www.arabnc.org
   
الصفحة الرئيسة
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
المشاركون في الدورة ا
المشاركون في الدورة ا
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول المشاركين 30
جدول المشاركين 31
جدول المشاركين 32
جدول المشاركين 33
الأول 1990
الثاني 1991
الثالث 1992
الرابع 1993
الخامس 1994
السادس 1996
السابع 1997
الثامن 1998
التاسع 1999
العاشر 2000
الحادي عشر 2001
الثاني عشر 2002
الدورة الطارئة 2002
الرابع عشر 2003
الخامس عشر 2004
السادس عشر 2005
السابع عشر 2006
الثامن عشر 2007
التاسع عشر 2008
العشرون 2009
الواحد والعشرون 2010
الثاني والعشرون 2011
الثالث والعشرين 2012
الرابع والعشرون 2013
الخامس والعشرون 2014
السادس والعشرون 2015
السابع والعشرون 2016
الثامن والعشرون 2017
التاسع والعشرون 2018
الثلاثون 2019
الواحد والثلاثون 2022
الثاني والثلاثون 2023
الثالث والثلاثون 2024
القائمة البريدية
بحث
تصغير الخط تكبير الخط 
العدالة الاجتماعية إعداد د. زياد حافظ 25 ((العدالة الاجتماعية في الوطن العربي 25))

المؤتمر القومي العربي
ARAB NATIONAL CONFERENCE


المؤتمر الخامس والعشرون                                             التوزيع: محدود
20 – 21 حزيران/يونيو 2014                                     الرقم: م ق ع 25/وثائق 5
بيروت - لبنان                                                         التاريخ: 20/6/2014
 



العدالة الاجتماعية في الوطن العربي**


د. زياد حافظ*


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، أمين عام المنتدى القومي العربي.
** لا تعبر هذه الورقة بالضرورة عن رأي الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي.
*** لا يجوز نشر هذه الورقة كلاً أو جزءاً إلا بموافقة تحريرية من إدارة المؤتمر.
 

العدالة الاجتماعية في الوطن العربي

مقدمة
في مقاربتنا للتطورات للعدالة الاجتماعية في الوطن العربي لا بد لنا من تحديد منطلقات تلك المقاربة. ونقصد بذلك عدّة مواقف نعتبرها من الثوابت في التشخيص للمشهد العربي.  نقول بكل صراحة أن العدالة الاجتماعية، وبغض النظر عن الملابسات التي ترافق تحديدها وتعريفها، نقول أن هذه العدالة غائبة بسبب الثالوث المدمّر للمجتمعات العربية أي الاقتصاد الريعي والفئوية والفساد.  لقد عالجنا بالتفصيل في أبحاث عديدة عن تلك العلاقة  واليوم نعتبرها منطلقا لأي مقاربة في التشخيص وفي تحديد الحلول للمشكلة.  أما المنطلق الثاني لمقاربتنا هو أننا نستبعد حل مشكلة الثالوث (الريع، الفئوية، الفساد) في إطار الدولة القطرية.  فالتحوّل إلى اقتصاد إنتاجي لم يعد ممكنا في إطار الحدود الموروثة من الحقبة الاستعمارية وبالتالي السياسات الاقتصادية التنموية في الأقطار بكافة ابعادها لا يمكن أن تقوم إلاّ في إطار الدولة الوحدوية بغض النظر عن الشكل الدستوري الذي يمكن أن تتخذه.  لا نوافق على الكلام الذي يركّز على "الخصوصيات" العائدة لكل قطر لاحترام سيادتها بل نعتبرها مطية وحماية لمصالح ضيّقة مستفيدة من السلطة والحكم للإستمرار في جني الثروات على حساب الجماهير.  نعي أن هذه المصالح قوية ولها إمكانيات ضخمة وستبذل ما لديها لمنع الوحدة العربية التي تشكّل في رأينا السبيل الوحيد للخروج من أتون التخلّف والجهل والتبعية والتهميش.  فوحدة الأمة في إطار الدولة الواحدة هي الحل.  والأزمات التي تواجه الأقطار لا يمكن أن تكون الحلول لها إلاّ قومية في البنية والاتجاه وذلك حفاظا على المصلحة الوطنية القطرية والسلم الأهلي داخل كل قطر.  فالحل الوحدوي يحافظ على وحدة القطر وليس العكس.
ليس من السهل استعراض التطورات في تحقيق العدالة الاجتماعية في الوطن العربي في ظروف الحراك الشعبي الذي ما زال يعمّ معظم الأقطار.  فسورية ما زالت تخوض حربا دفاعية في مواجهة عدوان كوني على الدولة والمجتمع والدور القومي والإقليمي رغم أحقية المطالب الاصلاحية ومنها تحقيق العدالة الاجتماعية في بداية الحراك قبل عسكرته وإجهاضه.  وما زال اليمن في وسط المخاض التحاوري للخروج من اتون الحرب الأهلية.  وفي تونس الخضراء ما زال الحراك السياسي يعمّ الفضاء التونسي في الاصلاحات الدستورية والمطالب التي قد تحقق العدالة الاجتماعية.  والعراق يشهد تدهورا أمنيا سببه التهميش لأحد مكوّنات المجتمع وأيضا بسبب وجود المجموعات المسلّحة المتشدّدة التي تسعى إلى إقامة الخلافة في بلاد الرافدين وبلاد الشام. وفي سائر الأقطار هناك ترقّب للتطورات السياسية في الدول المجاورة والهاجس الأمني يسيطر على كافة الأجندات.  إلاّ في لبنان ومصر حيث المطلب الاجتماعي أحرز تقدما ملموسا في الخطاب السياسي.
لكن لا بد من طرح بعض القضايا المنهجية في مقاربة العدالة الاجتماعية للتمكن من رصد التطوّرات بشأنها.  وهذا ما سنحاول عرضه بشكل سريع في المقطع الأول لهذه الورقة.  أما في مقطع لاحق فسنركّز على المشهد في بعض الدول العربية كمثال عن إشكالية الموضوع في ظل الاقتصاد الريعي والنظام الفئوي والنظام الرأس المالي القائم فيها.

قضايا منهجية
أبرز المشروع النهضوي العربي الذي أصدره مركز دراسات الوحدة العربية عام 2010   بعد أن استغرق أكثر من عشرين سنة في البحث والنقاش بين ممثّلي التيّارات الفكرية والسياسية للأمة العدالة الاجتماعية كبعد من الأبعاد الستة لذلك المشروع.  وعلى ما يبدو نرى وجود "العدالة الاجتماعية" في صلب الخطاب السياسي العربي عند النخب المثقّفة سواء قبل إطلاق المشروع النهضوي العربي أو بعده.  لسنا هنا في إطار تأريخ هذه المسألة في الخطاب السياسي العربي نكتفي بالإشارة أن ثورة 23 يوليو المجيدة ونهج الرئيس الراحل الخالد الذكر جعلا مسألة العدالة الاجتماعية الحلقة المركزية في السياسة التنموية والسياسية تبنّاها عدد من الأقطار العربية.  لكن ما لفت نظرنا هو عدم تحديد وتعريف العدالة الاجتماعية.  فإذا كنّا بالفطرة نتحسس بضرورتها إلاّ أن تحديد معالمها ما زالت قيد الاجتهاد والتباين.
في مؤتمر للمنتدى للبحث الاقتصادي الذي عقد في القاهرة في شهر آذار 2014 تحدّث عدد من الباحثين المرموقين عن إشكالية العدالة الاجتماعية.  فهناك إشكالية في المنهج كما هناك إشكالية في السياسة.  ففي المنهج هناك مسألة قياس العدالة الاجتماعية.  أما في السياسة فهناك العلاقة المغيّبة حسب بعض الباحثين بين السياسة التنمية والعدالة الاجتماعية .  لسنا في إطار سرد كافة الاجتهادات في هذا الموضوع لضيق الوقت والمساحة ولأنه يأخذنا إلى فضاء فكري خارج إطار هذا المؤتمر.  لذلك نتمنّى بل نوصّي بعقد ندوة أو ورشة عمل فيما بعد حول القضايا المنهجية في قياس العدالة الاجتماعية. لكن، نعتقد أنه من الضروري تحديد قدر الإمكان معالم العدالة الاجتماعية وشروطها.  في هذا السياق، نرتكز على ما قدمه المجلس الوطني للمرأة في مصر من عرض لمفاصل العدالة الاجتماعية

أولا- العناصر المكوّنة للعدالة الاجتماعية. اعتمدت المؤسسات الدولية، ومنها منظّمة الأمم المتحدة، ومعها منظمات المجتمع المدني في عدد من الأقطار العربية كمصر ، المكوّنات التالية:
التوزيع العادل لناتج النمو العام (علما أن تحديد ما هو عادل في التوزيع ما زال بعيدا عن الاجماع والوضوح)؛
القضاء على سياسات التمييز والإقصاء والتهميش الاجتماعي؛
المساواة بين الجنسين (وإن كانت هناك اجتهادات متباينة في ذلك الموضوع)؛
تعزيز حقوق المهاجرين والأقليات (وهذه من إفرازات الخطاب عن "الآخر" بينما حقوق "الأكثرية" ما زالت مخطوفة من قبل النخب الحاكمة!)؛
تكافؤ الفرص، وهنا أيضا مسألة في نسبية التكافؤ.
ثانيا- الأهداف. الأهداف عديدة نستخلص منها:
العمل على تقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين مكوّنات المجتمعات العربية بغية إلغائها؛
توفير ما يمكن توصيفه بالإنصاف والتوزيع العادل للثروة الوطنية، وهذا يخضع لمعايير استنسابية تتغير مع المكان والزمان،
التمتع بثمار التنمية الاجتماعية بغية الوصول إلى مجتمع الرفاهية.
تلتقي هذه المكوّنات والأهداف مع معظم ما جاء في المشروع النهضوي العربي الذي كرّس ست صفحات في تعريفه وتحديد أهدافه والإشكالية الاقتصادية السياسية العائدة له .  ففيما يتعلّق ب"الإشكالية" فهي ناتجة عن اعتماد الاقتصاد الليبرالي القائم في الأقطار العربية كمخرج لحمايته وليس فقط لتصحيح أخطائه .  واعتبر محرّرو المشروع أن الحل يكمن في إيجاد بنية ملائمة لملكية وسائل الإنتاج، ومنظومة سياسات يتعيّن اتباعها، والتفكير في آليات تسهّل تجسيد العدالة الاجتماعية في الواقع العربي وتعززه" .  لذلك، فإن رصد تطوّرات التي قد تحصل في تحقيق العدالة الاجتماعية تشمل "البيئة الملائمة لملكية وسائل الإنتاج" (دون تحديد ملامحها!)، إضافة إلى "السياسات" التي يجب اتباعها، و"الآليات" إذا وجدت أو قيد الإنجاز!

البيئة والسياسات والآليات خلال حقبة الحراك الشعبي العربي (2011-2014)
لا شك أن دافعا رئيسيا للحراك الشعبي الذي شهدته عدة أقطار عربية هو غياب العدالة الاجتماعية كما تفهمها الجماهير.  فبالحس الفطري تعتبر هذه الجماهير أن الفقر والجهل والتهميش والتمييز بين مكوّنات المجتمع هي محاور العدالة الاجتماعية المفقودة أو المغيّبة.  لكن بالمقابل فإن النخب السياسية الحاكمة أبدت حرصها على الحفاظ على الوضع القائم بدلا من معالجة الفجوات بين مكوّنات المجتمع.  فالبقاء في السلطة هو المحرّك الأول للنخب وبالتالي لا ترى إلاّ المقاربة الأمنية للحراك الشعبي.  البحرين مثل، ولبنان مثل آخر، وكذلك الأمر في العراق.  الدول الأخرى منهمكة في الصراع الدموي كمصر وسورية واليمن وإلى حدّ ما في السودان والجزائر.
أولا- في مسألة ملكية وسائل الإنتاج.  لم نلحظ أي قرار سياسي في كافة الدول العربية يتناول إعادة النظر في ملكية وسائل الإنتاج.  فالدول التي تعتمد نهج اقتصاد السوق تنظر إلى ضرورة تقليص دور القطاع العام في الدورة الاقتصادية وملكية وسائل الإنتاج في القطاعات الإستراتيجية كالنفظ والغاز والمواد الأولية المستخرجة والمرافق الإستراتيجية.  كما أن معظم الدول العربية اعتمدت وصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في ضرورة تقليص نفقات الدولة واللجوء إلى خصخصة المرافق العامة وذلك بنسب متفاوتة بين بلد وبلد.  خلال الحراك الشعبي الأخير لم يتغير الوضع عن ما كان عليه قبل الحراك.  فالمشاكل البنيوية ما زالت قائمة والسجال حول جدوى الخصخصة ما زال قائما.  ويمكن القول أنه في ظل الحراك وعدم الاستقرار السياسي والأمني فمن الصعب أن تقدم الحكومات على مراجعة "البيئة الملائمة" لملكية وسائل الإنتاج.  وليس من المؤكد أن الحكومات التي سيفرزها الحراك الشعبي قد تقدم بالضرورة على مقاربة العدالة الاجتماعية من باب إعادة النظر في ملكية وسائل الإنتاج ودور القطاع العام في المسألة التنموية.  سيكون ذلك الأمر في صلب الخطاب والسجال السياسي بين مختلف مكوّنات المجتمعات العربية.  لا يوجد حتى الآن خطاب سياسي يتطرّق بشكل مباشر إلى تلك المسألة حتى عند تلك القوى التي تحمل همّ المسألة الاجتماعية والاقتصادية سواء كانت قومية أو إسلامية أو يسارية.  أما القوى الليبرالية فمعتقدها واضح هو الجنوح نحو القطاع الخاص وآليات السوق لتصحيح "الأخطاء" أو الانحرافات التي تؤدّي إلى تمركز الثروة في يد القلّة والتأثير على القرار السياسي.  ونشك في إمكانية نجاح ذلك الحل.
ثاينا- في مسألة السياسات.  لم نلحظ اي تطوّر في السياسات التي تعالج أو تصبّ في إشاكلية العدالة الاجتماعية فالأقطار العربية التي شهدت حراكا شعبيا، وما زالت حتى هذه الساعة، لم تستقر على نوع من الحكم والحكومة وبالتالي السياسات التي يمكن من خلالها رصد التطوّرات الممكنة أو المرتقبة في تحقيق العدالة الاجتماعية.  نعتقد أن التركيز في مقاربة التطوّرات ما زال مبكرا وغير ذي جدوى طالما الحراك الشعبي لم يفض إلى استقرار سياسي وأمني يمكّن الحكومات من مقاربة الموضوع.
أما الدول التي استطاعت أن تتجنّب (حتى الآن) حراكا شعبيا يعيد النظر في تركيبة نظام الحكم وشكله فما زالت السياسات المعتمدة قائمة، اي معالجة شكلية وبيسطة للتهميش الاجتماعي والتمييز ومكافحة الفقر والجهل.  اقدمت بعض الدول على إقرار بعض الإصلاحات لتجنّب الحراك الشعبي كما حصل في المغرب أو في سلطنة عمان أو في الشروع في النفقات ورفع الرواتب والأجور كنوع من المخدّر للآلام الاجتماعية كما حصل في الجزيرة العربية.  أما في لبنان فما زالت الطبقة الحاكمة ممعنة في تجاهل المطالب الشعبية الحياتية والتهميش والتمييز.
ثالثا- الآليات.  في غياب حسم الخيارات في تحديد "البيئة الملائمة لوسائل الإنتاج" وفي الغياب المتعمّد لسياسات تحقّق العدالة الاجتماعية فمسألة الآليات تصبح شكلية في أحس الأحوال وغير ذي معنى في الواقع.  إلا أن تحسم الخيارات السياسية للبيئة الملائمة لوسائل الإنتاج ودور القطاع العام في الدورة الاقتصادية والإنتاج وفي ظل غياب السياسات التي تقارب مسألة العدالة الاجتماعية فلا داعي للتكلّم عن آليات لتطبيقها.

في غياب العدالة الاجتماعية: المشهد العام للدول العربية
إذا اعتبرنا أن العدالة الاجتماعية مرتبطة بسياسات التنمية الاجتماعية اي القضاء على الفقر المطلق، ودعم العمالة الكاملة على سبيل المثال وليس الحصر نجد أن النظام السياسي والاقتصادي القائم في الدول العربية لا يراعي مبادئ العدالة الاجتماعية واسس التنمية الاجتماعية.  فالتركيز في النظام القائم هو على الربح السريع والتركيز في التوظيفات في الأدوات المالية على حساب القطاع الإنتاجي.  فمعدّلات الفقر تحقق أرقام قياسية في فلسطين المحتلة وقطاع غزة وفي مصر وفي لبنان وفي العراق وفي جميع الأقطار العربية بما فيها دول الجزيرة العربية الغنية بالنفط والغاز.  فمعدلات الفقر في المملكة العربية السعودية أجبرت الملك عبد الله بن عبد العزيز على صرف المليارات من الريال لزيادة الأجور وتخفيف من حدّة الفقر كما تبنّت الحكومة سياسة "سعودة" المؤسسات في القطاع الخاص لتوظيف الشباب السعودي العاطل عن العمل بغض النظر عن مستوى الكفاءات والمهارات المطلوبة والتي قد يفتقدها الشباب السعودي.  هذه السياسة أدّت إلى تباطؤ في نمو المؤسسات الاقتصادية بسبب الخلل البنيوي في هيكلية التوظيف العائد إلى عدم تأهيل الشباب السعودي لتحمّل مسؤوليات العمل.  ويعود ذلك الخلل للنظام التربوي القائم في المملكة حيث يتخرّج الآلاف من الشباب من جامعات تركّز على القضايا الدينية بدلا من القضايا العلمية.  هذه الملاحظة تنجرّ على كافة الدول العربية التي تحتاج إلى مراجعة شاملة وجذرية للنظام التربوي القائم بغية تحقيق عدة أهداف منها الأهلية للوظائف الجديدة التي تفرضها التقنيات الجديدة والتكنولوجيا الحديثة ومنها المدخل للتجدّد الحضاري.  
نلفط النظر أن إحصاءات البطالة غير دقيقة وما هو منشور هو أقل من الواقع.  فالحكومات محرجة في إبراز الدلائل القاطعة على فشل سياساتها الاقتصادية والتنموية مما خلق بيئات حاضنة لأفكار عبثية مدمّرة للمجتمعات العربية حيث أصبح الشباب العربي بسبب إحباطه وبسبب الفساد القائم فريسة لأفكار ومماراسات تؤدي في آخر المطاف إلى الهلاك.
نستعرض في الفقرات التالية المشهد في بعض الدول العربية على سبيل المثال وليس الحصر بسبب ضيق الوقت والمساحة:

مصر
التغيير الذي حصل في مصر أوصل المشير عبد الفتاح السيسي إلى سدّة الرئاسة.  في خطاب الاحتفال الذي تلى مراسم التنصيب والقسم أكّد الرئيس السيسي على محورية العدالة الاجتماعية.  فالخطاب الذي ألقاه عالج "البيئة الملائمة" لوسائل الإنتاج كما أكّد على دور القطاع العام دون إغفال القطاع الخاص.  طبعا، ليس هناك من تفاصيل حول السياسات والإجراءات ولكن فحوى الخطاب يبشّر بمعالجة قضايا العدالة الاجتماعية.  فمقاربة الرئيس السيسي لواقع الريف والفلاّحين وضرورة إعادة تشغيل المصانع والمشاريع الكبيرة وتأكيده على دور المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأهم من كل ذلك الإلتفات إلى الشباب يعني أن معظم محاور الإخفاق في تحقيق العدالة الاجتماعية في العقود السابقة سيتم معالجتها.  كما قطع على نفسه والتزم أمام الشعب المصري تحقيق تلك الأهداف خلال الأربع سنوات القادمة.  لا ندري كيف سيتجاوز إرشادات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ونتمنّى أن لا يأخذ بها لأنها مدمّرة لرفاهية الشعب المصري. كما لا ندري إذا سينجح في تلك السياسة ولكن ما يمكن أن نؤكّده هو أن الأمة العربية بكاملها ستراقب عن كثب ما سيقوم به الرئيس السيسي وحكومته من سياسات وآليات تنفيذية تنجز العدالة الاجتماعية المنشودة.

سورية
جوهر الحراك الشعبي في بداية الحراك في سورية هو الإصلاح السياسي حيث تشعر شرائح واسعة من مكوّنات المجتمع السوري أنها مهمّشة سواء بسبب انتمائها الجغرافي أو الريفي أو القطاعي.  أراد البعض أن يضيف البعد الطائفي والمذهبي ليغيّب جوهر المشكلة وهو التناقض بين فئات مستفيدة من سياسات اقتصادية أدّت إلى تحييد المكاسب التي حققتها فئات عديدة خلال العقود الماضية والأكثرية من الشعب.  نسجّل وعي القيادة السورية في أحقّية تلك المطالب وضرورة إعادة الاعتبار إلى القطاع الإنتاجي وإلى الريف والقطاع الزراعي والصناعات الصغيرة والمتوسطة.  هذه القطاعات تضررت من سياسة "الانفتاح الاقتصادي" (أي اللبرلة وإطلاق يد الاقتصاد الطفيلي) والتحوّل إلى قطاع الخدمات وخاصة الخدمات المالية والعقارية وعلى حساب القطاعات المنتجة.

لبنان
إن ما يحصل في لبنان الرسمي (حكومة وبرلمان) هو على نقيض ما يريده الشعب اللبناني.  ففي غياب المؤسسات الدستورية والتعطيل المتعمّد لما تبقّى منها كمجلس النواب ومجلس الوزراء يدّل بوضوح على مستوى اهتراء النظام السياسي في لبنان.  فمن أزمة نظام وحكم نتجّه إلى أزمة كيان.  ولكن رغم كل ذلك يأتي الحراك النقابي الذي عبر الطوائف والمناطق ليطرح عبر قضية سلسلة الرتب والرواتب والأجور مسألة العدالة الاجتماعية والتهميش المتعمد للإدارة العامة وللقطاع التربوي العام.  يأتي هذا التهميش وفقا لنظرية مغلوطة تروّجها النخب الحاكمة المتواطئة مع أمراء الحرب والمال للقضاء على الدولة وإن رفعت شعار "العبور إلى الدولة".  فموقف الكتل السياسية من قضية سلسلة الرتب والأجور ومن قضية قانون الإيجار يطرح على بساط البحث علاقة القوى السياسية بمكوّنات الشعب اللبناني.
موقف النخب الحاكمة في لبنان هو تقليص دور الدولة.  ويتجلّى ذلك في القطاع التربوي حيث تراجعت نسبة الإنفاق من إجمالي النفقات الحكومية على التربية في لبنان من 10بالمائة عام 2004 إلى أقل من 8 بالمائة عام 2011. وحسب أرقام البنك الدولي، فإن نسبة الإنفاق على التربية في لبنان في عام 2007 وصلت إلى 2,7% من الناتج المحلي، والى 9،6% من الانفاق الحكومي.  مقارنة على ما كان عليه الوضع قبل الحرب الأهلية كانت النسب أعلى بكثير.  كما أن عدد الطلاب في مدارس القطاع العام تقلّص من 348000 تلميذ للعام الدراسي 2003-2004 إلى 276000 للعام الدراسي 2011-2012، أي بتراجع 72000  تلميذ . 
إن مسح المشهد التربوي في لبنان ليس من اهداف هذه الورقة.  اشرنا إليه فقط من باب المثال لدعم الحجة التي تؤكد الإخفاق المتعمد للنخب الحاكمة في لبنان على انجاز العدالة الاجتماعية عبر تقليص دور الدولة والقطاع العام، أي وأد "البيئة الملائمة" للسيطرة على وسائل الإنتاج، ومنها التعليم.  أما في السياسات فالموقف المخزي لهذه النخب من مطالب الهيئات النقابية في قطاع التعليم وفي الادارة العامة خير دليل على نهج النظام القائم المنقطع كلّيا عن هموم الناس.

خاتمة
لم نقدم على مسح شامل للمشهد الاجتماعي وفقدان العدالة فيه لأسباب موضوعية كضيق الوقت والمساحة وتشابه المشاهد في مختلف الأقطار.  إن الخلاصة التي وصلنا إليها هي متعددة الجوانب:
أولا- هناك التباس في التعريف والمنهجية لتحديد مفهوم العدالة الاجتماعية وإن كان حسّ الجماهير بالفطرة يتجاوز الصعوبات الفكرية العائدة لها.
ثانيا- إن الإضافة التي تقدمّ بها المشروع النهضوي العربي في مسألة "البيئة الملائمة لوسائل الإنتاج، والسياسات، والآليات لإنجاز العدالة الاجتماعية مفيدة لرصد التطوّرات العائدة لها.
ثالثا- بناء على ذلك يمكننا القول أن العدالة الاجتماعية ما زلت غائبة أو مهمّشة في أحسن الأحوال والأفق السياسي الذي قد ينجزها ما زال غامضا إلى أن يحسم الحراك الشعبي الخيارات السياسية وتستقرّ الأوضاع.
رابعا- إن فقدان العدالة الاجتماعية يعود لكون الدول القطرية الموروثة من الحقبة الاستعمارية مبنية على قاعدة النظام السياسي الفئوي المرتكز على الاقتصادي الريعي وتوزيعه وعبر آلية الفساد.  فكيف يمكننا أن نتوقع من الأنظمة القائمة على تلك القاعدة أن تأتي بحلول تحيّد نتائج الفئوية بينما تستند تلك النخب الحاكمة على العصبية الفئوية؟
خامسا- وفقا للمنطلقات المحددة في مطلع هذه الورقة والملخّصة في الخلاصة السابقة نعتقد أن أفق إنجاز العدالة الاجتماعي في الدولة القطرية محدود وأنه لا بد من "حلّ قومي" مبني على قاعدة الدولة الواحدة بغض النظر عن شكلها الدستوري.