك علاقة توتر دائم بين الديمقراطية ونظام السوق الرأسمالية، ومن ثم يدعو دال إلى إصلاح النظام الديمقراطى الحالى فى الغرب بما يضمن له المزيد من ممارسة الأداء السياسى الأمثل فى إدارة المجتمع.
إذا كانت هذه الدعوة ضرورية فى الغرب فإنها حتمية فى المجتمعات العربية التى تعانى من تجذر وشيوع الاستبداد السياسى، والتركيز على أولوية الليبرالية الاقتصادية دون الليبرالية السياسية يؤدى إلى مزيد من الاستبداد والفساد معاً. فقد أصبحت الليبرالية الاقتصادية (الانفتاح الاقتصادى والخصخصة) أدوات لتمكين "الرأسماليين الجدد) الذين خرجوا من رحم رأسمالية الدولة السابقة للسيطرة على الاقتصاد "بطريقة قانونية" بعد أن كانت تتحكم بطريقة غير قانونية.
هكذا شهدت الدول العربية قبل موجة الثورات العربية حركة الانفتاح الليبرالى الاقتصادى المتسارع وخصخصة مؤسسات القطاع العام، بدلاً من تشييد مؤسسات إنتاجية خاصة جديدة، بينما استبعد الشق السياسى للإصلاحات الذى من المفترض أن يرسى قواعد بناء دولة عصرية ديمقراطية تضمن تداول السلطة واحترام الحريات وتحقق العدالة الاجتماعية. الأمر يزداد سوءاً فى ظل إدخال اقتصاد السوق بهذه الوتيرة وانسحاب الدولة من الميدان الاقتصادى، استجابة لخضوع نظم الحكم العربية لمعايير وضغوط المؤسسات المالية الدولية التى تفرض عليها سياسات اقتصادية معينة رغم تكلفتها المالية الباهظة، هذا الخضوع مع تآكل شرعية النظام السياسى فى ظل تردى الأوضاع المعيشية والسياسية، يضعف من قدرة مثل ذلك النظام على المساومة مع تلك المؤسسات الدولية ويزيد من فرص الاختراق الخارجى للمؤسسات الاقتصادية والمالية أولاً ومن بعدها اختراق المؤسسات الإعلامية والسياسية فتصبح الأوضاع مثل ما هى عليه الآن فى كثير من الدول العربية فساد سياسى واقتصادى مقرون بحكم تسلطى من ناحية وأوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية (ديمقراطية) شديدة السوء على المستويات الشعبية من ناحية ثانية، وتبعية متزايدة للخراج وتنامى قدرات الخارج على الهيمنة والتأثير السلبى على الإرادة السياسية الوطنية من ناحية ثالثة.
(2) اقتران الديمقراطية بالعدالة القانونية والاجتماعية
غياب العدالة القانونية والعدالة الاجتماعية يؤدى إلى انحراف عملية التحول الديمقراطى خصوصاً إذا كان التركيز يتم حول أولوية الليبرالية الاقتصادية دون الليبرالية السياسية، مثل هذا الانحراف يؤدى إلى تفويض كل محاولات الإصلاح السياسى، ولذلك فإن التوسع فى العملية الديمقراطية والليبرالية يجب أن يقترن بتوسع فى مفهوم العدالة وفى ممارسة العدالة. فالعدالة يجب ألا تقتصر على فض المنازعات بواسطة الاحتكام إلى القانون دون تمييز بل يجب أن ترتكز على مبدأ التكافل الاجتماعى فيصبح من واجب النظام الحاكم تأمين قضايا الاحتكام المنصف للقانون وتأمين الحاجات الاجتماعية للمواطنين أى بتحقيق العدالة الاجتماعية، بالحد من التفاوت الاجتماعى من ناحية وزيادة فرص المشاركة العادلة فى الثروة الوطنية من ناحية ثانية، والحرص على تحقيق الفرص المتكافئة للمواطنين من ناحية ثالثة.

(3) اقتران الديمقراطية بالمساواة والمشاركة السياسية
غياب المساواة عن الديمقراطية يجهض عملية التغيير السياسى الديمقراطى، والمساواة المطلوبة هى المساواة العادلة، تماماً مثلما أن الحرية المطلوبة هى الحرية العادلة، وهنا يكتسب الإصلاح السياسى الكامل مفهومه الحقيقى. فالديمقراطية الحقيقية لا تعرف التمييز بين الأشخاص، وتقتضى المساواة أن تصبح القوانين عامة، وأن تطبق على الجميع على أساس الكفاءة الشخصية، لا على معايير المحاباة التقليدية، لذلك يتجه بعض الباحثين إلى اعتبار المساواة القيمة السياسية المناظرة للمدنية، وأن السعى من أجلها ومن أجل تحقيقها هو جوهر سياسات الإصلاح.
كما يستلزم التغيير السياسى الديمقراطى وجود درجة من المشاركة السياسية لكافة القوى والاتجاهات السياسية ووجود مؤسسات سياسية جديدة مثل الأحزاب السياسية والنقابات وجماعات الضغط لتنظيم تلك المشاركة.
فالمشاركة السياسية التى تعنى بوضوح تنظيم جهود المواطنين لاختيار قياداتهم والتأثير فى صنع وترشيد السياسة العامة تختلف عن عملية "التعبئة" التى تقوم بها النخب الحاكمة فى معظم دول العالم الثالث، ذلك لأن المشاركة السياسية مع أهميتها الشديدة تواجه بالعديد من العقبات التى تحول دون تحقيقها، فالقليل من هذه الدول هى التى تسمح بالمشاركة الفعلية (الهند مثلاً)، أما غالبيتها فيفرض الكثير من القيود على ممارستها إن لم يكن يحول نهائياً دون وجودها، فليست هناك – فى معظم الحالات – أحزاب أو نقابات أو جماعات للتعبير عن الرأى وإن وجدت فإنها تكون تحت سيطرة وهيمنة الحكومات.
وغياب المشاركة السياسية يفقد هذه الدول فرصة كبيرة لتوسيع وتأكيد الولاء القومى، واستيعاب المواطنين ضمن مؤسسات النظام السياسى وتحقيق الاستقرار، ويجعلها معرضة فى كثير من الأحيان لبروز ولاءات أخرى فرعية قبلية أو عرقية أو دينية بما يؤثر سلبياً على الوحدة الوطنية ويزيد من احتمالات عدم الاستقرار السياسى. وترجع أهمية تعميق المشاركة الجماهيرية الفعالة فى النشاط السياسى إلى أنها الوسيلة الأساسية لتحقيق المساواة كقيمة سياسية عليا فى المجتمع.

(4) ترشيد السلطة
بمعنى إحلال سلطة سياسية واحدة مدنية ووطنية محل العديد من السلطات التقليدية والدينية والعائلية والعرقية. وهذا يعنى أن الحكومة يجب أن ينظر إليها كنتاج بشرى. كما أن إيجاد مثل هذه السلطة يستلزم أولاً أن يكون الإنسان هو المصدر الأساسى للسلطة العليا، ويستلزم ثانياً أن تكون الطاعة للقانون الذى ينبغى أن تكون له الأولوية فى الإلزام على غيره من أية مصادر إلزامية أخرى.
ترشيد السلطة يعنى أيضاً تأكيد السيادة الوطنية للدولة فى مواجهة أى نفوذ خارجى أى إلغاء كل مظاهر وأسباب التبعية للخارج، وفى مواجهة أى قوى أو فئات داخلية لها علاقات أو ارتباطات بالخارج، وبالتحديد التى تعتبر بمثابة الأدوات الاجتماعية للتبعية. كما يعنى كذلك تحقيق التكامل القومى بكافة أبعاده وتركيز السلطة فى أيدى الهيئات والمؤسسات السياسية القومية دون غيرها من المؤسسات الفرعية التقليدية.

وهكذا فإن كل هذه العمليات من شأنها أن تدفع بالنظام السياسى إلى اكتساب الفعالية المطلوبة وتعنى زيادة قدرة النظام السياسى على التأثير بفعالية وكفاءة فى كافة أجزاء ونواحى المجتمع، كما تعنى التمايز بين الوظائف والبنى والهياكل والمؤسسات السياسية، فالنظام السياسى فى المجتمعات المتخلفة يتسم بضعف قدرته على التعامل مع كافة التغيرات فى المجتمع، كما يتسم على حد قول "ريجز" بانعدام التخصص فى وظائفه فهى، على حد تعبيره، "وظائف مندمجة أو منصهرة معاً"، على العكس من المجتمع العصرى الذى يعرف التمايز Differentiation  والتخصص Specialization على النحو الذى يؤدى إلى وجود بنى ومؤسسات متخصصة وذات كفاءة عالية فى أدائها.
وإذا كانت فعالية النظام السياسي يمكن تعريفها بأنها القدرة على استيعاب الأنماط المتنوعة والمتغيرة للمطالب والتنظيمات السياسية، فإن هذه الفعالية تتوقف على قدرة النظام السياسي على أداء وظائفه، وعلى مدى ودرجة تمايز وتخصص الوظائف والمؤسسات والأدوار وهذا يستلزم ثلاثة شروط هي:
(أ) أن تكون مجالات التخصص المختلفة القانونية والإدارية والعلمية والعسكرية منفصلة ومستقلة كل عن الأخرى وعن عالم النشاط السياسي، وأن تنشأ لها تنظيماتها الفرعية التي تتيح لها فرصة وإمكانية أداء وظائفها على النحو المطلوب.
(ب) أن يصبح التسلسل الإداري أكثر إحكاماً وتعقيداً وتنظيماً.
(جـ) أن يكون توزيع المناصب والسلطات على أساس الكفاءة والقدرة على الإنجاز فقط دون علاقات النسب أو القرابة أو غيرها من معايير العلاقات التقليدية.
بذلك تكون للنظام السياسي العربي الديمقراطي المنشود الفرصة والقدرة على اكتساب الفعالية المطلوبة لأداء وظائفه. وبهذه الضمانات والضوابط الخمسة يمكن الثقة في كفاءة تحقيق الإصلاح السياسي العربي اعتماداً على قاعدة التحول من الشمولية أو السلطوية إلى الديمقراطية. فالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية العربية في حالة أزمة حقيقية في الإنجاز وفى الشرعية وفى الاستقرار، ولن يمكن تحقيق إصلاح سياسي حقيقي إلا ضمن إطار أوسع من الضوابط محكومة بالهدف الاستراتيجي لهذه العملية وهو بناء "الحكم الصالح" في المجتمعات العربية باعتبار هذا "الحكم الصالح" شرطاً جوهرياً في إستراتيجية تأسيس المشروع النهضوي العربي المأمول.

ثالثاً: الثورات العربية بين خطر الإجهاض الداخلي والتدخل الخارجي
 تواجه الثورات العربية وخاصة بمشروعها الرامي إلى تحقيق نموذج متكامل للبناء الديمقراطي خطرين متلازمين يستوجبان التصدي لهما أولهما الخطر الكامن في الداخل من جانب قوى معادية أو مضادة للثورة سواء من جانب فلول وأزلام النظام البائد الذي أسقطته الثورات، وثانيهما القوى الخارجية: دولية وإقليمية الساعية إما إلى إسقاط النموذج الثوري العربي الجديد أو إلى إفشاله أو الانحراف به عن أهدافه وغاياته.
لقد أخطأ كثيرون توقع نجاح موجة الثورات العربية بضربة واحدة تسقط رأس النظام ، لأنهم لم يدركوا حقيقة ما يُعرف بـ "الفعل الثوري" وما يتداول من أدبيات حول "الموجات الثورية". فالفعل الثوري لا يسير في خط مستقيم لكنه يتقدم في شكل "موجات" بين الصعود والهبوط، بين التقدم والانحسار، بين النجاح والفشل، لأسباب كثيرة أبرزها أن إسقاط رأس النظام لا يعنى إسقاط النظام، لأن دولة النظام الممتدة والمتجذرة في أحشاء المجتمع ومؤسساته تملك قدرات هائلة على المقاومة بدوافع الحفاظ على المصالح والدفاع عن الذات، كما أن القوى الثورية التي تتجمع في لحظة الذروة من الفعل الثوري تعود حتماً إلى واقعها الحقيقي من التفكك وتناقض المصالح، في وقت تفتقر فيه إلى وحدة الأيديولوجيا، أو حتى غيابها، ووحدة التنظيم، أو حتى تناقضاته، كما أن الجسد الشعبي الهائل الذي أعطى للثورة معناها سرعان ما يعود لواقعه الطبيعى قبل التفجر الثورى ويبدأ فى طرح مطالبه الفئوية والحياتية، وكل تعثر أو عجز يولد سلسلة لا تنتهى من الأزمات، ناهيك عن تدخلات الأطراف الخارجية من عربية وإقليمية ودولية كل منها تحاول إما إسقاط الثورة وإفشالها، وإما الانحراف بها إلى حيث تريد هى.
الثورات العربية واجهت هذا كله فى ظل تفاقم الأزمات المتجذرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفى ظل غياب القيادة الثورية الموحدة وغيبة التنظيم القوى القادر على أن يحل مكان النظام القديم. فأغلب الثورات العربية التى تفجرت إثر بعضها البعض ابتداءً من الثورة التونسية كانت ثورات شعبية بلا قيادة ولا تنظيم ولا حتى رؤية موحدة، فالأحزاب السياسية القديمة كانت أغلبها قد فقدت شرعيتها بسقوط النظام وحزبه الحاكم، ولم يكن فى مقدور أى منها تقديم البديل، ومن هنا جاء ظهور التنظيمات الإسلامية لتملأ الفراغ السياسى طبيعياً لأنها كانت البديل الوحيد الذى يمتلك وحدة القيادة ووحدة التنظيم ووحدة الأيديولوجيا، ناهيك عن امتلاك خلفية نضالية ضد النظم البائدة.
فقد استطاعت تنظيمات وأحزاب التيار الإسلامى اقتناص الثورات والسيطرة عليها تحت شعار "شرعية الصناديق" وإقصاء كل القوى الثورية والسياسية الأخرى ضاربة عرض الحائط بكل وعود "الشراكة الوطنية الجامعة" التى وعدت بها، وبكل ما يمكن اعتباره شروطاً موضوعية لنجاح الثورات، وفى مقدمتها ضرورة التوافق الوطنى على مرحلة انتقالية فى إدارة الدولة يكون الحكم فيها وفقاً للشراكة الوطنية وبعد انقضاء هذه الفترة، التى قد تمتد إلى خمس سنوات تهيأ فيها الدولة الانخراط فى الحكم الديمقراطى وفق قاعدة التنافس الانتخابى، تبدأ المرحلة الجديدة من الحكم بالقواعد التى يكون قد تم التوافق عليها فى دستور وطنى ديمقراطى يعد بمثابة عقد سياسى – اجتماعى جديد بين كافة المكونات الشعبية للدولة.
ما حدث كان مختلفاً تماماً حيث أعطت الأحزاب الإسلامية التى فازت فى انتخابات غير متكافئة الأولوية لـ "التمكين" من السيطرة على الدولة ونحَّت جانباً شعار "المشاركة.. لا المغالبة" واستأثرت بالسلطة فى مفارقة شديدة الغرابة. فالذين قاموا بالثورة تم إقصاؤهم "ديمقراطياً" لأنهم لم يفوزوا بالانتخابات لضعف صلتهم بالشارع، ومن شاركوا فيها من قوى وطنية وسياسية أخرى لم يحصلوا إلا على الفتات من المقاعد النيابية. والنتيجة هى تفكك وحدة القوى الثورية المشاركة فى الثورة وانقسامها مجدداً بين حكم ومعارضة، انقسام فرض الاستقطاب والصراع السياسى كمحصلة لفشل الأحزاب الإسلامية فى إدارة شؤون الدولة بإمكانياتها البشرية محدودة الكفاءة، والانعكاسات السلبية للأزمات الأمنية على الاستقرار السياسى والأوضاع الاقتصادية والمعيشية ما أدى إلى الشعور بفشل الثورة وحاجة الثورة إلى ثورة، وعودة شعار "إسقاط النظام" ليفرض نفسه كأمر واقع لما آلت إليه أحوال الثورات العربية من تعثر وانتكاسات.
ففى مصر مثلاً، فاز الإخوان المسلمون ومعهم السلفيون بأغلبية مقاعد البرلمان (الشعب والشورى) كما فاز الرئيس محمد مرسى مرشح الإخوان برئاسة الجمهورية، ودخلت البلاد فى صراع وانقسام حاد بين من يحاولون استرداد الثورة ومن يحرصون على الاستئثار بالسلطة فتفاقمت الأزمات، وباتت الدولة على مقربة من الإفلاس وسط ضغوط خارجية مالية فاقمت من حدة الأزمات الداخلية الاقتصادية والأمنية.
وفى تونس فاز حزب النهضة "الإسلامى" فى الانتخابات وكان أكثر رشداً فى توزيع المناصب القيادية (رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس المجلس الانتقالى) على أحزاب لا تنتمى إلى خطه الأيديولوجى، أما فى ليبيا فبعد الانتخابات نجح التيار الليبرالى فى منافسة الإسلاميين، لكن آلت السلطة الفعلية للميليشيات المسلحة التى مازالت ترفض تسليم ما لديها من ترسانة عسكرية هائلة استولت عليها من مخازن سلاح جيش القذافى.
وفى سوريا مازال شبح الحرب الأهلية وتقسيم البلاد يفرض نفسه بين مراوحة الحل السياسى للحل العسكرى، فى وقت امتد فيه لهيب الثورة السورية إلى الجوار العربى خاصة فى لبنان الذى بات عاجزاً عن مواصلة ترف سياسة "النأى بالنفس" نتيجة للتدخل المباشر لـ "حزب الله" فى أتون القتال داخل سوريا بجانب قوات النظام، فى وقت حفَّزت فيه أخطاء حكومة المالكى فى العراق المعارضة  السنية للاقتداء بالنموذج السورى ما أدى إلى تجدد الصراع الداخلى وظهور ملامح موجة ثورية فى المناطق- العراقية المجاورة لسوريا، وكذلك أضحى الأردن أقرب ما يكون إلى الاكتواء بنيران ما يحدث فى سوريا.
وعلى الرغم من حالة الاستقرار المحدود فى اليمن إلا أن التشاؤم يسيطر على أجواء الجوار الوطنى بسبب تفاقم أزمات القضية الجنوبية التى أخذت تتحول باتجاه الصراع الانفصالى، والأزمة المتواصلة فى صعدة، إضافة إلى مطالب العدالة الانتقالية ونقمة الثوار ومنظماتهم على كل ما يحدث داخل اليمن وهم يرون الثورة تتسرب بعيداً عن أهدافها.
هذا الواقع العربى فرض نفسه على إقليم الخليج وإقليم المغرب العربى وكذلك على المناطق الجنوبية الشرقية من الوطن العربى، حيث سيطرت هواجس كيفية الخروج من مأزق الثورات وكيفية التكيف مع واقع جديد من مطالب الإصلاح السياسى والتغيير الديمقراطى والعدل الاجتماعى على اهتمامات النظم الحاكمة لكن شرط ألا تكون التكلفة باهظة.
واقع عربى مأزوم، لم تستطع الثورات أن تغيره بالشكل والمضمون الذى كان مأمولاً لكن ما زالت الفرص والآمال تعارك مشاعر الإحباط والفشل فى جدلية لم يحسم مآلها بعد. خصوصاً في ظل ما يدبر حالياً من مخططات أمريكية – إسرائيلية. لإعادة هيكلة النظام الإقليمى للشرق الأوسط بهدف مواجهة ما يمكن اعتباره تداعيات لموجة الثورات العربية.
فقد كشف تقرير أعده "مركز الأمن الأمريكى الجديد" عن وجود حاجة أمريكية لضرورة إعادة "التكيف الاستراتيجى" لمواجهة ما أسماه التقرير بـ "تهديدات قصيرة المدى" فى حاجة إلى انتباه سريع من صانعى القرار السياسى الأمريكى نابعة من إيران وسوريا واليمن وكذلك العلاقات المصرية- الإسرائيلية. وأوصى ذلك التقرير بإتباع سياسات جديدة تهدف إلى فرض السيطرة وتخفيف حدة التهديدات المحتملة على المدى الطويل فى المنطقة.
هذا التقرير حمل عنوان "التكيف الاستراتيجى فى سبيل استراتيجية جديدة فى الشرق الأوسط" ودعا إلى تبنى استراتيجية جديدة تجاه المنطقة إذا ما أرادت الولايات المتحدة أن تحمى مصالحها وتستمر فى التواجد وممارسة النفوذ. وتضمن رؤى محددة بخصوص كل من العلاقات الأمريكية- الإيرانية، والعلاقات الأمريكية- الإسرائيلية، والعلاقات المصرية – الإسرائيلية واستبعاد الحل العسكرى للأزمة السورية، والوعى بحقيقة تنوع التحديات النابعة من دول الثورات العربية مشيراً إلى أن الحكومات العربية التى تقع فى منتصف المسافة بين النظم التسلطية والنظم الديمقراطية هى أقل نظم الحكم استقراراً وأكثرها قابلية للانزلاق نحو حرب أهلية، وأن قوى الإسلام السياسى ستسمر فى التصاعد على امتداد المنطقة.
لذلك قدم هذا التقرير رؤية جديدة لإعادة تنظيم العلاقات العربية – الأمريكية تعتمد على أربعة محاور هى، أولاً، عدم التركيز فى العلاقة على الحكومات فقط بل إشراك الشعوب وقادة الفكر ومختلف الفئات فى المجتمعات العربية فى إدارة هذه العلاقة، وثانيها، اتباع استراتيجية مختلفة مع الإسلام السياسى تقوم على قاعدة عدم التعارض بين الديمقراطية والإسلام، وعدم النظر إلى هذا التيار كعدو بالضرورة للولايات المتحدة، وثالثها، منح الأولوية للإصلاح السياسى، ورابعها، دعم الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية.
هذه الرؤية القائمة على قاعدة ترميم العلاقات الأمريكية – العربية فى مرحلة ما بعد الثورات العربية تعتبر أحد المداخل الأساسية لدعم المصالح ومواجهة التهديدات الآنية والمتجددة، لكن هناك مداخل أخرى تتوافق مع متغيرين آخرين لا يقلان أهمية عن متغير الثورات العربية أولها، الوضع الاقتصادى الأمريكى المتردى داخلياً، وثانيها، التوجه الأمريكى الجديد نحو الشرق الأقصى لمواجهة مخاطر استراتيجية نابعة من المنافس الصينى الصاعد واحتمالات تشكل تحالف صينى – روسى – هندى فى هذه المنطقة يكون فى مقدوره تحدى، إن لم يكن إسقاط، الأحادية الأمريكية فى قيادة النظام العالمى.
فالواضح أن الإمبراطورية الأمريكية، أو بالأحرى "مشروع الإمبراطورية الأمريكية" الذى حاولت واشنطن فرضه عقب سقوط الاتحاد السوفيتى وانهيار نظام القطبية الثنائية العالمية عام 1991، دخل فى مرحلة "الانحدار التاريخى" التى سبق أن عرفتها إمبراطوريات أخرى سابقة، ولم يعد هذا المشروع قادراً على مواصلة سياسة "التمدد الاستراتيجى" بوصف الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة فى العالم. التقرير الذى أعدته 16 وكالة مخابرات أمريكية بعنوان "الاتجاهات العالمية 2030"   (Global Trends 2030) أقر بهذه الحقيقة عندما أشار إلى أنه "مع الصعود السريع لدول أخرى، انتهت لحظة الأحادية القطبية، وبدأ "الباكس أمريكانا" (السلام الأمريكى) الذى ساد منذ العام 1945 ينحسر بسرعة. وبناء على ذلك فإنه من الأرجح أن تتجه إدارة الرئيس أوباما الثانية إلى التدخل الحذر فى الأزمات العالمية، والحرص على أن تنأى بنفسها عن التورط فى الأزمات والتدخل فى الصراعات إلا بعد أن تستنزف الدول الأخرى نفسها فيها وبعد أن تمس هذه الأزمات المصالح الأمريكية الحيوية مباشرة. ما يعنى أن واشنطن فى طريقها إلى إتباع استراتيجية أقرب إلى أن تكون "إستراتيجية النأي بالنفس" تحسباً لتحمل تكاليف تلك الأزمات على حساب مواردها ومن مصالحها ومن تحالفاتها.
هذا يعنى أن السنوات القادمة ستشهد انحساراً وتراجعاً لسياسة التدخل الأمريكى فى الأزمات والنتيجة هى ضرورة البحث عن وكيل أو وكلاء أو "تحالف للوكلاء" يتولى مهمة الدفاع عن المصالح الأمريكية فى الأقاليم والمناطق المختلفة على نحو ما كانت عليه السياسة الأمريكية عقب هزيمتها في فيتنام فى نهاية عقد الستينيات وبداية عقد السبعينيات التى اتبعت ما عُرف بـ "مبدأ نيكسون" وعندها اختارت واشنطن وكيلين بارزين للدفاع عن مصالحها فى إقليم الخليج هما إيران الشاهنشاهية كوكيل أو كشرطى عسكرى والسعودية كوكيل سياسى وفقاً لاستراتيجية عُرفت باستراتيجية "الركيزتين المتساندتين": الركيزة العسكرية الإيرانية، والركيزة السياسية المعنوية السعودية.
فقد كشفت الحرب الدائرة فى سوريا، وفقاً لتقرير لجهاز الأمن الإسرائيلى نشرته صحيفة "معاريف"، أن "الحرب السورية الأهلية تدل على أن فترة دامت أكثر من 20 سنة كانت فيها الهيمنة الأمريكية العالمية مطلقة قد انتهت". ومن هنا جاء التوجه الأمريكى للبحث عن هندسة جديدة للنظام الإقليمى للشرق الأوسط تأخذ فى اعتبارها خصوصيات وقيود الوضع الاستراتيجى الراهن فى الإقليم، كما تأخذ حقيقة التهديدات  الجديدة والمتجددة التى تواجه الولايات المتحدة حالياً من جراء الثورات العربية وتداعياتها.
التفاعلات بين هذه العوامل الأربعة مجتمعة توحى بأن النظام الإقليمى الشرق أوسطى القديم يتداعى، وأن هناك معالم تتشكل لظهور نظام آخر بديل، قد تكون واشنطن هى أول المبادرين للانخراط فى هذا التوجه.
أول معالم هذا التوجه كشفته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية فى معرض تفسيرها لقبول بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية الاعتذار للحكومة وللشعب التركى فى محادثته الهاتفية مع رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة التركية بحضور الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى مطار بن جوريون بتل أبيب. فقد كشفت الصحيفة عن أن الخطوة التى أقدم عليها نتنياهو لم تصدر عن ضغط أمريكى، بل تتعلق بالحرب الدائرة فى سوريا "التى تكرس الحاجة إلى حليف إقليمى قوى". وأكدت أن واشنطن تسعى لإنشاء تحالف إقليمى يضم كلاً من تركيا وإسرائيل والأردن بإشراف أمريكى، وظيفته التدخل الطارئ فى سوريا تحت عنوان السيطرة على منشآت تضم الأسلحة الكيمائية، لكن الأهم ما كشفه "إليكس فيشمان" معلق الشئون الأمنية فى صحيفة "يديعوت أحرونوت".
فقد كشف فيشمان أن كثافة التحركات الأمريكية فى المنطقة فى الأشهر الأخيرة لم تكن سوى خطة تهدف إلى "بلورة حلف غير رسمى بين أربع دول فى المنطقة إضافة إلى إسرائيل" فى مواجهة إيران وسوريا، وأن هذا الحلف يحمل اسماً مشفراً فى وزارة الخارجية بعنوان "دول 4+1 هى السعودية والأردن والإمارات والسلطة الفلسطينية إلى جانب تركيا" وأن هذا الحلف سيكون مفتوحاً لانضمام دول عربية أخرى.
وعلى نحو ما فعلت واشنطن مع إيران الشاه لتتحول إلى وكيل إقليمى لح