التوزيع:
محدود
الرقم: م ق ع 33/وثائق 4
التاريخ:
31/5/2024
المؤتمر الثالث
والثلاثون
31 أيار/مايو - 1 و 2 حزيران/يونيو 2024
بيروت - لبنان
"المقاطعة ومقاومة التطبيع في ظل طوفان الاقصى"**
أ.
محمد البشير (الأردن)*
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* باحث ومحلل اقتصادي، عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي
العربي
** لا تعبر هذه الورقة بالضرورة عن رأي الأمانة العامة للمؤتمر
القومي العربي.
المقاطعة ومقاومة التطبيع في ظل طوفان الاقصى
أ.
محمد البشير (الأردن)
مقدمــــة
قضية فلسطين، قضية امة، تعرضت للتآمر منذ مطلع القرن
الماضي، الذي شهد تحولات عميقة، كان ابرز تجلياتها تبلور عصرالقوميات وتفكك الدولة
العثمانية التي حكمت العرب بإسم الدين
الاسلامي، والتي اطلق الشريف حسين طلقة الرحمة على وجودها في الشرق العربي، لصالح
دول المحور التي وعدته بإنشاء مملكة العرب في الجزيرة، العراق وبلاد الشام، حيث
تخلل ذلك وعد بالفور لليهود في اقامة دولتهم واخضاع سوريا ولبنان حالياً للدولة
الفرنسية وفلسطين والاردن والجزيرة العربية للسيطرة البريطانية حيث اصبح واضحاً ان
الوجود العسكري الكبير لها في فلسطين، كان لتسهيل الهجرة الصهيونية ومخططها في
اقامة دولة الكيان لهدف استراتيجي تمثل في اقامة هذا الكيان للحيلولة دون وحدة
العرب وتقدمهم من خلال تدريب وتسليح العصابات الصهيونية من جهة وملاحقه المقاومة
الفلسطينية وقواها الشعبية من جهة ثانية وتسهيل امتلاك الصهاينة للارض وما عليها
من جهة ثالثة، وفي خط موازي تصدى الغرب عبر فرنسا، بريطانيا ولاحقاً امريكا، لاي
محاولة بناء وطني كنموذج للدولة العربية المنشودة او على الصعيد القومي، إحباط تجربة
البعثيين ، القوميين العرب والناصريين في بناء نموذج الوحدة الذي حلموا، او نضالهم
في التصدي للوجود الاجنبي في الاقطار العربية او في دعم المقاومة في فلسطين او
التأثير في اعاقة مخطط بريطانيا في اقامة الكيان الصهيوني، وخدمة لهذا المخطط تم
دعم الدولة القطرية وحمايتها واغراقها بالديون والمساعدات حيث اصبح استمرار وجودها
مرتبطاً بتبني مخططات الغرب في المنطقة، مما عزز من الخطاب القطري على حساب القومي
والاسلامي، عموماً، اذ نجح المعسكر الغربي وحلفائة في الوطن العربي في الحيلولة
دون تحقيق اهداف امتنا في الوحدة والتقدم من جهة أو التصدي للعصابات الصهيونية في
فلسطين من جهة اخرى وكان من نتائج هذا الصراع البيني العربي او المباشر مع الغرب
والكيان الصهيوني، ان تم اختراق الجدار العربي باتفاقيات (سلام) ما بين مصر،
الاردن، السلطة الفلسطينية ولاحقاً دول الخليج، هذه الاتفاقيات التي عارضتها امتنا
العربية في مختلف مواقعها، والمسلمين في مختلف دول العالم بالاضافة الى احرار
العالم دولاً وافراد ومؤسسات. ولمواجهة هذه الاتفاقيات نشطت في مختلف الاقطار
العربية او دول العالم هيئات حزبية وشعبية ركزت نشاطها لمقاومة التطبيع مع العدو
الصهيوني او مقاطعته او مقاطعة داعمي هذا الكيان كمؤسسات او منتجات او نشاطات
ثقافية او رياضية....الخ، الى جانب بعض الاقطار العربية التي كانت عصيّة على
التطبيع، دعماً لفلسطين ومقاومتها، التي نجحت في ايجاد حاضنة شعبية فلسطينية
وعربية ودولية، كأداة من ادوات المواجهة السياسية في صراع الامة مع الغرب وكيانهم
الزائل.
في هذه الورقة محاولة لتسليط الضوء على المقاطعة ومقاومة
التطبيع عربياً ودولياً في ظل طوفان الاقصى، ومفاعيله ومآلاته المستقبلية، عربياً
وعالمياً وبشكل خاص فلسطينياً والعلاقة مع الكيان الذي اصبح يشكل عبئاً حقيقياً
على العالم بعد ان كشف طوفان الاقصى زيف الرواية الغربية/الصهيونية فيما يتعلق بالحريات،
حقوق الانسان وتقرير المصير وخاصة ما يتعلق منها بالقضية الفلسطينية، قضية الكيان
ووجوده غير الشرعي على ارضنا فلسطين، وتأثير هذا الوجود على مستقبل امتنا وامال
ابنائها في بناء مستقبل افضل قائم على الحرية والوحدة والتقدم.
اولاً: المقاطعة عالمياً وعربياً
تعتبر المقاطعة ومقاومة التطبيع واحدة من ادوات العمل
والمواجهة السياسية في صراع الامة مع العدو بالاضافة الى ادوات العمل السياسي السلمي
الاخرى التي تبدأ بالتصريح، البيان، المسيرة، الاعتصام...الخ.
تعرف المقاطعة بأنها الامتناع الذاتي او الجماعي المنظم
عن شراء سلع او خدمات من جهات معادية، سواء كانت منشآت او دول او اشخاص تمارس
العدوان والاحتكار لدفعها للتراجع عن سلوكها الذي يلحق الضرر بالجهات المستهلكة او
المستخدمة للسلع والخدمات التي تبيعها او تروج لها تلك الجهات التي تم مقاطعتها .
يحمل التاريخ في ثناياه حملات مقاطعة متعددة كان ابرزها،
مقاطعة (الكابتن تشارلز بويكوت) سنة 1880 التي تعرف بحرب الارض الايرلندية، والتي
حصلت بين وكيل مالك الاراضي والمستأجرين (الفلاحين) الذين طلب منهم الوكيل اخلاء
الاراضي التي كانوا يستأجروها ويفلحوها، حيث توقف موظفوه عن العمل تلا ذلك ان قاطعته
الشركات المحلية ورفضت التعامل معه... وبعد استمرار مقاطعته لعدة سنوات اضطر هو
وعائلته من مغادرة المدينة الايرلندية في عام 1988 ومنذ ذلك التاريخ دخلت كلمة (Boycott) قاموس
المقاطعة.
عنب ديلانو (1965-1969) والتي بدأت بإستقالة عمال
المزارع الوطنية الفلبينيون في كاليفورنيا من وظائفهم احتجاجاً على تدني اجورهم
قياساً بالاجور التي يتقاضاها الاخرون في الولايات المتحدة وعندما انتشر خبر الاستقالة
واسبابها قاطع الملايين من الامريكيين الشركة ورفضوا شراء انتاجها من العنب حتى
خضعت لشروط العمال ووقعت عقود باجور عادلة سنة 1970.
شركة نستلة (1977-1984) التي تم مقاطعتها وخاصة انتاجها
من الحليب الذي روجت على انه بديل عن حليب الام، واستمرت المقاطعة حتى سنة 1984
بعد ان تراجعت الشركة عن حملتها الاعلانية التي استهدفت الام وخاصة في العالم
الثالث، وشكلت تلك المقاطعة وسيلة لتحقيق اهداف جماعية.
المقاطعة الهندية للبضائع البريطانية الي نظمها الزعيم
غاندي سنة 1920 وقال مقولته الشهيرة:
" كلوا مما تنتجون، والبسوا مما تصنعون، وقاطعوا بضائع العدو
.... واحملوا مغازلكم واتبعوني".
(الجزيرة.نت) 24/5/2023
سجلت الشعوب المقاومة للاستعمار حالات مقاطعة سياسية
واقتصادية كان ابرزها:
المقاطعة الصينية للبضائع اليابانية اثناء مناهضة
الاحتلال.
المقاطعة الامريكية للبضائع البريطانية خلال حرب
الاستقلال.
مقاطعة الغرب للتبغ الايراني.
المقاطعة اليهودية ضد البضائع الالمانية اثناء الحكم
النازي.
المقاطعة قد تكون رسمية، اهلية او دولية وباستعراض واقع
المقاطعة العربية والعالمية فقد كانت على الوجه الآتي:
مكتب المقاطعة العربية لـ (اسرائيل)
انشأت الجامعة العربية منذ عام 1952 مكتباً لمقاطعة
(اسرائيل)، الذي نجح على مستويات متعددة ذات علاقة بالشركات او منتجاتها او
بالحيلولة دون الاستثمار في الكيان مما الحق باقتصاده خسائر كبيرة والتي قُدرت
بمبلغ (90) مليار دولار بموجب التقديرات الرسمية للكيان منذ تاريخ انشاء مكتب
المقاطعة حتى سنوات التوقيع على اتفاقيات (السلام) ما بين الاردن ومنظمة التحرير
في سنة 1993، 1994 وما تبعهما من تراجع تدريجي لنشاط مكتب المقاطعة ليقتصر على
الدول الرافضة للاعتراف بالكيان كالعراق، سوريا، الجزائر، لبنان، وليبيا حتى العقد
الاول والثاني من القرن الحالي بعد احتلال العراق وتفكيك ليبيا والعبث باستقرار
وتماسك سوريا كعمق لقوى المقاومة المسلحة التي واجهت الكيان خصوصاً...ال.
جريدة الاخبار اللبنانية 30/10/2023)
لقد تراجع مكتب المقاطعة العربية في اداء مهامه بعد ان
التحق الاردن عبر وادي عربة ومنظمة التحرير عبر اوسلو لمشروع السلام الذي ادارته
امريكا بإسم الغرب عموماً، رغم استمرار فعالية المكتب بعد توقيع السادات على
اتفاقية (كامب ديفيد)، فقد عمل النظام المالي العالمي الذي يديره المؤيدين للكيان في توجيه المستثمرين للاستثمار
في الكيان وقد تعاظمت استثماراتهم فيه، سنة بعد سنة واصبح الكيان مصدراً هاماً
لتكنولوجيا المعلومات صناعة وبرمجة وللاسلحة وللنفط والغاز واحتل ثاني اقتصاد في
المنطقة بعد السعودية، حيث وصل الناتج المحلي الاجمالي له الى ما يقرب (530) مليار
دولار لسنة 2022، خلافاً لذلك تراجعت استثمارات رؤوس الاموال الغربية الواردة
للوطن العربي عموماً ولدى الدول العربية الرافضة لاقامة علاقات طبيعية مع الكيان
خصوصاً، كما فرضت هذه الدول التطبيع مع الكيان على الجهات المقاطعة للشركات
المستثمرة او المقاطعة للكيان، كشرط من شروط زيادة المنح لهذه الدول او ازالة
معيقات منحها قروض من صندوق النقد الدولي او الصناديق الغربية لمواجهة ازماتها
الاقتصادية خاصة الدول المستوردة للنفط، اما الدول النفطية الخليجية فأصبح طريق التطبيع
اليها اسهل بكثيرعن فترة ما قبل انهيار انظمة الرفض العربية، إذ استجابت
(الامارات، البحرين والمغرب) لاتفاقيات (السلام الابراهيمي) التي اعدتها وعملت
لانضاجها امريكا خاصة في عهد الرئيس الامريكي السابق ترامب، بعد ان عبثوا بالحراك
العربي في اكثر من قُطر عربي ودعموا بالتعاون مع امريكا وحلفائها، المسلحين
المتطرفين في اقطار عربية اخرى كليبيا وسوريا، حيث اصبح واضحاً ان الانظمة العربية
في معظمها هي انظمة اسيرة لدى القوى المركزية في النظام الدولي من ناحية وهي انظمة
تعلو لديها مصلحة البقاء على كرسي السلطة على مصلحة الدولة والمجتمع من ناحية
اخرى، " فبالمقارنة بين الاقاليم السياسية العشر في العالم من حيث درجة تغلغل
القوى الدولية فيها والتحكم في قراراتها الاستراتيجية والتي عقدها كارل براون عام 1984
والاخرى التي اجراها ريموند هنتش عام 2003 وغيرها من الدراسات، تكشف ان الاقاليم
العربية هي المُخترق الاول بين كل اقاليم العالم، ويتوزع الاختراق على المستويات
الثلاث، السلطة، المجتمع والنخبة".
د.وليد
عبد الحي- التغلغل الامريكي في البيئة العربية
ضمن السياق اعلاه اصبح مكتب المقاطعة العربية التابع
للجامعة العربية، هيكلاً دون روح.
المقاطعة
الشعبية العربية
عرب فلسطين هم اول من قاطع المصالح الصهيونية منذ عام
1922 اي قبل 26 عاماً من اقامة الكيان الصهيوني واثناء وجود الانتداب البريطاني
على فلسطين، وكان الذين يتم اكتشافهم انهم غير ملتزمين بالمقاطعة كانوا عرضة
للهجوم والمقاطعة واحيانا تخريب بضائعهم وهذا ما حدث اثنـاء ثورة البـراق 1929
وخلال السنوات 1922- 1934 طالبت اللجنة العربيـة التنفيذية للبرلمان السوري-الفلسطيني
بمقاطعة التجار الصهاينة وقد نفذ هذا اتحاد العمال العرب.
(محاولات
المقاطعة في فلسطين الانتدابية/الموسوعة الحرة)
بعد تأسيس الكيان كانت المقاطعة الرسمية العربية من خلال
مكتب المقاطعة اكثر بروزاً، حيث كانت المقاطعة الشعبية العربية من خلال القوى
السياسية للتيارات الثلاث القومي، اليساري والاسلامي غير فاعلة بشكل ملحوظ، بسبب فعالية
مكتب المقاطعة ولغياب اي اتصال علني مع الكيان، مقترناً ذلك مع رفض اقامة الكيان
من قبل النظام الرسمي العربي في تلك الفترة بعد ان كان الشارع العربي بكل تياراته
السياسية والاجتماعية والمهنية ضد وجود هذا الكيان، اذ بقيت البرامج السياسية
للاحزاب والنقابات والجمعيات وكثير من الشخصيات المؤثرة تدعم المقاطعة وترفض اي
شكل من اشكال التعامل مع المنتجات الصهيونية او الشركات المتعاونة مع الكيان او
التي لها علاقات اقتصادية تجارية معه، ورغم مواجهة هذه الشركات الى تحديات كثيرة
من قبل الغرب بشكل عام وامريكا على وجه الخصوص التي فرضت قوانين على المستجيبين
للمقاطعة بغرامات مالية، بعد ان اقر (الكونغريس) الامريكي سنة (1977) قانون يغرم
الشركات الامريكية المستجيبة للمقاطعة الى غرامات مالية، خاصة الشركات العاملة في
الاسواق العربية.
(نفس المصدر السابق)
في سنة (1980) تخلت الحكومة المصرية عن المقاطعة بعد ان وقع
الرئيس المصري السادات على اتفاقية (كامب ديفد) وانهى عقود من المواجهة المسلحة
والسياسية على حد سواء بما في ذلك مقاطعة السلع الصهيونية او الاجنبية للشركات
الداعمة للكيان، لا بل ذهب النظام السياسي في مصر وفق بنود الاتفاقية الى التطبيع
السياسي والاقتصادي، اذ صدم هذا القرار قوى الامة العربية ودولها حيث شكلت الاحزاب
والقوى السياسية والفعاليات الاقتصادية والقوى الاجتماعي مؤسسات للمقاطعة ومقاومة
التطبيع خاصة في دول المواجهة (مصر، الاردن ولبنان)، بعد ان نجح النظام الرسمي
العربي والجهد الشعبي العربي اثناء حرب تشرين الاول (1973) في تتويج مقاطعته التي بدأها منذ اقامة
الكيان من خلال مكتب المقاطعة، بقطع النفط عن الدول الغربية الداعمة للكيان
الصهيوني في ذلك الوقت من قبل الدول المصدرة له وعلى راسها السعودية.
منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي نشطت الهيئات المتخصصة
في المقاطعة في مختلف اقطار الوطن العربي الى جانب مكتب المقاطعة، حيث واجهت هذه
المؤسسات تحديات كبيرة خلال فترة الثمانينيات والتسعينات بعد ان حدثت زلازل عديدة
على الصعيد العربي بدأ بالحرب العراقية الايرانية مرورا باحتلال الكويت، احتلال
العراق، مؤتمر مدريد، اوسلو ووادي عربة وانتهاءً (بالربيع العربي) الذي زاد من
تشتت الجهود العربية وادخلنا في خلافات بين التيارات الفاعلة في الساحة العربية
مما اثر على الجهود المشتركة لمقاومة التطبيع التي نجحت خلال الفترة السابقة من
التأثير في وعي الناس وفي مواجهة اثار اتفاقيات اوسلو ووادي عربة على مقاطعة السلع
ومنتجات الشركات التي تدعم الكيان. تلك الاتفاقيات التي شرعت للشركات الاجنبية على
وجه الخصوص في اختراق جبهة المقاطعة، اذ بدأ الكثير من هذه الشركات بالتوسع
والانتشار والاستثمار بشكل كبير واستطاع وكلاء هذه الشركات ان يصلوا الى جمهور
المستهلكين في كثير من الاسواق العربية خاصة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانتهاء
الحرب الباردة بين القطبين لصالح القطب الغربي، حيث انتصر رأسمال السوق الحر مع تراجع
تدخل الحكومة في الاقتصاد وقد تجلى ذلك بخصخصة موجودات الحكومات ودخلنا عصر اخر
كانت ابرز تجلياته دخول الشركات التي تم مقاطعتها في العقود السابقة الى اسواقنا
مع منتجاتها واصبح دعمها علنياً بعد ان دخلت باستثمارات كبيرة في فلسطين (الكيان)
مما اثر على جهود هيئات مقاومة التطبيع وصعّب من مهمتها في مختلف الاقطار العربية،
الا ان عدم التزام الاحتلال في مواد اتفاقيات (السلام) اعاد لهذه الهيئات النشاط
حيث كانت المؤشرات الاقتصادية لدول (السلام) في تراجع تام فنسب النمو كانت متواضعة
ولم تزيد عن (3)% وميزان التجارة بقي مختلاً لصالح الاستيراد كما ان نسب البطالة
بقيت مرتفعة مع زيادة كبيرة في نسب النمو السكاني، ورافق ذلك استمرار الخلل في الهيكل
اقتصاد من حيث ارتفاع حصة قطاع الخدمات من الناتج المحلي الاجمالي.
ضمن هذا المسار الذي كان ممتلئا بالالغام والذي ساهم
النظام الرسمي العربي متواطئاً او مشاركاً في وضعها امام تقدم امتنا على الصعيد
القطري، والذي ضيّق باشكال متعددة على هيئات المقاطعة، فاتحاً الطريق امام الرئيس
الامريكي ترمب لتقديم مشروعه المشبوه (صفقة القرن) وما ارتبط بها من مشاريع امنية
وعسكرية واقتصادية، حيث استجابت بعض الدول العربية لاتفاقيات السلام الابراهيمي
واصبح العمل اكثر جدية على المملكة العربية بعد ان غاب المشروع العربي المقاوم، وقيام
كثير من الجهات في شيطنة قوى المقاومة في فلسطين وخارجها، وما بين التقدم والتراجع
في انضمام دول اخرى لمشروع (السلام) المنشود جاءت عملية طوفان الاقصى، لتشكل
زلزالاً عسكرياً وسياسياً واجتماعياً تخطت ابعاده الوطن العربي والاقليمي ودول
وشعوب العالم قاطبة.
حركة
المقاطعة وسحب الاستثمارات عالمياً (BDS)
عقدت (171) منظمة
فلسطينية غير حكومية بتاريخ 9/7/2005 اجتماعاً موسعاً، ونجحت في تأسيس حركة (BDS) التي دعت الى:
انهاء
الاحتلال (الاسرائيلي) واستعماره لكل الارضي العربية وتفكيك الجدار العازل.
الاعتراف
(الاسرائيلي) بالحقوق الاساسية (للفلسطينيين المواطنين العرب في اسرائيل).
قيام
(اسرائيل) باحترام وحماية وتعزيز (حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى ديارهم
وممتلكاتهم) كما هو منصوص عليه في قرار الجمعية العامة للامم المتحدة (194).
(Palestine
(BDS) campaign Accessed 22 may 2027)
حددت الحركة اهداف حملتها بالبنود الثلاث اعلاه بتدابير
عقابية بلا عنف ضد (اسرائيل) حتى تلتزم بالقانون الدولي مستندة في حراكها هذا الى
قرارات الامم المتحدة وخاصة المتعلقة بالفصل العنصري من خلال المظاهرات
والاحتجاجات ضد الشركات التي لديها عقود مع الجيش الصهيوني او ضد شركات تعمل داخل
المستوطنات الصهيونية العاملة في الضفة الغربية او افراد داعمين لها بالاضافة الى
استخدام منصات التواصل الاجتماعي، في مجالات متعددة اكاديمية، ثقافية، رياضية، كما عملت الحركة على
تنظيم اسبوع الفصل العنصري (الابارتيد) والمتمثل في سلسلة مظاهرات ومحاضرات جامعية
وتجمعات/اعتصامات ضد الاحتلال (الاسرائيلي) للضفة وحصار غزة وعادة ما يقام هذا
الاسبوع في شباط او اذار من كل عام، ونجحت الحركة من تنظيم فروع لها من خلال
الاسبوع الذي تقيمه سنوياً في مختلف الدول الامريكية والاوروبية او دول العالم
الاخرى بما في ذلك العربية وكان الاسبوع الاول في سنة 2005 في تورينتو، تلا ذلك ان
تم عقده في (55) مدينة حول العالم.
كانت الخطوة الاولى لنشاط الحملة على صعيد المقاطعة
الاكاديمية اذ نجحت الحركة في 22/4/2005 في الحصول على قرار لمجلس رابطة الاساتذة
الجامعيين في بريطانيا بمقاطعة جامعتي حيفا و (بارايلان)، جامعة حيفا لاتخاذها
قرار بحق استاذ جامعي دعم طالباً بحث بنشأة الكيان والجرائم التي ارتكبتها
العصابات الصهيونية في فلسطين وقرار اخر بحق جامعة (بارايلان) بسبب ادارتها لبرامج
دراسية لكليات جامعية في الضفة الغربية.
في عام 2011 قطعت جامعة جوهانسبورغ علاقاتها مع جامعة بن
غوريون استجابة لدعوات من (400) اكاديمي جنوب افريقيا.
صوّت اكثر من (30) مجلس طلابي في الولايات المتحدة و
(11) مجلس في كندا بالاضافة الى مجالس طلبة في بريطانيا، كندا، بلجيكا، جنوب
افريقيا وقطر والبرازيل وتشيلي على اهمية سحب استثمارات دولهم في الكيان الصهيوني.
شركة اورنج تنسحب من سوق الكيان وشركة صودا ستريم تغلق
مصنعها في مستعمرة قرب القدس المحتلة .
نظراً
لتصاعد المقاطعة فإن الكثير من المنشات في الغرب توقفت عن شراء السلع والخدمات من
المستعمرات الصهيونية، وفي رد فعل قوي على نشاط الحركة، اعتبرت (اسرائيل) حركة
المقاطعة خطراً استراتيجياً على منظوماتها الاستعمارية، مما دفع الكثير من الدول
الاوروبية والغربية بناءً على طلب من (اسرائيل) الى اصدار قوانين تجعل من المقاطعة
(لاسرائيل) معاداة للسامية مما يعرض مرتكبيها الى العقوبة حسب القانون.
(حركة المقاطعة BDS)
ثانياً:
مقاومة التطبيع ما قبل طوفان الاقصى
يعرف التطبيع في حالتنا العربية بأنه محاولة منظمة لكسر
الحواجز والترويض الفردي والجمعي بين امتنا والعصابات الصهيونية (اسرائيل) للوصول
الى ان يصبح وجود هذا الكيان طبيعياً ومقبولاً في وطننا العربي خصوصا، وفي دول
العالم عموماً.
تعددت محاولات الحركة الصهيونية للتواصل مع مراكز القرار
العربية والاسلامية منذ اتصالات هيرتزل بالقيادة العثمانية للسماح للحركة بتهجير
الصهاينة الى فلسطين مقابل تعاون اوروبي ومساعدات كبيرة للدولة العثمانية، بالازمات
الاقتصادية الغارقة بالديون والمزيد من التوترات مع الدول المجاورة، باعفائها من
هذه الديون والمساعدة في حل مشاكلها الاقتصادية وتحسين علاقتها باوروبا ووعدها
بتحويل المنطقة وخاصة فلسطين الى مصاف الدول الاوروبية المزدهرة.
لقد انخدع في هذه الوعود الكثير من النخب والفاعلين في
المنطقة العربية والذين رأو في الحركة الصهيونية حركة تنويرية ستجلب معها التقدم
العلمي وحضارة الغرب .
(معين
الطاهر – جذور التطبيع – تاريخه ومراميه - مجلة الدراسات الفلسطينية عدد (130 /
ربيع 2022)
لقد انخدعت قوي سياسية بادعاءات الاتجاه العمالي في
الحركة الصهيونية مثلاً!؟ ... اذ تحالفت مع هذا الاتجاه بعض هذه القوى، لمواجهة الرجعية
العربية الحاكمة دون ادراك ان الحركة الصهيونية هي من يدير هذا الاتجاه (المصدر
السابق) وقد تنبه الى هذا التسلل، هذا الخطر الكثير من القوى والشخصيات الذين كان من
ابرزهم في تلك الفترة شكيب ارسلان بعد اجتماعه مع وايزمن والذي حذر من خطر نشاط
الحركة الصهيونية على المنطقة وذلك قبل مدة من اقامة الكيان.
نجحت الحركة الصهيونية بالتواصل مع بعض المسؤولين العرب
قبل عام 1948 بحجة استثمارات اقتصادية كمشروع (روتنبرغ) لتوليد الكهرباء في غور
الاردن، محاولات استئجار ارض غور كبد في شرق الاردن.
(المصدر السابق)
كما تواصل قادة الكيان مع غالبية الزعماء السياسيين
العرب للتأثير عليهم وضمان دعمهم لاقامة الكيان، وقد كُتب في هذا المقام الكثير من
المؤلفات والمذكرات والاتفاقيات ففي بداية القرن الماضي كتب الملك فيصل بن الحسين الى
سايكس وبيكو عن الفرص المنتظرة اذا ما تعاونت الحركتان الصهيونية والهاشمية في
ادارة شؤون المنطقة من حيث السياسة والاقتصاد.
(سليمان البشير/جذور الوصاية الاردنية على
فلسطين)
تصاعد هذا الاتصال بعد هزيمة الانظمة العربية في عام
1967، بحجة ايجاد تسوية للصراع، لانسحاب القوات الصهيونية من الاراضي المحتلة ما
بعد 5/حزيران من فلسطين، مصر والاردن وسوريا، وتوج ذلك بسلوك السياسيين وخاصة في
حصر (السادات) ما بعد حرب 1973 حيث التقى سرياً حسن التهامي مستشار الرئيس المصري
السادات مع الصهاينة، تحضيرا لاتفاقية (كامب ديفيد) التي شكلت اول اختراق علني للنظام
الرسمي العربي الرافض لوجود هذا الكيان، وما تبعه من تعاون على كافة الصعد
بالاضافة الى العديد من الاجتماعات والاتصالات التي عقدها الملك حسين مع قادة
الكيان بالاضافة الى ملك المغرب وغيرهم من الزعماء العرب اللذين كان الوسيط
المشترك لترتيب هذه اللقاءات زعماء الغرب وخاصة الرؤساء الامريكيين اللذين كانت
"اسرائيل" اداتهم السياسية والاقتصادية بعد ان حلت بدلاً من بريطانيا التي
انشأتها في خاصرة الوطن العربي لتحقيق مصالح الغرب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا على
حد سواء.
كرد فعل على "كامب ديفيد" نشطت الحركة الشعبية
المصرية السياسية، لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني خاصة ان النظام الرسمي
العربي تداعى الى مؤتمر قمة بغداد، الذي اتخذ قرارات هامة ضد الاتفاقية كنقل جامعة
الدول العربية من القاهرة والكثير من مؤسسات العمل المشترك حيث حوصر النظام المصري
من النظام الرسمي العربي، وانعكس ذلك على الحركة المناهضة للتطبيع في مصر منذ عام
1981 بعد ان اتخذ اتحاد النقابات المهنية قرارا يحظر على اعضائه التعامل او
التطبيع باي شكل من الاشكال مع " اسرائيل" واتهم تقرير
"اسرائيلي" في حينه قوى قومية عربية ويسارية واسلامية عاملة في مقاومة
التطبيع وحسب دراسة اجرتها شركة تجارية لمصلحة معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى
الذي اظهر ان (8%) فقط من الفئة المستطلعة لا تمانع من اقامة نشاطات تجارية،
ثقافية ورياضية ...الخ مع "اسرائيل" .
(الجزيرة.نت)
شهد نهاية عقد التسعينات صراعا بين الثورة الايرانية،
التي اعلنت في الايام الاولى عن معاداتها للكيان الصهيوني، باغلاق سفارته واطلاق
اسم قاتل السادات على احد شوارع طهران، والعراق الذي قاد الدول العربية لمواجهة
خطوة السادات وزيارته للقدس والتوقيع على اتفاقية (كامب ديفيد)، من خلال عقد القمة
العربية في بغداد والذي كانت الكثير من مشاكله سواء مع المعارضة او مع الاكراد
تحركها وتحرض عليها امريكا، بريطانيا واحيانا اوروبا خدمة للكيان، متزامنا ذلك مع
غزو لبنان ومحاصرة الثورة الفلسطينية وترحيلها خارج لبنان سنة 1982، وما ان توقفت
الحرب الا والعراق يدخل في صراع خفي مع امريكا عبر الكويت حيث شجع احتلالها، تلا
ذلك العدوان على العراق وتدمير قدراته وعزلة عن محيطه في هذه الاجواء غير المستقرة
تمت الدعوة الى عقد مؤتمر مدريد الذي كان من ابرز نتائجه اتفاقيتي اوسلو ووادي
عربة اللتان فرضتا واقعا جديدا في الساحة العربية عموما وفلسطين والاردن على وجه
الخصوص حيث عارضت القوى السياسية والنقابات المهنية وقوى الامة المختلفة، هذه
الاتفاقيات بمختلف اشكال المواجهة السياسية خاصة بعد حدوث انفراج شكلي في العلاقة
ما بين المعارضة والحكومة الاردنية والواقع الجديد لقوى المقاومة في الساحة
الفلسطينية التي قبلت الدخول الى فلسطين تحت مظلة السلطة الفلسطينية كنتاج لتطور
القضية الفلسطينية بعد ترحيل قواها من بيروت في سنة 1982.
تصدى الاردنيون والفلسطينيون من خلال قواهم السياسية
بتياراتها الثلاث القومية واليسارية والاسلامية لهذه الاتفاقيات واثارها الاكثر سوءً
على القضية الفلسطينية مما احدثته اتفاقية (كامب ديفيد) التي اخرجت اكبر دولة
عربيا سكانا وحضورا في صراع الامة مع الغرب ورأس حربته (الكيان) وفي ظل تراجع
الخطاب القومي و الاسلامي و اليساري بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي وتحجيم دور العراق
وبالمحصلة تراجع النظام الرسمي العربي للقيام باي فعل ايجابي تجاه القضية
الفلسطينية، مقابل تنامي حركات سياسية اسلامية عسكرية مسلحة كحزب الله في لبنان ،
حماس والجهاد في فلسطين والمدعومة ماليا وعسكريا من ايران، والتي نجحت في اعادة جذوة
الصراع مع هذا العدو الى ذروته خاصة بعد هزيمة الكيان وسحب قواته من جنوب لبنان
وتصاعد عمليات حماس والجهاد في فلسطين ورغم ما احدثته ارتدادات الربيع العربي في
مختلف اقطار الوطن العربي الا ان قوى مقاومة التطبيع بقية صاحبه القول الفصل في افشال
كل محاولات خلق علاقة طبيعية مع هذا العدو مستندة في ذلك الى الحاضنة الشعبية
العربية اولا ودائما ولتصاعد فعل المقاومة المسلحة وخاصة بعد ان افشلت حرب تموز
/2006 مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي كان يهدف الى جعل الكيان محورا وقائدا لدول
الشرق الاوسط، كما انها افشلت ايضا العصابات المسلحة المدعومة من المنظومة الامنية
الغربية التي عاثت قتلاً وتدميراً لعدة اقطار عربية (ليبيا، اليمن، سوريا، العراق)
باسم الاسلام الذي استخدمه المخابرات الامريكية عبر القاعدة لقتال الجيش الاحمر
(الاتحاد السوفييتي) الذي احتل افغانستان نهاية السبعينات من القرن الماضي، ضمن السياق
اعلاه وفي ظل هذه البيئة التي اعتقدت امريكا خاصة في عهد الرئيس الامريكي ترامب ان
الوقت مناسب لانجاز صفقة تطبيعية كبيرة سميت (صفقة القرن) ومضمونها السياسي الزام
دول الخليج، المغرب والسودان في الدخول باتفاقيات (سلام) مع الكيان وبوعود
اقتصادية ذات علاقة بمنح القروض لبعض الدول واستخدام اموال بعضها الاخر لاقامة
مشروعات استراتيجية تساعد على تطبيع العلاقة مع الكيان وخاصة بمشاريع ( الطاقة)
المياه والنقل وغير ذلك وبالسياق مشاريع التطبيع الثقافي والرياضي مترافقاً ذلك مع
ضمان تعزيز استقرارها السياسي ضد (عدوها الخطير) الذي يثير القلاقل في المنطقة
ويحول دون استقرار انظمتها، (ايران) !؟ حيث توج ذلك "بسلام ابراهيم" مع
الامارات، البحرين والمغرب ولاح |