www.arabnc.org
   
الصفحة الرئيسة
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
المشاركون في الدورة ا
المشاركون في الدورة ا
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول المشاركين 30
جدول المشاركين 31
الأول 1990
الثاني 1991
الثالث 1992
الرابع 1993
الخامس 1994
السادس 1996
السابع 1997
الثامن 1998
التاسع 1999
العاشر 2000
الحادي عشر 2001
الثاني عشر 2002
الدورة الطارئة 2002
الرابع عشر 2003
الخامس عشر 2004
السادس عشر 2005
السابع عشر 2006
الثامن عشر 2007
التاسع عشر 2008
العشرون 2009
الواحد والعشرون 2010
الثاني والعشرون 2011
الثالث والعشرين 2012
الرابع والعشرون 2013
الخامس والعشرون 2014
السادس والعشرون 2015
السابع والعشرون 2016
الثامن والعشرون 2017
التاسع والعشرون 2018
الثلاثون 2019
الواحد والثلاثون 2022
القائمة البريدية
بحث
تصغير الخط تكبير الخط 
الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي 24 ((الديمقراطية وحقوق الانسان في الوطن العرب))

المؤتمر القومي العربي
ARAB NATIONAL CONFERENCE


الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي
ثلاثون شهراً من الإعصار**

محسن عوض *

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* محسن عوض، باحث في شئون حقوق الإنسان والديمقراطية، عضو المؤتمر القومي العربي.
** لا تعبر هذه الورقة بالضرورة عن رأي الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي.
*** لا يجوز نشر هذه الورقة كلاً أو جزءاً إلا بموافقة تحريرية من إدارة المؤتمر.

 


الديمقراطية وحقوق الإنسان فى الوطن العربي
ثلاثون شهراً من الإعصار


محسن عوض


يصادف انعقاد المؤتمر القومي العربي فى مصر الثورة مرور ثلاثين شهراً منذ إندلاع إعصار الثورة فى تونس فى ديسمبر/كانون أول 2010، وهى فترة تحولات وتحديات عظيمة فى الوطن العربي وإن كانت قصيرة فى عمر الشعوب.
لقد طال الإعصار الذى إندلع من تونس قبل ثلاثين شهراً كل البلدان العربية بدرجات متفاوتة من العمق، نجح فى إزاحة نظم استبدادية وإطلاق مد تحرري وفتح مسارات للمستقبل وعزز مكتسبات للمجتمعات العربية لا يمكن النكوص عنها، واضطر كافة النظم العربية لفتح ملفات الإصلاح المجمدة منذ عقود لكنه فى الوقت نفسه أطلق تحديات جسيمة ليس أولها حمامات الدم التى نشهدها فى سوريا وليس آخرها التربص الاستعماري الذى يسعى إلى اغتنام صعوبات المرحلة الانتقالية التى تواجهها بلدان المنطقة لإعادتها إلى حظيرة التبعية وإعادة رسم خرائطها السياسية والاجتماعية.
وتسعى هذه الورقة إلى إجلاء طبيعة هذه التحولات ومدى تاثيرها على قضيتين مفصليتين فى مسار هذه الثورة هما لب التحدى ومناط الرجاء فى التحاق البلدان العربية بمواكب العصر وتبوأ المكانة التى تستحقها تحت الشمس وهما قضيتا الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وتنظر هذه الورقة إلى أن الديمقراطية وحقوق الإنسان باعتبارهما وجهان لعملة واحدة، فلا سبيل إلى الإنتقال إلى الديمقراطية دون تعزيز احترام حقوق الإنسان. ولا سبيل إلى تعزيز حقوق الإنسان دون إطلاق الحريات الديمقراطية. ولا سبيل للديمقراطية وحقوق الإنسان دون تنمية يكون الإنسان محورها ومبتغاها.
وتستند هذه الورقة إلى جهد بحثي جماعي لفريق باحثى المنظمة العربية لحقوق الإنسان استغرق شهوراً وغاص فى التحولات الدستورية والقانونية والممارسات فى مجال حقوق الإنسان والحريات العامة ومسار الانتقال الديمقراطي عبر ما تم من انتخابات واستفتاءات وحوارات دعت إليها السلطة وحراك اجتماعي لم يهدأ له خاطر رغم مرور كل هذه الفترة، وذلك عبر خمسة عناوين رئيسية تتناول: قراءة فى التطور الدستوري والقانوني، وقراءة فى الحقوق الأساسية، واستعراض ممارسة الحريات العامة، والحق فى المشاركة وسؤال الانتقال إلى الديمقراطية، وأخيراً التحديات التنموية فى الوطن العربي.
أولاً: قراءة فى التطور الدستوري والقانوني.
1. التغييرات الدستورية.
رافق مشهد التغيير في الوطن العربي، إدخال تغييرات واسعة النطاق على البنية الدستورية والتشريعية. سواء في البلدان التي أخذ فيها الحراك الاجتماعي طابع الثورات والانتفاضات، أو تلك التي بادرت إلى إجراء إصلاحات لاستيعاب الحركة الاحتجاجية.
فعصفت الثورات والانتفاضات بالأطر الدستورية في خمس بلدان عربية هي تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا بأشكال متنوعة، واستبدلتها بإعلانات دستورية أو دساتير جديدة. كما أدخلت بلدان عربية أخرى تعديلات على دساتيرها بدرجات مختلفة من العمق وهى المغرب والأردن والبحرين وسلطنة عمان، فضلاً عن الصومال الذي يمثل حالة خاصة. وشكلت الجزائر لجنة في سبيلها لتعديل الدستور، ولأول مرة منذ عقود رُفعت عن كاهل الدساتير العربية حالات الطوارئ التي كانت تحجب ضماناتها في ثلاث بلدان عربية.
وطالت التغييرات في البنية القانونية إصدار قوانين جديدة، أو تعديلات على قوانين قائمة، شملت قوانين مباشرة الحقوق السياسية وقوانين الانتخابات بمستوياتها المختلفة، وقوانين تنظيم الحريات العامة، كما أدخلت تعديلات على قوانين العقوبات.
وقد اتسمت معظم الوثائق الدستورية بما يلى:
جاءت معظم الوثائق الدستورية بعيدة كل البعد عن المبادئ الحديثة لوضع الدساتير حيث أُجرى بعضها في كنف السلطة من جانب لجان غير منتخبة حتى وإن ضمت كفاءات وخبرات مهنية رفيعة، ولم تعكس بالضرورة التنوع السياسي والفكري والاجتماعي على غرار ما حدث في الأردن والمغرب وسوريا. بل واكتفت إحدى البلدان بمصادقة الملك على الدستور دون إستفتاء شعبي عليه.
عززت معظم الوثائق الدستورية من مضمون حقوق الإنسان وحقوق المواطنة بالمقارنة مع الدساتير السابقة، وقيدت من السلطة المطلقة للحكومات في إعلان حالة الطوارئ واستمرارها، وعززت من دور المجالس النيابية ودورها في الرقابة والتشريع، كما عززت الرقابة على دستورية القوانين باستحداث محاكم دستورية جديدة.
لكن في المقابل حافظت الوثاق الدستورية الصادرة في النظم الملكية على مركزية الملك في النظام السياسي فهو يملك ويحكم ولا يُساءل، كما أنه يُعد مرجعية لكل سلطات الدولة، وحكما بينها ويُعين أو يرأس طائفة واسعة من المجالس والهيئات، وذاته مصونة.
وتعرض تشكيل اللجان التأسيسية لوضع الدساتير لمنازعات سياسية وقانونية على نحو ما حدث في مصر، حيث جرى التنازع على تفسير النص الخاص بتشكيل الجمعية التأسيسية في الإعلان الدستوري، إذ فسره البعض على أنه تفويض بالاختيار من جانب البرلمان فيما فسره البعض الآخر بأنه انتخاب للجمعية التأسيسية من خارج أعضاء البرلمان. وأدى فرض التفسير الأول في تشكيل الجمعية التأسيسية إلى استقطاب سياسي حاد وجدل حول تشكيلها تحول إلى نزاع قضائي تم بموجبه حل الجمعية التأسيسية الأولى. واختيار جمعية جديدة لم تحظ بدورها بتوافق وطني بل عمقت الانقسام الوطني حول الجمعية التأسيسية ومنتجها الدستوري.
وتكررت نفس الظاهرة في ليبيا بشكل آخر، فبعد أن حدد الإعلان الدستوري أن يقوم المؤتمر الوطني العام في أول اجتماع له باختيار هيئة تأسيسية لصياغة مشروع دستور، على أن يُعتمد من المؤتمر الوطني ويُطرح للاستفتاء العام. فقد تم بطريقة مفاجئة قبل انتخابات المؤتمر الوطني تعديل على الإعلان الدستوري، تضمن انتخاب الهيئة التأسيسية بطريق الانتخاب المباشر، على ألا يكون أعضاؤها من بين أعضاء المؤتمر الوطني العام. وقد انعكس ذلك على البرنامج الزمني لإصدار الدستور وأثار جدلاً شديداً داخل المؤتمر الوطني.
لم يجر فحص جدي للمشاكل الواردة في الدساتير القائمة والتي كانت تنعكس على التشريعات المنظمة للحقوق الأساسية والحريات العامة على وجه الخصوص مثل إحالة تنظيم هذه الحقوق والحريات إلى القوانين دون ضوابط كافية تحول دون مخالفتها للنص الدستوري، فبلغت مثل هذه الإحالات في بعض هذه التشريعات لنحو ثمانين تشريعاً على غرار ما جاء في الدستور المصري.
لم تحسم أي من الوثائق الدستورية الصادرة مكانة المواثيق الدولية والإقليمية الخاصة بحقوق الإنسان بالنسبة للتشريعات الوطنية، وكذا لم تتضمن أية وثيقة دستورية قواعد القانون الدولي الإنساني.
ولم تحظ العدالة الاجتماعية، والتي كانت سبباً ومطلباً للحراك الاجتماعي بالأهمية الواجبة في الوثائق الدستورية.
مع بروز دور التيار السياسي الإسلامي في الحياة السياسية والاجتماعية وتصدره التشكيلات النيابية في تونس ومصر والمغرب وتعزيز حضوره في باقي البلدان العربية برزت قضية الشريعة الإسلامية ومكانتها الدستورية اتصالا بمضمونها أو بتطبيقها أو بتحديد هوية الدولة وقد عمقت صياغتها في الدستور المصري من الانقسام الوطني.
وأدى التسرع في إصدار الإعلانات الدستورية أو الدساتير دون إحكام صياغتها، أو التوصل إلى توافق وطني حولها، إلى إصدار تعديلات متكررة عليها على نحو ما حدث في الإعلان الدستوري الليبي، بل وبلغت المفارقة ذروتها في مصر بتبني رئيس الدولة والحكومة الدعوة لتعديلات دستورية للمواد الخلافية قبل إقرار الدستور نفسه.
وأثار العزل السياسي لرموز النظم السياسية السابقة جدلاً واسعاً حول دمجه في الوثائق الدستورية أو وضع قوانين مستقلة بشأنه في سياق إعداد الوثائق الدستورية حول مدة العزل السياسي والمشمولين بأحكامه.
وفي كل الأحوال فقد جاءت هذه الوثائق الدستورية دون طموحات وتطلعات المجتمعات العربية في تقرير مصيرها بنفسها وفي تكريس الحريات العامة على وجه الخصوص، وفى تهيئة سبل الانتقال إلى الديمقراطية.
2. تطور الإطار القانوني.
فى سياق القوانين المنظمة للحريات العامة استاثرت قوانين الانتخابات بأكبر قدر من التغيير بإصدار قوانين جديدة أو إدخال تعديلات على القوانين القائمة في تونس ومصر والجزائر والمغرب وليبيا وموريانيا والأردن وسوريا ولبنان والكويت والإمارات وقطر وسلطنة عمان أى فى أكثر من نصف البلدان العربية.
وقد اتسمت هذه القوانين الانتخابية بمايلى:
أحرزت معظم القوانين الانتخابية تقدما في تعزيز الحق في المشاركة عدا قانون الانتخابات في الأردن الذى جاء محبطا لتطلعات القوى السياسية بل ومناقضا لتوجهات لجنة الحوار الوطني، وأفضى إلى مقاطعة قوى سياسية للانتخابات. وكذلك التعديل الذى أدخل على قانون الانتخابات فى الكويت وأفضى بدوره إلى نفس النتيجة.
تباينت أنماط اللجان الانتخابية التى أنشئت للاشراف على الانتخابات بين نمط المفوضية العليا للانتخابات فى ليبيا، واللجان الوطنية العليا فى تونس والاردن والجزائر وسوريا ومصر والكويت وسلطنة عمان. كما تنوعت في نطاق اختصاصها فميزت في مصر بين لجان الاشراف على الانتخابات التشريعية والرئاسية، وشملت في سوريا اختصاص الانتخابات النتشريعية والادارية دون الرئاسية، واختصت في سلطنة عمان بانتخابات مجلس الشورى دون المجالس البلدية. كما تباينت في تشكليها بين التشكيل القضائى أو المتنوع.
جمعت معظم القوانين الانتخابية بين نظامى الانتخاب الفردى والقوائم.
خذ إصدار بعض القوانين مثلما حدث في مصر طابع العجلة والارتباك، كان أهم مظاهره، إدخال تعديلات على القوانين بعد إصدارها، وعدم اتساقها مع أحكام الدستور مما أدى إلى ابطال قانون انتخابات مجلس الشعب بعد الانتخابات، وحتى عندما تم اصدار الدستور الجديد، وإقرار مبدأ الرقابة القبلية على قوانين الانتخابات، جاء القانون الجديد الذى أقره مجلس الشوى مشوبا بعوار دستورى وتم استبداله بقانون آخر.
عززت معظم القوانين مشاركة النساء في الحياة السياسية باستثناء مصر التى استبعدت قوانينها الانتخابية تكريس حصة للنساء بعد طعن دستوري بعدم دستورية هذه الحصة التى كانت قد تقررت في العام 2009 بدعوى تعارضها مع مبدأ المساواة، وليبيا التى تخلى قانونها عن الحصة المخصصة للنساء والمحددة ب 10% من المقاعد.

ولم ينافس حجم التعديلات على قوانين الانتخابات إلاٌ القوانين المنظمة لحرية الرأي والتعبير وخاصة الحريات الاعلامية، حيث صدرت قوانين أو تعديلات لقوانين قائمة في تونس والعراق والجزائر والسعودية وليبيا والأردن وسوريا وقطر وسلطنة عمان ومصر والكويت والإمارات أى أكثر من نصف البلدان العربية أيضاً.
وقد اتسمت هذه القوانين بما يلى:
حمل معظمها واجهات براقة مثل إلغاء العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر. بينما أبقى على هذه العقوبة فى القوانين الجزائية.
واستخدم معظمها عبارات فضافضة ومبهمة تسمح بالتأويل والتفسير بما يهدد الحريات الاعلامية ويضع الاعلامييين تحت طائلة القانون.
ومال معظمها للتشديد والتقييد بدلاً من الإباحة والإتاحة وأثار معظمها اعترضات واسعة النطاق بين الاعلاميين والصحفيين والمدونين، واضطرت أحدى الحكومات للتراجع عن المضى فى اقرار القانون على نحو ما حدث فى الكويت.
ولم يواكبها صدور قوانين إتاحة المعلومات الرسمية مما يضطر الاعلاميين والصحفيين بالرجوع إلى مصادر غير دقيقة يمكن أن تضعهم تحت طائلة القانون.

وشهد الحق في تنظيم الأحزاب إصدار قوانين جديدة وادخال تعديلات على قوانين قائمة، فى كل من تونس ومصر والجزائر وليبيا وسوريا والمغرب والأردن أى أكثر من ثلث البلدان العربية.
وقد اتسمت هذه القوانين بما يلى:
سهلت معظم هذه القوانين المنظمة تأسيس الأحزاب، إذ نصت على مُهل زمنية لرد الحكومة على طلب تأسيس الحزب، وما لم يرد من الحكومة اعتراض مسبب خلال المهلة المحددة، يُعد الحزب قائماً، وقد ترواحت هذه المدد الزمنية بين خمسة أيام فى أدناها كما ورد فى قانون الاحزاب الليبي و60 يوماً فى أقصاها كما ورد فى قانونى الاحزاب الجزائري والتونسي.
كفلت بعض القوانين مساهمة الدولة فى دعم تمويل الأحزاب من الميزانية العامة للدولة وفق شروط متنوعة مثلما ورد فى قانون الأحزاب في ليبيا وتونس.
وتباين النصاب الواجب للاعضاء المؤسسين للأحزاب بين 250 عضواً مؤسساً فى ليبيا وبين خمسة آلاف عضو فى مصر.
وبينما نص قانون الأحزاب في مصر على تشكيل لجنة للأحزاب تتفاعل مع مطالبت انفاذ قانون الأحزاب، فقد أعطى قانون الأحزاب الجزائري مهمة التفاعل مع الأحزاب إلى وزارة الداخلية. 

كذلك أصدرت بعض البلدان العربية قوانين جديدة للجمعيات الاهلية أو طرحت مشروعات لقوانين جديدة، وهى تونس وليبيا والجزائر ومصر والبحرين.
وقد اتسمت هذه القوانين ومشروعات القوانين بالآتي:
تجاوب قانون الجمعيات فى تونس مع تطلعات الرأى العام حيث أزال كل القيود وسهل تكوين الجمعيات.
وتعرض قانون الجمعيات فى الجزائر لانتقادالت أهمها أنه يعطى صلاحيات أوسع لرفض منح الصفة القانونية للجمعيات الجديدة كما يتيح للسلطالت حل الجمعيات على أساس نصوص فضفاضة.
وأتاحت ليبيا تكوين الجمعيات استناداً إلى الإعلان الدستوري الصادر فى أغسطس/آب 2011 .
وجاء مشروع قانون الجمعيات فى البحرين الذى أقرته الحكومة فى أغسطس/آب 2012 دون مشاورة المنظمات غير الحكومية.
ولم يكن الحال أفضل من ذلك فى مصر فجميع المسودات التى طرحت فى مجل الشورى حفلت بالعديد من القيود وفرغت النص الدستورى الذى يكفل تكوين الجمعيات بالإخطار من مضمونه.
وأزاحت ثلاث بلدان عربية عن كاهلها حالة الطوارئ التى كانت تحجب الضمانات الدستورية والقانونية وتطلق يد السلطة التنفيذية بغير حساب وهى مصر والجزائر وسوريا بينما استمر تمديدها فى تونس وفرضها بشكل جزئي فى السودان.
لكن رافق إلغاء حالات الطوارئ فى الجزائر فى 24 فبراير/شباط 2012 تعديل قانون الاجراءات الجزائية بما يمنح القضاة صلاحية إحالة المشتبه في ارتكابهم جرائم ارهابية إلى "إقامات محمية" فى أمكن لا يفصح عنها لعدة أشهر فى كل مرة. كما اضطرت مصر لإعادة فرضها مرة أخرى فى مدن القناة فى مارس/آذار 2013. بينما لم يؤخذ إلغاء حالة الطوارئ فى سوريا على محمل الجدية فى السياق الذى صدر فيه.
وبالنسبة للقوانين المتصلة بالحق فى المحاكمات العادلة التى تمثل أهم ضمانة للحريات العامة وسيادة حكم القانون أقرت التعديلات الدستورية محاكم دستورية فى الأردن والمغرب كما أدخلت مصر تعديلات على قانون المحكمة الدستورية تسمح بالرقابة السابقة على قوانين الانتخابات. لكن لم يتم تعزيز استقلال القضاء إذ تأخر الاهتمام بقوانين السلطة القضائية وإصلاح قوانين الإجراءات الجنائية.
كما استمر اللجوء للمحاكم الاستثنائية وتحصين بعض أعمال وقرارات الحكومات من الرقابة القضائية بدعوى أعمال السيادة. فاستمرت المحاكم الاستثنائية بمسمياتها المختلفة فى كثير من البلدان العربية.
وصدرت قوانين للعزل السياسي في مصر وليبيا وأحدثت فى الأخيرة إرتباكاً سياسياً إذ لم تقتصر على العزل السياسي بل امتدت للعزل من الوظائف العامة وامتد نطاقها الزمني منذ بداية حكم العقيد القذافي فى العام 1969.
وتفردت اليمن بإصدار قانون للحصانة، أقره البرلمان اليمنى فى فبراير/شباط 2012 يحصن الرئيس السابق من المساءلة الجنائية. كما تفردت ليبيا باصدار قانون بشأن ارساء المصالحة الوطنية والعدالة الإنتقالية.
ثانياً: قراءة في ممارسة الحقوق الأساسية
سدد المجتمع العربي من دماء أبنائه ثمناً فادحاً من أجل التغيير لكن تراوحت أعداد القتلى والمصابين فى تونس ومصر واليمن وهى البلدان التي نجحت في الحفاظ على سلمية حركتها الاحتجاجية بين المئات من القتلى والآلاف من المصابين.
بينما قفزت أرقام الضحايا فى الدول التى انزلقت إلى النزاعات المسلحة إلى ما بين عشرات إلى مئات الآلاف من القتلى والمصابين، إذ بلغت فى ليبيا وفقاً للمصادر الرسمية 50 ألفا بينهم 20 ألفا لا يزال مصيرهم مجهولاً، كما بلغت فى سوريا أكثر من 70 ألف قتيل وفق أغلب التقديرات بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المصابين. ورغم أن هذه الأرقام قد تكون محملة بقدر من المبالغات أو محملة باعتبارات سياسية يظل القدر المتيقن منها جسيماً إلى الحد الذى لا يحتاج لأى مبالغة.
أما خارج الدول الخمس التي تحولت فيها الحركة الاحتجاجية إلى ثورات وانتفاضات فقد اقتصر انتهاك الحق في الحياة والسلامة البدنية فيها - مما له صلة بالاحتجاجات الاجتماعية - على آحاد أو عشرات الحالات كما هو الحال في معظم البلدان العربية.
إضافة إلى ذلك استمرت أعمال القتل في عدة بلدان عربية على خلفية أعمال الإرهاب ومكافحته ووقع أبرزها في العراق واليمن والسعودية والجزائر والصومال، كما استمر مشهد القتل على خلفية النزاعات الداخلية المسلحة في السودان والصومال والعراق. وبقيت جرائم قتل الفلسطينيين على أيدي سلطات الاحتلال والمستعمرين مأساة يومية متجددة.
وتكشف خلال يناير/كانون ثان 2013 أبعاد إحدى الجرائم الكبرى في انتهاك الحق في الحياة فى سياق تبادل الاتهامات حول مسئولية قتل مواطن أمريكي مسلم بالطائرات بدون طيار بقرار من أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وتداولت المصادر الأمريكية والدولية أرقاماً تتراوح ما بين (2562) و(4700) ضحية وتبنى السيناتور الأمريكي الجمهوري ليندسون جراهام الرقم الأخير. وتعود أهمية تصريحاته هذه إلى أنه من المدافعين الغيورين عن هذا النوع من العمليات العسكرية، ونُسب إليه تصريح يقول فيه "قتلنا 4700 منهم، وأحياناً نضرب أشخاصا أبرياء وهو ما أمقته، لكننا فى حالة حرب".
وقد تم استخدام هذه الطائرات إلى جانب باكستان وأفغاستان فى العراق واليمن والصومال وليبيا. كما واصلت الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية استخدامها خلال العام 2012، ونفذت ما يتراوح بين 25 و83 غارة من هذا النوع.
وفى كل الأحوال فلم يضاه غزارة هذه الدماء التي شهدتها المنطقة إلا جسامة الإفلات من العقاب. فمعظم المحاكمات التي أُجريت للمسئولين الأمنيين المتهمين بقتل المحتجين السلميين لم تفض إلى عقوبات بسبب نقص الأدلة وقصور التحقيقات. وعجزت القوانين القائمة عن ملاحقة آخرين، وتعذر ملاحقة آخرين فروا إلى الخارج وتحصن آخرون بترتيبات قانونية فى سياق ما سمى بالخروج الآمن.
وقد أفضى هذا الواقع إلى بروز مفهوم العدالة الانتقالية كمخرج لتجاوز هذا المأزق، فبادرت تونس إلى تأسيس وزارة تعنى بالعدالة الانتقالية، كما بادرت ليبيا بوضع قانون للعدالة الانتقالية. وأُعيد طرح هذا المدخل فى غيرهما من بلدان المنطق. بينما يسود جدل حول هذا المفهوم وتطبيقاته إذ اعتبره البعض نوع خاص من العدالة بينما هو العدالة فى المراحل الانتقالية. وتطلع البعض لمد نطاقه الزمنى ليتفاعل مع اجحافات مضت عليها عقود على نحو يفتح الباب لتصفية الحسابات السياسية. وركز النقاش على الجزء العقابي دون النظر لطابعه كمسار لكشف الحقائق التاريخية. وتم إغفال الجوانب الأخرى المتعددة لمفهوم العدالة الانتقالية.

وفى مجال الحق في الحرية والأمان الشخصي فشلت بلدان المنطقة على اختلاف ظروفها في حماية هذا الحق. بل وتورطت في انتهاكات جسيمة له، إذ شهدت المنطقة احتجاز وسجن عشرات الآلاف من الأشخاص. وقد تم معظمها وفق قوانين الطوارئ أو ما يماثلها من قوانين استثنائية في الدول التي تأخذ بها، كما تم خارج قوانين الإجراءات الجنائية في باقي الدول. ولم تحل رياح التغيير التي أطاحت بمعظم "حالات" الطوارئ في الحد من انتهاك الحق في الحرية والأمان الشخصي، حيث رافق إلغاء حالات الطوارئ قوانين أخرى تؤدى نفس أغراضها على نحو ما سبقت الاشارة، وبقيت معظم القوانين الاستثنائية في البلدان الأخرى على حالها كمصدر تهديد لهذا الحق.
وأفرزت الثورات التي انزلقت إلى النزاعات المسلحة عدة ظاهرات خطيرة في تهديد الحق في الحرية والأمان الشخصي، إذ قفزت بأعداد المعتقلين والمختفين إلى أرقام غير مسبوقة مثل سوريا وليبا. كما كسرت مبدأ "احتكار الدولة للإكراه". بانتشار ميليشيات مسلحة تمارس سلطات الحجز والسجن خارج عهدة الدولة في سوريا وليبيا.
وفي سياق التغيير الاجتماعي الذي واكب تطور المشهد السياسي، بصعود التيار الإسلامي، استفحلت ظاهرات تهدد الحق في الحرية والأمان الشخصي، فبعد أن كانت هيئة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في السعودية، نموذجاً فريداً وبائساً لانتهاك حرمة الحياة الخاصة للأفراد في المنطقة، فقد استشرت هذه الظاهرة فأفرزت التطورات في السودان جيل جديد من "رعاة الأخلاق" فيما أطلق عليها "لجان تزكية المجتمع" مستندة إلى إجراءات قانونية. وهدد الرئيس السوداني بإعادة محاكم النظام العام.
واستلهمت جماعات في بلدان أخرى هذه التجربة مثل مصر وتونس بتكوين ما يسمى "باللجان الشعبية" وحتى حكومة حماس المهمومة بكوارث اعتداءات قوات الاحتلال والحصار وجدت مكانا في أولوياتها لملاحقة شباب يتأنقون بطريقة رأتها غير لائقة، أو فتيات ترى أنهن غير محتشمات، وتنظر فى منع الاختلاط بين الجنسين في المدارس رغم النقص الفادح في المدارس ونقص المدرسين.
كذلك أفرزت الثورات التي انزلقت إلى النزاع المسلح ظاهرة خطيرة أخرى، وهي انتشار السلاح بين مختلف فئات المجتمع على نحو يهدد أمن هذه المجتمعات وأمانها، وقد رُفع هذا السلاح في وجه الدولة أحيانا للضغط من أجل تحقيق مطالب، واستخدم في اشتباكات عائلية وقبلية، بل وفى الزهو في مناسبات وطنية أفضت لسقوط قتلى.
وأمتد أثر هذه الظاهرة إلى البلدان المجاورة، بالتهريب لأغراض سياسية أو تجارية، وشملت الأسلحة المهربة أنواعاً مختلفة من الصواريخ، والأسلحة الثقيلة والذخائر، وأصبحت أحد الشواغل الأمنية الكئيبة في بلدان مثل مصر وتونس والسودان ولبنان وغيرها.
وبينما صدرت عشرات من قوانين العفو العام والخاص التي أفضت إلى إطلاق سراح سياسيين محتجزين بموجب قوانين الطوارئ أمضوا فترة عقوبتهم في تطور إيجابى يضع حداً لمظالم طال أمدها، فقد شمل ذلك المسار أيضا إطلاق سراح آلاف من الجنائيين الخطرين من معتادى الإجرام الذين يمثلون خطراً على أمن المجتمع بعد زوال سند احتجازهم. تضافر مع عن فرار آلاف السجناء الجنائيين خلال الثورة التونسية والمصرية مما شكل تحدياً خطيراً.
كما أدى ضعف الأجهزة الأمنية، وفقدان هيبتها وبطء قدرتها على التكيف مع الواقع الجديد، وانفجار المطالب المهنية والاجتماعية للفئات الدنيا منها، إلى ضعف قدرتها فى ملاحقة الخارجين على القانون، دفعت جماعات لنقل القانون لأياديها، وقامت بالقبض على "البلطجية" وقتلهم والتمثيل بجثتهم في عدة محافظات مصرية، وسعى البعض اللآخر باغتنام الفرصة لتشكيل لجان شعبية مسلحة بدعوى دعم الأمن.
وظلت الأعمال الإرهابية، ومكافحتها مصدراً متجدداً للانتهاك الجسيم للحق في الحرية والأمان الشخصي في المنطقة سواء من جانب الجماعات الإرهابية التي تمدد انتشارها جغرافياً في سياق الاضطرابات التي شهدتها المنطقة وتداعيتها السابق الإشارة إليها، أو استخدامها تكئة من جانب بعض الحكومات لتبرير تجاوزاتها حيال معارضيها.

وفى سياق الحق في المحاكمة العادلة: استمر تغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية في معظم البلدان العربية، وتعرض نظام العدالة في كثير من البلدان العربية لامتحان عسير على صلة بموضوعات إصلاح القضاء، أو معاقبة أركان الأنظمة التي سقطت، أو في سياق إشرافه على الانتخابات وإدارتها، أو بسبب الصبغة السياسية لبعض أحكامه في موضوعات موضع انقسام في المجتمعات بعد الثورة، أو بسبب تصدى بعض المحاكم العليا لتقرير مدى دستورية بعض القوانين أو عدم دستوريتها، أو في الفصل في مدى مشروعية قرارات صادرة من جانب الحكومة أو البرلمان وما إذ كانت تدخل في نطاق أعمال السيادة أو تخرج عن نطاقها وتخضع لرقابة القضاء.
وفى سياق الظروف الاستثنائية التي تمر بها بعض البلدان العربية تأثرت العدالة جراء ما نال الأجهزة المعاونة للقضاء من اضطراب مثل الأجهزة الشرطية وغيرها من الجهات الأمنية المنوط بها جمع التحريات، وأجهزة الطب الشرعي، وأعوان القضاء الذين انخرطوا في الحراك الاجتماعي.
وأضاف إضعاف أجهزة الشرطة وارتباكها في ظل المتغيرات الجارية إلى صعوبة إضافية ليس فقط في إنفاذ أحكام القضاء بل وحتى في حماية القضاة والمحاكم والنيابات مما أثر على هيبة القضاء وزاد من البطء في البت في القضايا والدعاوى.
وضاعف من مأزق العدالة قصور التشريعات الموضوعية والإجرائية في البلدان العربية عن ملاحقة أنماط من الجرائم الخطيرة مثل جرائم الفساد والجرائم السياسية وجرائم الانتهاكات الممنهجة والجسيمة لحقوق الإنسان، وأدى هذا الواقع القانوني إلى ارتباك في معالجة الكثير من القضايا، وإخفاق في الملاحقة القضائية لأركان النظم السابقة، وأفضى إلى إفلات الكثير منهم من العقوبة كما أن محاولة تلافى هذه الثغرة في بعض البلدان العربية مثل مصر وليبيا عمقت الانقسامات السياسية داخل البلاد.
بينما استمر انتهاك الحق فى المحاكمة العادلة جراء استخدام المحاكم الاستثنائية أو محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية وشهدت المنطقة خلال الفترة التى تغطيها هذه الدراسة عشرات من المحاكمات الجائرة التى لا تمت بصلة إلى معايير المحاكمة العادلة.

وظلت حقوق السجناء وغيرهم من المحتجزين: إحدى التحديات الكبرى التي تواجه بلدان المنطقة منذ اندلاع الحراك الاجتماعي، ففى السياق المضطرب الذي رافق الحراك الاجتماعي، واجهت البلدان العربية ظاهرات غير مسبوقة. كان من أبرزها ظاهرة الفرار الجماعي للسجناء والمحتجزين في كل من تونس ومصر، وما رافقها من سقوط عشرات إلى مئات من القتلى من السجناء والمحتجزين. وهى قضية لا تزال موضع التباس لدى الرأي العام، وما إذا كانت إجراء متعمداً من جانب أجهزة أمن النظم السابقة لإشاعة الاضطراب في مرافق الدولة، أم أنها تمت في سياق التمرد مع انهيار الأجهزة الأمنية، كما أنها موضع تحقيق في مصر.
ثمة ظاهرة أخرى غير مسبوقة أفرزتها التطورات في أوضاع السجناء وغيرهم من المحتجزين المصنفين خطرين من معتادى الإجرام، والذين تم إطلاق سراحهم في سياق إلغاء قوانين الطوارئ في بعض البلدان بانتهاء السند القانوني لاحتجازهم، وهو أمر أثار إشكالية قانونية مزدوجة، فمن ناحية كان يمثل امتثالاً لحكم القانون، ومن ناحية أخرى أفضى إلى تفشي الجريمة، وخاصة في ظل الضعف الذي اعترى الأجهزة الأمنية والقضائية.
كما استجدت ظاهرة أخرى غير مسبوقة، في البلدان التي انزلقت إلى النزاعات المسلحة على غرار ما حدث في ليبيا، بسيطرة ميلشيات محلية مسلحة على نسبة من السجون وإصرارهم على رفض سيطرة الحكومة المركزية عليها بل وإنشاء أماكن احتجاز جديدة في مناطق سيطرتهم، وهو أمر يخل على نحو مباشر بركيزه أساسية من ركائز مفهوم الدولة، وهو احتكار الإكراه، كما أنه عرض السجناء لانتهاك طائفة واسعة من حقوقهم القانونية.
كذلك رافق النزاع المسلح الذي واكب الحراك الاجتماعي في بعض البلدان العربية، استشراء ظاهرة المختفين قسرياً، فى ليبيا وسوريا قدرتها المصادر بالآلاف مما ضاعف من خطورة هذه الظاهرة التي عرفتها المنطقة عبر العديد من النزاعات المسلحة السابقة ولازالت تعانى من آثارها بلدان مثل لبنان والعراق والسودان والجزائر والصومال.
كما تفشت في سياق الأحداث استشراء ظاهرة التعذيب وأفضت إلى وفاة أعداد كبيرة من الأفراد، وقع أغلبها في سياق النزاعات المسلحة، لكن امتدت لمعظم البلدان العربية.
كذلك تفشت في سياق الأحداث ظاهرة تسليم اللاجئين السياسيين، دون مراعاة للإجراءات القانونية المرعية وبالمخالفة للمعايير الدولية، وكذلك بالمخالفة لأحكام قضائية صادرة في بعض هذه البلدان.
وبينما استمر الانتهاك الجسيم باحتجاز المشتبه في تورطهم في الأعمال الإرهابية في الولايات المتحدة من المواطنين العرب منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتراجع الإدارة الأمريكية عن إغلاق هذا الملف بعد وعود من الرئيس الأمريكي، فقد كشفت المصادر الدولية عن أبعاد مزرية لانتهاك الحقوق القانونية للمشتبه فيهم في قضايا الإرهاب، وتورط ثلاثة عشر حكومة عربية في النقل غير القانوني لهؤلاء المشتبه فيهم، وتعذيبهم، وقبلت هذه الحكومات أن تكون بلدانها "سلة نفايات" لجرائم المخابرات الأمريكية فئ تعذيب وانتهاك حقوق هؤلاء المحتجزين.

ثالثاً: الحريات العامة.
انتزعت الشعوب العربية في سياق الحراك الاجتماعي مساحة غير مسبوقة من حرية الرأي والتعبير بكافة شُعبها، قضت على الاحتكار الرسمي للإعلام في بعض البلدان العربية، وعززت التعددية الإعلامية في أخرى، وكرست الإعلام الالكتروني كفاعل رئيسي على الساحة الإعلامية، فحّسنت من تدفق المعلومات ووسعت من خيارات الناس وقدرتهم على بلورة آرائهم حيال الشئون العامة.
لكن بقدر ما يبعثه هذا المشهد العام من تفاؤل، فإنه ينطوي على العديد من التحديات، فالانطلاقة التي حققتها حرية الرأي والتعبير، لا تزال غير محمية بسياج دستوري وقانوني يضمن لها الاستدامة، حيث جاءت القوانين المنظمة للحريات الإعلامية حمالة أوجه، ولم يرافقها تعديلات على قوانين العقوبات التي ظلت تكرس العقوبات السالبة للحريات في قضايا النشر.
وشاب الانطلاق الواسع لحرية الرأي والتعبير أعراض جانبيه جسيمة، ففي غياب قوانين تتيح الحق في الوصول للمعلومات، عانى الرأي العام من الخلط بين الشائعات والأخبار والمعلومات. وتعرض صحفيون وإعلاميون لمساءلات قانونية، وفى غياب مواثيق شرف فاعلة، ومساءلة مهنية قادرة انطلقت فضائيات ومدونات تحمل دعاوى طائفية ومذهبية بل وأحيانا عنصرية، وانغمست أخرى في الغيبيات والشعوذة.
وعانى الصحفيون، والإعلاميون، والمدونون جراء دورهم المشهود في واجهة الحراك الاجتماعي الذي تشهده المنطقة من ضغوط التغيير، وعدم قدرة النظم السياسية على التكيف مع الواقع الجديد، والانقسامات السياسية على خيارات المستقبل، فأصبحوا هدفاً رئيسياً في طاحونة القتل والاعتداءات البدنية لم تقع فقط من جانب النظم، بل ووقعت كذلك وبضراوة من جانب نشطاء سياسيين ومعارضين في الرأي.
وقُتل عشرات من الصحفيين والإعلاميين العرب، والأجانب من مراسلي الصحافة العالمية ووكالات الأنباء أثناء تغطيتهم للنزاعات المسلحة في ليبيا وسوريا وفلسطين والصومال. وقد قتل بعضهم على أيدي القوات الحكومية، وقتل البعض الآخر على أيدي المعارضة المسلحة. وجاءت بعض هذه الإعتداءات جراء الاشباكات لكن استهدف بعضها صحفيين وإعلاميين لصفتهم أو لشخوصهم.
كذلك تعرض العديد من الصحفيين والإعلاميين للقتل والاعتداءات البدنية خلال تغطيتهم لأحداث الاحتجاجات التي اندلعت في معظم البلدان العربية.
كذلك لم تتوقف الاعتداءات عند الصحفيين والإعلاميين، بل امتدت لمؤسساتهم الصحفية والإعلامية، فتم اقتحام العديد من هذه المؤسسات وتدمير معداتها من جانب جماعات معارضة لأدائها دون أن تجد حماية من سلطات الدولة.
وبادرت السلطات في معظم البلدان العربية بغلق فضائيات، أو التهديد بغلقها تحت دعاوى مخالفات قانونية، وأحالت عشرات من الصحفيين والإعلاميين إلى النيابيات بتهم متنوعة.
وأتاحت التكنولوجيا الحديثة أداة إضافية لدى حكومات لعرقلة الفضائيات وهي اختراق البث الإعلامي للفضائيات باستهداف الأقمار الصناعية بل وأصبح مألوفاً أن يحمل شريط الأخبار في قنوات مثل الجزيرة، والعربية وغيرها، إرشادات مستمرة موجهة إلى مشاهديها بالانتقال إلى مواقع مغايرة لمتابعتها.
وتعرضت مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت، ومواقع الإعلام الإلكتروني لنصيب مماثل من القمع بالقوانين والممارسة على حد سواء، فجرى حجب العديد من المواقع تحت ذرائع مختلفة، كما جرى القبض على العديد من المدونين ومساءلتهم، وإحالتهم إلى المحاكم، ومعاقبتهم بأحكام قضائية.
وعلى غرار اختراق البث الإعلامي الفضائي، تعرض الإعلام الإلكتروني لظاهرة مماثلة وتولت مجموعات من "الهكرز" (القراصنة) اقتحام العديد من المواقع الإلكترونية جاء بعضها امتداداً للظاهرة العالمية المألوفة، ولكن بدا أن بعضها مقصود باستهداف مواقع معنية.

كان تغييب الحق فى التنظيم بأشكاله المختلفة الحزبية والنقابية والجمعوية إحدى الآليات الاستراتيجية التى استخدمتها معظم البلدان العربية لتكريس هيمنتها حتى يظل المواطنون أفراداً فى مواجهة السلطة. وقد أحدثت الثورات وغيرها من اشكال الحراك الاجتماعي فى البلدان العربية تاثيراً عميقاً على ممارسة الحق فى التنظيم الحزبى جاء بعضها على مستوي التشريعات مشجعاً على نحو ما سبق الاشارة إليه، ولكن جاء أهمها على مستوى الممارسة الواقعية فنشأت مئات من الأحزاب السياسية فى تونس ومصر وليبيا، واتاحت الجزائر تسجيل 23 حزباً بعد توقف منذ العام 1999، كما تشكلت عشرات من الإئتلافات الشبابية فى تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن.
وقد اعادت هذه الانطلاقة الزخم للحياة السياسية، إذ فتحت نقاشات حيوية حول كل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن أيضاً اثارت تحديات وإشكاليات مهمة، كان من ابرزها تشظى العمل الحزبى، ونشوء الأحزاب السياسية ذات المرجعية الاسلامية.
وقد تشكلت معظم هذه الأحزاب الجديدة التي تعبر عن التيارات المدنية على عجل فى سياق الاستعداد لخوض الانتخابات، ونشأت فى سياق تنافسات واستقطابت حادة، فجاءت أقرب إلى الائتلافات الانتخابية منها إلى الاحزاب السياسية، فلم تقم تعبيراً عن مصالح اجتماعية واقتصادية، ولم يتسع الوقت لبعضها لاعداد برامج حزبية مفصلة، ولم تستطع أن تستقطب القدر الكافى من التأييد فى الانتخابات لعبور الحد الادنى للتمثيل النيابى.
بينما حمل تأسيس احزاب سياسية ذات مرجعيات إسلامية تحدياً من نوع آخر، فبينما كان من الطبيعي بل ومن الواجب أن تستعيد جماعات التيار السياسى الاسلامى حقها المحجوب فى المشاركة السياسية فقد جاءت محملة بصورة ذهنية نمطية سلبية فى سياق المواجهة مع الأنظمة السابقة، لم تسع إلى تصويبها وعمقتها التنافسات والاستقطابات. ومن ناحية أخرى خلطت هذه الأحزاب بين التنظيم الدعوى الذى اكسبها شعبية وبين العمل السياسي، كما خلطت بين دور الضحية الذى اثار التعاطف الشعبى معها وبين مقتضيات السلطة.
وقد اثارت هذه الاشكاليات استقطابات حادة وانقسامات داخل المجتمع مع التيارات المدنية، ومع المواطنين من غير المسلمين، وداخل التيار الاسلامى ذاته والذى تتفاوت رؤاه وتفسيراته حول العديد من القضايا الخلافية، وخاصة تجاه بعض المذاهب الاسلامية الأخرى، وغير المسلمين، وحقوق المرأة. فضلاً عن أن بعض فصائل هذا التيار كانت تمارس العمل السياسى لأول مرة فى تاريخها فتورطت فى تصادمات حادة مع القوى الاجتماعية.

وعلى مستوى ممارسة الحق فى التنظيم النقابى: فرضت القوى الاجتماعية بشقيها العمالى والمهنى مبدأ التعددية النقابية، ونشأت مئات من التنظيمات النقابية والعمالية والمهنية المستقلة، بل تجاوزت هذه الكيانات المجال التقليدى للعمل النقابى العمالى والمهنى إلى قطاعات لم تكن مالوفة من قبل مثل الشرطة وأئمة المساجد.
وأصبحت الاعتصامات والاضرابات والمفاوضة الجماعية شاناً يومياً فى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبالمثل أصبحت آلية التقاضى حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية شائعة بعد أن كانت قاصرة على التفاعل فى مجال الحقوق المدينة والسياسية.
لكن كما هو مألوف فى سياق التغييرات المفاجئة والعميقة، فاقت المطالب الاجتماعية والاقتصادية المكبوتة ووسائل اقتضائها قدرات الدول، واقترنت بعض مظاهر الاحتجاجات المشروعة بتجاوزات غير مشروعة مثل قطع الطرق والسكك الحديد، وأعمال عنف مثل اقتحام منشأت حكومية أو احتلال مساكن مخصصة لأشخاص آخرين، أو تجريف الرقعة الزراعية الخصبة بالبناء على الأراضى زراعية.
الحق في المشاركة وسؤال الانتقال إلى الديمقراطية.
بينما يمثل الحق في المشاركة في إدارة الشئون العامة أحد المرتكزات الجوهرية على طريق الانتقال إلى الديمقراطية في الظروف العادية، فإنه يكتسب أهمية خاصة في سياق المشهد المتغير على الساحة العربية، حيث كان تفريغه من مضمونه أحد الأسباب الرئيسية لاندلاع الثورات والانتفاضات وغيرها من أشكال الحراك الاجتماعي الذي شهدته المنطقة.
كما أنه يظل مؤشراً أساسياً على شرعية أنظمة الحكم الجديدة التي أتت بها هذه الثورات، وطوق النجاة لغيرها من النظم التي تسعى لاستيعاب تطلعات شعوبها وتفادي الاضطرابات. فضلاً عن دور هذا الحق في تكريس المواطنة، وتراكم الوعي السياسي والاجتماعي الذي افتقدته المنطقة لعقود طويلة.
وقد شهدت الساحة العربية أنماطا متعددة من الاختبارات الجدية في إعمال هذا الحق من خلال سلسلة الاستفتاءات والانتخابات بمستوياتها المختلفة، وانطلاق حوارات وطنية بين السلطات والمجتمعات في أكثر من نصف البلدان العربية.
وقد تم استخدام آلية الاستفتاء فى خمسة بلدان عربية فجرت عدة استفتاءات مصر والسودان والمغرب والجزائر واليمن، وقد جرت معظم هذه الاستفتاءات على صلة بإقرار إعلانات دستورية أو دساتير، بينما انفرد أحدها وهو الاستفتاء الذي أجرى في السودان بواحدة من أخطر الاستحقاقات الدستورية في تاريخ البلاد، وهو الاستفتاء على حق تقرير المصير المقرر في اتفاقية سلام الجنوب، والذي يخير أبناء الجنوب بين الوحدة أو الاستقلال.
وشهدت البلدان العربية انتخابات رئاسية، ونيابية وبلدية. فى الانتخابات الرئاسية فرغم تنصيب خمس من رؤساء الدول العربية من خلال صناديق الانتخابات، إلا أن معظم هذه الحالات تمت في الواقع على نحو يصعب وصفه بالانتخابات. فعدا إجراء انتخابات رئاسية تنافسية مباشرة في مصر وجيبوتي، جاءت انتخاب رئيس جمهورية تونس عبر انتخابات غير مباشرة من خلال توافق تحالف الأحزاب الثلاثة الرئيسية التي فازت في انتخابات المجلس التأسيسي وعُرض ترشيحه للتصويت في الجمعية التأسيسية وأيدته. وجاء انتخاب رئيس اليمن في سياق تطبيق المبادرة الخليجية حيث تقضي باختيار شخصية موضع توافق من جانب القوى السياسية، ويتم "انتخابه" من جانب الناخبين اليمنيين، فيما كان بمثابة استفتاء أكثر من اعتباره انتخاباً.
كذلك جرى انتخاب رئيس الصومال عبر انتخابات غير مباشرة ووفق خارطة طريق مشتركة بين القوى المحلية والمجتمع الدولي من أجل إنها المرحلة الانتقالية في الصومال، وتنافس فيها 22 مرشحاً، وأسفرت عن فوز غير متوقع لحسن شيخ محمود إذ حاز على 190 صوتاً مقابل 79 صوتاً لشيخ شريف شيخ أحمد. وقد تقبل المرشح الخاسر نتائج الانتخابات ووصفها بأنها كانت عادلة.

وعلى مستوى الانتخابات النيابية جرت انتخابات نيابية في نصف البلدان العربية، جاء بعضها في سياق الثورات والانتفاضات التي شهدتها المنطقة أو نتيجة لها، كما جاء بعضها في سياق الحراك الاجتماعي الذي شهدته معظم البلدان العربية أو نتيجة استحقاقات دستورية مقررة.
وقد أجريت هذه الانتخابات في كل من مصر والجزائر والمغرب وجيبوتي والصومال والكويت وسلطنة عمان والإمارات، والأردن وسوريا. واستهدفت ثلاث منها تشكيل مجالس تأسيسية لإعداد دساتير أنيط باثنان منها اختصاصات تشريعية لحين انتخاب البرلمان. وهي تونس وليبيا، بينما اختصت إحداها بإعداد الدستور فقط وأجريت بانتخابات غير مباشرة في مصر.
وتباينت البنية القانونية- السياسية لهذه الانتخابات إذ سبق معظمها تغييرات في قوانين مباشرة الحقوق السياسية، وقوانين الانتخابات وسّعت من نطاق هيئة الناخبين، وحتى في البلدان التي كانت تجرى انتخابات غير مباشرة مثل سلطنة عمان ودولة الإمارات، فقد انصرفت الأولى عن إجراء الانتخابات غير المباشرة، ووسعت الثانية من قاعدة المشاركين لانتخاب أعضاء المجلس الاتحادي.
كذلك سبق معظم هذه الانتخابات تعديلات على قوانين الأحزاب، أتاحت نشوء أحزاب جديدة، فوسعت أيضاً من قاعدة المشاركة الحزبية.
ونقلت معظم البلدان العربية التي شهدت انتخابات، الإشراف عليها من أيدي وزارت الداخلية إلى إشراف لجان انتخابية مستقلة، أوكل إليها مهمة الإشراف على الانتخابات، وتدقيق قوائم الناخبين، وقوائم المرشحين، ومراقبة مجريات الانتخاب ومدى اتساقها مع القوانين، والنظر في الطعون وإعلان نتائج الانتخابات.
وقد تفردت مصر والكويت بظاهرة خاصة، وهى إبطال مجلسين منتخبين في كل منهما، حيث أبطلت المحكمة الدستورية العليا في مصر مجلس الشعب بسبب عوار دستوري شاب قانون الانتخابات، كما تم إعادة انتخاب الجمعية التأسيسية للدستور بسبب عوار دستوري أيضاً. كذلك تم إبطال مجلس الأمة الكويتي الناتج عن انتخابات فبراير/شباط 2012، بناء على حكم من المحكمة العليا ببطلان إجراءات حل مجلس الأمة (2009) وإحيائه، ثم إجراء انتخابات أخرى في نوفمبر 2012 .
كما تفردت الانتخابات التشريعية التي أجريت في كل من سوريا والصومال بإجرائها في سياق نزاع مسلح، لكن بينما لم تؤخذ انتخابات سوريا بجدية في سياق الظروف التي أجريت فيها، فقد جاءت انتخابات الصومال على العكس من ذلك مدعومة من جانب المواطنين اللذين عاشوا ويلات الحرب لعقود، ومن جانب المجتمع الدولي الذي عانى من إفرازات هذه الحرب بانتشار القرصنة والإرهاب والمجاعات وغيرها.
وعزز السياق القانوني- السياسي من حقوق النساء في المشاركة السياسية، إذ أرست معظم القوانين الانتخابية حصصا للنساء (كوته) جاء أفضلها في تونس التي نصت قوانينها على مبدأ المناصفة وليس فقط الإنصاف، وإن حال نظام القوائم دون بلوغ هذا المطمح. لكن كان من المؤسف أن يفشل الإطار القانوني في النهوض بحقوق النساء في المشاركة السياسية في مصر، جراء حكم قضائي قضي بعدم دستورية تخصيص حصة للنساء، وكذا ليبيا التى تخلى قانونها الانتخابى عن نسبة 10% المخصصة للنساء.
وقد اتسمت مجريات العمليات الانتخابية بالسمات التالية:
أجريت معظم هذه الانتخابات في سياق اجتماعي - سياسي محتقن جراء الحراك الاجتماعي، وسبق معظمها دعوات للتأجيل أو المقاطعة، لكن اقتصرت المقاطعة الفعلية المؤثرة على الانتخابات النيابية في الأردن من جانب التيار السياسي الإسلامي اعتراضا على قانون الانتخابات، وكذلك في الكويت اتصالا بنفس السبب.
ورغم احتدام المنافسة بين القوى السياسية، والتي بلغت في بعض الأحيان حد الانقسام الوطني، فلم تشهد مجريات الانتخابات أعمال عنف واسعة النطاق تُعطل مسارها، أو تؤثر على حرية الناخبين باستثناءات محدودة.
شهدت معظم الانتخابات إقبالا غير مسبوق في حجم المشاركة وامتد