التوزيع:
محدود
الرقم: م ق ع 32/وثائق 3
التاريخ:
30/7/2023
المؤتمر
الثاني والثلاثون
30 – 31 تموز/يوليو
2023
بيروت - لبنان
" نحو بناء جبهة عالمية مناهضة للهيمنة الاستعمارية
ومساندة
الشعوب ونزع الشرعية عن الكيان الصهيوني "**
د. ماهر الطاهر (فلسطين/سورية)*
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نائب الأمين العام للمؤتمر القومي العربي،
** ** لا تعبر هذه الورقة بالضرورة عن رأي الأمانة العامة للمؤتمر
القومي العربي.
نحو بناء جبهة عالمية مناهضة للهيمنة الاستعمارية
ومساندة الشعوب ونزع الشرعية عن الكيان الصهيوني
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية
السابقة في أوائل التسعينات، حصل اختلال استراتيجي عميق في التوازن الدولي والنظام
العالمي، الذي أفرزته موازين القوى بعد الحرب العالمية الثانية.
سيطرت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية التي
خرجت منتصرة في الحرب الباردة على النظام العالمي الجديد.
وأصبحت شعوب العالم وخاصة شعوب الدول النامية أسيرة لما
سمي بنظام القطب الواحد ووحيد القرن الذي ولّد الكثير من المآسي والحروب والدمار
والطغيان على امتداد الكرة الأرضية.
وتم احتلال بلدان بأكملها وتدميرها ونهب ثرواتها،
ومقدراتها، وحصارها ودفع الوطن العربي، وبلدان العالم الثالث ثمناً باهظاً لهذا
النظام العالمي الجديد وعاشت قضية فلسطين أصعب مراحلها منذ نكبة عام 1948 حيث تم
تهميشها ومحاولة تصفيتها بشكل كامل، وتم وضع برامج ومخططات استعمارية، ورسم
سيناريوهات لخلق ما سمي بالشرق الأوسط الجديد، والشرق الأوسط الكبير، الذي تحدثت
عنه وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس أيام بوش الابن خلال عدوان تموز عام
2006 على لبنان أثناء مجزرة قانا، عندما قالت: أن المنطقة العربية "ستشهد
مخاض ميلاد شرق أوسط جديد" وهذا يعني بوضوح تكريس الكيان الصهيوني في الوطن
العربي ودمجه في بيئة المنطقة وجعله القوة المسيطرة اقتصادياً، وسياسياً، وأمنياً،
وعسكرياً وتطبيع علاقاته مع بعض البلدان العربية.
هذا النظام العالمي القائم على نظام القطب الواحد الذي
تسيطر فيه الولايات المتحدة الأمريكية، عانت منه البشرية على مدى أكثر من ثلاثة
عقود ودفعت أثماناً باهظة ولا زالت آثارها ماثلة للعيان حتى هذه اللحظة.
لكن هذا الواقع بدأ يتغير بصورة تدريجية ملموسة نتيجة
لصمود الشعوب من جهة، ونتيجة لصعود أقطاب دولية وازنة على رأسها الصين وروسيا
الاتحادية ودول أخرى، وتنامي دور قوى إقليمية صاعدة باتت تلعب دوراً مؤثراً في
السياسة العالمية.
تمكنت الصين الشعبية من بناء قوة اقتصادية عملاقة شكلت
تحدياً حقيقياً للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، واستطاعت روسيا
الاتحادية أن تقف على أقدامها من جديد، وتبدأ باستعادة وزنها ودورها على الصعيد
العالمي مما أدى إلى إقدام أمريكا وحلفاءها لتصعيد حدة الصراع مع روسيا والصين،
وتمدد حلف الناتو شرقاً لتطويق روسيا وحصارها وممارسة سياسة الابتزاز ضد الصين من
خلال موضوع تايوان.
ونتيجة لهذا التصعيد الأمريكي اشتعلت الحرب في أوكرانيا،
والتي هي في حقيقة الأمر حرب بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية،
وحلف الأطلسي، والتي تشكل عنواناً واضحاً للصراع بين نظام القطب الواحد الذي تسعى
الولايات المتحدة الأمريكية لاستمرار سيطرته، والنظام العالمي الجديد والمتعدد
الأقطاب الذي تسعى الصين وروسيا ودول أخرى إلى بلورته، لوضع حد لسياسة الهيمنة
الاستعمارية، ولذلك فإن البشرية تشهد اليوم مخاض ولادة نظام عالمي جديد، خاصة
عندما أعلن الرئيس الصيني في خطاب له في الأمم المتحدة، بأن نظام القطب الواحد قد
ولّى إلى غير رجعة، وعندما صرح قبل فترة وجيزة بأنه قد آن الأوان للتخلي عن هيمنة
الدولار كعملة عالمية، وكذلك مواقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أعلن بوضوح
أن العالم بات بحاجة إلى نظام عالمي جديد أكثر عدلاً وإنصافاً.
ولذلك، فإن الصراع العالمي يزداد حدة وشراسة، خاصة بعد
أن تم الإعلان أن الرئيس الأمريكي بايدن سيقدم ضمانات لأوكرانيا مشابهة للضمانات
المعطاة من أمريكا للكيان الصهيوني، كما تم الإعلان أنه سيتم نشر 100 ألف جندي من
حلف الناتو في بولونيا، الأمر الذي اعتبرته روسيا الاتحادية تهديداً مباشراً
لأمنها القومي.
إن عالم اليوم يشهد تبلور ونشوء موازين قوى جديدة
عالمياً وإقليمياً، ولا شك أن الصراع في منطقتنا مع المشروع الاستعماري – الصهيوني
مرتبط أشد الارتباط وبشكل وثيق بالصراع المحتدم على المستوى الدولي.
ومن الواضح أن الهيمنة الأمريكية على العالم وفي منطقتنا
تشهد حالة من التراجع والانكماش بسبب نمو أقطاب عالمية فاعلة ووازنة من جهة،
ونتيجة صمود الشعوب المكافحة من أجل الحرية والعدالة ومواجهة سياسة الهيمنة
الاستعمارية، فعلى صعيد الوضع العربي نشهد تآكل وتراجع قوة الردع الصهيونية وتصاعد
كفاح الشعب الفلسطيني، وبطولاته على أرض فلسطين وصمود سوريا والجمهورية الإسلامية
الإيرانية ومحور المقاومة الذي كان من نتائجه الانفتاح العربي على سوريا، وأخذ
مكانها في جامعة الدول العربية وعودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية،
وتصاعد رفض الشعب العربي لما سمي بالتطبيع بين بعض الأنظمة العربية والكيان
الصهيوني.
كذلك، هناك تحولات وتطورات هامة إيجابياً في العديد من
دول أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا لمواجهة الهيمنة الأمريكية والغربية.
إن هذه التحولات والتطورات النوعية
والاستراتيجية على الصعيد العالمي مهدت الطريق وخلقت المناخات المناسبة لطرح فكرة
الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي بضرورة العمل الجاد لبناء جبهة مقاومة
عالمية لمواجهة سياسة الهيمنة الأمريكية، ومساندة الشعوب المكافحة من أجل الحرية
وخاصة الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لشتى أشكال الإرهاب والعدوان الصهيوني والعمل
الجاد لنزع الشرعية عن هذا الكيان غير الشرعي الجاثم على أرض فلسطين.
ولتحقيق وتجسيد مشروع بناء جبهة مقاومة عالمية فإننا
نقترح:
أولاً: إجراء اتصالات ولقاءات مع
القوى السياسية والأحزاب التقدمية في العالم المؤمنة بمواجهة سياسة السيطرة
الإمبريالية، والمؤمنة بحق الشعوب في الحرية والعدالة والاستقلال.
ثانياً: إجراء اتصالات ولقاءات مع دول صديقة من آسيا
وأفريقيا وأمريكا اللاتينية (إيران، كوبا، فنزويلا، البرازيل، ماليزيا، جنوب
أفريقيا.. وغيرها) للتشاور حول بناء هذه الجبهة العالمية.
ثالثاً: من المهام الأساسية لهذه الجبهة وعلى ضوء تصاعد
العدوان الصهيوني وحرب الإبادة والاقتلاع ضد الشعب الفلسطيني، العمل على نزع
الشرعية عن هذا الكيان الصهيوني غير الشرعي، وعزله في المحافل الدولية، وتعزيز
حملات مقاطعة هذا الكيان، والعمل من أجل إعادة الاعتبار لقرار الأمم المتحدة رقم
(3379) والذي يساوي بين الصهيونية والعنصرية، والذي تم إلغاؤه بضغوط شديدة من
الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني.
رابعاً: تشكيل لجنة تحضيرية من المؤتمر القومي العربي
وبالتعاون مع المركز العربي والدولي للتواصل من أجل إجراء الاتصالات واللقاءات
وبلورة برنامج تحرك لبناء هذه الجبهة.
خامساً: على ضوء نتائج التحرك، يمكن الدعوة لعقد مؤتمر
عالمي للقوى والأحزاب والفاعليات المناهضة لسياسة الهيمنة الاستعمارية لمناقشة ما
يشهده الوضع الدولي من مخاص لولادة نظام عالمي جديد، والتحديات التي تواجهها شعوب
العالم لوضع برنامج عمل مشترك لجميع هذه القوى والفاعليات.
|