www.arabnc.org
   
الصفحة الرئيسة
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
المشاركون في الدورة ا
المشاركون في الدورة ا
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول المشاركين 30
جدول المشاركين 31
جدول المشاركين 32
جدول المشاركين 33
الأول 1990
الثاني 1991
الثالث 1992
الرابع 1993
الخامس 1994
السادس 1996
السابع 1997
الثامن 1998
التاسع 1999
العاشر 2000
الحادي عشر 2001
الثاني عشر 2002
الدورة الطارئة 2002
الرابع عشر 2003
الخامس عشر 2004
السادس عشر 2005
السابع عشر 2006
الثامن عشر 2007
التاسع عشر 2008
العشرون 2009
الواحد والعشرون 2010
الثاني والعشرون 2011
الثالث والعشرين 2012
الرابع والعشرون 2013
الخامس والعشرون 2014
السادس والعشرون 2015
السابع والعشرون 2016
الثامن والعشرون 2017
التاسع والعشرون 2018
الثلاثون 2019
الواحد والثلاثون 2022
الثاني والثلاثون 2023
الثالث والثلاثون 2024
القائمة البريدية
بحث
تصغير الخط تكبير الخط 
التقرير السياسي 32 ((التقرير السياسي 32))

التوزيع: محدود

الرقم: م ق ع 32/وثائق 7

التاريخ: 30/7/2023

 

المؤتمر الثاني والثلاثون

30 – 31 تموز/يوليو 2023

بيروت - لبنان

 

"التقرير السياسي:

ما يعد استشراف التحوّلات في العالم والإقليم والوطن العربي

تقدير موقف"**

د. زياد حافظ (لبنان/أمريكا)*

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي (2015-2018)

** لا تعبر هذه الورقة بالضرورة عن رأي الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي.

 

التقرير السياسي: ما يعد استشراف التحوّلات في العالم والإقليم والوطن العربي

تقدير موقف

د. زياد حافظ (لبنان/أمريكا)

مقدمة

هذه الورقة هي استكمال للأوراق السابقة التي قدّمت للمؤتمر القومي العربي والأمانة العامة في السنوات الأخيرة حيث تمّ رصد التحوّلات في العالم والإقليم والوطن العربي. وتؤكّد هذه الورقة أن تقديرات المؤتمر القومي العربي بالنسبة للتحوّلات على الصعيد العالمي والإقليمي والعربي كانت صائبة ودقيقة مما يجعل اعادتها تكرارا غير ضروري. ففي هذه الورقة ستُعرض عناصر موازين القوّة للمحورين العالميين المتصارعين مع المستجدّات التي تؤكّد مسار الأمور كما ستحاول استشراف تداعيات تلك التحوّلات على الصعيد العالمي والإقليمي والعربي.

في الأوراق السابقة كانت رؤية المؤتمر القومي العربي أن العالم يشهد صراعا بين مشروعين كبيرين. المشروع الأول الصاعد مكوّن من الكتلة الاوراسية ومعها مجموعة دول البريكس ومنظمة شنغهاي وسائر دول الجنوب الإجمالي، وبقيادة روسيا والصين. وهذا التكتّل في بنيته الأساسية تكتل سياسي اقتصادي وأمني وصاحب مشروع متكامل له تفاهماته العسكرية والأمنية ولكن لم يرتق حتى الان إلى مستوى التحالف العسكري كنظيره في الكتلة المضادة. وهدف المشروع هو إعادة ترتيب العلاقات الدولية على القواعد التالية: احترام سيادة الدول وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول من قبل المجموعات الدولية، إعادة الاعتبار للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحددة، احترام خصوصيات الدول وثقافاتها، وبناء علاقات ثنائية ومتعدّدة الأطراف على قاعدة اربح-اربح وليس على قاعدة اللعبة الصفرية التي فرضها الغرب وما زال يحاول فرضها حيث الغرب رابح وسائر العالم خاسر.

اما المشروع الثاني فتقوده الولايات المتحدة مع دول الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي وطابعه عسكري سياسي واقتصادي وأمني مع التركيز على طابعه التنظيمي العسكري. وهذا المعسكر المتراجع والآفل إلى حد الانهيار ما زال في حال انكار لواقعه ومتمسّكا بمبدأ هيمنته التي فرضها في حقبة الاستعمار القديم والذي تحوّل إلى نظام معوّلم يتنكّر للخصوصيات والهويات الوطنية والقومية والدينية والجنسية. واصحاب هذا المشروع يحاولون التمسّك بمقدّرات العالم في الطاقة والمواد الأولية عبر سيطرتهم على شرايين المال والمؤسسات المالية الدولية. والنظام النيوليبرالي الذي يريدون فرضه تحت شعار مفهومهم الخاص للديمقراطية عبر منظومة الاحكام والقيم التي يسوّقونها حتى بالقوّة العسكرية وصل إلى طريق مسدود لا يستطيعون الخروج منه. وأصحاب هذا المشروع هم مجموعة الدول الغربية أو الجي 7 يضاف إليها استراليا ونيوزيلندا وبقيادة الولايات المتحدة. التقدّم في المحور الأول كان في البداية على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، واليوم على الصعيد العسكري والقيمي، بينما التراجع في المحور الآخر كان على الصعيد العسكري والسياسي والاقتصادي واليوم على الصعيد القيمي والأخلاقي.

أما دول الوطن العربي وفي المنطقة بما فيها الجمهورية الإسلامية في إيران فكان الانقسام بين مشروع المقاومة والممانعة للكيان الصهيوني والهيمنة الغربية التي تقوده سورية والجزائر وإلى حد ما في العراق على صعيد الدول والمقاومة في لبنان وفلسطين والعراق واليمن على صعيد القوى الشعبية ومعها على الصعيد الإقليمي الجمهورية الإسلامية في إيران. أما المشروع الثاني فكانت تقوده بلاد الحرمين ومعها دول مجلس التعاون الخليجي ومصر وسائر دول المغرب العربي وهو مشروع مناهض للمقاومة في مواجهة الكيان الصهيوني والهيمنة الغربية. فكانت المحاولة لاستبدال الصراع مع الجمهورية الإسلامية في إيران بالصراع مع الكيان الصهيوني وما رافقه من فتن بين مكوّنات المجتمعات العربية. الجديد في هذا الموضوع هو تراجع حدّة الصراع بين المشروعين لأن ذلك الأمر ناتج عن صمود محور المقاومة وخاصة سورية في مواجهة العدوان الكوني عليها. فهذا الصمود مكّن كل من روسيا والصين التقدّم على المسرح الدولي بينما كانت دول الغرب منهمكة في محاولة رسم الخرائط السياسية والاقتصادية لدول الوطن العربي بشكل عام وخاصة في غرب آسيا.

الورقة ستقارب المستجدّات من منظور موازين القوّة الذي تشكّل قاعدة تقدير الموقف واستشراف المستقبل. فمكوّنات الموازين متحرّكة ويجب رصدها بدقة لأنها هي المفتاح لقراءة المشهد على الصعيد السياسي والعسكري والاقتصادي والمجتمعي والثقافي. ومنطلق قراءتنا للمشهد الدولي والإقليمي والعربي هو التأكيد على صعود ارث مؤتمر بندونغ الذي يتمثّل بمجموعة دول البريكس والكتلة الاوراسية والمؤسسات الناتجة عنها والتي ينضم اليها عدد كبير من الدول منها دول عربية وإقليمية ومنها من دول الجنوب الإجمالي في إفريقيا وأميركا اللاتينية. فتجربة بندونغ افرزت عالم عدم الانحياز الرافض للهيمنة الغربية واليوم للعولمة التي يهيمن عليها الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص. لكن مؤتمر بندونغ وعالم عدم الانحياز لم يستطع بلورة مؤسسات اقتصادية ومالية تستطيع الوقوف في وجه الهيمنة الغربية تلاها فيما بعد تفكّك الاتحاد السوفيتي ودخول العالم في حقبة القطبية الأحادية وما أفرزت من عدم استقرار في العالم. لكن حقبة الأحادية القطبية انتهت بسبب صعود الكتلة الاوراسية ومعها دول الجنوب الإجمالي وانشاء مؤسسات بديلة عن المؤسسات الدولية التي كانت تتحكّم بها الدول الغربية، وبسبب التراجع الداخلي والخارجي لدول الغرب وللقطب الأحادي.

غير أن الصراعات التي شهدناها في غرب آسيا والان في أوكرانيا هي المحاولات الأخيرة لفرض هيمنة الغرب اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وربما عسكريا. ونتيجة لذلك يمكن القول بأن الغرب يحتضر وليس في الأفق ما يدلّ على إمكانية تغيير مسار الأمور بناء على قراءة مكوّنات موازين القوّة. بالمقابل، فالجنوب الإجمالي في مسار صاعد بسبب التحوّلات التي حصلت في كل من الغرب ودول الجنوب الإجمالي والتي أوجدت موازين قوّة في الجنوب الإجمالي لم تكن موجودة منذ عقود. هذا هو الخط البياني الذي رصدته الأوراق السابقة المذكورة إلاّ انها أشارت بشكل واضح أن الغرب بشكل عام والولايات المتحدة لن يستسلمان للمسار الحالي ويحاولان بشتّى الوسائل إما تغيير المسار أو تأخير نتائجه ولكن دون أي أفق يذكر. فما يملكه الغرب من قدرة دعائية يتلاشى مع التناقض الظاهر بين الخطاب السائد والوقائع على الأرض فيحاول إظهار حركات تكتيكية استعراضية كأنها تحوّلات استراتيجية ولكنها لا تتجاوز البعد الظرفي ولا تغيّر في موازين القوّة ولا تفرض تحوّلات في المسار العام إلاّ لمصلحة دول الجنوب الإجمالي.

الجزء الأول-موازين القوّة في تقدم دول الكتلة الاوراسية ودول الجنوب الإجمالي

مفهوم "موازين القوّة" مفتاح لفهم مسار الأمور في العالم وفي الوطن العربي. لكن ليس هناك من اجماع على تحديد عناصر تلك الموازين التي يحصرها البعض في القدرات الاقتصادية والعسكرية بينما نعتقد أن مروحة مكّونات موازين القوّة أوسع فمنها استراتيجي وثابت نسبيا كالجغرافيا مثلا ومنها ظرفي كرداءة القيادات والنخب ومنها وجودي إذا جاز الكلام كالصراع على البقاء ومقتضيات الأمن. وهذه العناصر المكوّنة قد يصعب قياسها بشكل دقيق وإن كانت تداعيتها واضحة ومفهومة ولكن غير خاضعة لمقياس موضوعي كالتماسك الاجتماعي في أي مواجهة مع خصم إما داخلي أو خارجي وذلك على سبيل المثال وليس الحصر. فالتنوّع قد يكون مصدر قوّة كما يمكنه أن يكون مصدر ضعف قاتل كما يحصل في المجتمعات التي تطغى عليها الهويات الفرعية على حساب الهوية الجامعة. ليس هدف الورقة الخوض في ذلك النقاش بل فقط الإشارة أن مروحة مكوّنات موازين القوّة قد تخضع لنقاش وإن اعتبرتها الورقة من المسلّمات.

أولا-مكوّنات موازين القوّة في دول الكتلة الصاعدة

ملاحظة عامة: تعتبر هذه الورقة أن عناصر موازين القوّة تنقسم إلى عدّة أقسام. فالقسم الذي يمكن قياسه بأرقام تعود إلى القدرات البشرية والجغرافية والعسكرية والمالية حيث المؤشرات متعدّدة وتعطي فكرة واضحة عن إمكانيات الدولة. وهناك نوع آخر يصعب قياسه بأرقام ولكنه في غاية الأهمية لفهم السلوك والقدرات على الصمود ومواجهة الاخطار الداخلية وأو الخارجية ويعود لطبيعة القيادات والموروث الثقافي والقيم والاخلاق. والنوع الثالث هو ما يمكن تسميته بالخطر الوجودي الذي يحوّل المجتمعات إلى قدرات قتالية لأن بقائها أصبح رهن نتائج الصراع وبالتالي تستطيع تتحمّل ما لا يمكّن تحمّله في ظروف عادية. وهذا النوع يشكّل في كثير من الأحيان الفارق الحاسم المباشر في موازين القوّة حيث الصراع على البقاء لا يختلف عن الغريزة الطبيعية في التمسّك بالحياة. فالصراع في أوكرانيا على سبيل المثال صراع وجودي بالنسبة لروسيا بينما للغرب بشكل عام وللولايات المتحدة هو مطلب توسّعي لتكريس الهيمنة. أما بالنسبة للعرب وخاصة للفلسطينيين فإن الصراع مع الكيان الصهيوني هو صراع وجودي. فلا نهضة للأمة إلاّ بالوحدة ولا وحدة في ظل التجزئة والكيان الصهيوني الأداة الأساسية للتجزئة. فلا تنمية ممكنة ولا استقلال للأقطار العربية والكيان الصهيوني قائم لذلك لا بد من مقاومة وجود الاحتلال والكيان الصهيوني. فهذا الدفع يحوّل الصراع من صراع في موازين القوّة إلى صراع في الارادات. وإرادة الحياة هي أقوى الارادات بينما الارادات الأخرى كالتوسع والهيمنة لا تشكّل دافعا للتضحية بكل شيء غالي. وهذا ما يقلب معادلة موازين القوّة المادية حيث التفوّق العسكري والاقتصادي ليس شرط كفاية بينما إرادة البقاء أمام الهجوم الخارجي هو أقوى دافع للمقاومة. وقد بات واضحا أن الاستسلام للإملاء الخارجي، سواء كان أميركيا أو صهيونيا أو غربيا، هو أكثر كلفة من التصدّي له. فهذا ما يجب أخذه في عين الاعتبار في تحديد وتقييم عناصر موازين القوّة. فصاحب قضية وجودية أقوى من صاحب مصلحة فقط لا غير.

1-القدرات الاقتصادية والمالية في المحور الصاعد

في تعداد القدرات الاقتصادية لا نعتمد حجم الناتج الداخلي الاسمي مقياسا أساسيا للقدرات لأن احتساب الناتج الداخلي لا يأخذ بعين الاعتبار الإمكانيات بل فقط ما يٌعتبر انتاجا. وفي هذا السياق العديد من الدول المتقدمة كالولايات المتحدة لها ارقام متضخمة في قياس الناتج الداخلي لأن مصدرا كبيرا للدخل يأتي من الأعمال الافتراضية كأرباح المضاربات المالية والعقارية التي لا علاقة لها بالإنتاج. لكن هذا حديث آخر أردنا فقط الإشارة أن حجم الناتج الداخلي قد يكون مقياسا مضلّلا ليقين القدرات الاقتصادية.

ا-الجغرافيا وعدد السكّان في المحور الصاعد

في طليعة القدرات الاقتصادية والمالية لمجموعة الدول الصاعدة الجغرافيا الاقتصادية والبشرية. فالمساحة التي تعود إلى تلك الدول تشمل معظم القارة الاسيوية، وكل القارة الإفريقية كل أميركا اللاتينية الوسطى والجنوبية. وتلازما مع المساحة الجغرافية فتقطن أكثرية البشرية الساحقة في تلك الدول بل تمثّل 90 بالمائة من سكّان العالم بينما عدد سكّان دول مجموعة الجي 7 لا يتجاوز 770 مليون نسمة أي ما يوازي 10 بالمائة من اجمالي السكّان (أكثر من 7 مليار نسمة). فالجغرافيا والبشرية معظمها الكاسح خارج سيطرة الدول الغربية. وإذا اخذنا بعين الاعتبار ان العديد من تلك الدول خارج مجموعة الجي 7 دول شابة أي أكثرية سكّانها تحت سن 35 فذلك يعني أن المستقبل هو لتلك الدول. بالمقابل دول الجي 7 تشيخ حيث وسيط الاعمار فيها هو حوالي 50 سنة. وإذا أضفنا انخفاض نسبة الولادة فهذا يعني انخفاض في عدد السكّان في تلك الدول في مستقبل قد لا يكون بعيدا. حاولت بعض الدول في الغرب التعويض عن ذلك عبر فتح باب الهجرة من قبل دول العالم الذي كانت تتحكّم إلاّ أن اختلاف الثقافات جعلت الاندماج أمرا صعبا ما خلق احتكاكات مع الشعوب الاصلية وخاصة في زمن الضيق الاقتصادي الذي يعمّ العالم الغربي. ليس من المهم الاستفاضة في البعد السكّاني على أهميته في البعد الاستراتيجي لمستقبل هذه الدول بل يكفي الإشارة أن السكّان مصدر قوّة في دول الجنوب الإجمالي بينما هو عنصر ضعف استراتيجي في الدول الغربية.

للأمانة، فإن بعض دول مجموعة البريكس تشيخ أيضا (باستثناء جنوب إفريقيا وإلى حد ما الهند) حيث نسبة الولادة للتجدّد السكّاني هي 2،1 بينما النسب في دول البريكس تتراوح وفقا لإحصاءات البنك الدولي لعام 2020 بين 1،28 (الصين)، 1،51 (روسيا)، 2،05 (الهند)، 1،65 (البرازيل)، و2،4 (جنوب إفريقيا). ويعود ذلك الانخفاض لسياسات خاطئة حاولت من تحديد النسل وفقا لنصائح الدول الغربية ولانخراط النساء في سوق العمل ما أدّى إلى نمو في الدخل ولكن على حساب زيادة أفراد العائلة. لكن الحجم عند الصين والهند يخفّف من وطأة التراجع في الولادة كما أن الحكومات المعنية تطبّق سياسات تساهم في زيادة السكّان عبر تشجيع الزواج (روسيا) وعدم تحديد عدد النسل (الصين). لكن نتائج تلك السياسات قد تأخذ بعض الوقت قبل أن تشهد تغييرا في بنيتها السكّانية لصالح الجيل الشاب.

  لكن في سائر دول الجنوب الإجمالي وخاصة في الدول العربية فإن نسبة الولادة هي 3،14 وفقا لإحصاءات البنك الدولي. أما وسيط الأعمار للدول العربية فهو 22 سنة مقارنة مع المعدّل للوسيط الدول الذي 28 سنة. لكن أهم رقم من كل ذلك هو أن حوالي 60 بالمائة من العرب هم دون سن ال 25 ما يجعل الشعب العربي شعبا فتيّا.

ب-مصادر الطاقة.

المصدر الثاني في ميزان القوّة هو امتلاك دول الجنوب مصادر الطاقة في النفط والغاز والمعادن وخاصة المعادن النادرة التي تدخل في صميم التكنولوجيات الحديثة بما فيها الذكاء الاصطناعي وعالم الآليات والروبوتات التي أصبحت مستقبل الصناعات المتطوّرة تكنولوجيا وخاصة في ميدان التسليح والبحث الفضائي. فعلى صعيد الطاقة تملك دول مجموعة أوبك 80،4 بالمائة من احتياط النفط العالمي البالغ حوالي 1،2 تريليون برميل وفقا لإحصاءات مجموعة دول الأوبك. وإذا أصفنا الى تلك المجموعة كل من روسيا والبرازيل والمكسيك فإن تلك الدول تملك أكثر من 94 بالمائة من احتياط النفط العالمي حتى آخر 2021.

أما على صعيد الغاز فروسيا تتصدّر الاحتياط بملكية 24،3 بالمائة تليها الجمهورية الإسلامية في إيران ب 17،3 بالمائة، ثم قطر ب 12،5 بالمائة وبلاد الحرمين ب 4،2 بالمائة وتركمنستان ب 3،8 بالمائة والامارات المتحدة ب 3،1 بالمائة، ما يوازي 68 بالمائة من الاحتياط العالمي حتى آخر 2017 وفقا لإحصاءات نشرها موقع ورلدوميتر (worldometer).

ت-المعادن

وفقا لموقع انفستوبيديا (Investopedia) فإن قائمة الدول العشرة الأولى التي تمتلك أكبر احتياطات في المعادن تشمل في معظمها دول الكتلة الاوراسية وبعض دول اميركا اللاتينية. والمعادن المقصودة هي المعادن التي تدخل في التصنيع الثقيل والخفيف (الحديد، النحاس، الكروم، النيكل، التنك، الزنك، على سبيل المثال) والصناعات صاحبة التكنولوجيات المتطوّرة (ليثيوم، جرمانيوم، تيتانيوم وذلك على سبيل المثال وليس الحصر).  والدول خارج مجموعة دول الجنوب الإجمالي في تلك القائمة هي الولايات المتحدة في المرتبة الثانية وتقدّر قيمة احتياطها في المعادن ب 45 تريليون دولار، ثم كندا في المرتبة الرابعة وتقدّر قيمة احتياطها ب 33،2 تريليون دولار، وأستراليا بالمرتبة الثامنة وتقدّر قيمة احتياطها ب 21،8 تريليون دولار. أما الدول الأخرى فروسيا تأتي بالمترتبة الأولى وتُقدّر قيمة احتياطها ب 75 تريليون دولار، فبلاد الحرمين تأتي بالمرتبة الثالثة وتُقدّر احتياطها ب 34،4 تريليون دولار، ثم الجمهورية الإسلامية بالمرتبة الخامسة وتُقدّر قيمة احتياطها ب 27،3 تريليون دولار، ثم الصين بالمرتبة السادسة وتُقدّر قيمة احتياطها ب 23 تريليون دولار. في المرتبة التاسعة هناك العراق وتُقدّر قيمة احتياطها ب 15،9 تريليون دولار. ويجب إضافة عدد من دول إفريقيا كغينيا والغابون وجمهورية الكونغو وجنوب إفريقيا كدول تحتوي على احتياطات كبيرة من المعادن وخاصة من المعادن النادرة. فالقارة الإفريقية أصبحت موقع تجاذب وتنافس بين الدول الكبرى الغربية والصين وروسيا للاستفادة من ذلك الاحتياط.

المهم هنا أن مجموعة روسيا والصين والجمهورية الإسلامية في إيران وبلاد الحرمين والعراق تمتلك من معادن لها الطابع الاستراتيجي ما يجعلها كتلة اقتصادية مستقبلية كاسحة وإن أصبحت الصين اليوم في المرتبة الأولى في التصنيع الثقيل والخفيف. ومشاريع التكامل المعروضة بمبادرة الحزام الواحد، او الوحدة الاقتصادية الاوراسية، يضع هذه الدول على عتبة نهضة اقتصادية غير مسبوقة.

ث-المواد الزراعية والغذاء

وفقا لموقع تراكتور غورو المختص بالشؤون الزراعية والغذاء تأتي الصين في المرتبة الأولى في الإنتاج الزراعي والغذائي تليها الولايات المتحدة في المرتبة الثانية، ثم البرازيل في المرتبة الثالثة والهند في المرتبة الرابعة وروسيا في المرتبة الخامسة. أما فرنسا وألمانيا واليابان فهي في المرتبة السادسة والسابعة والثامنة. وفي المرتبة التاسعة هناك المكسيك وتركيا في المرتبة العاشرة. هذا يعني أن الدول الوازنة في الجنوب الإجمالي ومعها الكتلة الاوراسية أكبر منتجين المواد الزراعية والغذاء ما يجعلها مؤثّرة في اقتصادات الدول المتقدمة وغير خاضعة للابتزاز الغذائي. فمع القدرات الصناعية والزراعية تصبح القدرات الاقتصادية في دول الجنوب الاجمال أهم مما هو موجود في الدول الغربية. والملاحظة الهامة هي أن روسيا تتصدّر قائمة العديد من القطاعات وأن لم تتصدرها فهي من أهم الدول المنتجة فيها. من هنا نفهم الهجوم الأطلسي على روسيا للاستيلاء على ثرواتها وتفكيكها فيما بعد إلى دويلات صغيرة متناحرة لا تستطيع منافسة الغرب. هذا هو جوهر الحرب في أوكرانيا.

ج-الناتج الداخلي

كما تمّت الإشارة أعلاه فإن مؤشر الناتج الداخلي ليس مقياسا دقيقا للقدرات الاقتصادية إلاّ أن معظم الدول الغربية ما زالت تعتمد ذلك المقياس كمؤشر عن حجم ونفوذ البلد. فالاستهزاء بحجم الناتج الداخلي الروسي (2.0 تريليون دولار) مقارنة مع الناتج الداخلي لبعض دول الأطراف في أوروبا كإسبانيا (1.5 تريليون دولار) أو إيطاليا (2.1 تريليون دولار) ساهم في سوء تقدير موازين القوّة في الغرب وفي تبنّي سياسات المحاصرة الاقتصادية والعقوبات على روسيا لدفعها إلى الانهيار والانقلاب على النظام القائم تمهيدا لتنصيب قيادات موالية للغرب تساهم في نهب ثروات روسيا قبل تفكيكها. فالناتج الداخلي الروسي لا يعكس القدرات الفعلية لروسيا ولمتانة اقتصادها الذي لم يصمد فحسب أمام العقوبات الصارمة المفروضة عليها من قبل دول الغرب بل استطاع ردّ العقوبات على أصحابها.

أما إذا اخذنا مقياس الناتج الداخلي بالنسبة للقوّة الشرائية (Purchasing Power Parity) فتأتي الصين في المرتبة الأولى تليها الولايات المتحدة ثم الهند ثم اليابان ثم المانيا. روسيا تأتي في المرتبة السادسة وقريبة من المانيا واليابان. نلاحظ هنا أن الصين والهند وروسيا في طليعة الدول للناتج الداخلي قياسا للقوّة الشرائية ما يدلّ على ان توقعّات هشاشة اقتصادات دول الجنوب الإجمالي غير دقيقة. واجمالي الناتج الداخلي بالقوّة الشرائية لدول البريكس يفوق إجمالي الناتج الداخلي بنفس المقياس لمجموعة دول الجي 7. فالناتج الداخلي للصين 33 تريليون دولار، والهند 13 تريليون دولار، وروسيا 5 تريليون دولار والبرازيل 4 تريليون دولار وجنوب إفريقيا تريليون دولار ومجموعها 56 تريليون دولار. أما دول الجي 7 فالناتج الداخلي للولايات المتحدة 26،7 تريليون دولار، تليها اليابان ب 6،4 تريليون دولار، ثم المانيا ب 5،5 تريليون دولار، ثم المملكة المتحدة وفرنسا ب 3،8 تريليون دولار، وأخيرا إيطاليا ب 3،3 تريليون دولار ومجموعها 51،9 تريليون دولار وذلك وفقا لإحصاءات صندوق النقد الدولي لسنة 2022. تقديرات البنك الدولي والمخابرات المركزية أقلّ نسبيا من تقديرات الصندوق إلاّ أن التراتبية هي نفسها. فدول البريكس تتفوّق على مجموعة دول الجي 7. فمجموعة دول البريكس تمثل على صعيد الناتج الداخلي 32 بالمائة من الناتج العالمي بينما دول الجي 7 لا تتجاوز 30 بالمائة. وإذا اضفنا سائر الدول خارج الجي 7 باستثناء نيوزيلاندا (279 بليون دولار) وكوريا الجنوبية (2،9 تريليون دولار) وأستراليا (1،7 تريليون دولار) فيصبح اجمالي الناتج الداخلي لمجموعة الدول الغربية وعددها 10 ما يوازي 56،8 تريليون دولار أي بالتوازن مع مجموعة دول البريكس. غير أن مجموعة دول البريكس وسائر دول الجنوب الإجمالي تمثّل 70 بالمائة من الناتج العالمي. فثقل الاقتصاد لم يعد في دول الغرب بل انتقل إلى دول البريكس وسائر دول الجنوب الإجمالي التي تمثّل 36 بالمائة من الناتج العالمي.

المشاريع الاقتصادية الثنائية وأو المتعدّد الأطراف بين كل من الصين وروسيا والهند وسائر دول الكتلة الاوراسية ستجعل هذه الدول كتلة اقتصادية لا تستطيع منافستها دول الغرب وذلك بسبب السياسات الاقتصادية التي ستستغلّ الموارد الطبيعية الهائلة المتوفّرة في روسيا وسائر دول الكتلة. الرهان هو نجاح مبادرة الحزام الواحد الذي يبتغي التواصل الفارق (hyperconnectivity) في البنى التحتية كما في قدرات التواصل والاحتساب والنقل.

ح-القدرات المالية

الإمكانيات الاقتصادية سواء كانت من الثروات المعدنية ومصادر الطاقة أو من القدرة الإنتاجية لدى دول مجموعة البريكس والكتلة الاوراسية وسائر دول الجنوب الإجمالي تنعكس أيضا في القدرات المالية. ووفقا لإحصاءات اعدّها صندوق النقد الدولي فإن مجمل الاحتياط في العالم من النقود والذهب وصل إلى أكثر من 12 تريليون دولار. مجموعة دول البريكس تملك أكثر من 4،8 تريليون دولار بينما مجموعة الدول الجي 7 لا تملك أكثر من 1،9 تريليون دولار. وإذا اضفنا احتياطي كل من استراليا ونيوزيلندا وجنوب كوريا فيصبح اجمالي الدول الغربية لا يتجاوز 2،4 تريليون دولار. هذا يعني أن مجموعة دول البريكس تملك ضعف احتياط الدول الغربية وإجمالي احتياط دول البريكس وسائر دول الجنوب يمتلك 9،6 تريليون دولار من أصل 12 تريليون دولار. إذا القدرات المالية موجودة في دول البريكس يضاف إليها دول الخليج العربي ما يجعل التنسيق المالي بينها قوّة مالية لا يستطيع الغرب منافستها.

من جهة أخرى لا بد من التكلّم عن شرايين المال حيث المؤسسات المالية الدولية والتابعة للدول الغربية كانت تتحكّم بحركة رؤوس الأموال في العالم. لكن حصل تغييرات في تراتبية المؤسسات. فعلى صعيد المصارف الدولية فإن أكبر أربع مصارف في العالم مصارف صينية تملكها الدولة الصينية وهي بنك الصين للصناعة والتجارة وتُقدر قيمة الأصول ب 5،5 تريليون دولار، يليها بنك اعمار الصين وتُقدّر قيمة الأصول ب 4،7 تريليون دولار، ثم بنك الزراعة وأصوله تُقدّر ب 4،5 تريليون دولار، وأخيرا في المرتبة الرابعة بنك الصين وتُقدّر أصوله ب 4،2 تريليون دولار. نلاحظ هنا مدى تقارب أحجام هذه المصارف.

المصرف الأميركي الأول في القائمة هو بنك جي بي مورغان شايز ويأتي في المرتبة الخامسة في تلك القائمة وتُقدّر قيم اصوله ب 3،3 تريليون دولار يليه بالمرتبة السادسة المصرف الفرنسي باريبا وقيمة أصوله تُقدّر ب 2،9 تريليون دولار. أول مصرف الماني هو دويتش بنك ويأتي في المرتبة 22 وتُقدّر اصوله ب 1،49 تريليون دولار. أول مصرف بريطاني يأتي في المرتبة 24 وهو مصرف باركليز وتُقدّر اصوله ب 1،43 تريليون دولار. المصارف الفرنسية والسويسرية واليابانية تسبق المصارف الألمانية والبريطانية. هذه القائمة تدلّ على النظام المصرفي الدولي لا تتصدّره المصارف الغربية التقليدية بل المصارف الصينية.

أما على صعيد المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي ومجموعة مؤسسات البنك الدولي والمصرف الأوروبي للاستثمار فلم تعد هذه المؤسسات تحتكر التمويل الدولي مع ظهور المصرف الاسيوي للتنمية والمصرف الاسيوي للبنى التحتية. ودول مجموعة البريكس تعمل على إيجاد بدائل عن النظام المصرفي الدولي خاصة في منظومة الرسائل المصرفية التي تحتكرها منظومة السويفت. كما أنها تعمل على إيجاد عملة تداول بديلة لتمويل الصفقات التجارية الدولية بعيدة عن الدولار. وإلى أن تتفق هذه الدول على صيغة العملة البديلة بدأت هذه الدول التعامل بالعملات الوطنية لتمويل الصفقات التجارية الثنائية مما شكّل بداية التخلّي عن الدولار في تسعير السلع وخاصة النفط والغاز وبالتالي التخلّي عن الطلب على الدولار الذي أعطى للولايات المتحدة امتيازات كبيرة لفرض هيمنتها على العالم. هذا ما رسخ عن القمّة الافتراضية التي عُقدت في نيودلهي في شهر تموز 2023 بين دول مجموعة شنغهاي حيث اتفاق على التخلّي عن الدولار وإيجاد عملة بديلة تستند إلى سلّة من العملات والذهب والاقتصادات وحيث لا تكون عملة دولة واحدة (أي الصين) مسيطرة على التداول الدولي. لذلك يمكن القول إن رغم ريادة الدولار في التجارة الدولية حتى الساعة فإن مكانته في تراجع مستمر حيث انخفضت نسبة الدولار في احتياطات العالم من 80 في بداية العقد الماضي إلى حوالي 60 بالمائة في 2023 والمسار هو على المزيد من التراجع. وبالتالي تفقد الولايات المتحدة تدريجيا أداة أساسية للهيمنة على اقتصادات وسياسات العالم. لن يختفي الدولار من الوجود لكنه سيصبح عملة من بين سائر العملات خاصة أن الولايات المتحدة فقدت قاعدتها الإنتاجية وبالتالي لتصدير السلع للعالم كما كان الحال في الستينات من القرن الماضي.

2-القدرات العسكرية لمجموعة دول الجنوب الإجمالي وتفوّق السلاح الروسي

القدرات العسكرية كانت ورقة رابحة للدول الغربية خلال الحقبة الاستعمارية وبعد الحرب العالمية الثانية وحتى بداية الألفية الثالثة. لكن كانت هناك ثغرات في البنية العسكرية للدول الغربية كٌشفت عوراتها في بداية الألفية الثالثة في العراق وفي أفغانستان وفي ليبيا وفي اليمن وحتى في الكيان الصهيوني. وتقييم القدرات العسكرية للمحورين المتصارعين يشمل تقييم العدد، والعتاد، والجهوزية، والأداء. أما دول العالم الجنوبي بما فيها دول الكتلة الاوراسية وفي طليعتها جيوش روسيا والصين والجمهورية الإسلامية وسورية فقدراتها العسكرية تمّ امتحانها في سلسلة من الحروب التي فرضها الغرب، وخاصة في غرب آسيا. فصمود الجيش العربي السوري في مواجهة العدوان الكوني على سورية أثبت ان الجيش العقائدي من الصعب هزيمته لأن طبيعة الصراع تحوّلت من صراع في موازين القوّة إلى صراع للإرادات والبقاء. والجيش العربي السوري وسائر الجيوش والقوى المنخرطة في محور المقاومة أصحاب قضية وليست أصحاب مصالح كما في جيوش الحلف الأطلسي. لذلك استطاعت قوّات اقل عددا وعتادا من قوّات الحلف الأطلسي أو وكلائه هزيمة قوّات الأطلسي في أفغانستان وفي حروب بالوكالة للأطلسي في كل من اليمن وسورية ولبنان والعراق، وغدا بمشيئة الله في فلسطين. فأداء دول وقوى محور المقاومة كان قيمة مضافة إلى فائض القوّة لدى روسيا والصين في مواجهة الحلف الأطلسي. ونضيف إلى ذلك أن أداء قوى محور المقاومة على مدى العقدين الماضين ساهم في استنزاف قدرات الأطلسي ووكلاءه في غرب آسيا وساعد كل من الصين وروسيا في إعادة بناء قوّاتها المسلّحة بشكل نوعي تفوٌّق على نظرائها في الحلف الأطلسي.

أ-العدد

تفيد الإحصاءات المتداولة حول عدد الجيوش أن الجيش الصيني هو أكبر جيش في العالم عددا ويقارب المليونين في الخدمة، يليه الجيش الهندي المقدّر بأكثر من مليون وأربع مائة ألف جندي، والجيش الروسي يأتي في المرتبة الخامسة في العالم وعدده أقل من مليون جندي في الخدمة. أما جيش البرازيل فعدده لا يتجاوز ثلاث مائة وسبعين ألف. جيش جنوب إفريقيا صغير بالمقارنة ولا يتجاوز عدده أكثر من أربعة وسبعين ألف. فإجمالي جيوش دول منظومة البريكس يقارب أربعة مليون وسبع مائة وخمسين ألف جندي، ناهيك عن الاحتياط. نكتفي بجيوش منظومة البريكس لأنها العمود الفقري للدول التي تواجه هيمنة الغرب. لم ندخل في الحساب جيوش المنظمة الاقتصادية الاوراسية ولا جيوش منظومة مؤسسة شنغهاي، ولا سائر دول الجنوب الإجمالي. لكن نضيف إلى ذلك قوّات الجيش العربي السوري والجيش الإيراني وقوّت منظمات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن التي تخوض حروبا مع وكلاء الأطلسي منذ أكثر من عشرين سنة.

ب-القوّة النارية والعتاد

غير أن ما عرضته القيادة الروسية من أسلحة متطوّرة لا مثيل لها حتى الساعة هي ما يعطي روسيا تفوّقا ملحوظا في نوعية السلاح. فتجربة صواريخ القورنيت (kornet) أثبتت فعّالية ذلك الصاروخ في مواجهة الدبّابات الصهيونية في لبنان وذلك على سبيل المثال وليس الحصر. والأسلحة الروسية الجديدة تشمل الصواريخ الفارقة لسرعة الصوت (او فرط صوتية) كصواريخ كينجال (مدى 2000 كم وسرعة ماك 12 أو 13،500 كم بالساعة) وزيركون (مدى 1000 كم وسرعة 9،000 كم بالساعة) والتي تتمتّع بمزايا الخلسة والمحمولة على قواعد ثابتة ومتحرّكة وفي الجوّ والبحر والتي لا تستطيع كشفها رادارات الحلف الأطلسي وخاصة الأميركية منها. هذا يجعل اساطيل الأطلسي خردقة عائمة وعواصم الحلف الأطلسي في مرمى نار تلك الصواريخ دون أن يكون لها أي رادع!  هذا السلاح النوعي الجديد يكسر التوازن العسكري بين روسيا واجمالي الحلف الاطلسي لصالح روسيا منفردة فما بال إضافة لها قدرات الصين وإيران والهند.

المقاربة التي يتمّ التركيز عليها هي بين الجيش الروسي والجيش الأميركي كمرجعيات فاصلة لتقييم التسليح والأداء العسكري في آن واحد. الغرب كان يرتكز على فرضية تفوّق الجيش الأميركي "الأقوى" و"الأكبر" في العالم لفرض الهيمنة. لكن الوقائع لا تشير إلى تفوّق فعلي بل افتراضي فقط مكّنته الالة الدعائية التي تشكّلها هوليوود. فالأفلام والمسلسلات التلفزيونية ساهمت منذ الحرب العالمية الثانية في تسويق "التفوّق" الأميركي غير أن النتائج على مدى الفترة الممتدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لا تدلّ على تفوّق ما وحتى نسبي على منافسيها آنذاك واليوم.

ج-الجهوزية العسكرية

ليس هناك من معلومات حول جهوزية الجيش الروسي أو الصيني إلاّ الأنباء عن المناورات المشتركة الضخمة برّا وبحرا وجوّا بين الجيشين وتوحيد القيادات العسكرية ميدانيا. هذا ما حصل فعليا في 2021 وما زالت الدوريات المشتركة في شرف آسيا قائمة. كما أن قوّات التدخل السريع لمنظمة الامن المشترك برهنت عن فعّاليتها في اخماد التمرّد في كازاكستان في 2022.

روسيا والصين تتمتّعان ببنية صناعية عسكرية متطوّرة جدا تستطيع الإنتاج السريع وبكلفة متواضعة نسبيا مقارنة مع نظيراتها الأميركية والبريطانية والفرنسية. فالهدف من هذه البنية إنتاج أسلحة فعّالة وفتّاكة وليس لتحقيق الأرباح للشركات التي تنتجها خلافا لما تقوم به نظيراتها الأميركية والغربية. هذه البنية الصناعية الروسية برهنت عن فعّاليتها في العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا كما برهنت على جهوزية في مواجهة أي تصعيد عسكري قد يقدم عليه الحلف الأطلسي. والأخير بنى مخطّطاته على فرضية خاطئة أن القدرة الصناعية في روسيا محدودة ولا تستطيع انتاج الأسلحة والذخيرة بالسرعة المطلوبة لمواجهة الأطلسي. ما كشفته الاحداث كانت قدرة روسيا على انتاج أضعاف ما تنتجه دول الأطلسي وفي فترة وجيزة وبكلفة أقل.