التوزيع:
محدود
الرقم:
م ق ع 33/وثائق 6
التاريخ: 31/5/2024
المؤتمر
الثالث والثلاثون
31 أيار/مايو - 1 و 2 حزيران/يونيو
2024
بيروت
- لبنان
"واقع
القدس في ظل معركة طوفان الأقصى"**
د.
خلف المفتاح (سورية)*
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مدير عام مؤسسة القدس الدولية في سورية، عضو الأمانة
العامة للمؤتمر القومي العربي
** لا تعبر هذه الورقة بالضرورة عن رأي الأمانة العامة للمؤتمر
القومي العربي.
واقع القدس في ظل معركة طوفان الأقصى
د. خلف المفتاح (سورية)
السيدات
والسادة:
يمكن للمتابع لما يحري في الساحة
الفلسطينية وغزة على وجه التحديد والمشهد العالمي منذ معركة طوفان الاقصى حيث
تستعيد الذاكرة القريبة صورة الرئيس
الأمريكي جو بايدن يأتي ويترأس مجلس الحرب في الكيان الصهيوني ويعطي اسرائيل كل ما
تحتاجه كي تشن حربها من دون حدود او ضوابط على الغزيين وفي الوقت نفسه يضغط على
الاوربيين وباقي الدول كي تتبنى الرواية
الاسرائيلية التي تماهي بين قتال الغرب لداعش وقتال الصهاينة للمقاومة في غزة الى درجة ان الفرنسيين دعوا
الى تحالف دولي للقضاء على حماس كما فعلوا ضد داعش في حين قام البريطانيون بما
يمكن تسميته برحلة حج للكيان الصهيوني إلى درجة أنه خرجت قرارات تمنع حتى التعاطف
مع الشعب الفلسطيني ولاسيما سكان قطاع غزة المحاصرين منذ ستة عشر عاما في سابقة لم
تشهدها الحروب والصراعات عبر التاريخ رافقتها حالة استعداء للشعب الفلسطيني لم
يعرفها تاريخ الصراع الممتد طيلة قرن من الزمن مع حمى اعلامية وسياسية غربية غير
مسبوقة تجاه المقاومة الفلسطينية وأهالي غزة .
أمام تلك الصورة التي خيل للبعض أنها
ستستمر في إيقاعها وزخمها نرى اليوم وبعد ثمانية اشهر ونيف من الحرب غير المسبوقة
تحولا بل تغيراً في المشهد هو التحول الكبير فالحرب التي أعلنتها الولايات المتحدة
وبقيادتها بأساطيلها وغواصاتها النووية وبوزير خارجيتها الذي جاء إلى إسرائيل؛ كي
يتحدث بوصفه يهودياً، واليوم نجد موقفاً مختلفا،ً فكل التحريض وكذلك الرواية الإسرائيلية
التي أرادت أن تضع السابع من تشرين الأول بمعزل تام عن تاريخ الصراع فشلت في تحقيق
ذلك والسؤال لماذا كل هذا الذي حدث؟ والحقيقة أنه في العقل الجمعي الإسرائيلي هناك
ما يمكن تسميته: الاستثنائية؛ فنحن (أي اليهود) لسنا كبقية البشر فقد تعرضنا
للمحرقة الهولوكوست وبالتالي نستحق أن يتم التعامل معنا بطريقة مختلفة حتى أن
محكمة العدل الدولية تشكلت وأُحدثت على خلفية ما حدث من مجازر وإبادات لجماعات
معينة من أهمها الجماعة اليهودية فكيف (لإسرائيل) التي وجدت هذه المحكمة أساساً على
خلفية المحرقة التي تعرض لها اليهود أن تحاكم أمامها؟
إن حالة الاستثنائية الصهيونية الإسرائيلية
عند بعض الدول ولاسيما الأوربية منها التي تجاوزت كل الحدود الدبلوماسية
والاخلاقية وحتى الليبرالي الغربي الذي انتصر للرواية الصهيونية في بداية معركة الأقصى
وأعلن العالم الغربي النفير ضد الفلسطينيين، نجد اليوم محكمة العدل الدولية التي
تعتبر اعلى هيئة قضائية في العالم التي تؤول إليها صلاحية الدفاع عن المنظومة
الحقوقية والأخلاقية العالمية تعترف بأن الأدلة التي قدمتها جنوب إفريقيا يمكن
وصفها بالمعقولية والمنطقية وينبغي النظر فيها لأنه يمكن أن تكون إسرائيل قد
ارتكبت جرائم إبادة جماعية ونحن قبلنا القضية المرفوعة وهذه مسألة جوهرية لأن ما
قدمته جنوب إفريقيا متماسك قانونياً، وتنتصر المحكمة إلى أن هناك شعباً فلسطينياً
وقعت عليه إبادة جماعية كانت نتيجة سلوك وتصريحات عسكرية وسياسية صهيونية مباشرة
ومعلنة وموثقة فما قدم هو معقول ومنطقي وجدير بالنظر فيه أمام هيئتها القضائية
وهذا المستوى من التعاطي الجدي هو انتصار بعينه بعيداً عن عدم مطالبتها كما تمنى
البعض بوقف إطلاق النار.
إن الرواية الصهيونية التي حكمت العقل
الغربي وأحياناً الدولي عبر الاعلام والتحشيد هذه الرواية بدأت تنهار وتتفتت أمام
أعين الجميع وهذا انتصار للحقيقة وللشعب الفلسطيني ولكل من يقف الى جانبه وانتصار
لمبدأ العدالة الدولية والإنسانية حيث طويت صفحة حرمانية من ينتقد إسرائيل أو
الصهيونية تحت عنوان: العداء للسامية التي تحولت إلى شكل من أشكال الإرهاب الفكري إلى
درجة أن من يتهم بها في الغرب يفصل من عمله وتنتهي حياته السياسية إذا كان سياسياً
وكأننا أمام محاكم تفتيش مرة أخرى ولكنها يهودية، وعلى العموم كل هذه الرواية سقطت
فأصبحنا نرى المظاهرات المنددة بما يجري في غزة والصفة والمطالبة بوقف تلك المجازر
بحق الشعب الفلسطيني تنطلق من قلب أوروبا وأمريكا في واشنطن ولندن وباريس وروما
ومدريد وبمئات الألآف في ظاهرة غير مسبوقة ما يشي بتحول عميق وجوهري في صلب
الرواية الإسرائيلية التي كانت تفرضها نفسياً وعقلياً علي الكثير من شعوب العالم
والرأي العام العالمي، وهذا أيضا انتصار كبير في الحسابات الإستراتيجية لصالح
القضية الفلسطينية يضاف اليه التغير في تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة
انطونيو غوتيرش بخصوص ما يجري في غزة والتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة
لصالح وقف إطلاق النار بأكثرية ساحقة كل ذلك يشير إلى أن ما كان يعتبر (استثناء) لإسرائيل
وحصانة لا يمكن لأحد أن يتحداها قد انتهى وأصبح من أفعال الماضي، وإلى جانب ذلك
بدأنا نلمس مراجعة للمواقف الاميركية والأوروبية تجاه إسرائيل من دعوة أو رغبة أميركية
بتغيير الحكومة الإسرائيلية المتطرفة وهو ما جاء على لسان الرئيس الاميركي بايدن
والدعوة لإقامة دولة فلسطينية على قاعدة حل الدولتين وكذلك ما صرح به وزير خارجية
بريطانيا عرابة سايكس بيكو بالتفكير بالاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل المجموعة
الأوروبية وهو ما أثار حفيظة القادة الصهاينة واعتبروه بداية تخل متمرحل من الأوروبيين
عن ثوابتهم السياسية تجاه الكيان الصهيوني.
إن كل ما تمت الإشارة إليه مترافقاً مع
حالة الخداع الذاتي التي وقع فيها ساسة العدو الصهيوني أمام مستوطنيهم من خلال رفع
سقف التهديد والوعيد بالقضاء على المقاومة في غزة واستعادة الأسرى والمحتجزين خلال
مدة محدودة يضاف لذلك حالة عدم اليقين عند حلفاء الكيان والمراهنين عليه بعدم
قدرته على تحقيق ما أطلقه من أهداف وعناوين كبرى وبنك أهداف ادعى أنه سيحققها
واجهتها مقاومة غير مسبوقة من المقاومة الفلسطينية وأهالي غزة والشعب الفلسطيني وأنصاره
وحلفائه في العالم وهم كثر وفاعلون كل ذلك يشير إلى التحول الكبير في مشهدية الصراع
وقلب للصورة وتفاؤل أكيد بانتصار تاريخي للشعب الفلسطيني وقوى المقاومة على
الصهاينة والمشروع الأميركي في المنطقة على وجه العموم.
وفي ظل الأحداث التي تشهدها منطقتنا بعد
حرب غزة وما يشهده العالم من صراعات تنبئ بتحولات كبرى في المشهد الدولي من المهم
قراءة ما يجري قراءة استراتيجية وليس راهنية تحليلية وهو ما يجري واقعياً فثمة
حاجة لتشكيل وعي استراتيجي انطلاقاً مما يجري من أحداث والأخذ في الاعتبار ان
منطقتنا العربية تعاني من قصور في هذا الجانب وتقتصر اغلب الدراسات والتحليلات على
الواقع دونما استبصار للمستقبل، ومشكلة الوعي الاستراتيجي أنه يحتاج إلى قدرات
متنوعة ومتعددة فالناس في الغالب يميلون للقراءة التبسيطية أو التسطيحية فتركز على
الحدث بمعزل عن السياق العام وكأنه هو المبتدأ والخبر وهذا لا يساعد على تشكيل وعي
عميق بالحدث ووضعه في مخبر التحليل الاستراتيجي لتكون قراءة الحدث منصة ومنطلقاً
لقراءة مستقبلية وهنا يمكن هندسة الحدث بمثلث ذهبي والذي يضم الجغرافيا والتاريخ
وضرورات وتحديات الواقع فعندما يوضع الحدث في هذا المنظور الثلاثي يمكننا رؤيته
ورؤية تداعياته المستقبلية.
إن أية قراءة استراتيجية تركز على زمن
محدود تكون قراءة ناقصة ودائما توصل إلى استنتاجات ونتائج خاطئة فعلى سبيل المثال إذا
قرأنا ما جرى ويجري في غزة انطلاقاً من السابع من تشرين أول وفصله عما سبق دون
النظر إليه على أنه حدث في سياق طويل بمعنى هل سرّع في حركة الأحداث وشكل انعطافاً
فيها أم أنه أدى إلى حالة تباطؤ في سير الأحداث فكل حدث عبر المسار يقوم بدور سلبي
أو إيجابي في شكل وطبيعة النتائج وبالتالي فإن أي قراءة استراتيجية تعتمد بشكل أساسي
على موازين القوى الفاعلة في الحدث واستطالاته فلحظة تغير موازين القوى هي النقطة
التي يجب الانطلاق منها للحدث الذي يعنيك وهذا حالنا في معركة طوفان الاقصى التي
كسرت صورة العدو وجبروته في وعينا الجمعي ما يمهد لمسار جديد وصورة جديدة لوعي
استراتيجي لذاتنا العربية وتغيير جوهري في صورة العدو لدينا وإذا قرأنا ما حدث في
السابع من تشرين الأول وفق تلك الرؤية -أي موازين القوى والسياق العام- يمكن أن
ننطلق من عام 1917م ووعد بلفور كنقطة بداية أي انهيار الدولة العثمانية وسيطرة
القوى الاستعمارية على المنطقة العربية وحصول توازن قوى جديد عنوانه فرنسا
وبريطانيا.
النقطة الثانية أن القوة العظمى لا تبقى
قوة عظمى، فهذه دورة مسؤول عنها الإنسان فالتاريخ شهد قوى عظمى ولكنها لم تستمر
الروم الفرس العرب والأتراك الأوروبيون الروس الأميركان ونقطة بداية النهاية في
الشعور بالعظمة واستصغار الاخرين عندها يبدأ من يشعر بضعفه بتعزيز قوته، أما من
يعتقد بفائض قوته فسيقتله الغرور عند أول ضربة قاتلة يتلقاها من كان يعتقد أنه على
درجة من الضعف وعدم امتلاك إرادة أن يجرؤ علي ضربه ومواجهته وهذا ما ينطبق تماماً على
ما حدث ويحدث في معركة طوفان الأقصى مع العدو الصهيوني المغرور والمعتد بجبروته وقوته
وصلفه فإسرائيل ضربت في اللحظة والزمن الذي اعتقدت فيه أنها في غاية التمكن قوة
عسكرية واقتصادية وعلمية وتطبيع وتحالفات وحكومة يمينية لا تخفي مشروعها في
استيطان كامل فلسطين وتهويد كامل فلسطين وهدم المسجد الاقصى وبناء الهيكل المزعوم
و لعلها الضربة التي أخرجت من مخبئه كل ما فيه من حقد وإجرام ولا عقلانية وهستيريا
أفقدته صوابه وعرته على حقيقته أمام العالم، فالقدرة على كشف عيوب الخصم هو نجاح إستراتيجي
في الإطار العام سيما في إطار ما شهده الرأي العام العالمي من تحول في الصورة في
غير صالح العدو.
إن حالة الغرور التي تصيب بعض الحكام
والدول هي اللحظة القاتلة وهذا ما حدث لنابليون في روسيا والنمسا ومع أميركا في
فييتنام وكوريا ومع فرنسا في الجزائر وهي ما تجري مع قادة الكيان الصهيوني وشعورهم
بغرور القوة والخداع الذاتي وازدراء الآخر وخطابهم المرتفع من احتلال غزة إلى
اجتثاث المقاومة إلى تهجير سكان غزة وتأديبهم واستعادة المختطفين نراهم بدأوا
بالتراجع وسقوط خطابهم التصعيدي والقبول بالهدنة وتبادل المختطفين والأسرى
والمساجين وربما قبول وقف إطلاق دائم كل هذا يجعلنا نقرأ ما جرى ويجري قراءة
استراتيجية لتشكيل وعي جديد يبنى علي قاعدة أن ما جرى في السابع من تشرين الأول
سياق في صراع مستمر منذ أكثر من مائة عام وأنه لحظة فارقة في تحول بنيوي في الصراع سيشكل إن استثمر بشكل صحيح عبر موقف
عربي داعم وصادق إلى تحول في خريطة المنطقة لصالح العرب ومحيطهم لم يحصل منذ عدة
قرون.
الحديث عن القدس المحتلة يقتضي الوقوف على
قضيتين بالغتين الأهمية؛ الأولى عند احتلال شطريها عام 1967م فقد كانت السنوات
السبعة والخمسين بالغة الصعوبة حيث لم يوفر الاحتلال فرصة لتهويد المدينة وطمس
معالمها. في إطار سعيه لجعلها عاصمته المزعومة وصولاً إلى ما يتعرض له المسجد
الأقصى المبارك بشكل خاص والمقدسات في المدينة بشكل عام. أما القضية الثانية فهي
إرادة الصمود والمقاومة لدى المقدسيين الذين لم ينل تغول الاحتلال من عزيمتهم ولم
تنجح محاولات أذرعه الاستيطانية في إغراقهم بالوعود والأموال وهذا ما شكل أحد
عوامل القوة في محاولات الاحتلال تهويد المدينة ويتجلى ذلك بالأرقام.
عملت سلطات الاحتلال منذ احتلال القدس على
تغيير الواقع الديموغرافي في المدينة لصالح اليهود من خلال هدم المنازل وسحب
الهويات وإضعاف المجتمع المقدسي لدفع الفلسطينيين للخروج من المدينة ورغم هذه
الإجراءات بقي الوجود
الديموغرافي الفلسطيني في القدس يشكل معضلة تترصد الاحتلال حتى وصفتها بعض
مستوياته بأنها قنبلة ديموغرافية باتت معها القدس المحتلة مدينة طاردة للمستوطنين
رغم التسهيلات الضخمة التي توفرها سلطات الاحتلال لهم التي لم تحل دون هجرتهم
المستمرة. ليشهد عام 2023م زيادة في عدد المستوطنين المهاجرين من القدس خاصة ومن
الأراضي الفلسطينية المحتلة عامة حيث كشفت مصادر عبرية أن 470 ألف مستوطن غادروا
الأراضي المحتلة منذ 7/10/2023م، وتُظهر البيانات انخفاضاً كبيراً في عدد
المهاجرين الصهاينة إلى فلسطين بلغ نحو %50 مقارنة مع بداية عام2023م. بينما استمر
النمو السكاني للفلسطينيين في القدس المحتلة والضفة الغربية ليصل -وفق التقديرات
الأخيرة- إلى ما يقارب 5 ملايين فلسطيني ما يعني أن سياسات الاحتلال وخططه لتحويل
القدس عاصمة لدولته لا يسكنها إلا المستوطنون، قد باءت بالفشل، رغم استنزاف
المواجهات والحروب التي يشنها العدو الصهيوني على الأراضي المحتلة لأعداد كبيرة من
الفلسطينيين الذين قضوا في المواجهات والعمليات الاستشهادية وخلف القضبان.
وقد بلغ عدد
الشهداء في فلسطين مع بداية عام 2023م (22,404) شهيداً، منهم (22,141) شهيداً منذ
السابع من أكتوبر 2023، 98% منهم في قطاع غزه، منهم نحو 9,000 طفل و6,450 امرأة،
في حين بلغ عدد الشهداء في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر 319 شهيداً، منهم
111 طفلا و4 نساء.
وسبق وأعقب تنفيذ المشروع الصهيوني
بالاستيلاء على فلسطين وتشريد شعبها سلسلة من المشاريع والمؤامرات التي شارك بها
وأسهم في التخطيط لها حلفاء الصهيونية وداعموها من اللاعبين الكبار؛ الذين قاموا
باستخدام نفوذهم وتأثيرهم القوي في السياسة الدولية لإسباغ المشروعية الدولية على
الكيان الصهيوني الذي لم يقم على أرض فلسطين بقوة السلاح فقط، وإنما بمؤامرة
سياسية وإعلامية مدبرة حينما تداعت هيئة الأمم المتحدة إلى تقسيم فلسطين في قرارها
الشهير رقم ١٨١ الصادر في تشرين الثاني عام ١٩٤٧م تمهيداً لولادة "دولة
إسرائيل" من رحم عصابات الإجرام والإرهاب الصهيوني وبانتهاك صارخ لميثاق
المنظمة الدولية نفسها ولأهدافها السامية، ورغم مرور ستة وسبعين عاماً على احتلال
فلسطين ما زال العدو الصهيوني ماضياً في غيّه واستكباره تنفيذاً لمشروعه الإحلالي
التوسعي لاستيطان الأرض وتهجير أهلها بل إبادتهم، وهذا ما تشهد عليه معركة طوفان
الأقصى التي غيرت قوانين اللعبة وقلبت المعادلة لصالح المقاومة التي باتت تمتلك
زمام المبادرة وصنع القرار، ولعل المتتبع لمسار عمليات التهويد وحملات المداهمة
والاعتقال والاعتداءات المتكررة على الأوابد و المعالم المسيحية والإسلامية في
الأراضي الفلسطينية المحتلة واستهداف التراث الثقافي والإنساني لفلسطين يستطيع أن
يقف عند الملاحظات التالية وبالأرقام ليتبين أن لا حدود للمشروع الصهيوني التهويدي
ولا قوانين رادعة تقف في وجه جبروته وجشعه.
1-
على
مستوى الاقتحامات وتهويد المسجد الأقصى:
شهد
عام 2023م انخفاضاً يسيراً في عدد مقتحمي المسجد الأقصى المبارك، مقارنة مع العام
الماضي 2022م؛ إذ بلغ عدد المقتحمين من المستوطنين اليهود 48223 مقتحماً حسب دائرة
الأوقاف الإسلامية في القدس، ويعود سبب هذا الانخفاض بدء معركة طوفان الأقصى في 7
تشرين الأول 2023م. فيما أصدرت سلطات الاحتلال 1105 قرارات إبعاد عن مدينة القدس
والبلدة القديمة والمسجد الأقصى والضفة الغربية. ومن القرارات 568 قرار إبعاد عن
البلدة القديمة و412 قرار إبعاد عن المسجد الأقصى و29 قرار عن مدينة القدس.
2-
على
مستوى الاعتقالات:
بلغ عدد حالات
الاعتقال في عام 2023م في القدس 3261 حالة اعتقال؛ بزيادة 9% عن العام الماضي
2022م، من بينها 53 طفلاً و643 فتى و165 من الإناث. وسجل شهر نيسان أعلى معدل
اعتقالات 766 حالة؛ بسبب قمع الاحتلال للمصلين والمعتكفين في المسجد الأقصى في شهر
رمضان، في حين سُجل منذ بداية معركة طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول 987 حالة
اعتقال. ونفذت سلطات الاحتلال 41 حالة اعتقال لطلبة مقدسيين، و23 من الأسرى
المحررين.
3-
على
مستوى الاستيطان:
صدقت
حكومة الاحتلال في العام 2023م على مخططات لبناء نحو 18300 وحدة سكنية استيطانية
في الشطر الشرقي من القدس، وبلغ عدد الوحدات الاستيطانية التي شرع الاحتلال في
بنائها في القدس أكثر من 23000 وحدة؛ ويعد هذا الرقم من أعلى أرقام الوحدات
الاستيطانية،
4-
على
مستوى استهداف الوجود المسيحي في القدس المحتلة
تعرض
المسيحيون والكنائس والمقابر المسيحية في القدس عام 2023م لتصعيد عدواني صهيوني
كبير، وظهر ذلك من خلال اقتحام مستوطنين مسلحين لمجمع الكنيسة الأرثوذكسية في جبل
صهيون وإلقاء الحجارة عليها، وتحطيم تمثال السيدة العذراء داخل كنيسة حبس المسيح،
كما حطموا شواهد قبور وصلبان لأكثر من 30 قبراً في المقبرة البروتستانتية، إضافة
إلى فرض قيود على دخول المسيحيين إلى كنيسة القيامة خلال احتفالات يوم "سبت
النور"، بتحديد أعداد الداخلين إلى الكنيسة وساحاتها بـ1800 شخص فقط.
5-
على
مستوى استهداف الصحفيين
استهدفت
سلطات الاحتلال الصهيوني المؤسسات والطواقم الصحفية في فلسطين في أثناء عملهم
الميداني، وعرقلت وصولهم إلى مكان الحدث لاسيما بعد معركة طوفان الأقصى واعتقلت
عدداً منهم، إذ بلغ عدد الصحفيين الذين استشهدوا في عام 2023م في غزة تحديداً 92
صحفي وصحفية ما يجعل عدد شهداء غزة الصحفيين يقترب من مجموع ضحايا الصحافة حول
العالم في عامي 2022م و2021م، حيث كان عددهم عام 2021م حوالي 55 صحفياً، فيما
ارتفع في العام 2022 إلى 86 صحفياً.
6-
تطور
المقاومة في القدس والمواجهة مع الاحتلال:
شكلت معركة طوفان الأقصى أبرز ما قامت به
المقاومة الفلسطينية في عام 2023م واستطاعت تكبيد الاحتلال خسائر كبيرة فأسفرت
عمليات المقاومة في مجمل الأراضي الفلسطينية عن مقتل أكبر عدد من القتلى الصهاينة
منذ عام 1973م حيث أدت المعركة 7 تشرين الأول إلى مقتل 506 جندي أثناء التوغل
البري الذي قامت به قوات الاحتلال في القطاع إضافة إلى إصابة نحو 2198 جندياً
آخرين ليصل عدد قتلى الاحتلال إلى1147 مستوطناً وجندياً "إسرائيلياً.
وأشارت إحصائيات صادرة من داخل الكيان
الصهيوني عام 2023م إلى استمرار زخم العمليات في القدس والضفة الغربية المحتلتين
وبلوغ مجموع العمليات 2911 عملية، حيث سجلت تصاعداً ملحوظاً في عدد العمليات في
شهر تشرين الأول على إثر انطلاق معركة طوفان الأقصى إذ شهد هذا الشهر 567 عملية من
بينها 78 عملية إطلاق نار و 141 عملية زرع أنابيب متفجرة.
رغم إجراءات الاحتلال سجلت عمليات
المقاومة تصاعداً كبيراً فقد وصلت نحو 14183 عملية في الضفة الغربية والقدس؛ من
بينها 3258 عملية نوعية و1675عملية في القدس المحتلة
7-
على
مستوى التعليم في القدس
شهدت السنوات الماضية استهدافاً متصاعداً
لقطاع التعليم في القدس المحتلة وحرمت سلطات الاحتلال مدراس الشطر الشرقي من مدينة
القدس من التمويل اللازم لمواكبة تزايد أعداد الطلبة المقدسيين خاصة تلك التي
مازالت متمسكة بتدريس المنهاج الفلسطيني في مقابل إغداق ميزانيات هائلة على
المدارس التي تعتمد المناهج التعليمية للاحتلال
تطال أذرع الاحتلال مؤسسات التعليم في القدس؛
فقد شهد عام 2023م إجراءات عدوانية ضد قطاع التعليم، وظهر ذلك بإزالة العلم
الفلسطيني والكوفية عن غلاف كتب المنهاج الفلسطيني، وتعميم بلاغات رسمية لمدارس في
القدس هددت فيها بإلغاء ترخيص المؤسسة التعليمية في حال توزيع المنهاج الذي يحتوي
مضموناً تحريضياً، كما اقتحمت خلال شهري تشرين الأول والثاني مدارس عديدة وفتشت
الطلبة والصفوف.
منذ أن انطلقت ملحمة "طوفان
الأقصى" في السابع من تشرين الأول 2023، وبدأ العدوان الإسرائيلي على قطاع
غزة، كان التدمير الاستراتيجي الممنهج لكل المؤسسات التربوية من مدارس وجامعات
هدفاً مباشراً للعدوان، وتحت عنوان (الحرب المفتوحة على التعليم)، أشارت مؤسسة
الدراسات الفلسطينية إلى أنّ القضاء على مظاهر التعليم في فلسطين، لم يكن خطة
جديدة أو وليدة هذه الحرب، إنما كانت في
أشدّها منذ ما يزيد على العقد، ولا سيما منذ العام 2011، حيث بات التعليم يشكّل
هاجساً خطراً لدى الاحتلال حين بدأ عمليته لتحريف المناهج الفلسطينية المعمول بها
في شرق القدس خاصة، وأخذ في شنّ حملة دعائية ضد المناهج التعليمية الفلسطينية
نفسها، مدّعياً أنها مناهج "إرهابية" تدعو إلى "الكراهية والعداء
للسامية"، وأنها "لا تلتزم قيم التسامح وتقبُّل الآخر". واتّبع
الاحتلال خطته الخمسية التي أعلنها ما بين 2018-2023م لتحقيق هدفه الرئيسي وهو
"أسرلة التعليم بنسبة 90% شرقي القدس".
تؤكد المعطيات السابقة مركزية القدس في
العمل المقاومة وتؤشر إلى تصاعد نوعي في أعداد العمليات في عام 2023م حتى معركة
طوفان الأقصى شهدته القدس والضفة الغربية المحتلتان في المواجهات مع العدو
الصهيوني التي تمتد إلى معظم المناطق الفلسطينية ما شكل رافعة للعمل المقاوم وفرصة
لاختراق صفوف العدو، ومع انسداد الأفق السياسي وتعاظم موجة التطبيع لم يكن أمام
الفلسطينيون في الكفاح المسلح لاسترداد الحقوق وقيادة المرحلة إيماناً منهم أم ما
أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.
*
عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي
|