www.arabnc.org
   
الصفحة الرئيسة
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
المشاركون في الدورة ا
المشاركون في الدورة ا
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول المشاركين 30
جدول المشاركين 31
جدول المشاركين 32
جدول المشاركين 33
الأول 1990
الثاني 1991
الثالث 1992
الرابع 1993
الخامس 1994
السادس 1996
السابع 1997
الثامن 1998
التاسع 1999
العاشر 2000
الحادي عشر 2001
الثاني عشر 2002
الدورة الطارئة 2002
الرابع عشر 2003
الخامس عشر 2004
السادس عشر 2005
السابع عشر 2006
الثامن عشر 2007
التاسع عشر 2008
العشرون 2009
الواحد والعشرون 2010
الثاني والعشرون 2011
الثالث والعشرين 2012
الرابع والعشرون 2013
الخامس والعشرون 2014
السادس والعشرون 2015
السابع والعشرون 2016
الثامن والعشرون 2017
التاسع والعشرون 2018
الثلاثون 2019
الواحد والثلاثون 2022
الثاني والثلاثون 2023
الثالث والثلاثون 2024
القائمة البريدية
بحث
تصغير الخط تكبير الخط 
الأبعاد الاستراتيجية 33 ((الأبعاد الاستراتيجية ))

التوزيع: محدود

الرقم: م ق ع 33/وثائق 10 تعديل 1

التاريخ: 31/5/2024

 

المؤتمر الثالث والثلاثون

31 أيار/مايو - 1 و 2 حزيران/يونيو 2024

 بيروت - لبنان

"الأبعاد الاستراتيجية لعملية "طوفان الأقصى" قراءة استراتيجيـة استشرافيـة لمستقبـل الـوطن العـربي."**

د. يوسف نصر الله*

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* رئيس مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية في بيروت.

** لا تعبر هذه الورقة بالضرورة عن رأي الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي.

 

"الأبعاد الاستراتيجية لعملية "طوفان الأقصى" قراءة استراتيجيـة استشرافيـة لمستقبـل الـوطن العـربي."**

 

د. يوسف نصر الله (لبنان)

المقـدمــة

 

إنّ طوفان الأقصى – إذا ما صير الى توصيفه - هو زلزال استراتيجي عصف بالكيان الإسرائيلي، وهشّم صورة اقتداره، وألحق به هزيمة استراتيجية من النوع الذي لا يمكن ترميمه أبدا.

فما حصل في 7 أكتوبر، أسّس لمرحلة جديدة في تاريخ الصراع مع العدو الإسرائيلي، ومع مشروع الهيمنة الأميركية في المنطقة، وأحدث تحوّلا مفصليا في ادارة هذا الصراع؛ حيث قيّض له أن يشكل انتكاسةً بالغة وغير مسبوقة للقوة الإسرائيلية التي فقدت أرجحيتَها وتفوّقها، وأن يؤشر الى بدء انعطافة حادّة حوّلت اسرائيل من قوّة هيمنة اقليمية حاسمة، الى قوّة تتضاءل سطوتها وريادتها وقدرتها المطلقة على الانخراط في مواجهات كبرى بمستوى عالٍ من اليقين المسبق.

لكن يبقى الأهم، أن ما حصل أخرج فكرة سقوط اسرائيل وانهيارها وزوالها من حيّز الإمكان الى حيّز الفعل. وحوّلها من مجرد فكرة غيبية ايمانية اعتقادية، ومن مجرّد تقدير أو سيناريو محتمل، الى حتمية تاريخية، والى حقيقة واقعية؛ مثلت عملية طوفان الأقصى احدى تجلياتها وعيناتها الملموسة، واحدى مصاديقها الحية، بنحو بدت معه امكانية تحرير فلسطين أقرب من أي وقت مضى. ما كان مصدرالهلع الذي سيطر على قادة الكيان ورعاته الدوليين، لجهة رسوخ هذا الفهم وهذا الاعتقاد في وعي أعداء إسرائيل وخصومها، وفي وعي حلفائها وأصدقائها، وفي وعي نُخبها وجمهورها ومستوطنيها.

والحال، قدّر لهذا الحدث الزلزلي أن يفتح الطريق– فلسطينيا واقليميا ودوليا- على تحوّلات ومتغيّرات بنيوية جذرية، وأن يدفع الى انتاج وارساء وقائع ومعادلات ميدانية وسياسية جديدة؛ منها التناسبي وغير التناسبي، ومنها ما هو قيد التبلور، ومنها ما ينطوي على ابعاد ومفاعيل وآثار من طبيعة استرتتيجية بعدية. كما قدّر له أن يدفع الى توليد فرص عديدة، والى طرح أسئلة واشكاليات مفتاحية، تتصل بأبعاد طوفان الأقصى السياسية والأمنية والعسكرية، وبتأثيراته على صناعة الوعي والرأي العام، وبتداعياته الاقت والوجودية على مستقبل الكيان وديمومته. وهو ما ستعكف هذه الورقة البحثية– في سياق سعيها ومحاولتها لإجراء مقاربة علمية جادة، من دون أن تدّعيها- على توفير الاحاطات الشاملة له، وتقديم الاجابات ذات الصلة، ونشر الاضاءات المكثفة حول قضاياه الملحة وزواياه المعتمة.

 

المحور الأول: الأبعاد السياسية لعملية طوفان الأقصى

 

لقد أريد لطوفان الأقصى أن يدشن مسارا جديدا يعكس مرحلة متقدّمة من مراحل تطوّر عمل المقاومة، وأن يجسّد حجم التحوّل الذي استجد على عقيدة المقاومة القتالية:

-          لناحية الانتقال من مرحلة المشاغبة والمشاكسة والاستنزاف والاشتباك الى مرحلة التحرير.

-          ولناحية عدم الاكتفاء بالردّ الدفاعي؛ بل التوثب والجاهزية والنزوع الى المبادرة الهجومية.

وذلك ربطا بــ:

1-     ما كانت المقاومة الفلسطينية قد راكمته من انجازات وانتصارات، ومن أسباب القوة والقدرة  والتجربة والجرأة. وأنها أصبحت جزءا عضويا من محور قوي في المنطقة، لا يمكن تجاوزه أو تجاهله بأيّ حال من الأحوال.

 

2-     أنّ متغيّرات الصراع الدولي، باتت تؤثر على أولويات واشنطن، وعلى هوامش قدرتها على المبادرة والفعل في الشرق الأوسط.

وأن الآخرين منشغلون بآزماتهم (انشغال الولايات المتحدة بالحرب الاوكرانية، وبمواجهة التحدي الصيني على الساحة الدولية، وانشغال تل أبيب بتصاعد أزمتها الداخلية على نحو غير مسبوق). 

 

3-     أنّ ثمة مسارا جديا ومتسارعا لتصفية القضية الفلسطينية:

·        بدأ مع صعود اليمين الإسرائيلي المتطرف الى الحكم، وامساكه بمقاليد السلطة (الإجراءات في الأقصى، الاستراتيجيات المرسومة لتهويد القدس، توسيع وتفعيل خطط الاستيطان في الضفة، سعي تل أبيب الى إغراق الضفة الغربية بأكثر من مليوني مستوطن، اصدار حكومة العدو حتى تاريخ 7 أكتوبر 2023؛ ما يعادل 150 ترخيص بناء لمستوطنات جديدة، أو توسيع مستوطنات قائمة، والاستيلاء على 62% من مساحة منطقة جنين، أي ما يوازي 35% من المساحة الاجمالية في الضفة).

·        وبالموازاة، سعي أميركي الى الدفع:

-          لاستكمال مسارات التطبيع، وانخراط الرياض في محادثاته.

-          لبلورة حلف اقليمي او استنساخ ناتو في المنطقة؛ يصار من خلاله الى موازنة قوى المقاومة، واعادة تاصيل  الصراع على اسس طائفية ومذهبية.

 

4-     أنّ السلطة الفلسطينية، قد بلغت مرحلة من الترهّل السياسي، وتحوّلت الى وكيل خدمات أمنية لدى تل أبيب وواشنطن، بعد أن جرى تقليص دورها إلى مجرد حالة وظيفية أمنية.

وأن الانقسام الفلسطيني الداخلي؛ قد تعمّق وبلغ من الاستعصاء مستوى، بات الخروج منه غير ممكن من خلال الاكتفاء بمشروع استنزاف العدو ومشاغلته فقط؛ بل إنّ اعادة ترتيب البيت الفلسطيني باتت تتطلب دفعا بمشروع التحرير.

 

هذه الاعتبارات وسواها، جعلت المقاومة – على حد تعبير الشهيد صالح العاروري على قناة الميادين في 25 آب 2023- تقف امام اختبار أخير قصير المدى، من دون ان تجد أمامها أي خيار آخر. وشكلت مجتمعة بيئة القرار (أي الخلفية السياسية) التي تبلورت في ضوئها وعلى ضوئها عملية طوفان الأقصى.

المحور الثاني: الأبعاد العسكرية والأمنية لعملية طوفان الأقصى وآثار ومفاعيل وحدة الساحات

 

تكشفت عملية طوفان الأقصى عن تحوّلات كبرى، وعن متغيّرات جذرية في مشهدية الصراع. وهي تحوّلات ومتغيّرات ذات مفاعيل خطرة على مستقبل الكيان الإسرائيلي؛ بلحاظ أنها تفضي على المستوى الاستراتيجي الى الإضرار بــ:

 

أولا- العقيدة الأمنية الإسرائيلية؛ حبث أدّت الى تهافت مركبات هذه العقيدة، لاسيما ما يتصل منها:

 

1-     بمركب الردع الذي تآكل وتحطم في أعقاب هجوم 7 أكتوبر، وأفضى الى تراجع مقلق في صورة القوة الإسرائيلية. ربطا بــ:

 

·        الفشل في تحقيق (النصر المطلق)؛ أي تحقيق كامل أهداف الحرب. وهو أمر حيوي لإعادة بناء الردع. لأن اسرائيل من دونه؛ ستكون عُرضة لتهديد وجودي من أعدائها، فضلا عن أنها ستكون محل تساؤل أمني ومصيري، وستفقد مبرر وجودها، ودورها الوظيفي، والمرتكز الأساسي لمكانتها الاقليمية والدبلوماسية، بما في ذلك اتفاقيات السلام ومسارات التطبيع. ولن تعود رافعة أمنية وعسكرية واقتدارية، لذاتها ولراعيها، وللوافدين الجدد إلى محورها.

 

·        الفشل في فرض وقائع ميدانية جديدة، وارساء معادلات غير تناسبية؛ لتعزيز استراتيجية «الردع الفعّال» سواء:

-          من خلال الرهان على أن تفضي صور الدمار الشامل والمجازر الدموية في غزة؛ الى ارتداع محور المقاومة والمسّ بإرادة مكوناته.

-          أو من خلال الذهاب عميقاً في المدى الجغرافي (ساحات المساندة والدعم)؛ وادخال المدنيين الى دائرة الاستهداف، في سياق استهداف المقاومين. لإرباك حسابات المقاومة، ومفاقمة الضغوط عليها وعلى بيئتها المباشرة، من جهة. ولكي يضفي نوعا من الصدقية والجدية على تهديداته، من جهة ثانية.

 

وهو ما اصطدم بأداء المقاومة الميداني في غزة، وقدرتها على الصمود وعلى مواصلة القتال، وبتأكيد المقاومة في ساحات الدعم والمساندة على الرد التناسبي، وعلى الاستعداد للذهاب بعيدا في الرد على الاعتداءات أيا تكن التضحيات والأثمان والأكلاف والمخاطر.

 

·        الفشل في احداث تحوّل استراتيجي على الجبهة اللبنانية؛ يتيح له ردع حزب الله عن مواصلة استهداف ضباطه وجنوده ومواقعه ومنشآته ومستوطناته عند الحدود. وبالتالي احتواء صورة الجيش العاجز عن ردع النيران التي أدّت إلى نزوح عشرات آلاف المستوطنين، والى تقلص حدود (اسرائيل) الشمالية بضعة كيلومترات إلى الجنوب، والى إنشاء حزام أمني داخل الأراضي الإسرائيلية.

 

كما يتيح له الرد على الضغوط المتصاعدة التي رتّبتها عليه جبهة لبنان، بشرياً  وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وخلق واقع أمني جديد على الحدود الشمالية، يمكنه من اقناع سكان المستوطنات الشمالية بالعودة، وإقامة روتين حياة طبيعي دون خوف. وتعزيز شعورهم بالأمن. وهو واقع يؤدي استمراره الى تقويض صورة الردع الإسرائيلي.، والى تقديم الجيش كقوة عاجزة عن توفير الحماية والأمن للمستوطنيين. الأمر الذي تخشى تل أبيب من مفاعيله المستقبلية على صورة الجيش ودوره في نظر الجمهور الإسرائيلي.

 

2-     ما يتصل بتبدد القدرة على الحسم:

 

ثمة قلق اسرائيلي اليوم من تهشم صورة اقتداره العسكري، ومن تواصل عجزه الميداني، ومن الضعف الذي ظهر في قدرة الجيش، بعد أكثر من  سبعة أشهر، على فرض واملاء ارادته، وعجزه عن جلب البضاعة التي وعد بأنه سيجلبها، وعن ايصال المعركة الى خط النهاية، وعن تحقيق الأهداف التي جعلها المستوى السياسي عنوانا للحرب، (الإجهاز على حماس وتقويض قدراتها، استعادة الأسرى عبر الضغط الميداني، اعادة ترميم الردع وتعزيزه وجعله ممتدا بما يتجاوز حدود غزة الى ساحات تهديد أخرى). ما جعل تل أبيب تفتقر الى سردية نصر ورواية نصر، بل تفتقر الى مجرد زعم نصر أو صورة نصر تستطيع تسويقها داخليا وخارجيا واقناع حلفائها وأعدائها، فضلا عن اقناع جمهورها بها.

 

3-     وايضا ما يتصل بنقل المعركة الى أرض العدو؛ الذي يمنح الكيان العبري مرونة إيجاد واختلاق عمق استراتيجي بديل ومصطنع يتيح لجيشه النأي بالداخل الإسرائيلي، وتجنيبه آثار الحروب وتبعاتها. فقد تعرض الكيان الاسرائيلي الى حرب حقيقية دارت داخل حدوده المفترضة، وانكشف فيها عمقه على نحو غير مسبوق، وأصبحت مستوطناته ومدنه على الحدود الشمالية مع لبنان جزءا لا يتجزأ من ميدان القتال.

 

 

ثانيا- بلحاظ أنها تفضي على المستوى الاستراتيجي الى الإضرار بنظرية الأمن القومي الإسرائيلي

 

التي تقوم على ثلاثة ركائز:

 

1-     الحسم: قوّض بعد أن استطالت الحرب وتواصل العجز الميداني، عن صناعة وهم انتصار.

 

2-     الحفاظ على المشروعية الأخلاقية (أخلاقيات الحرب والحرص على بروتوكولات النزاع)؛ وهو ادعاء سقط أمام صور الدمار الشامل وصور الابادة الجماعية في غزة.

 

3-     الارتباط بالقوة العظمى؛ لم يسعفها هذا الارتباط في تقويض منجز 7 أكتوبر، وتجاوز مفاعيل الهزيمة الاستراتيجية التي منيت بها في الضربة الافتتاحية. بل بدا أن اسرائيل تحوّلت بعد تدهور صورتها من  ذخر استراتيجي، إلى عبء أثقل كاهل راعيها الأميركي .

 

اليوم، بعد مضي ما يزيد على سبعة أشهر؛ فإنّ ما تبقى من نظرية الأمن القومي هو عامل الارتباط بالقوة العظمى، الذي يتعرض بدوره لأزمة غير مسبوقة، على خلفية تباين المقاربتين الأميركية والإسرائيلية، ليس حول أهداف الحرب، وإنما حول ادارتها. ذلك إن الدوافع الأميركية لتغيير الواقع الذي تشكل بعد طوفان الأقصى، هي أشمل وأعقد من الدوافع الإسرائيلية؛ فتداعيات طوفان الأقصى بحسبان واشنطن تتجاوز إسرائيل، الى التأثير السلبي على مصالح الولايات المتحدة في الساحتين الإقليمية والدولية.

 

والحال، كان السعي الأميركي الى الموازنة بين ثلاث ضرورات، تشكل كل منها أولوية قصوى له:

 

·        ضرورة أن تستعيد اسرائيل مكانتها، لأن اضعاف مكانة اسرائيل، هو اضعاف لمكانة الولايات المتحدة، وحضورها وتأثيرها في المنطقة.

 

·        ضرورة أن لا تفضي عملية استعادة المكانة الإسرائيلية، وان لا يؤدي الإفراط في مسعى استعادة الردع؛ الى الإضرار بالمصالح وبالأصول والذخائر الاستراتيجية الأميركية في المنطقة وفي العالم، والتي قد لا تقل أهمية عما تمثله تل أبيب في هذه اللحظة الدولية الحساسة.

 

·        ضرورة السعي للانتقال من مرحلة الحرب الى مرحلة التسويات، والشروع في مفاوضات تعيد ترتيب الملف الفلسطيني، وتنتج تسوية على قاعدة حل الدولتين. حيث يرى الأميركي أن التقدم على المسار السياسي، وأن الدفع بعملية التسوية القائمة على حل الدولتين، بات أمرا ملحا، بعد أن تكشف طوفان الأقصى عن أن مفهوم "إدارة الصراع" لم يعد خيارا، وأن المشكلة الفلسطينية وعدم الاستقرار الذي تسببه، باتت تهدد بجر العالم بأسره إلى استقطابات حادّة.

 

ولهذه الضرورات المتساوقة، استمرّت واشنطن متمسكة بإبقاء الحرب محصورة في غزة، وبإبقاء سقف التوتر منخفضاً على مستوى المنطقة.

ثالثا- بلحاظ أنها تكشفت عن فشل على المستوى المفاهيمي

لا يخفى أن ثمة اقرارا اسرائيليا- ربطا بما جرى في 7 أكتوبر- بفشل كامل منظومته الأمنية. وبأنّ هذا الفشل الاستخباري والأمني والدفاعي غير المسبوق، قد أفضى الى نتائج ومفاعيل كارثية، هددت وتتهدد مستقبل الكيان، ووجوده، ومكانته.

ولا يخفى أيضا، أن الفشل الأسوء والأخطر في 7 أكتوبر؛ إنما كان على المستوى المفاهيمي، الذي قاد الى الفشل على كل المستويات. ويُعنى به (انهيار التصور، أو انهيار قالب التفكير، أو المرجعيات المفاهيمية الحاكمة التي تبلورت خلال العقود الماضية: كـ(مفهوم الجولات)، ومفهوم (جز العشب)، ومفهوم (المعركة بين الحروب)، ومفهوم (الجدار الأمني) ، وسواها من المفاهيم التي شغلت العقل الإسرائيلي.

ومنها مفهوم (ادارة الصراع) الذي كان يرى الى الحدث الفلسطيني بوصفه حدثا اشغاليا، يراد من خلاله حرف اهتمام تل أبيب عن مواجهة التهديد الأكثر خطورة على الجبهة الشمالية. وفشل المقاربة الإسرائيلية للتهديد الذي تمثله حركة حماس، لناحية شكل هذا التهديد ومستواه وطبيعته.

كانت اسرائيل تعتقد أنّ الاستراتيجية الأفضل للتعامل مع حماس، هي استراتيجية الاحتواء (العصا والجزرة)؛ التي تقوم على (مثلث استراتيجي) يسعى الى الموازنة بين ثلاثة اضلاع:

1-     الردع.

2-     منع التصعيد أو التسبّب به.

3-     تحييد القطاع من خلال سلة اغراءات ومحفّزات تتّخذ صورة البعد الإنساني.

وذلك في مسعى اسرائيلي الى تحييد حماس، وتقليص وتخفيض مستوى المواجهة معها من جهة، والى تعميق الانقسام القائم بينها وبين السلطة الفلسطينية من جهة ثانية. ما يحول دون توحّد الفلسطينيين تحت قيادة مشتركة وخلف مشروع وطني جامع.

والحال، فإنّ الفشل على مستوى التصور- الذي كان يرى الى ضرورة التعامل مع حماس بلحاظ النيات، وليس بلحاظ القدرات، والذي كان يركن الى أنها مردوعة، والى أنها منشغلة بشؤون السلطة والحكم، والى أن ثمة تغييرا استجد على هوية الحركة، وأعاد ترتيب أولوياتها واهتماماتها وتوجهاتها- هو الذي حال دون أن تتوقع اسرائيل المفاجأة الاستراتيجية التي حصلت، وهو الذي كان السبب في قراءة تل أبيب الخاطئة للمؤشرات التي ظهرت (المؤشرات وصلت لكن الانذار لم يتحقق). فقد جرت قراءة المؤشرات في غير وجهتها الصحيحة، ولم توضع في خانة الحرب.

اليوم، فرض طوفان الأقصى تغييرا مفهوميا في اسرائيل. غادرت تل أبيب استراتيجية الاحتواء بعد أن بدا فشلها، وتبنّت استراتيجية بديلة تقوم على (نظرية الإقتلاع)، التي تقتضي الانتقال الى ازالة التهديد، والتعامل مع الأعداء باعتبار القدرات، وليس باعتبار النيات. الأمر الذي يقتضي بالموازاة، أن تجري المقاومة تغييرا في نظرتها، وتعديلا في مقاربتها للتهديد الإسرائيلي. بما ينسجم مع التغيير، ويتلاءم مع التحوّل الذي استجد عليها. (بدا ان اسرائيل اليوم لا تقيم وزنا للاعتبارات المادية، وانها تجاوزت عقدة الثمن البشري، وعقدة الأسر والاعتقال، وأنها غير مقيدة بعامل الوقت ضدا على مفهوم الحروب الخاطفة والحروب السريعة).

 

رابعا- بلحاظ ان محور المقاومة استطاع ترجمة نقسه ككقوة فعلية حاضرة في معادلات المنطقة

 

شكل انخراط جبهات الدعم والمساندة (لبنان وسوريا واليمن والعراق) تباعا في معركة طوفان الأقصى، وكلٌ بحسب خصوصيته، مفاجاة صادمة لصانع القرار في تل أبيب وواشنطن، وأشّر تعاظم الضغوط التي مارستها، الى أن معادلة وحدة الساحات وترابطها  وتكافلها وتضامنها، التي أرساها محور المقاومة،  لم تعد مجرد اطار مفهومي نظري؛ بل معادلة تكرّست أمرا واقعا بفعل وقائع الميدان ومنجزاته، وأن سعي تل أبيب الى التنكر لها، ورفض الإقرار بها، والانصياع العلني لمفاعيلها؛ لا يلغي ادراكها أن متطلّبات تفعيل هذه المعادلة باتت متوافرة لدى محور المقاومة، كنتيجة من نتائج الميدان والمواجهة. وأنه لن يكون بمقدور صانع القرار في تل أبيب بعد الآن تجزئة الصراع، أو القيام بأي فعل عدواني تجاه أي ساحة من ساحات المواجهة، من دون أن يحضر مسبقا في وعيه الأمني والعسكري موقف سائر مكونات محور المقاومة، ورد فعلها، وتوثبها، وجاهزيتها للذهاب بعيدا في عملية التصعيد.