المؤتمر القومي العربي
ARAB NATIONAL CONFERENCE
التوزيع: محدود
الرقم: م ق ع 28/وثائق 6
التاريخ: 12/5/2017
ـــــــــــــ
المؤتمر الثامن والعشرون، 12 – 13 أيار/مايو 2017، بيروت - لبنان
جدلية العلاقة بين الديمقراطية والحرب بالوكالة **
أ. أحمد كامل*
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عضو المؤتمر القومي العربي، مدير مخيم الشباب القومي العربي سلبقاً.
** لا تعبر هذه الورقة بالضرورة عن رأي الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي.
جدلية العلاقة بين الديمقراطية والحرب بالوكالة
احمد كامل البحيري
"تعانى العديد من الدول العربية حالة من "الضغط" غير مسبوقة على أمنها القومى، خلال السنوات الأخيرة، التى شهدت ما يعرف بثورات "الربيع العربي"، وهو ما احدث حالة من الإختلالات الهيكيلية الحادة فى الدولة والمجتمع ـ لاتزال تأثيراتها قائمة ـ أفرزت "مصادر تهديد معقدة"، انعكست بشكل مباشر علي مستويات الديمقراطية والحريات بالدول العربية والتي تم اكتساب المزيد منها في اعقاب "الحراك الشعبي بالدول العربية"، تلك التحديات والتهديدات التي يواجهها الامن القومي للوطن العربي شكل فريقين لكلا منهما وجهة نظر الفريق الاول: يري الحديث عن الديمقراطية ترفا سياسيا، في ظل التحديات الامنية التي تواجه دول المنطقة، والفريق الاخر: يري ان الديمقراطية مسار لتحقيق الاستقرار ومواجهة مجمل التحديدات الامنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بالدول العربية، ومدخل حقيقي لاعادة بناء الدول المنهارة. وبعيدا عن واقعية اي الفريقين وان كانت وجهة النظر الثانية هي الاقرب الا ان الحديث عن الديمقراطية يرتبط بعد ٦ سنوات من "الحراك الشعبي"، بتحديين رئيسيين، مواجهة الارهاب وفوضي الطائفية. ان مواجهة هذين التحديين محدد رئيسي لمسار ومستويات الديمقراطية الا ان التطبيق الديمقراطي هو مدخل لمواجهة هذين التحديين وتحديات اخري.
التحدي الاول: الحروب بالوكالة.
يشهد الوطن العربي، تغيرات بصورة متواترة في السياسات والاتجاهات الأمنية القائمة والتي غالباً ما اعتادت عليها خلال العقود السابقة سواء تلك التي تتبعها الدولة داخلياً أو التي تتبعها الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في سياستها الخارجية تجاه المنطقة، ويرجع ذلك إلى حالة السيولة الأمنية التي تعاني منها المنطقة وغموض مسار الأحداث في ظل تنامي تنظيم داعش والجماعات الإرهابية في العديد من الدول العربية.
وهذا ما جعل نمط "الحرب بالوكالة Proxy War" منذ إنتهاء الحرب الباردة- أحد الخيارات الهيمنه السياسية التي أصبحت تروق إليها الدول خارجياً، حيث زاد لجوء الإدارة الأمريكية إلى الحرب بالوكالة منذ بداية القرن الحادي والعشرين في سياسات التدخل الخاصة بها في المنطقة.
حيث تطوَّرت الأنماط التقليدية للحرب لتتحول إلى ما عرفه العالم باسم "الحرب بالوكالة"، لدعم الدول الكبرى بعض القوى العسكرية داخل الدول الصغرى. وبينما شهد العالم القديم العديد من الحروب من نمط الحروب بالوكالة، فإن هذا الحروب انتشرت بصورة كبيرة في العالم الحديث خصوصًا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وأثناء مرحلة الحرب الباردة، ولكن لم يشير المؤرخون إلى بداية محددة لظهورها.
وعرَّف عالم السياسة، كارل دويتش نمط "الحرب بالوكالة" في بداية ظهوره-بأنه "صراع دولي بين اثنين من القوى الأجنبية على أرض بلد ثالثة، ومحاولة التستر لإظهار أن الصراع يدور حول قضية داخلية في تلك البلد، مستغلاً القوى البشرية وموارد وأرض تلك الدولة كوسائل أساسية لتحقيق الأطماع الخارجية والإستراتييجات الأجنبية".
ومؤخراً، انتقد أندرو مومفورد هذا التعريف، لكونه يتمحور حول الدولة بصورة كبيرة، وبدلاً من ذلك اعتبر أن الحرب بالوكالة هي "الصراعات التي يتدخل فيها طرف ثالث بشكل غير مباشر للتأثير على النتائج المُحرزة لصالح الفصيل المُفضل ".
وبشكل عام، يُشير مفهوم الحرب بالوكالة إلى الفترات التي توجد فيها قوى كبرى سواء كانت إقليمية أو دولية تتنافس على النفوذ في منطقة ما أو في العالم بشكل عام، وترغب هذه القوى في تجنب حروبًا مباشرة بينها، فتبدأ في زيادة نفوذها من خلال التدخل في بعض الدول الأصغر والتي تمثل قيمة استراتيجية أو جغرافية أو اقتصادية، أو تقوم هذا القوى بدعم بعض الجماعات أو الأحزاب السياسية لإسقاط أنظمة مواليه لأعدائها أو معادية لها.
وتعتبر الحرب بالوكالة هي حرب خاصة تُدار من خلف الكواليس، وهي حرب الكل ضدّ الكل بدون التدخل الخارجي المباشر في الشّؤون الداخلية لهذه الدول، وتشمل تحالفات نمط الحرب بالوكالة عادة توفير المال والأسلحة والموارد أو التدريب من قبل الدول إلى الجماعات غير الحكومية في مقابل قتال الأخيرة بالنيابة عن مصالح السابق. وتعتبر هذه التحالفات جذَّابة للدول لأنها غير رسمية وسرية وتعمل في ظل النظام الدولي.
بداية التحول العالمي إلى نمط "الحرب بالوكالة" وأسبابه؟
أصبحت الدول المتعادية أو المتنافسة في ظل النظام الدولي القائم، تلجأ إلى صيغة بديلة للحروب وهي الحروب بالوكالة، عندما يكون هناك إقرار باستحالة المواجهة المباشرة، وتعنى تلك الحروب قيام أحد الأطراف الكبار بالدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع واحد أو أكثر من حلفاء الطرف الآخر، ويُفضل الأخير عدم التدخل المباشر في الحرب، مكتفيا بتقديم الخبرات والمعدات والمشورة العسكرية لحليفه دون أن يقحم جيشه في المواجهة.
ويرجع تفضيل العديد من الدول الحرب بالوكالة بسبب ترددها في استخدام القوة بشكل مباشر، حيث تقدم هذه الدول الدعم المالي والعسكري لجماعات من دون الدول، وينطبق ذلك على قرار أوباما بتسليح المتمردين في سوريا في ظل التقشف الأمريكي وحالة الحذر العام السائدة في الإدارة الأمريكية تجاه التدخلات الخارجية واسعة النطاق بعد فشل التدخل الأمريكي في العراق وأفغناستان.
فما يشهده الوطن العربي في الوقت الراهن من اضطرابات تطور بعضها ليصبح عنفاً مسلحاً، ما هو إلا تطبيقٌ واضحٌ لنمط الحرب بالوكالة للحفاظ على المصالح الإستراتيجية الغربية.
وقد أصبحت الدول الغربية، ترى أن نمط الحرب بالوكالة هي الخيار الأمثل لتحقيق أطماعها في المنطقة العربية بتكاليف زهيدة مقارنة بالتدخل العسكري المباشر، لاسيما في ظل الأزمات المالية والاقتصادية التي تعاني منها الولايات المتحدة وحلفائها، وذلك سعياً إلى الحصول على مزيد من النفوذ والأرباح.
وحتى قبل الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة لا تشارك في حروب الوكالة، وكانت أغلب الصراعات دولة ضد دولة، وحتى بعد الحرب العالمية الثانية وصعود الاتحاد السوفيتي، أصبح لدى الولايات المتحدة اتجاه لتعديل سياستها الخارجية والعسكرية بما يلائم مكانتها كدولة القيادة للعالم. وكان أسلحة الدمار الشامل الدافع الرئيسي للحرب بالوكالة، حيث رأى كلا الطرفين أن الحرب النووية كافية لردع كل منهما.
ومن أبرز الدروس المستفادة للغرب وروسيا بالطبع خلال فترة الحرب الباردة، هو عدم خوض أي حرب في المستقبل بطريقة مباشرة، مهما كانت الأسباب، ولكن هذا لا يعني عدم وجود صراع حقيقي بين القوى الكبرى في العالم، خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة.
فخلال الحرب الباردة، كان الإتحاد السوفييتي يُقوي حلفاؤه، ويمدهم بالقدرات العسكرية التي تمكنهم من مواجهة الولايات المتحدة. فقد قدَّم دعما لا بأس به لجمهورية فيتنام وكوبا مما ساعد الأولى في إلحاق الهزيمة بالقوات الأمريكية وتوحيد فيتنام، بينما قام في الأخيرة بإدخال منظومة صواريخ محملة برؤوس نووية، مما جعل العالم يقترب من حافة حرب نووية، في واحدة من أكثر الأزمات حدة، ولكن انتهت تلك الأزمة بسحب الإتحاد السوفييتي لصواريخه من كوبا وبتعهد أمريكي بعدم مهاجمة كوبا.
وهكذا رعى كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي القوى الكبرى آنذاك- أنظمة إقليمية ومنحتها قدراً من القوة، يُمكنهما من خدمة أيديولوجيتهما. هذا الامر يتنامي بشكل سريع من قبل الدول الكبري حيث تتجه وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، بشكل متزايد الى تدريب القوات الاجنبية لدول مثل النيجر واليمن وافغانستان بهدف تعزيز قدراتها لمحاربة المتمردين في اراضيها حتى لا تضطر القوات الأميركية للقيام بذلك عبر التدخل العسكري المباشر.
وأصبحت الإستراتيجية الأمريكية في التدخل خارجياً تعتمد بشكل كبير على الحرب بالوكالة، منذ إعلان ريتشارد نيكسون في مطلع عام 1971 مبدأ الحرب بالوكالة بعد الهزيمة الاميركية في فيتنام، والمغزى من ذلك المبدأ يكمن في إسناد مسؤولية الحفاظ على المصالح الأميركية إلى بعض القوى الاقليمية الرئيسية المرتبطة بالمصالح والسياسات الغربية في المنطقة عن طريق دعمها عسكرياً.
ولا ترتبط التحالفات بالوكالة بمدى ديمقراطية النظام القائم أو قوة الدولة، فبالنظر إلى التاريخ نرى أن مجموعة واسعة من الدول الديمقراطية والاستبدادية بغض النظر عن حجم قوتها، شاركت في حروب بالوكالة. فمثلاً، دعمت الولايات المتحدة المتمردين في أفغانستان بالمال أثناء الحرب الباردة وأنجولا ونيكاراغوا وكردستان العراق، ودعمت الهند المسلحين في شرق باكستان وسريلانكا.
ملامح "الحرب بالوكالة" في الوطن العربي.
أصبح المشهد في الوطن العربي يقتصر إلى حد كبير على جانبي السعودية وطهران، فما كان من بعض الدول إلا أن انضمت إلى أحد الجانبين أو فضَّلت عدم الانزلاق في المنافسة الإقليمية بين اثنين من الدول الكبرى في المنطقة، وما كان من الولايات المتحدة إلا ارتباك حساباتها في المنطقة، وخاصة بعد الاتفاق الإيراني الأخير.
وطبقاً للوضع القائم والتطورات الأخيرة بشان الملف النووي الإيراني، فإن الموقف الذي تتبعه الولايات المتحدة بعدم التدخل يشير أنها لن تتدخل في المنطقة، مما يحتم على السعودية البحث عن حلفاء حقيقيين لها على المستوى الإقليمي ، كتركيا وبعض الدول العربية، فاصبحت الأزمة السورية والعراقية واليمنية على وجه الخصوص، نموذج للحرب بالوكالة بين قوى إقليمية وأخرى دولية.
التحدي الثاني: الفوضى الطائفية.
حالة الفوضى الطائفية بدأت أن تظهر بشكل ملاحظ عقب الغزو الأمريكى للعراق وما تبعة من أحداث تقسيم بدأت بالعراق وما تبعها باليمن ، وهي احدي اهم الركائز السياسية في الاستراتيجية الجديدة للدول الاستعمارية بالمنطقة العربية.
ترجع جذور الفكر الفوضى فى تدشين وخلق السجال السياسى إلى "نيكولا مكيافللى" أحد رواد النفعية الواقعية؛ وذلك عند الحديث حول أن " النظام ينشأ من الفوضى " . وإن كان لم يتحدث عن الفوضى السياسية (وفقا لنظرية الدومينو) ولكن كعملية تدرجية تضمن التسلسل الطبيعى للتغير الإصلاحى وفقا للأهداف الضمنية وليست المعلنه .
الفوضى تهتم باليقين الإضطرابى والإختلال وبيان حالة من اللانظام تؤثر سلبا على حركة المجتمعات الانسانية والسياسية؛ وهو ما أطلق عليه تباعا صموئيل هنتنغتون فى حديثة عن "فجوة للإستقرار" معللا بكونها الحالة التى يشعر بها المواطن ما بين ما هو كائن وما ينبغى أن يكون. وما ينعكس بصفتها وإتساعها على الاستقرار .
ولخلق حالة من الفوضى الداخلية ؛ لابد وأن يتم تغذية ذلك الإتجاة بعدد من العوامل يأتى فى مقدمتها إطلاق حالة من الصراع والتخبط العرقى ما بين مختلف الطوائف والاقليات الداخلية ؛ وذلك ما نشاهدة بصفة مستمرة فى كلا من لبنان والعراق وسوريا ؛ ومؤخرا فى اليمن وغيرهم العديد .
كذلك؛ من ضمن تلك الإستراتيجيات الفوضوية ؛ تعزيز الصراع ما بين العصبيات مثل ما يحدث من تناحر ما بين القبائل الليبية .مما يضرب بالإستقرار والأمن الداخلى والإقليمى خاصة عندما تتدخل عامل " السلاح" كعنصر في تلك الصراعات لخلق حالة عدم الإستقرار الداخلى بناءا على صراع العصبيات الطائفى .
هذا المشهد المتنامي يدل علي سعي دائم من قبل القوي الاستعمارية سواء الدولية او الاقليمية لصياغة خريطة جديدة بالمنطقة العربية تقوم علي حدود العرق والطائفة والقبيلة.
وفي النهاية ان اول خطوات مواجهة التحديات من جهة وتطبيق وتعزيز الديمقراطية من جهة اخري هو تطبيق العدالة الانتقالية والتي تعتبر القاطرة الحقيقة لتحقيق الاستقرار وخلق اصطفاف وطني لمواجهة مجمل الاخطار والتهديدات القائمة والمحتملة.
العدالة الانتقالية مدخل لتطبيق الديمقراطية
خلال السنوات الست الماضية تصارعت القوي السياسية العربية بعضها البعض ما بين مؤيد ومعارض للحراك الشعبي العربي ببعض الدول العربية، حيث وصل هذا الصراع لمرحلة من المواجهة المباشرة والتي اخذت في بعض الاحيان تكفير وتخوين البعض ومطالبة كل طرف بالقضاء علي الطرف الاخر، تلك الحالة المستمرة من الصراع السياسي والذي انعكس علي مكونات المجتمع تزيد من حالة عدم الاستقرار ومزيد من التدخل الخارجي وتنامي لظاهرة الفوضي الطائفية، وهو ما يتطلب الاتفاق علي تطبيق مسار العدالة الانتقالية كمدخل حقيقي لبناء وتماسك الدول العربية، وهناك العديد من النماذج الدولية والاقليمية للعدالة الانتقالية والتي حققت نجاح في تماسك المجتمع وتاتي التجربة الجزائرية واحدة من التجارب الهامة في تحقيق العدالة الانتقالية حيث واجهت الجزائر العديد من التهديدات ومنها العمليات الارهابية سواء من حيث قوة العمليات الارهابية خلال فترة التسيعينيات او ما تم خلال العشر سنوات الاخيرة من عملية انتقال نسبي من العنف الي الاستقرار فقد خاضت الجزائر فترة توصف (بالعشرية السوداء)، حيث قُتل خلال هذه الفترة نتيجة أعمال العنف والإرهاب نحو 250 ألف مواطن جزائري، وتعاقب على حكم الجزائر خلال هذه الفترة ثلاثة رؤساء إلى أن جاء الرئيس "عبد العزيز بوتفليقة" بمشروعه الذي مثَّل انفراجه للوضع في الجزائر وإنهاء الصراع والعمليات الإرهابية. ومن ثم؛ فإنه من الأهمية تناول هذه الإستراتيجية بالبحث والتحليل للاستفادة منها ومدي ملائمتها للوضع بدول المنطقة.
أصدرت الحكومة الجزائرية في 23 فبراير 1989 دستوراً جديداً يسمح بالتعددية السياسية والانفتاح السياسي وإنهاء الاحتكار السياسي لجزب الجبهة الوطنية للتحرير وبناءً عليه تأسست العديد من الأحزاب السياسية (قرابة ثلاثون حزب)، ومن ثم خاضوا الانتخابات ومع إجراء أول انتخابات تشريعية في أواخر عام 1991 حققت "الجبهة الاسلامية للإنقاذ" فوزاً كاسحاً في البرلمان لم تكن الحكومة تتوقعه ولا قيادة الحزب نفسه تتوقعه، وبناءً عليه قامت الحكومة بإصدار مرسوم رئاسي قضى بتعليق سلطات المجلس الشعبي الوطني، واستقال الرئيس "الشاذلي بن جديد"، وعنئذ تولى المجلس الأعلى للدولة وهي مؤسسة لم ينص عليها الدستور ضمت خمسة أعضاء برئاسة "محمد بو ضياف".
وفى الدورة الثانية للانتخابات التشريعية مُنعت الجبهة الاسلامية للإنقاذ من مزاولة نشاطها السياسي. كما فرضت الحكومة سلسلة كبيرة من التدابير على الحريات العامة بموجب قانون حالة الطوارئ، أدى ذلك إلى مواجهات عنيفة وتصاعدت وتيرة العنف مما أدى إلى سقوط قرابة 250 ألف قتيل، وعشرات الآف من المفقودين، وحوالي مليون مشرد، وأضرار في البنى التحتية قُدرت بــ20 مليار دولار.
وخلال فترة العشر سنوات أتى إلى الحكم ثلاثة رؤساء قبل الرئيس "عبد العزيز بوتفليقة" هم: "محمد بو ضياف"، "على كافي"، "ليمين زورال" وجميعهم فشلوا في وقف عمليات العنف والإرهاب باستخدامهم القوة، إلى أن تولي الرئيس "عبد العزيز بوتفليقة" عام 1999 وقدم مشروعه "الوئام المدني" والذى يعتبر مفتاح الانفراج وبداية حقيقية لإنهاء الحرب والصراع الداخلي.
قانون الوئام المدني ( العدالة الانتقالية)
جاء الرئيس "عبد العزيز بوتفليقة" عام 1999 بمشروعه "الوئام المدني"، فقد عرضه في يوليو 1999 على البرلمان ليدخل حيز التنفيذ، ووفقاً لخطة القانون؛ تم تصنيف جماعات العنف إلى ثلاث فئات في حال عودتهم للدولة فضمن ثلاث تدابير هم: الاعفاء عن المتابعات، الوضع رهن الارجاء، وأخيراً؛ تخفيف العقوبات، وتم استثناء من القانون من قتل.
وفيما يتعلق بالفئة الأولى الخاصة بالإعفاء من المتابعات؛ فإنها تشمل من انتمى إلى منظمة او جماعة غير قانونية لكنه لم يرتكب أو يشارك في أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة 87 مكرر من قانون العقوبات، وأدت الى قتل شخص أو سببت له عجزاً دائماً أو اغتصابات او لم يستعمل متفجرات في أماكن عمومية، شريطة إبلاغ الجهات المختصة خلال ستة أشهر ابتداء من صدور القانون.
أما بالنسبة للفئة الثانية الخاصة بمن هم رهن الارجاء؛ والذى يعنى المتابعة حتى التأكد من حسن سلوكهم وسلامة نواياهم وصدقها، فهم من سبق لهم الانتماء إلى إحدى المنظمات الغير قانونية وأبلغوا السلطات المختصة بتوقفهم عن كل نشاط تخريبي وحضروا تلقائيا أمامها، ويستثنى من هذه الفئة من شاركوا في ارتكاب جرائم أدت إلى قتل شخص أو تقتيل جماعي أو اعتداءات بالمتفجرات في الأماكن العامة.
وأخيراً؛ الفئة الثالثة الخاصة بتخفيف العقوبات؛ يستفيد منها الذين أشعروا السلطات بتوقفهم عن كل نشاط تخريبي وحضروا تلقائياً أمامها، وقد اختلفت المدد الخاصة بهم فمثلاً من كانت عقوبته الإعدام أو السجن المؤبد تم تخفيفها إلى 12 سنة، والذى كانت عقوبته ما بين 10 و20 سنة تم تخفيف عقوبته ومدته إلى سبع سنوات فقط، والمحكوم عليهم بعشر سنوات انخفضت مدتهم إلى ثلاث سنوات فقط، وأية عقوبات أخرى تخفف للنصف.
وفى النهاية على الرغم من الانتقادات الموجهة والاخطاء التي وقع فيها النظام الجزائري الحالي في المصالحة الوطنية، إلا أن الوضع الآن أصبح أفضل كثيراً مما كان عليه خلال العشر السنوات منذ بداية التسعينيات في القرن العشرين حتى بداية الألفية الثانية وعودة الحياة الطبيعية للجزائر، فهل يمكن ان تكون التجربة الجزائرية فيما يمكن ان نطلق عليه (العدالة الانتقالية) مدخل لبعض دول المنطقة لتحقيق الاستقرار؟
واخيرا: الديمقراطية بالمنطقة العربية تواجهة الكثير من التحديات، وهي في نفس الوقت الاداة الوحيدة القادرة علي حل اغلب المشاكل والتحديات والتهديدات، فالديمقراطية ليست ظاهرة تاريخية او شعار سياسي بل جوهرة عملية التغيير وبناء مجتمع الحرية والعدالة والمواطنة، فالديمقراطية ليست حزمة الحقوق السياسية للمواطنين بل هي السبيل الوحيد للتعبير عن حقوق المواطنيين السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتعزز استقلال القرار الوطني وحائط الصد ضد اي تدخلات خارجية والطريق الوحيد لمعالجة النزاعات التي تضرب اغلب الدول العربية وتحقق السلم والتماسك الاجتماعي.
المراجع
(١) Jordan Shilton,"Britain’s anti-terror law and the global assault on democratic rights", 21 May 2015, Available at:
https://www.wsws.org/en/articles/2015/05/21/pers-m21.html
(٢) " David Cameron to fast-track tough anti-terror laws", Telegraph, 13 May 2015, Available at: http://www.telegraph.co.uk/news/uknews/terrorism-in-the-uk/11600927/David-Cameron-to-fast-track-tough-anti-terror-laws.html
(٣) " Canadian anti-terror bill opens door for human rights abuses", theguardian, 27 February 2015, Available at: http://www.theguardian.com/world/2015/feb/27/canada-anti-terror-bill-threat-democracy-stephen-harper
(٤) " Malaysia: New anti-terrorism law a shocking onslaught against human rights", amnesty ,7 April 2015, Available at: https://www.amnesty.org/en/latest/news/2015/04/malaysia-new-anti-terrorism-law-a-shocking-onslaught-against-human-rights/
(0) " Senate scrambles to renew Patriot Act surveillance clause as clock ticks", 21 May 2015, Available at: http://www.theguardian.com/us-
news/2015/may/21/senate-scrambles-patriot-act-nsa-surveillance-deadline
(٦) عماد الدين حسين، " المادة التى صار رقمها ٣٥"، الشروق، 18 أغسطس 2015، متاح على: http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=18082015&id=9ea902e0-955b-4ccf-9295-9b85d2ad14dc
(٧) " Anti-terror laws undermine democracy", 3 November 2014, Available at: http://www.smh.com.au/comment/antiterror-laws-undermine-democracy-20141102-11fmui.html
(٨) " Anti-terror laws could breach human rights", Dailymail, Available at: http://www.dailymail.co.uk/news/article-88104/Anti-terror-laws-breach-human-rights.html
|