التوزيع:
محدود
الرقم: م ق ع 33/وثائق 9
التاريخ:
31/5/2024
المؤتمر الثالث
والثلاثون
31 أيار/مايو - 1 و 2 حزيران/يونيو 2024
بيروت - لبنان
"قراءة في مفاعيل الحراك الشعبي العربي والدولي المناصر
لفلسطين"**
أ. رضي الموسوي (البحرين)*
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أمين عام جمعية وعد سابقاً
** لا تعبر هذه الورقة بالضرورة عن رأي الأمانة العامة
للمؤتمر القومي العربي.
قراءة في مفاعيل الحراك الشعبي العربي والدولي المناصر
لفلسطين
أ.
رضي الموسوي (البحرين)
"من الواضح تماماً أن الكيان الذي يمكنه
إيقاف إسرائيل ولا يفعل ذلك هو الولايات المتحدة".
(الصحفي الأمريكي اليهودي في نيويورك تايمز بيتر
ماس)
مقدمة:
في منتصف شهر ابريل/نيسان الماضي وبأغلبية كبيرة، صوت مجلس النواب الأمريكي
على مشروع قرار، لا قوة تنفيذية له، لكن له دلالات، ينص على أن شعار "فلسطين
حرة من النهر إلى البحر" هو شعار معادٍ للسامية. وقد صدر هذا القرار بعد أيام
من الهجوم الإيراني على مواقع وقواعد عسكرية صهيونية يوم الثامن من أبريل الماضي،
وهو قرار واحد من 17 مقترحا مؤيدا للكيان الصهيوني تقدمت بها قيادة الحزب الجمهوري
وتبعها أغلب نواب الحزب الديمقراطي. ويأتي هذا القرار بعد أكثر من أربعة أشهر على
قرار شبيه أصدره مجلس النواب الأمريكي يقضي بأن "معاداة الصهيونية هي معاداة
للسامية"، في توجه واضح للجم أي صوت ينتقد الكيان حتى والأخير يرتكب إبادة
جماعية وتطهير عرقي وجرائم حرب، وفق ما قررت محكمة العدل الدولية.
يعكس قرارا مجلس النواب والقرارات الأخرى اللاحقة
المماثلة حالة الهلع التي استوطنت في ذهنية قادة الحزبين الديمقراطي والجمهوري من
تغير الرأي العام الأمريكي والعالمي إزاء الصراع العربي الصهيوني الذي خلقته عملية
طوفان الأقصى. واللافت في الأمر أن أغلب النواب الذين صوتوا مع قراري مجلس النواب
هم الذين تلقوا دعما ماليا سخيا من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية
ورأس حربته منظمة "آيباك"، التي شعرت بقلق شديد من تنامي انتقادات
الناخبين الأمريكيين للكيان على حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها ضد الشعب
الفلسطيني في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، خصوصا انتقادات الجرائم المرتكبة
في قطاع غزة وقتل عشرات آلاف المدنيين أغلبهم من النساء والأطفال وتشريد سكان
القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة وتدمير بيوتهم والبنى التحتية بما فيها
المدارس والمستشفيات والطرق وشبكات الكهرباء وإخضاع القطاع لحصار محكم يمنع الغذاء
والدواء والمحروقات والكهرباء والمياه، بمشاركة نظم عربية وبشكل سافر.
حقق طوفان الأقصى
وصمود المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة اختراقا كبيرا في الرأي العام العالمي
وخصوصا الأمريكي. يؤكد الصحافي الأمريكي اليهودي بيتر ماس أن "إسرائيل ترتكب
جرائم حرب في قطاع غزة"، في مقال نشره في صحيفة واشنطن بوست. انتقد ماس تجاهل
الكيان والولايات المتحدة الأمريكية قرار مجلس الأمن الذي يطالب بوقف فوري لإطلاق
النار في غزة الصادر في مارس-آذار الماضي. وكتب " "كان نهجاً مربكاً
من جانب الإدارة التي سمحت بتمرير القرار مع الامتناع عن التصويت بعد استخدام حق
النقض في ثلاثة قرارات سابقة... وفي مؤتمر صحافي عقدته وزارة الخارجية بعد صدور
القرار، قال المتحدث باسم الوزارة، ماثيو ميلر، إن هذا الإجراء لن يؤدي إلى وقف
فوري لإطلاق النار، ولن يؤثر على المفاوضات الشائكة لإطلاق سراح الرهائن. وتساءل
أحد المراسلين: إذا كان الأمر كذلك، فما هو المغزى من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن
التابع للأمم المتحدة بحق الجحيم"؟ وأجاب ماس: "السؤال صحيح، لكنه
مغلوط. من الواضح أن قرارات الأمم المتحدة التي تكتب من دون إجراءات تنفيذية لا
يمكنها إجبار إسرائيل على وقف ما تصر قيادتها على أنها حرب مبررة وضرورية... ولكن
من الواضح تماماً أن الكيان الذي يمكنه إيقاف إسرائيل ولا يفعل ذلك هو الولايات
المتحدة (..) إن كون
اليهود ضحايا إبادة جماعية (الهولوكوست) لا يمنحهم الحق بارتكاب مثلها".
شكل طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، علامة فارقة في
الصراع العربي الصهيوني، فرغم بعض الإدانات الرسمية العربية وسرعة تقديم الدعم
العسكري الأمريكي والغربي للكيان الذي انكشف جيشه فجر ذلك اليوم، إلا أن العدوان
الذي شنه هذا الجيش النازي على قطاع غزة سرعان ما غير الموقف تدريجيا لتعود
السردية الفلسطينية في عملية الصراع على حساب السردية الصهيونية التي عمل الكيان
على بثها في مختلف دول العالم مستخدما وسائل الإعلام العالمية واللوبيات الصهيونية
في مختلف العواصم والتحالفات التي ترعاها الإدارات الأمريكية المتعاقبة. فقد بدأت
شعوب العالم في التعبير عن رفضها للإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني والمطالبة
بالوقف الفوري للعدوان، وبدأت الحكومات الغربية الداعمة للكيان وخصوصا أمريكا
وبريطانيا وفرنسا والمانيا، تعاني من عزلة شعبية ازدادت مع ضراوة حرب الإبادة الجماعية
وسقوط عشرات آلاف الشهداء والجرحى والنازحين.
ورغم تضليل الإعلام العالمي المنحاز للكيان الصهيوني
لعملية طوفان الأقصى، وتقديمها روايات كاذبة روجها الصهاينة وتبنتها كبريات وسائل
الإعلام الأمريكية والبريطانية والفرنسية والألمانية وأعادت انتاجها وبثها على
مستوى العالم وتلقف أغلب وسائل الإعلام العربية هذه الرواية ونشرها على نطاق واسع،
إلا أن الأسابيع الأولى التي أعقبت الطوفان قد شهدت إرهاصات نوعية أسست إلى هبات
شعبية عالمية أثرت على بعض الدول التي غيرت من مواقفها ومالت مع الحق الفلسطيني،
ووقفت في الجانب الصحيح من التاريخ. وقد توّجت جنوب أفريقيا هذا الحراك برفع دعوى
في محكمة العدل الدولية ضد العدو الصهيوني باعتباره يرتكب حرب إبادة جماعية وتطهير
عرقي وفصل عنصري، بينما يغرق النظام الرسمي العربي في المزيد من التواطؤ والتآمر
ومناصرة الكيان على الشعب الفلسطيني الذي يواجه الاحتلال بإرادة حديدية وصبر
وإصرار على مواصلة النضال حتى وقف العدوان وتحرير الأرض.
بالتوازي مع تحركات بعض الدول ضد عدوانية الكيان، كانت
شعوب العالم تملأ الشوارع والساحات العامة حتى بدأ الكيان يعاني من عزلة دولية لم
ينقذه منها حلفاؤه في واشنطن والعواصم الغربية. وكان على رأس المؤسسات الأهلية
حركة مقاطعة إسرائيل (بي دي إس)، التي لعب دورا مركزيا في مقاطعة الكيان وداعميه
بما فيهم الشركات العالمية الكبرى التي لا تتورع عن الاعلان عن استمرارها في تقديم
الدعم المالي والتأييد للمستوطنين.
تحاول ورقة العمل هذه تسليط الضوء على دور وسائل الإعلام
الغربية في بث الأكاذيب الصهيونية، وتقديم قراءة في مفاعيل المواقف الشعبية على
الصعيد العربي والدولي المناصرة للقضية الفلسطينية والمطالبة بوقف العدوان على
قطاع غزة والضفة الغربية والقدس ومختلف الأراضي المحتلة، حيث تتجلى الفاشية
الصهيونية بأبشع أشكالها في القتل والتدمير والتطهير العرقي والفصل العنصري. كما
تحاول تقديم قراءة في تغير السردية التي قادتها تلك التحركات وتصورات لاستمرارية
الحراك الشعبي وتطويره.
أولا: الشراكة في العدوان وسياسة التضليل التي تنتهجها الدول الغربية
لم تتوقف وسائل الإعلام العالمية عند تبنيها للرواية
الصهيونية الملفقة ضد أبطال طوفان الأقصى ومفادها أن رجال المقاومة "اغتصبوا
النساء وقطعوا رؤوس الأطفال ونكّلوا بهم"، بل أن وسائل الإعلام مثل (السي إن
إن) و(بي بي سي) وغيرها من الصحف المحسوبة على الكيان والداعمة له، حاولت تشويه
صورة المقاومة الفلسطينية وتصوير رجالها بأنهم متوحشون ومتعطشون للدم.
وظلت وسائل الإعلام هذه تنفخ في الرواية المعطوبة حتى انكشفت
الحقيقة وتبين كذب هذه الادعاءات التي يقف وراءها لوبي إعلامي صهيوني. ورغم
الاعتذار الذي تقدمت به شبكة (السي ان ان)، إلا ان هذا الإعلام واصل تحريفه
للحقيقة ووقف إلى جانب الاحتلال حتى وهو يمارس مجازره في المستشفيات. فقد تبنى
الرواية المزورة الأخرى التي تدعي أن صاروخا فلسطينيا سقط بالخطأ على المستشفى
المعمداني، وتبنى الرئيس الأمريكي جو بايدن الرواية الصهيونية وتلقفها الإعلام
الأمريكي والغربي ليروجها. لكن الحقيقة تكشفت بعد ذلك، وتأكد أن الاحتلال هو من
يقف وراء استشهاد أكثر من 500 فلسطيني في المستشفى المذكور وجرح مئات آخرين.
واضح أن الإعلام الغربي لا يجدح من رأسه، فهناك مؤسسات إعلامية
دولية يسيطر عليها الرأسمال الصهيوني أو المتصهين، وتوجه هذه وفق المصالح
الصهيونية والغربية التي تقف مع الكيان، وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية التي
أرسلت حاملات طائرات لشرق المتوسط وسارع رئيسها وأقطاب إدارته لزيارة الكيان
ومباركة العدوان وتشجيعه وتقديم الدعم له، فضلا عن تزويده بالذخائر الأكثر فتكا
وقتلا للمدنيين وتدميرا للمباني التي
أغلبها تم تسويته بالأرض. وتفيد المعلومات التي كشفت عنها صحيفة "إسرائيل
اليوم" العبرية بأن حجم المساعدات التي قدمتها الإدارة الأمريكية منذ السابع
من أكتوبر 2023 وحتى منتصف مارس/آذار 2024 قد بلغ "نحو
35 ألف طن أسلحة وذخائر، غالبيتها من الولايات المتحدة، إلى إسرائيل على متن أكثر
من 300 طائرة ونحو 50 سفينة"، وفق الصحيفة، التي أوضحت أن "جزءا صغيرا
من الشحنات جاء من دول عدة في أنحاء العالم، لكن المورد الرئيسي كان ولا يزال
الولايات المتحدة"، وهو الأمر الذي سمح للجيش الصهيوني بالاستمرار في حرب
إبادته على غزة واستعداده للحرب في الشمال ضد حزب الله.
وفي
19 ابريل/نيسان الماضي كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن حزمة جديدة من
المساعدات العسكرية الأمريكية تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار، وفق تصريحات مسؤولين
أمريكيين للصحيفة، والذين أكدوا تواصل الدعم دون انقطاع. وتشمل الحزمة ذكرت صحيفة وول ستريت
جورنال الأمريكية، الجمعة، أن إدارة الرئيس جو بايدن، تستعد لصفقة بيع أسلحة جديدة
إلى إسرائيل بقيمة 1.3 مليار دولار. ونسبت الصحيفة خبرها إلى مسؤولين أمريكيين،
قالوا إن واشنطن تواصل دعمها العسكري لإسرائيل دون انقطاع.ذخيرة دبابات ومركبات عسكرية
ومدافع هاون. وتعتبر هذه الصفقة أحد أكبر صفقات الدعم العسكري الذي تقدمه
الولايات المتحدة للكيان منذ طوفان الأقصى. وأشارت الصحيفة إلى أن حزمة المساعدات
تلك تأتي خارج إطار حزمة الدعم البالغة 26 مليار دولار إلى إسرائيل، التي أقرها
الكونغرس الأمريكي نهاية أبريل/ نيسان.
كموقف تبعي للولايات المتحدة الأمريكية، تقف بريطانيا وأستراليا
وفرنسا، تشيكيا، حيث تتجلى الانتهازية وتسقط اقنعة حقوق الإنسان والقيم التي طالما
تبجّحت بها الدول الغربية المناصرة للكيان الصهيوني.
تلتزم
الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم دعم مالي لا محدود للكيان الصهيوني، ويتحمل
دافعو الضرائب الأمريكيون أكثر من 3.8 مليار دولار سنويا، كالتزام طويل الأمد
وضعته إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، واغلبية هذه المساعدات تخصص للأغراض
العسكرية. تشكل المساعدات الأمريكية لإسرائيل
55% من جميع المساعدات الأمريكية للعالم، وبلغت منذ تأسيس الكيان عام 1948 قرابة
155 مليار دولار، وتفيد تقديرات أخرى بأنها تصل إلى 270 مليار دولار، وأقرت
الولايات المتحدة حزمة مساعدات لإسرائيل لأعوام من 2019 إلى 2028 بقيمة 38 مليار
دولار، وتشمل تمويل مشاريع عسكرية مشتركة للحماية من الصواريخ.
وبخلاف حزمة المساعدات، دفعت
الولايات المتحدة مليارات الدولارات لصالح توطين المهاجرين اليهود من جميع أنحاء
العالم في فلسطين، الذين يتم منحهم الجنسية الصهيونية حال وصولهم
الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ثانيا: دور النظام الرسمي العربي في التواطؤ مع الإحتلال:
من أكثر المواقف استفزازا لمشاعر الشعوب العربية والرأي
العام العالمي تلك التي اتخذها النظام الرسمي العربي لمساعدة الكيان الصهيوني قرار
التصدي للصواريخ والطائرات المسيرة التي أطلقتها إيران على المواقع العسكرية
الصهيونية في الثامن من ابريل/نيسان 2024. وقد كشف قادة العدو هذا التواطؤ في أكثر
من موقع منها ما قاله وزير الدفاع الصهيوني الذي ادعى أن الصواريخ التي وصلت
الكيان صفر، شاكرا الدول العربية التي ساهمت في إسقاطها. تبين بعد ذلك أن
الصهاينة، كعادتهم، يكذبون أكثر مما يتنفسون، حيث أن عدة صواريخ وصلت إلى أهدافها في
قاعدتين عسكريتين على الأقل باعتراف العدو نفسه.
لكن الموقف العربي الهش والمتواطئ تمثل في عقده قمة
عربية في الرياض في 11 نوفمبر 2023، تزامنا مع القمة العربية الأفريقية.. وكأنها
قمة "على البيعة" كما يقال. عقد القمة جاء بدعوة من رئيس السلطة
الفلسطينية محمود عباس تستهدف وقف العدوان على الشعب الفلسطيني إثر عملية طوفان
الأقصى. أحد مستشاري رئيس السلطة قال أن هدف القمة وقف إطلاق النار، ووقف قتل
الفلسطينيين في قطاع غزة. لكن نتائج القمة تبخرت قبل عقدها، وبدلا من مناصرة غزة،
أحكم الحصار عليها وتم تجويع 2.3 مليون فلسطيني، ما ساهم في قتلهم أو تشريدهم من
مناطق سكنهم وتدمير بيوتهم على رؤوسهم، وبدلا من فك الحصار عن غزة فتحت ممرات جوية
وبرية للكيان بعد أن تم منع سفن الكيان والداعمين له من الوصول إلى موانئه
البحرية.
يبدو أن النظام الرسمي العربي لا يعاني فقط من عجز مدقع وعدم قدرة على
مواكبة وتلبية مطالب شعوبه، بل أنه نظام ترهل حتى الهشاشة. فهو نام يعاني التآكل
من شدة هشاشتها وانعزالها عن مجتمعاتها، بسبب فشلها المريع في عملية التنمية
الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتحول أغلبها إلى حكومات عالة على شعوبها بعد أن
أوصلت بلدانها إلى حافة الإفلاس وافقرت شعوبها وتركتها للبطالة والفقر والمرض
والآفات الاجتماعية، ويكفي إلقاء نظرة على حجم الدين العام في البلدان العربية
لنرى كم هو حجم الكارثة وكم هي دول هشة أغلبها منزوع السيادة يخضع لشروط المؤسسات
المالية الدولية الدائنة وللشروط السياسية التي تفرضها الحكومات الغربية المتحالفة
مع الكيان، (يبلغ الدين الخارجي المصري 165 مليار دولار والداخلي ما يعادل 370
مليار دولار مطلع العام الجاري2024، والدين العام الأردني بلغ 56 مليار دولار،
والسعودي حسب وكالة التصنيف الائتماني فيتش 360 مليار دولار العام الجاري،
واللبناني 102 مليار دولار وفق جمعية المصارف اللبنانية). كما أن العديد من
الأنظمة الرسمية العربية حولت بلدانها إلى سوق عمل عالمية يعاني فيها المواطن من
أنه أقلية في بلده، كما هو الحال مع أربع دول خليجية على الأقل، وبالتالي يواجه
اقتلاع وطوابير خامسة متعددة الجنسيات، (في نوفمبر الماضي أعلنت قطر أنها حكمت على
مجموعة من الهنود بالإعدام بعد أن حاكمتهم بتهمة التجسس لصالح الكيان الصهيوني)،
فكم طابور خامس يتواجد بين ملايين العمالة الوافدة في دول مجلس التعاون الخليجي؟!
لا يهمكم مئات المليارات من الدولارات التي تكتنز بها خزائن بعض الدول.. فهذه يمكن
تطييرها في لمح البصر، كون أغلبها موجود في المصارف الغربية أو مستثمر فيها.
ثالثا: الحراك الشعبي العربي المساند لغزة
منذ اليوم الأول لطوفان الأقصى، ابتهجت الشعوب العربية
بالعملية البطولية التي نفذها مقاتلو المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتهم كتائب عز
الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس. فقد أسقط الطوفان الكثير من الأقنعة
التي تتستر خلف ألف حجاب، وكشف الغطاء عن الموقف الرسمي العربي وجامعته العربية
التي صاغت بيانها بنفس تطبيعي انهزامي خانع. فقد دان البيان الوزاري للجامعة، الذي
عقد يوم 11 تشرين أول/أكتوبر 2023 "جميع
الأعمال المنافية للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، والتأكيد على ضرورة
حماية المدنيين، انسجاما مع القيم الإنسانية المشتركة والقانون الدولي، وعلى ضرورة إطلاق
سراح المدنيين وجميع الأسرى والمعتقلين". شكل هذا البيان
حالة من الغضب لدى الشعوب العربية التي طالبت الجامعة ودولها بالوقوف في الجانب
الصحيح من التاريخ، مع القضية الفلسطينية وضد حرب الإبادة الجماعية التي اتضحت
معالمها منذ اليوم الأول الذي أعقب الطوفان، فبدأت الشعوب العربية بالتحرك
التلقائي نحو الساحات والشوارع معلنة وقوفها المطلق مع الحق الفلسطيني في مواجهة
الاحتلال الصهيوني الغاشم. فرضت التحركات الشعبية العربية معادلتها فأجبرت الكيان
على إغلاق سفاراته في الدول العربية المطبعة، ولو مؤقتا، بينما تصاعدت شيئا فشيئا
الفعاليات المتعددة في العديد من العواصم العربية لتتحول إلى طوفان بشري في اليمن
الذي نظم تظاهرات مليونية في أغلب محافظاته وبشكل مستمر، وفي المغرب وتونس
والبحرين التي تخرج فيها مظاهرات ليلية في مختلف المناطق رغم قرار الحظر،
واعتصامات ومظاهرات أسبوعية تنظمها منظمات مقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني بمشاركات من القوى السياسية والمدنية الحية
والفاعلة، وصولا إلى الأردن التي انتفض شعبها، وصعّد احتجاجاته ليحاصر السفارة
الصهيونية منذ نهاية شهر مارس/آذار مطالبا بإغلاقها وإلغاء اتفاقية وادي عربة مع
الكيان (1994)، وإيقاف استيراد الغاز منه.
وفي خضم الحراك الشعبي العربي، تبرز
الأهمية الاستثنائية لساحتين عربيتين: مصر والأردن لكونهما من دول الطوق. لم تقطع
الدولتان علاقتهما مع الكيان ولم تغلقا سفارتيهما، لكن الضغط الشعبي قاد وزير
الخارجية الأردني إلى التصريح بأن بلاده "لن توقع اتفاقًا لتبادل
الطاقة والمياه مع إسرائيل"، التي تم الإعلان عنها خلال إكسبو دبي 2020 والتي
باتت معروفة باسم "الكهرباء مقابل الماء"، بينما هدد وزير الخارجية
المصري بإلغاء معاهدة السلام إذا سارت الدولة العبرية في سياستها بتهجير فلسطينيي
غزة إلى سيناء المصرية، لكنه تراجع عن هذا التصريح لاحقا. هنا رصد بعض فعاليات
الدعم والتضامن التي انتظمت في خمس دول عربية كمثال وليس للحصر:
1-اليمن: بالإضافة إلى
المشاركة الفعّالة كجبهة إسناد رئيسية تحاصر الكيان بحرا عبر منع السفن المبحرة
لموانئه وإرسال المسيّرات وإطلاق الصواريخ دعما للمقاومة الفلسطينية في غزة
والأراضي المحتلة، فأنه لم يشهد أي بلد عربي فعاليات تضامنية ودعمًا شعبيًا لا
محدود لطوفان الأقصى مثلما يشهده اليمن منذ السابع من أكتوبر 2023، إذ يشهد ميدان
السبعين في العاصمة اليمنية، صنعاء، وعشرات المدن في المحافظات الأخرى التي تخرج
بشكل أسبوعي كل يوم جمعة في تظاهرات واعتصامات مليونية قل نظيرها في الوطن العربي
والعالم. واللافت أن الصراع الداخلي قد تراجع أمام التضامن والدعم للشعب
الفلسطيني، وتوحدت الساحات في صنعاء والحديدة وصعدة ومأرب وتعز والمخا تحت علم
فلسطين ودعم مقاومتها بعد أن تخلى عنها النظام الرسمي العربي وتواطأ مع العدو
الصهيوني. وفتحت صنعاء معسكرات تدريب للمتطوعين الراغبين في الجهاد ضد العدو
الصهيوني والتحضير لمعركة "الفتح الموعود والجهاد المقدس"، كما يطلق
المسؤولون اليمنيون عليها. وتيمّنًا بفلسطين ومقاومتها وشخصياتها الجهادية أطلق
اليمنيون على مواليدهم أسماء من عبق فلسطين والمقاومة، فضلا عن إطلاق أسماء من
فلسطين ومدنها على محلاتهم التجارية وشوارعهم. يتواكب مع هذا التوجه حملات توعية
بالقضية الفلسطينية وتاريخ الصراع العربي الصهيوني، بما في ذلك القيام بحملات
التبرع المالي في صفوف طلبة المدارس والجامعات والأهالي رغم ضنك العيش والحصار
الذي يعاني منه اليمن منذ سنوات طويلة.
2-البحرين: تجاوب الشعب البحريني بسرعة
مع طوفان الأقصى وأكد وقوفه ودعمه وتضامنه مع الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة
التي تقاتل الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة. ومنذ
السابع من أكتوبر لم تتوقف المسيرات والتظاهرات والاعتصامات والندوات الداعمة والمتضامنة،
حيث تشهد العديد من مدن البحرين وقراها مسيرات ليلية بما فيها المسيرات التي تحاول
الوصول للسفارتين الأمريكية والصهيونية احتجاجا على العدوان وحرب الإبادة
الجماعية. وتنظم الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع منذ السابع من أكتوبر تظاهرات
واعتصامات أسبوعية عصر كل يوم جمعة في مناطق مختلفة من البلاد، فضلا عن الندوات
التي تعقدها في مقرها في إحدى ضواحي العاصمة المنامة. كما تنظم جمعية مناصرة
فلسطين والجمعيات السياسية فعاليات بين الحين والآخر. ودرجت العادة منذ بدء
العدوان، على انطلاق مسيرة أسبوعية بعد صلاة الجمعة من جامع الإمام الصادق بقرية
الدراز ولا تخلو خطبة الجمعة فيه من الهتافات المناهضة للاحتلال والداعمة
والمتضامنة مع فلسطين وشعبها. وبالإضافة إلى مناهضة الاحتلال والدعم
والتضامن لشعب فلسطين، يطالب البحرينيون بإلغاء اتفاقية التطبيع التي وقعتها الحكومة
البحرينية مع العدو الصهيوني في 2020 وإغلاق السفارة الصهيونية وطرد السفير وإغلاق
سفارة البحرين لدى الكيان الصهيوني، فضلا عن الاستمرار في تقديم الدعم المالي
والمعنوي للشعب الفلسطيني.
3-الكويت: يعتصم الكويتيون أسبوعيا في
ساحة الإرادة المقابلة لمجلس الأمة (البرلمان) وهم يمثلون مختلف التيارات السياسية
والمكونات المجتمعية. ومنذ السابع من أكتوبر يتوافد الكويتيون إلى هذا المكان
ليؤكدوا وقوفهم إلى جانب الشعب الفلسطيني في مواجهته لحرب الإبادة. ورغم بعض
المنغصات وقرار منع التظاهر، إلا أن الشعب الكويتي الذي جبل على التضامن ودعم قضية
فلسطين يقف مع اشقائه شعب فلسطين ولا يترك مناسبة إلا ويسهم بقسطه بما في ذلك
الفعاليات الرياضية والاجتماعية، كما حدث في مباراة منتخب فلسطين مع أستراليا في
شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2023 عندما غصّت المدرجات بالأعلام والكوفية الفلسطينية
لتتحول الفعالية الرياضية إلى دعم وتضامن مع فلسطين وقضيتها العادلة.
تجدر الاشارة إلى أن مكتب
مقاطعة إسرائيل في الكويت يعتبر واحدا من أنشط مكاتب المقاطعة العربية للكيان
الصهيوني على مستوى الوطن العربي، حيث يمارس مهامه بحرفية وتقنية عالية لمنع تسرب
البضائع والسلع الصهيونية إلى أسواق الكويت.
4-العراق: منذ الأسبوع الأول لعملية
طوفان الأقصى، اعتصم عشرات آلاف العراقيين في ساحة التحرير بالعاصمة بغداد، مؤكدين
تضامنهم مع غزة في مواجهة الإبادة الجماعية. تطور الموقف العراقي باتجاه فتح جبهة
إسناد فعالة للمقاومة الفلسطينية في قطاع عبر الطائرات المسيرة والصواريخ التي تدك
مواقع في داخل الكيان. وجدد المشاركون في التظاهرات المجتمع الدولي بوقف استباحة
الدم الفلسطيني في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة ومحاسبة الاحتلال وقادته على
جرائم الحرب التي يرتكبونها.
ودخلت الجامعات العراقية على خط
الاحتجاجات تأثرا بما يجري في الولايات المتحدة والدول الغربية، حيث تظاهر طلبة
جامعة بغداد أوائل شهر مايو/ أيار 2024، دعماً لفلسطين وشعبها وتنديداً بحرب
الإبادة الجماعية على قطاع غزة. وقد رفع المتظاهرون شعارات داعمة لفلسطين ومنددة
بالحرب على غزة، فضلاً عن دعوات لمقاطعة بضائع الشركات الداعمة للكيان الصهيوني.
5-الأردن:
منذ بدء العدوان على قطاع غزة، شهد
الأردن تفاعلات شعبية كبيرة دعما وتضامنا مع الشعب الفلسطيني الذي يخوض معركة
وجودية ضد حرب الإبادة الجماعية. وتمثل الحراك الشعبي في المسيرات والاعتصامات
السلمية التي خرج فيها الأردنيون بمختلف مدن ومحافظات المملكة وتصاعد المشاعر
المناهضة للاحتلال الصهيوني. ولعل أبرز الفعاليات الشعبية الاعتصام المتكرر أمام
سفارة الاحتلال في العاصمة الأردنية عمّان. وللأردن خصوصية وجود نسبة كبيرة من
الشعب من أصل فلسطيني، فضلا عن ترابط الشعبين الأردني والفلسطيني. ورغم محاولات
شيطنة الحراك الشعبي واتهامه بخضوعه لأجندات خارجية، إلا أن الشعب الأردني من
الوعي بمكان بحيث تمكن من تجاوز هذه الاتهامات والمطبات التي يراد منها ضرب
التحركات الشعبية وتقويضها، وذلك من خلال تمسك المشاركون بموقفهم المبدئي المناهض
للاحتلال وعدم انجرارهم لمحاولات حرف بوصلة الحراك واتضاح شعاراتهم المتمثلة في التنديد
بالموقف
الرسمي العربي المتخاذل تجاه الحرب على غزة، وخضوع الانظمة العربية لإملاءات
الإدارة الأمريكية والصهيونية، ومطالبتهم بفتح الحدود للشباب الراغبين بالجهاد في
فلسطين، وطالبوا بقطع الجسر البري الذي ينقل البضائع من دول خليجية إلى الاحتلال
عبر الأراضي الأردنية، وتأكيد المشاركون في الحصار على دعمهم لفصائل المقاومة
الفلسطينية المسلحة، بما في ذلك كتائب القسام.
6-المغرب: لم تهدأ الجماهير المغربية ولم تكل
عن الدعم والتضامن مع الشعب الفلسطيني، منذ انطلاقة طوفان الأقصى، حيث شهدت المدن
المغربية طوال شهور العدوان وحرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة
والاراضي العربية المحتلة مئات الماهرات والمسيرات والفعاليات التضامنية التي
نمتها منظمات المجتمع المدني هناك. وتنتظم فعاليات التضامن والمؤازرة للشعب
الفلسطيني بصورة شبه يومية في مختلف المدن، مطالبة بوقف الغارات الصهيونية على غزة
وإيقاف اجتياح رفح. وكانت الجمعة الـ31 التي صادفت العاشر من مايو جمعة حاشدة نظمت
فيها "الهيئة
المغربية لنصرة قضايا الأمة" 122 ماهرة في 58 مدينة مغربية، منها تطوان وطنجة ومكناس
والدار البيضاء (شمال) وأكادير وتارودانت (غرب) ووجدة وبركان (شمال شرق)، فضلا عن
العاصمة الرباط. وأكدت الهيئة أن هذا الحراك يجيء تعبيرا "عن الرفض الشعبي
لكل اتفاقيات التطبيع التي وقعها المغرب مع إسرائيل".
وقد زاد المغرب تعاونه العسكري مع الكيان الصهيوني إثر
توقيعه على مذكرة تفاهم حول مبيعات الأسلحة وتبادل المعلومات الاستخبارية، حيث
اشترى وحدات دفاع صاروخي من طراز باراك إم. إكس، ونظام سكايلوك دوم المضاد
للمسيرات، ومسيرات هيرون من الكيان. وفي تموز/يوليو2023، وبعد إعلان الكيان
اعترافه الرسمي بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، تبادلت المغرب السفراء مع
الدولة العبرية. وبالتوازي استمرت المظاهرات دعما لفلسطين ومناهضة للتطبيع شاركت
فيها مختلف منظمات المجتمع المدني المغربية من مختلف التيارات السياسية والاجتماعية.
وقد تضاعفت التحركات الشعبية المغربية مع إمعان جيش
الاحتلال الصهيوني في حرب الابادة ضد الشعب الفلسطيني، الامر الذي قاد مضاعفة
الفعاليات الشعبية والخروج إلى الشوارع، منها مظاهرة 15تشرين الأول/ اكتوبر 2023
التي خرج فيها نحو 300 ألف شخص من كل الاطياف السياسية من يساريين واسلاميين
طالبوا فيها بوقف الحملة العسكرية وإغلاق السفارة الصهيونية في المغرب، الأمر الذي
دفع الكيان إلى إخلاء سفارته في الرباط مؤقتا في الثامن عشر من أكتوبر 2023، وذلك
كإجراء إحترازي.
وتفاعلا مع الحراك الطلابي العالمي، انضم طلبة المغرب
تضامنا مع غزة ونظموا فعاليات تضامنية مع الشعب الفلسطيني.
وسُجّلت الثامن من مايو/ أيار2024 فعاليات في عدة جامعات مغربية منها جامعة شعيب
الدكالي بمدينة الجديدة والكلية المتعددة التخصصات التابعة لجامعة مولاي إسماعيل
بمدينة الرشيدية وكليات جامعة عبد المالك السعدي بمدينة طنجة وجامعة محمد الخامس
بمدينة الرباط.
|