www.arabnc.org
   
الصفحة الرئيسة
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
المشاركون في الدورة ا
المشاركون في الدورة ا
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول الأعضاء المشاركي
جدول المشاركين 30
جدول المشاركين 31
جدول المشاركين 32
جدول المشاركين 33
الأول 1990
الثاني 1991
الثالث 1992
الرابع 1993
الخامس 1994
السادس 1996
السابع 1997
الثامن 1998
التاسع 1999
العاشر 2000
الحادي عشر 2001
الثاني عشر 2002
الدورة الطارئة 2002
الرابع عشر 2003
الخامس عشر 2004
السادس عشر 2005
السابع عشر 2006
الثامن عشر 2007
التاسع عشر 2008
العشرون 2009
الواحد والعشرون 2010
الثاني والعشرون 2011
الثالث والعشرين 2012
الرابع والعشرون 2013
الخامس والعشرون 2014
السادس والعشرون 2015
السابع والعشرون 2016
الثامن والعشرون 2017
التاسع والعشرون 2018
الثلاثون 2019
الواحد والثلاثون 2022
الثاني والثلاثون 2023
الثالث والثلاثون 2024
القائمة البريدية
بحث
تصغير الخط تكبير الخط 
العدالة الاجتماعية ((العدالة الاجتماعية 33))

التوزيع: محدود

الرقم: م ق ع 33/وثائق 14

التاريخ: 31/5/2024

 

المؤتمر الثالث والثلاثون

31 أيار/مايو - 1 و 2 حزيران/يونيو 2024

بيروت - لبنان

 

"العدالة الاجتماعية في الوطن العربي بين الحاضر والمستقبل.. قراءة جديدة من معطيات طوفان الأقصى"**

 

أ. بشارة مرهج (لبنان)*

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* نائب ووزسر سابق، رئيس مجلس إدارة "دار الندوة"

** لا تعبر هذه الورقة بالضرورة عن رأي الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي.

 

العدالة الاجتماعية في الوطن العربي بين الحاضر والمستقبل

قراءة جديدة من معطيات طوفان الأقصى

أ. بشارة مرهج (لبنان)

مقدّمة

العدالة هي فكرة وقيمة. ولطالما كان تحقيق العدل، بمفهومه الواسع والكبير، رغبةً وحاجةً ضرورية في أيّ مجتمع يريد أن يتقدّم ويتطور. هذا المفهوم الذي أطلقنا عليه اسم العدالة الاجتماعية، هو الذي دفع العديد من المجتمعات للقيام بثورات عظيمة بهدف تحقيقه. ولطالما كانت العدالة الاجتماعية حاجةً أساسيةً وهدفًا ساميًا تسعى لتحقيقه كل المجتمعات المتقدمة فكريًا، العربية منها والغربيّة. وقد ظهر هذا الزخم في الحديث عن العدالة الاجتماعية، والعمل على تحقيق هذه القيمة الاجتماعية الضرورية، في معظم الدول العربية خلال القرن الماضي، سيّما تلك الدول التي أنتجت مشاريع نهضوية فكرية. وقد حاولت هذه الدول من خلال تلك المشاريع أن تتقدّم بمجتمعاتها نحو التطور العلمي والمعرفي والإنتاجي، وبالتالي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

وخلال القرن المنصرم، رأى معظم أصحاب المشاريع النهضوية العربية أنّ تحقيق التكافؤ في فرص العمل وتوزيع الثروات هو السبيل لتحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمعات العربية. وقد عملوا وسعَوا لتحقيق هذا المفهوم ضمن حدود فهمهم وإدراكهم له. غير أنّ معظم المشاريع النهضوية الفكرية العربية، على الرغم من اعتمادها مبدأ العدالة الاجتماعية في صيغة رؤيتها النهضوية، إلّا أنها لم تتناول بعض الجوانب المتعلقة بالعدالة الاجتماعية، والتي لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض بدونها، فظهرت هذه النهضة الفكرية غير محيطة بشكل كامل بالحاجات الحقيقية لتطور المجتمعات.

ولكن تطبيق بعض الدول لما فهمته من العدالة الاجتماعية، وقصورها، في هذا المجال، عن تلبية حاجات مواطنيها ورغبتهم في إقامة مجتمعات يسودها العدل والأمان، هو ما ساهم بطريقة أو بأخرى في انتشار بعض الرؤى النهضوية التي حملت للمجتمعات العربية تصوّرًا أوضح وأكثر عمقًا ودلالةً وتعبيرًا عن حقيقة مبدأ العدالة الاجتماعية.

هذه الرؤى النهضوية الفكرية أوضحت بأنّ تحقيق التكافؤ في تأمين فرص العمل و توزيع الثروات الوطنية، والتكافؤ في الحقوق الاجتماعية والصحية والسياسية، بغضّ النظر عن الجنس أو العرق أو الدين أو المستوى الاقتصادي، هو الذي يجعل أفراد المجتمع، طاقات حيّة حرّة مهيّأة لخدمته وعاملة على نموّه وتقدمه.

ففي الوقت الحاضر، تشهد معظم الدول العربية تحديات اقتصادية واجتماعية تؤثّر على التوزيع العادل للثروة. كذلك نجد أنّ هناك جهودًا متزايدة لتعزيز العدالة الاجتماعية من خلال سياسات الضمان الاجتماعي وتوفير فرص العمل والتعليم للجميع في المستقبل. وقد تشهد المنطقة تحوّلات اجتماعية واقتصادية تُسهم في تعزيز العدالة والتنمية المستدامة مع تركيز أكبر على توفير فرص متساوية للجميع، وتحقيق التوازن بين الفئات الاجتماعية المختلفة، وتمكين المرأة، وتوسيع شبكات الأمان الاجتماعي.

وقد برز المشروع النهضوي العربي بهدف تحقيق الاتحاد والترقّي والحرية للشعوب العربية فنجحت هذه الشعوب في إنجاز أحد جوانب المشروع النهضوي ألا وهو الاستقلال . إلّا أنّ هذا المشروع انكفأ في وجه التّوسّع الصهيوني، وفي وجه الظلم الاستعماري الواقع على الشعب الفلسطيني خاصة و الشعوب العربية عامة،كما بسبب قمع وتضليل العديد من الأنظمة العربية لشعوبها.

إذًا، فالعدالة الاجتماعية في الوطن العربي تُعتبر تحديًا مستمرًا بين حاضراً ومستقبلاً.

التقدّم في مؤشرات العدالة الاجتماعية في الوطن العربي

• إنّ إلقاء اللوم على الآخرين في فشل المشروع النهضوي العربي فيه الكثير من الحقيقة. فالاستعمار، بما يعنيه من غزوات تتصاعد، واستغلال ينتشر، وتسلط يتعمّق، وسيطرة اقتصادية وثقافية وإعلامية تتوسع، كل ذلك يحاصر المشروع العربي ويعرقل مسيرته.

ولكن ثمّة عامل أساسي آخر لهذا الفشل، هو نحن. فما يسيطر على مجتمعاتنا العربية اليوم من ظواهر متخلفة مثل القطرية، القبلية، النزاعات الطائفية، التبعية للخارج، الأنظمة البوليسية المتخلفة، انتشار الفساد والتشجيع عليه، هيمنة الاحتكارات، إهمال حقوق الجماهير، محدودية التعليم، الانتقاص من حقوق المرأة، الاستهتار بقيم الحرية، وانتشار ثقافة الاستهلاك، كل ذلك يعني غياب العدالة الاجتماعية وتهميش حقوق المواطنين. وتتحمل الفئات الحاكمة المسؤولية الأساسية لتفشّي هذه الظواهر التي توهن مجتمعاتنا وتجعلها أقل قدرة على مقاومة مشاريع السيطرة الاستعمارية على بلادنا ومواردنا وثرواتنا.

وقد عمدت هذه الفئات الحاكمة، التي ارتدت ثوبًا عصريًا مزيّفًا، إلى ذبح النقابات وتجويف الأحزاب وإقامة مجالس برلمانية شكلية تعتمد على الطائفية والمذهبية والجهوية، وإنشاء أنظمة حكم تقوم على التسلط كما على التوزيع الطائفي للسلطات.

وغني عن القول إنّ العدالة الاجتماعية من الصعب أن تتواجد في ظل هذه الممارسات وفي سياق تفكك الدولة وتَشكُّل كانتونات طائفية متناحرة باسطةً يدها للأجنبي.

فالعدالة الاجتماعية نراها فقط في ظل دولة قوية متماسكة ديمقراطية تحارب الفساد، تؤمن أحزابها بتكافؤ الفرص وتعمل على نمو البلاد وتقدمها برعاية الدستور والقانون.

تأثير طوفان الأقصى على العدالة الاجتماعية في الوطن العربي

• لقد ارتكبت الرأسمالية جرائم وفظائع، وأنتجت كوارث ومجازر. أما الصهيونية التي تعتبر نفسها حركة تمثّل تطلعات أكثرية اليهود، خاصةً أولئك الذين تعرّضوا للمحرقة على يد الحركة النازية، فقد ارتكبت و لا تزال،  وفي ظل الحديث عن حقوق الانسان وضرورة سيادة الديمقراطية، مجازر مروعة و متواصلة بحق الشعب الفلسطيني انطلاقًا من عقيدتها العنصرية الرافضة لوجود الفلسطينيين على ارضهم ، ناهيك عن قيام دولة لهم .

وطيلة هذه المرحلة كانت القضية الفلسطينية تتقدّم ببطء، بينما كانت حركة الاستيطان والاحتلال والتهجير تتقدم بسرعة، والانتهاكات تتصاعد، والاعتداءات تتوسّع وصولًا إلى التهديد بهدم المسجد الأقصى وتسويته بالأرض.

ولكن ما قبل 7 أكتوبر ليس كما بعده. فقد كشف طوفان الأقصى أمام العالم أجمع أنّ إسرائيل كيان استيطاني إجرامي عدواني، يستبيح كل القيم والعهود والقوانين، ولا يعترف بحقوق الآخرين، ولا يهتم إطلاقًا بالعدالة الاجتماعية أو سواها من القيم الإنسانية الأخلاقية. وهذا ما رآه العالم وشاهده خلال الأشهر الثمانية الماضية، رغم أنّ ذلك كان يحدث، وإن بوتيرةٍ أقل، طيلة العقود السابقة التي شهدت حروبًا إسرائيلية متواصلة على غزة، بلغت ذروتها عام 2005 و2014 ومن ثم 2023.

• لقد ظهر الكيان الصهيوني بدائيا متعاليًا متكبّرًا، فانكشفت نخبة "إسرائيل" امام العالم كله  وتراجعت سمعتها ومكانتها على المستوى السياسي والعسكري والإعلامي والأخلاقي. كما تضررت أميركا التي انكشف تورطها في كل الحروب على فلسطين، حيث لم تعد تستطيع تقديم نفسها كوسيط كما كانت تزعم باستمرار، بل بات واضحًا أنها طرف أساسي ومبادر لشنّ الحروب على الفلسطينيين.  لكن واشنطن التي تضغط على الدول وتفرض عليها العقوبات الاقتصادية والمالية بحجة انتهاكها لحقوق الإنسان، وجدت من مصلحتها ، في  ضوء صمود غزة ،  إعادة وصل ما انقطع مع العالم التي عارضته في مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة والمحكمة الدولية كرمى لعيون "إسرائيل"، فانبرت على لسان قادتها الى التقرّب الكاذب من الفلسطينيين وتقديم المساعدات لهم، ليس حبًا بهم بل مراعاةً لسمعتها في العالم ونفوذها بين الأنظمة العربية، خاصةً وأنّ الفلسطينيين برهنوا أنهم رقمٌ صعب لا يمكن لأحد بعد اليوم أن يتجاهلهم أو يتجاوزهم.

وقد انكشفت للعديد من التجمعات والهيئات السياسية الغربية، التي استيقظت ضمائرها بعد  المجازر المروعة التي يرتكبها الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني، حقيقة التواطؤ الأميركي الإسرائيلي، فتتالت المظاهرات الطلابية والسياسية في مختلف المدن والعواصم تنديدًا بالإجرام الصهيوني والسلاح الأميركي الذي ينهمر كالمطر على تل أبيب.

• إنّ ما شهدناه وشهده العالم أجمع في السابع من تشرين الأول عام 2023، كان نتيجةً طبيعيةً واضحةً لغياب مبدأ العدالة الاجتماعية في الأراضي الفلسطينية بفعل الاحتلال الصهيوني الاستيطاني المدعوم من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والغرب، والمستفيد من تواطؤ أنظمة وهيئات ومؤسسات عربية متعددة.

• لقد استمر الظلم والعدوان لسنواتٍ طويلة على أبناء الشعب الفلسطيني. وظهر هذا الظلم عبر حصار "إسرائيل" الحاقد والطويل لأهالي قطاع غزة، واعتداءاتها المتواصلة على أهالي الضفة الغربية، ومواصلة حملات الاعتقالات التي ليس لها نهاية، دون أن ننسى اعتداء المستوطنين اليهود الدائم على الفلسطينيين أصحاب الأرض، وانتزاع بيوتهم، وتجريف أراضيهم الزراعية واقتلاع أشجارهم المثمرة لبناء مستعمرات يهودية عليها. إلى ذلك لا يمكن أن نغفل عن الممارسات الإسرائيلية الوحّشية التي ساهمت بشكل مباشر في تعزيز قناعة الفلسطينيين وزيادة تمسّكهم بموقفهم الرامي إلى إزالة الاحتلال الغاشم وتحقيق الاستقلال.

• إنّ سعي الفلسطينيين لتحقيق العدالة واستبسالهم في وجه العدوان فتحا الأبواب والآفاق لمرحلة جديدة أمام الشعوب العربية التي تخاذل العديد من حكّامها في السعي نحو هذه القيمة التي لا غنى عنها لتحديث المجتمع وإنمائه.

• فهذا الانكسار المقرون بالاستنكار الذي يشعر به المواطن العربي اليوم جراء تخاذل معظم الحكّام العرب عن أداء دورهم في مساندة الفلسطينيين المظلومين والدفاع عنهم ومؤازرتهم بكل الوسائل المتاحة والممكنة لن يذهب سدىً، وإنما سيكون له دور مهم  في طرح مصير الطُّغم الحاكمة التي تستبد بقراراتها، دون أن تعير اهتمامًا لرأي شعوبها التي عبّرت عن تضامنها الكامل مع الشعب الفلسطيني.

وإذ تابعنا وشاهدنا رغبة الشعوب العربية، وحتى الأوروبية والأميركية، في الوقوف مع المظلوم ضد الظالم، ومع المعتدى عليه ضد المعتدي، ومع الجائع والمشرد ضد القاتل المجرم، فإننا نرى بأنّ هذا الحدث الكبير ترك أثره بشكلٍ مباشر وغير مباشر على نظرة الشعوب العربية لمفهوم العدالة الاجتماعية خاصة بعد أن كشف لها الواقع وبصورة فجّة  حجم التواطؤ بين الاستبداد الداخلي والعدوان الخارجي. ولا بد أنّ ذلك سيؤثّر أيضًا على دور هذه الشعوب في إنتاج السلطات التي تريدها معبرة عنها، سواء في سياساتها الداخلية أو تطلعاتها الخارجية.

• لقد كنا نرى، ولا نزال، أنه إذا انتُقد أو أُهين الدين اليهودي أو أحد رموزه أو أشخاصه تقوم القيامة عليه بتهمة معاداة السامية وبثّ الكراهية، أما إذا أُهين الدين المسيحي أو الإسلامي، كما نرى في الأفلام والقصص والأخبار كل يوم، لا بل كل ساعة، فيتوجب على المرء السكوت تحت طائلة اتهامه بالتعرض لحرية الرأي و العداء للسامية. فنسأل: أين العدالة من كل ذلك؟

إنّ فرنسا التي ارتكبت المجازر بحق ملايين الجزائريين، لم تعتذر حتى اليوم من الجزائر، رغم أنها تتحدث كل يوم عن قيم الحرية والمساواة والإخاء. فأين العدالة من كل ذلك؟

كذلك الاستعمار الأوروبي، ومعه لاحقًا الاستعمار الأميركي، لم يعبّر عن أسفه ولم يعتذر عن الضحايا الذين جندلهم او سممهم في الأميركيتين وسواهما من القارات. وبدلًا من ذلك نشهد استمرار هذا الاستعمار (المتجدد) في طغيانه وعدوانه على شعوبنا وشعوب العالم الثالث في الوقت الذي يتشدق فيه بعبارات الحرية والعدالة وحقوق الإنسان.

أما الأنظمة العربية التي لم تفتح ممرًا لغزّة، ولم تحمِ مستشفيات غزة، ولم تنقذ عائلة من غزة، ولم تقطع العلاقات مع "إسرائيل"، ولم تُقاطع البضائع الإسرائيلية، ولم تسحب السفراء، ولم تضرب على الطاولة مرة واحدة فهي تعرف أكثر من غيرها أنها خسرت ما كانت تتمتع به من مكانة ومهابة وسلطان. حتى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تُحرم بقرار أميركي صهيوني من معظم ميزانيتها، فلا تتقدم الدول العربية لملء الفراغ، فيموت أطفال، جوعًا وبردًا وتشرّدًا ، وَهُم يسألون أين العدالة من كل ذلك؟

• ولكن، رغم الجوع والموت اليومي وغياب سُبل الحياة، يقاوم الشعب الفلسطيني التهجير والإبادة الجماعية، ويفوّت على الصهيوني فرصة تحقيق هدفه الأول وهو إفراغ الأرض من أهلها. كذلك يصمد الفلسطينيون في الحرب و المفاوضات، ويقدمون نموذجا متقدما في طرح الأمور وتجنّب الاستفزاز والصبر على المكاره والتصميم على مقاومة العدوان، فيحرمون الصهيوني من انتصارٍ وعد به أنصاره، مثلما يمرّغون عنصريته في رمال غزة وأزقّتها مفتتحين بذلك مرحلة جديدة من مراحل مواجهة الاستعمار وإضعافه.

• إنّ حرمان الفلسطينيين من العدالة، دون أن ينجح القانون الدولي من خلال مؤسساته المختلفة في وقف هذا الظلم ومعاقبة المجرم، إضافةً إلى إدراك الفلسطينيين العميق لحقّهم وما قدّموه من دماء وتضحيات تنحني أمامها البشرية، كل ذلك هو الذي ينتج الصحوة التي نراها اليوم عند الشعوب العربية والغربية.

• واليوم، بعد كلّ ما مرّ به الشعب الفلسطيني، وأمام الاستبداد والقمع الغربي، ولا سيما الأميركي الذي يتغنّى بالديمقراطية وحرية الرأي، بتنا نراقب باعتزاز الانتفاضة الطلابية في الولايات المتحدة والعالم، تلك الانتفاضة التي تتوسّع كل يوم وتعبّر عن وعي هذه الأجيال للظلم والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، والتي تعبّر أيضًا عن توسّع مدارك هذه الأجيال الصاعدة لمفهوم العدالة ولحقيقة استغلال حكوماتهم لهم وللشعوب،  بغرض تمويل المشروع الصهيوني والدولة اليهودية، وتمويل الحرب والإبادة الجماعية للفلسطينيين كيما يتمكن الصهيوني من بناء دولته اليهودية الخالصة على أرضهم المخضبة بدماء الشهداء.

ومقابل تخاذل الأنظمة نرى اليوم الضمير العربي الجمعي يشارك بقوة في إدانة الأساليب السياسية السابقة للتعامل مع الاحتلال والتي لم تؤدِّ إلّا إلى زيادة التسلط الإسرائيلي، وتوسّع الاستيطان، وتفشّي انتهاك المقدسات والأقصى.

• إنّ كفاح غزة وصمودها أطلق المسيرات العالمية المؤيدة للحق الفلسطيني والمناهضة لقوى الاستعمار والصهيونية التي تهدر الأموال الطائلة على الحروب ودعم المعتدين المدمنين على قصف المدنيين واحتقار حقوق الإنسان، خاصة حقوق الأم والطفل، انطلاقًا من قناعة هؤلاء بأنّ مَن أمِنَ العقاب توغّلَ في الإساءة، حيث رأينا جميعًا أنّ لا قرارات الهيئة العامة للأمم المتحدة، ولا قرارات مجلس الأمن الدولي، ولا المحكمة الجنائية الدولية وقفت عائقًا أمام إجرامهم وعُتّوهم. وتجدر الإشارة إلى أنّ تلك المسيرات العالمية ساهمت وبشكل كبير في إضعاف الهيمنة الغربية والصهيونية في العالم، وأكّدت حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه بوجه دولة الاحتلال التي ما توانت عن استخدام كافة الأسلحة المحرّمة دوليًا بهدف تدمير الحجر والبشر و سحق المدنيين والمستشفيات والعمران وكل معالم الحياة.

• بعد طوفان الأقصى، من المرجّح أن تُجري واشنطن تعديلات مهمة في منهجيتها للتعامل مع دول المنطقة العربية، خاصةً أنّ غزة بحجمها الصغير اقتحمت ساحة السياسة الأميركية الداخلية، وأصبحت رقمًا انتخابيًا في الولايات المتحدة. هذا فضلًا عن تزعزع صورة أميركا لدى الأجيال الجديدة التي شهدت بأمّ العين إصرار واشنطن على مشاركة إسرائيل حربها الدموية ضد غزة، ودعم خزينتها بمليارات الدولارات، ومدّ جيشها بالخبراء والضباط والمرتزقة، علاوةً على الأسلحة الثقيلة والقنابل العنقودية والفوسفورية.

وتحت عنوان عدم رغبتها في توسيع الحرب، وتفادي السقوط في أوحالها، دعت الولايات المتحدة الأميركية كل البلدان المحيطة بفلسطين لعدم التدخل تحت طائلة معاقبتها بكافة الوسائل. وهدفها من كل ذلك محاصرة غزة، وتمكين الجيش الإسرائيلي من الاستفراد بها، وإزالتها من الوجود، وتهجير أهلها، والسيطرة على مواردها النفطية الكبيرة الكامنة في البحر الأبيض المتوسط.

إنّ هذه الصورة البشعة للمستعمر الأميركي، الملوّثة أيديه بدماء غزة وأطفالها، لن تغيب عن وجدان الأجيال الجديدة في الوطن العربي كما العالم، وسيكون لها الأثر الكبير على اضعاف نفوذ أميركا في غير مكان.

• في حال استطاع التحالف الأميركي- الإسرائيلي تجنب الهزيمة فلن يتوقف عن محاولاته إقصاء حماس وتهجير أهل غزة و سحق القوى الفلسطينية المنظمة في القدس والضفة الغربية. كما لن يتردد عن السيطرة على المسجد الأقصى والأماكن المقدسة، وإخضاع البلديات وكل المؤسسات الفلسطينية الأخرى لسلطته المباشرة. كما أنه سيواصل خطواته الرامية إلى تهويد القدس، وتحويلها إلى عاصمة فعلية للكيان الغاصب.

• غير أنّ الأخطر من ذلك كله أنّ الولايات المتحدة وإسرائيل، في حال انتصارهما، سيعملان مجددًا لكسر شوكة المقاومة في المنطقة، وإرغام الأنظمة على الاستسلام الكلّي والالتحاق بحظيرتهما لاستعادة هيبتهما وتعزيز قدراتهما على الساحة الدولية بما يمكّنهما من مواجهة روسيا والصين من موقع أقوى.

أما إذا خرجت المقاومة الفلسطينية وحلفاؤها منتصرين في الحرب (وهذا ما نرجحه)، فسيكون ذلك وبالًا على الكيان الغاصب كما على الولايات المتحدة نفسها. والتداعيات المرتقبة إذا صمدت غزة وأهلها ومقاومتها ستكون مؤثّرة في تعديل خريطة الشرق الأوسط والعلاقات بين دولها، فضلًا عن تغيير ميزان القوى الإقليمي والدولي لصالح المقاومة وقوى التحرر والاستقلال في المنطقة والعالم.

• ملخّص القول أنّ حكّام "إسرائيل" بوحشيّتهم وبدائيتهم، والإدارة الأميركية بنفاقها وعجرفتها قد فتحا الأبواب أمام تغيرات لن تكون بمصلحتهما. ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا أنّ مكانة كل منهما ستنحسر، وأنّ قدرة كل منهما في التأثير على الأحداث ومجريات الأمور ستتراجع. وكل ذلك يشكّل انعطافه مهمة في تاريخنا المعاصر الذي سيشهد بداية انكسار القوة الإمبريالية الأميركية وحلفائها.

 

تحديات العدالة الاجتماعية في الوطن العربي

• مشكلة العدالة الاجتماعية منبعها ذاتيّ كما هو خارجيّ، فالمواطن يتعرض للاستبداد الداخلي وللاحتلال الخارجي. إذًا من الخطأ تحميل المسؤولية للأجنبي وحده فيما وصلنا إليه، فالذي رسّخ الاستبداد في البلاد العربية هو أيضًا هالة القداسة التي رسمناها للحكّام الذين هم في الحقيقة مهزومون من داخلهم.

• مبدأ العدالة الاجتماعية الذي نتحدث عنه، والذي شغل ويشغل القيادات والسلطات في كل دول العالم، بات اليوم هاجسًا من هواجس بعض الدول العربية . و قد أصبحنا، في السنوات الأخيرة، نلحظ التركيز عليه ونسمع عنه في العديد من بيانات الحكومات العربية التي تبنّت شكليا مفهوم العدالة الاجتماعية دون ان تصدق في تطبيقه و اعتماده في سياساتها وبرامجها السياسية- الاجتماعية- الاقتصادية.

• وبالنظر في مسألة تطبيق العدالة الاجتماعية في الدول العربية، نستطيع أن نلحظ الفرق الكبير، ولو في بعض جوانب الحياة فقط، بين واقع الحال داخل المجتمعات العربية في القرن الماضي، وما حقّقته بعض الدول التي آمنت بهذه القيمة واعتمدتها لتنهض بمجتمعاتها.

• وبدأنا نرى، حاضرًا، بعض التقدّم في بعض الدول العربية لاعتماد مبدأ العدالة الاجتماعية في السياسات الوطنية. فنجد، مثلًا أنّ المرأة باتت حاضرة بشكل أكبر وأكثر فاعلية في بعض المجالس النيابية والبلدية. كذلك بعض الشباب، الذين لم يَرِثوا العمل السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي عن آبائهم وأجدادهم، قد تقدّموا بشكل واضح في الميدان السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

وعلى الرغم من هذا التطور الملحوظ في تطبيق هذا المبدأ في بعض الدول العربية، غير أن التطبيق ما يزال منقوصًا ولا يتناول جوهر الأمور. وإذا ما دققنا اليوم في الجوانب الحياتية لبعض الشعوب العربية نجد أيضًا أنّ العدالة الاجتماعية قد تراجع حضورها في ظل انحسار الطبقة الوسطى ودورها في الحياة العامة، وهي التي تشكّل ركنًا أساسيًا في تحقيق العدالة الاجتماعية. وعلى سبيل المثال، فإنّ الفرق الكبير والشاسع في الثروة والدخل بين فئات المجتمع، وعجز الدول وحكوماتها عن تضييق هذه الهوّة بسبب تسلط الاحتكار والأثرياء ورجال الأعمال والورثة السياسيين على العمل العام، كل ذلك يساهم بشكل كبير في إضعاف أمل هذه الشعوب بتحقيق العدالة الاجتماعية في المدى المنظور.

• غير أنّ الطريق واضح، فأوّل ما يجب العمل عليه هو تحقيق الإصلاحات السياسية، وتنمية المؤسسات التي تدعم الممارسات الديمقراطية وتحارب الفساد، والعمل على تجاوز العصبيات القديمة التي تعتمد عليها الطبقات الحاكمة للطعن في القضايا المشروعة أو تشويهها. والمثل الواضح على ذلك ما حدث في لبنان عندما استخدمت الفئات الحاكمة العصبيات القديمة للتغطية على الجرائم الكبرى التي اقترفتها، ولا تزال، خاصةً في الميدان الاقتصادي والاجتماعي، حيث نجحت هذه الفئات عبر الإعلام والتعبئة الطائفية والممارسات البوليسية في صدّ الحراك الجماهيري، ذلك الحراك الذي انتفض أصلًا ضد المصارف والاستبداد!

• وهنا يمكن القول أنه إذا كان للعصبية دور في تأسيس الدول، فإنّ لها دوراً أيضًا في تفكيك الدول عبر التركيز على التناقضات الثانوية وإذكاء الصراع بين مكونات المجتمع وجماعاته وصولًا إلى تهميش الدولة وتفكيكها. فعندما تركز كل طائفة على وجودها وأمنها، وتعمل على إهمال عناصر الوحدة في المجتمع، وتتعامل مع المؤسسات العامة من موقع الربح والخسارة، فهي تحقق أرباح مرحلية لتنتهي بخسائر استراتيجية.

آفاق تطوّر العدالة الاجتماعية في الوطن العربي

• إنّ ازدهار العصبيات التقليدية وقف عائقًا، على مدى عقودٍ طويلة، في وجه المشروع النهضوي العربي الذي يشدد على أهمية حضور العدالة الاجتماعية ودورها في مسيرة التنمية والتحرير. كذلك اشتد ساعد هذه العوائق عندما ركزت الفئات الحاكمة على محاربة العصبيات الواسعة والحطّ من قدرة العرب على مقاومة الغزاة.

• صحيح أنّ ثمة عجز حتى اليوم لدى الدول العربية في تطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية، غير أنّ تحقيق ذلك ليس بالأمر المستحيل، فنحن الآن ما زلنا في بداية الطريق التي قد توصلنا إلى تحقيق هذا الهدف في مجتمعاتنا.

• إنّ جوهر العدالة الاجتماعية هو المساواة في الفرص والحقوق الأساسية. فإذا أردنا اليوم أن نستفيد من تجارب الماضي والحاضر، وأن نسعى للتخطيط لمستقبل أكثر عدلًا وإشراقًا لشعوبنا العربية، علينا أن ننطلق في البداية لوضع مناهج تعليمية وتربوية، عصرية وتقدمية، تحفّز المواطنين على ممارسة العدالة الاجتماعية عبر سن قوانين موحّدة تساوي في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين. وعلينا أن نرسم الخطط الاقتصادية والمالية التي تؤمّن تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال وضع تشريعات  تكرس تصاعدية الضرائب، والتوزيع العادل للثروات، وتأمين فرص العمل والإنتاج لجميع المواطنين.

• وبالمقابل، فقد علّمتنا التجارب أنه ليس من الحكمة الاعتماد على الحكومات في تحقيق العدالة الاجتماعية نظرًا لانحيازها الدائم للفئات المهيمنة في المجتمع. لذلك ينبغي على القوى الديمقراطية والتقدمية والنقابية مواصلة الضغط على هذه الحكومات بكل الوسائل المشروعة لحملها على السير في طريق الإصلاح. وهذا الأمر  كما لا يخفى على أحد، صعب بكل المقاييس، إذ أنّ الحكومات التقليدية السائدة في البلدان العربية تميل إلى الاستكانة والتكرار، شأنها شأن البيروقراطية الشغوفة بالروتين وإعادة إنتاج السلع والخدمات كما جرت العادة. وهذا يؤشّر إلى أنّ تحقيق العدل يحتاج إلى نضال لا يلين لإقامة هيئات مسؤولة لديها الإرادة  والكفاءة والمصلحة في الأمر.

• إذًا، تحقيق العدالة الاجتماعية مرهون بكسر أحادية السلطة، وكسر تمركز الاقتصاد والثروة بيد قلّة قليلة تعمل لتأبيد النمط السائد للحكم الذي يدرّ عليها الأرباح ويحرم الشعب من أبسط حقوقه. إنّ إشراك الشعب في المجالين السياسي والاقتصادي، خاصة على مستويات التشريع والقرارات التنفيذية أمرٌ لا بد منه لضمان استقرار المجتمع وإشاعة الأمن في ربوعه وتحقيق المساواة بين أبنائه على أساس الكفاءة والجدارة.

• يقول د. حليم بركات في كتابه "المجتمع العربي المعاصر":

"إنّ الاندماج الاجتماعي لا يكتمل ما دام هناك فروق وفجوات طبقية حادة، الأمر الذي يزداد رسوخًا في المجتمع العربي".

كما يقول: "إنّ الطبقات والفئات المرتبطة بالغرب اقتصاديًا وحضاريًا تُظهر نزوعًا إلى التخلي عن تقاليدها، بما في ذلك التقاليد المتعلّقة بهويتها".

• إذًا، لا عدالة اجتماعية بوجود سلطة مستبدة وهيمنة استعمارية. فالسلطة المستبدة والاستعمار يعملان معًا على استمالة فريق من الشعب وتحريضه ضد فريق آخر، كما يُنعما بالامتيازات على البعض ليجعلا منهم أتباعًا وأصنامًا بشرية تتحرك لصد الجماهير وقمعها.