التوزيع:
محدود
الرقم: م ق ع 33/وثائق 8
التاريخ:
31/5/2024
المؤتمر الثالث
والثلاثون
31 أيار/مايو - 1 و 2 حزيران/يونيو 2024
بيروت - لبنان
"الدور
العربي الرسمي واستراتيجية تحرير فلسطين"**
أ.
منير شفيق (فلسطين)*
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
مفكر، المنسق العام للمؤتمر القومي – الإسلامي سابقاً، عضو الأمانة العامة للمؤتمر
القومي العربي
** لا تعبر هذه الورقة بالضرورة عن رأي الأمانة العامة للمؤتمر
القومي العربي.
الدور
العربي الرسمي واستراتيجية تحرير فلسطين
أ.
منير شفيق (فلسطين)
ميثاق م.ت.ف لعام 1964، كان اسمه الميثاق القومي. وكان
توجهه الأساسي يربط القضية الفلسطينية بالأمة العربية، ودور القضية الفلسطينية
المركزي في حركة التحرّر العربي.
حرب العدوان لعام 1967،
وما ولّدته من نكسة وتداعيات، وذلك باحتلال الكيان الصهيوني لسيناء حتى قناة
السويس، ومرتفعات الجولان السورية، واحتلال الضفة الغربية وشرقي القدس، وقطاع غزة.
بهذا تمّ احتلال كل فلسطين من الناقورة إلى أم الرشراش،
ومن النهر إلى البحر.
الأمر الذي رُدّ عليه بلاءات الخرطوم 1967، وبحرب
الاستنزاف 1969، وبالدعم العربي للمقاومة الفلسطينية بقيادة فتح. ومن ثم تسلم
فصائل المقاومة قيادة منظمة التحرير التي عدلت ميثاقها، ليصبح أكثر فلسطينياً
1968/1969، وليحلّ محل الميثاق القومي 1964.
أما الضربة السلبية الأقسى، فكانت في العام 1974 حيث
تقرّر اعتبار م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني (للقضية الفلسطينية
والشعب الفلسطيني عملياً). وتبعتها الكارثة التي تمثلت بأخذ أنور السادات لمصر إلى
كمب ديفيد، وعقد الاتفاقية المصرية- الإسرائيلية.
الأمر الذي أخرج مصر من الصراع الذي تخوضه الأمة العربية
ضد الكيان الصهيوني.
أُريدَ من قرارات القمة العربية عام 1974، باعتبار م.ت.ف
الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، تمهيداً لإعفاء مصر والدول العربية،
عملياً، من مسؤوليتها المباشرة عن القضية الفلسطينية، وهو ما أعفى السادات ليتخلى
عن مسؤولية مصر عن قطاع غزة الذي احتلّ عام 1967، وكان بعهدة مصر. وكان من المفروض
على مصر ألاّ تتخلى عنه.
مما ضرب مثلاً عملياً للمخاطر التي حملها قرار 1974،
باعتبار م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد. وهو ما فعل فعله السلبي، أكثر فأكثر في
العقدين التاليين إلى اليوم.
وبهذا بدأ يتدحرج الموقف العربي العام تدريجاً، ولأسباب
متعدّدة عامة، وخاصة في كل بلد عربي حتى وصل، في التسعينيات إلى اتفاق أوسلو،
ولجوء عدد من الدول العربية إلى الإعلان "إننا نوافق على ما توافق عليه
م.ت.ف". وذلك بعد أن ضمنت تبني قيادة م.ت.ف، ولاسيما، فتح، الاتجاه نحو ما
يسمّى الحل السلمي، أو حلّ الدولتين، أو السير في طريق التسوية حتى تحت الرعاية
الأمريكية، أو حتى من خلال التفاوض الثنائي المباشر مع العدو الصهيوني.
ما تستهدفه هذه الورقة، ليس التركيز على الوضع الفلسطيني
أو سياسات م.ت.ف، وما تطوّر من انتفاضة أولى، وتوقيع اتفاقية أوسلو الكارثية 1993،
وما تلاها من تداعيات، سواء على مستوى اتفاق أوسلو وتداعياته، أم ما انطلق من
مقاومة إسلامية بقيادة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي في تسعينيات القرن الماضي، أم
انطلاق الانتفاضة الثانية 2000- 2005، وصولاً إلى تحرير قطاع غزة 2005، من خلال فك
الارتباط مع غزة، وتفكيك المستوطنات منها.
إن ما تستهدفه هذه الورقة، هو المرور أولاً بالمسار الذي
ترتب عن التخلي العربي الرسمي المباشر عن القضية الفلسطينية، من خلال قرار اعتبار
م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد للقضية (الذي كان ممهداً إلى ما وصله الوضع العربي
الآن). ومن هنا بدأت عملية التخلي العربي التدريجي، الذي تعزّز بعد ذلك القرار
الشؤم "اتفاقية السلام المصرية- الإسرائيلية" ثم اتفاقية أوسلو التي
قادت إلى اتفاقية وادي عربة. ثم الضربة من خلال مبادرة السلام العربية 2002، ثم
الضربة الثالثة التي حلت بالعراق، من خلال الغزو الأمريكي، واحتلاله عام 2003.
الأمر الذي شكل الانهيار التام لما كان يُعرف بالتضامن
العربي، أو اتفاق الدفاع العربي المشترك، أو النظام العربي. وقد أدّى هذا الانهيار
إلى تشكل محور الاعتدال العربي الذي أُطيح به من خلال ثورات 2011، وصولاً إلى
الوضع العربي العام، وكيف أخذ يُترجِم نفسه من خلال القمة العربية التي لم تستطع
أن تنعقد لمواجهة حرب العدوان على قطاع غزة 2023، كما حرب الإبادة في الآن نفسه.
الأمر الذي أدّى إلى عقد قمة إسلامية عربية لإنقاذ القمة العربية التي أُدمجت بها.
ومع ذلك، تأكد خلال سبعة أشهر من حرب بريّة وحرب إبادة
للمدنيين، في قطاع غزة، بأن وضع النظام العربية أصبح ضعيفاً إلى حدّ أخرجه من
الزمن أو التاريخ.
بل أصبحت ظاهرة التطبيع كأنها المسار المستقبلي، لولا أن
جاءت عملية طوفان الأقصى لتُدخل الوضع العربي، مع كل هذا التراجع والضعف حتى العجز
الرسمي، في مرحلة جديدة اتسّمت بظاهرة محور مقاومة فلسطيني- عربي- إيراني، مقابل
وضع عربي رسمي، كاد أن يصبح ميؤوساً منه،
إذا عدنا إلى التساؤل عن
علاقة الوضع العربي بالقضية الفلسطينية، أو السؤال: هل يمكن أن يستعاد تذكر ما كان
يُطرح حول الوضع العربي زمن حركة التحرّر العربية، في الخمسينيات والستينيات
والسبعينيات، من مشاريع واستراتيجيات لدور عربي في تحرير فلسطين، وقد وصل إلى ما
وصله الآن من عجزٍ يجعلنا نغالب أنفسنا لئلا نصاب باليأس من دور عربي رسمي، ونهضة
عربية، وجيش عربي يأخذ على عاتقه تحرير فلسطين، كما كان الحال في مرحلة النهوض
العربي. وظل أملاً عربياً، إلى وقت قريب.
إن الموقف العربي الرسمي العام، بعد مضيّ أكثر من 215
يوماً على حرب أظهرت فيها المقاومة في قضاء غزة، قدرة عالية في الصمود، بل في
إحراز الانتصارات، وأظهر فيها الشعب صلابة أسطورية، وهو المعرّض للإبادة الموجهة
ضد المدنيين، والوجود المدني بمختلف أبعاده. هذا الموقف العربي الرسمي أخذ يطرح
السؤال:
هل أصبحت القضية الفلسطينية في واد، وهو في واد آخر؟ وهل
من دور عربي يمكن أن يحسب في عملية تحرير فلسطين، كما سعت حركة التحرّر العربية،
وإن لم تنجح بسبب حالة ميزان القوى العالمي الذي حاصرها، وأنزل بها الضربات؟ وهل
من دور عربي رسمي، كما عبّر عن ذلك في التاريخ في مواجهة حروب الفرنجة وتحرير
فلسطين، أو في الحرب ضد التتار، أو في معارك التحرّر الوطني ضد الاستعمار،
والتحرّر منه؟
في الإجابة عن هذه الأسئلة في هذه المرحلة، لا يمكن أن
نلحظ بصيصاً من نور، أو بادرة من أمل في الموقف العربي الرسمي. وإذا كان الأمر
كذلك، فما المخرج أو البديل؟
عند هذا الحدّ لا بدّ من الرهان على الطرف الشعبي العربي
المقاوم، كما يتجلى في غزة، وفي فلسطين، وفي لبنان، وسورية والعراق مع إعطاء
المزيد من الأهمية، لما يبديه اليمن قيادة وشعباً، لدور يمكن أن تلعبه أجزاء من
الوضع العربي، بعيداً من الدول التي كانت تعقد عليها الآمال، لا سيما مصر، القاعدة
الأكبر سكاناً وإمكانات وتاريخاً.
إن المعادلة المشكّلة الآن في إطار محور المقاومة من
أطرافها العربية، بالتحالف مع إيران، هو الذي راح يمثل العمق العربي للصراع في
معركة تحرير فلسطين.
ذلك بمعنى هل التشكّل الحالي في مساندة المقاومة، وما
يمكن أن يطوّر مستقبلاً، بدخول أطراف عربية أخرى إليه، شعبية أو رسمية (كنموذج
اليمن) أو شبه رسمية كنموذج الفصائل العراقية المنخرطة في محور المقاومة، هو ما
يمكن أن يكون الاستراتيجية إلى مواصلة التحرير، وصولاً إلى تحرير فلسطين بالكامل.
على أن البُعد الثاني الذي يمكن أن يكون جزءاً من رؤية
استراتيجية للاسهام، ولو بصورة غير مباشرة، في استرايجية تحرير كل فلسطين من النهر
إلى البحر.
المقصود هنا ما يمكن أن يطرأ من تغيّرات في ميزان القوى
العالمي والإقليمي على مستوى دولي، كما على مستوى الرأي العام، وما يمكن أن ينشأ
من حركات شبابية وطلابية، تواصل ما نشهده الآن، على مستوى المعادلة الدولية التي
أخذت تتغيّر باتجاهين:
الأول: المزيد من زعزعة السيطرة الأمريكية- الغربية على
الوضع العالمي، إلى جانب تعاظم أدوار للأقطاب العالمية الأخرى، على المستويين
الدولي والإقليمي. مثلاً روسيا والصين والهند وإيران وتركيا وجنوب أفريقيا
والبرازيل، ودول أخرى.
الثاني: استمرار ظاهرة الرأي العام، وانتفاضة الجامعات
ضد سياسات الكيان الصهيوني، وتعاطفاً مع مظلومية الشعب الفلسطيني، وما تعرّض،
ويتعرّض له من جرائم إبادة للمدنيين، واحتلال واستيطان، والسعي للتهجير، بالقوّة.
إن طوفان الأقصى، وحرب العدوان على قطاع غزة، وما تحقق
من إنجازات ميدانية لمقاومة، وقفت ندّاً في حرب يشنها جيش الكيان الصهيوني، بقضه
وقضيضه، وبدعم أمريكي ودولي، بل كانت يدها، ولم تزل، هي العليا في المواجهات
العسكرية،
إن المقاومة والصمود الشعبي، كسبا المعركة الأخلاقية
والسياسية، على مستوى الرأي العام، وعلى المستوى العالمي. مما يؤكد أن الخطوط
العريضة التي رسمتها هذه الورقة، كبديل جديد، لما كان مأمولاً فيه عربياً رسمياً،
لعشرات السنين، بعد نكبة فلسطين، وقيام الكيان الصهيوني عام 1948/1949.
وهذه الخطوط العريضة تقيّدت بالمعطيات الواقعية للنظام
العربي الرسمي الراهن من جهة، وللمقاومة والشعب في قطاع غزة (وتضاف المقاومة في
الضفة الغربية والقدس) إلى جانب محور المقاومة الذي يضمّ إيران بتحالف قوي، ومحور
مقاومة من جهة ثانية. وذلك مع ما يمكن أن يتطوّر إليه ميزان القوى العالمي، في غير
مصلحة أمريكا والكيان الصهيوني.
على أن المهم أن يبقى أمل ما، بحدوث ما ليس متوقعاً. بما
يعيد للوضع العربي شيئاً من دوره. ولكن من دون رهان عليه.
|