المؤتمر القومي العربي
ARAB NATIONAL CONFERENCE
وضع اللغة العربية المؤسف، والمطلوب من أرض الكنانة**
د. عثمان سعدي *
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية، عضو المؤتمر القومي العربي.
** لا تعبر هذه الورقة بالضرورة عن رأي الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي.
*** لا يجوز نشر هذه الورقة كلاً أو جزءاً إلا بموافقة تحريرية من إدارة المؤتمر.
وضع اللغة العربية المؤسف، والمطلوب من أرض الكنانة
د. عثمان سعدي
الإخوة أعضاء المؤتمر، سيداتي سادتي
اللغة العربية تعاني من وضع يهدد كيانها ومستقبلها، ويهدد مستقبل العرب كأمة وكيان. والشعوب العربية تشعر بهذا. والأمل في ارض الكنانة التي قامت بثورة رائدة، أن تطبق المادة 11 من الدستور الجديد الذي ينص على تعريب التعليم، فيعرّب تعليم الطب والتقانة، فمصر هي قاطرة الوطن العربي فإذا عربت عربت الأقطار العربية الأخرى. نحن في الجزائر مثلا بالرغم من قرن وثلث قرن استعمار استيطاني استلابي، عربنا التعليم العام، والعلوم الإنسانية في الجامعة، لكن عندما طالبنا بتعريب تعليم الطب قيل لنا: "كيف تريدون من الجزائر تعريب تعليم الطب بينما لا زال يدرس باللغة الأجنبية في مصر، وما أدراك ما مصر".
العصر مطبوع بالطابع العلمي والتقاني والرقمي، والعلم والتقانة في الوطن العربي يدرّسان بالجامعات العربية بالإنجليزية مشرقا وبالفرنسية مغربا، باستثناء سورية والسودان؛ والعربية غائبة عن الرقمنة، وهذا هو الذي جعل خطط التنمية العربية متعثرة، ففي البلدان التي نجحت بها خطط التنمية، العلم والتقانة بها يعلمان باللغة القومية، كالصين، وكوريا، ونمور آسيا، وأندنوسيا، وتركيا، والبلدان الأوروبية، وحتى الكيان الصهيوني، وغيرها.
الطالب الجامعي العربي لا يحترم لغته لأنه يرى أن أعلى المجموعات في شهادة الثانوية العامة يوجه الحاصل عليها لكليات تدرس باللغة الأجنبية، ففي نظره أن العربية لا تصلح لعلم العصر.
إن التعليم الجامعي بالأقطار العربية يعاني من مستوى ضعيف، والسبب الرئيسي في ذلك راجع إلى تعليم العلم والتقانة باللغة الأجنبية. والبحث العلمي متدنٍّ والسبب يكمن في إنجازه باللغة الأجنبية، ولا يمكن لبحث علمي أن ينجح في أمة بلغة أجنبية؛ ثم إن الجامعات العربية تستورد المنتجات الجاهزة من الغرب، وتستورد الكتب المقررة في العلم والتقانة منه، وإذا تطورت استوردت براءات الاختراع من الغرب، ولا تحتاج إلى إنتاج بحث علمي خاص بها لأنها تابعة لغويا في العلم للغرب. عدد براءات الاختراع التي تحققها الدول كل عام من خلال مواهب مواطنيها هي مقياس تقدمها. مكتب براءات الاختراع والعلامة التجارية الأمريكي سجل في عام 2009 أن (إسرائيل) حصلت على 1525 براءة اختراع مسجلة، بينما العالم العربي مجتمعاً لم يحقق سوى 63 فقط. وهذا يعد منخفضا بشكل كبير مقارنة بدولة لديها مصادر ثروة طبيعية محدودة، وهي كوريا الجنوبية التي حققت 9566 براءة اختراع لوحدها.
في التاريخ العلم العربي برز بعد قرار عبد الملك بن مروان تعريب الدواوين الإدارية للدولة، وقرار المأمون بتأسيس بيت الحكمة.
يقول الدكتور محمد رضا محرّم الأستاذ بكلية الهندسة بجامعة الأزهر بالقاهرة في دراسة له منشورة في مجلة المستقبل العربي عدد 61، آذار/مارس 1984:
"إن البعد اللغوي أوضح أنواع الاستلاب الثقافي حيث تكون القناعات السلبية قد استقرت بشأن قدرة اللغة الأجنبية على القيام بالدور ذاته... إن التبعية العمياء للغة الأجنبية في ميادين العلم والتكنولوجية، لم تتقدم كثيرا بالعرب، كما أنها لم تتقدم بمجتمعاتهم خطوة واحدة، والتبعية اللغوية تولد التبعية النفسية التي تجسمها التبعية السياسية الاقتصادية... إن تعريب التكنولوجية معناه جعلها متداخلة في الكيان العربي ومتجانسة معه..
ويستمر الدكتور محرّم فيقول: "إن حجم مؤسسات البحث العلمي وحجم عدد المؤهلات العليا في الأقطار العربية ليس بالهين أبدا في مصر يقدر عدد حاملي الماجستير والدكتوراه بأكثر من خمسة وعشرين ألفا (سنة1984). المركز القومي للبحوث في مصر يضم 12 قسما بحثيا وأربعة معاهد بحثية متخصصة، ويعمل داخله 2300 من الإطارات العليا منهم 700 من حملة الدكتوراه. يقدر عدد حملة الدكتوراه بالوطن العربي بثلاثين ألفا. لكن دور هذه المراكز هامشي للغاية فيما يتعلق بالمشاركة الجادة في ضبط الإيقاع التكنولوجي: استيرادا وتطويرا وإبداعا، وكذالك في معاونة ودعم خطط التنمية، بل إن تقريرا رسميا صادرا عن أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجية في مصر ، يقرر أنه ـ وبغض النظر عما يردده صناع السياسة في مصر ـ فإنه لا يوجد ما يمكن وصفه بسياسة تكنولجية على المستوى القومي".
وما ينطبق على مصر ينطبق على سائر الأقطار العربية
ويحكم الدكتور محرّم بلا جدوى وبعقم البحث العلمي بالوطن العربي، الذي يسير باللغة الأجنبية. وحكمه هذا موضوعي لأنه من رجال البحث العلمي، بل وأشرف مدة عقدين تقريبا على مؤسسات للبحث العلمي، يقول: "إن اختيار موضوعات البحوث ومجالاتها يقوم على أساس من الانتقاء الشخصي والاختيار العشوائي في الأغلب الأعم. وأكثرية البحوث تمارس إما لإرضاء الذات، أو لتحقيق متطلبات التدرج الوظيفي، واستفاء شروطه، وكاتب هذه السطور (الدكتور محرّم) وقد قضى سبعة عشر عاما بالتمام والكمال يمارس او يشرف على البحث العلمي في مجالات الهندسة، يؤكد (أن عملا مما قدمه أو أشرف عليه أو شارك فيه لم يتم في إطار أي تصور مجتمعي، أو حتى مركزي على مستوى المؤسسة العلمية التي يعمل فيها، وان كل ما أنجزه ناتج على اختيارات ذاتية، وانتهت فعاليته بمجرد النشر) . كما يعترف الدكتور محرّم "أنه لم يحدث أن دعي للمشاركة في عمل علمي أو بحثي بناء على توجه قومي أو في إطار خطة عمل مؤسسية
ويصف الدكتور محرّم العلم والتكنولوجية التي تدرّس أو تبحث في الأقطار العربية باللغة الأجنبية "بأنه علم عقيم وتكنولوجية بغير جذور. فالعلم الذي لا يدرس باللغة القومية علم نقلي والعلم النقلي عقم مثلما أن العلم العاجز عن التجسيد في المجتمع في هيئة إنجاز تكنولوجي، مثلا، هو الآخر عقم".
يصنف الدكتور محمد رضا محرّم في خانة العالم العربي الذي يتمتع بالوعي اللغوي، وهذا النوع هو الذي تحتاج إليه الأمة العربية في سائر الميادين الثقافية ، والاجتماعية، والسياسية والاقتصادية، في مرحلة التفسخ التي تعيشها في تاريخها في ظل العولمة. إنه يشبه الطبيب الناجح لأنه أدرك جذور أزمة التعليم والعلم والتقانة بالأقطار العربية. إنه غير أولائك الذين جلسوا على كراسي مؤسساتنا التربوية والتعليمية والعلمية والبحثية في العقود السبعة الأخيرة من حياة أمتنا، والذين عالجوا داء السرطان بحبوب الأسبرين.
التاريخ يحدثنا أنه في عهد محمد علي الألباني بمصر كان العلم والتقانة يدرّسان باللغة العربية، وأن اليابانيين في بداية نهضتهم بالقرن التاسع عشر أرسلوا بعثة للقاهرة درست تجربة محمد علي التعليمية التنموية، وطبقها اليابانيون فوصلوا إلى ما وصلوا إليه . ثم جاء الاستعمار البريطاني بأرض الكنانة فعين اللورد كرومر الذي سيطر لمدة ربع قرن على التعليم بمصر وأنجلزه
نتمنى من أصحاب القرار في مصر الثورة أن يدرسوا ما كتبه العالم الكبير محمد رضا محرّم وأن يطبقوا ما رآه، وألا يحصروا تطلعاتهم في السياسة فقط، لأن وجود الأمة العربية مرتبط بهُويتها القومية، وبالتنمية الاقتصادية والاجتماعية الناجحة، وهذا لا يتحقق إلا بتوطين علم العصر؛ والتوطين لا يكون إلا باللغة القومية.
الخلاصة:
أولا: الرابط الوحيد الذي بقي يربط العرب بعضهم ببعض هو اللغة العربية وسط هذا التفتت الجغرافي والقطري والاقتصادي والسياسي.
ثانيا: المطلوب الحد من استعمال اللهجات وبخاصة في الفضائيات، وإلزام المعلم ابتداء من السنة أولى ابتدائي وحتى نهاية الجامعة أن يلقي درسه بالفصحى. وفرض الفصحى على الأفلام والإذاعات والفضائيات وعلى السمعي البصري عموما.
ثالثا: تعريب المحيط كأسماء المحلات التجارية والشركات بعربية سليمة.
رابعا: الطب والتقانة بسورية يعلمان بالعربية منذ 1920، وبالسودان منذ 1991 ، وليس غريبا أن جامعات جنوب السودان رفضت التعريب حتى قبل الانفصال.
خامسا: الغرب يريد أن يبقي العرب تابعين لغويا له وذلك بضرب لغة الضاد، فدستور العراق الأمريكي في مادته 5 ينص على ما يلي: "لكل إقليم أو محافظة اتخاذ أي لغة محلية أخرى لغة رسمية إضافية".
وبناء على ذلك ألقت زوجة جلال الطلباني رئيس جمهورية العراق الحالي في اجتماع دولي نسائي في روما كلمتها باللغة الكردية.
سادسا: الأمل كل الأمل في أرض الكنانة، العرب كلهم ينتظرون أن تتخذ الدولة المصرية قرارا بتعريب الطب والتقانة، فتلحق بسورية والسودان. وأن تعمل على حفظ وترقية بل وسيادة لغة الضاد في سائر الميادين. وأنا على يقين بأن الحكومة والمعارضة يتفقان على ذالك. ونقول مرة ثانية بأن مصر هي قاطرة الوطن العربي، فإن عربت لحقت بها الأقطار العربية الأخرى.
|